Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جنون أسعار الطاقة... هل تنتقل الأزمة إلى سوق المعادن؟

صندوق النقد: قطاع "الليثيوم" يقفز 150 في المئة في طلب غير مسبوق على المنتجات

لدى أستراليا احتياطيات من "الليثيوم" و"الكوبالت" و"النيكل" (أ ف ب)

رجح تقرير حديث لصندوق النقد الدولي أن يؤدي التحرك التاريخي للعالم نحو الحد من انبعاثات الكربون إلى تحفيز طلب غير مسبوق على بعض المعادن الأكثر أهمية، المستخدمة في توليد الطاقة المتجددة وتخزينها في صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.

ومن شأن الارتفاع الناتج في أسعار مواد مثل الكوبالت والنيكل أن يجلب فترات ازدهار لبعض الاقتصادات التي تعد من أكبر المصدرين، لكن التكاليف المرتفعة قد تستمر حتى نهاية هذا العقد ويمكن أن تعرقل أو تؤخر تحول الطاقة نفسه.

وشهدت أسعار المعادن الصناعية، وهي أساس مهم للاقتصاد العالمي، ارتفاعاً كبيراً مع استمرار تداعيات فيروس كورونا المستجد وإعادة فتح الاقتصادات. وأشارت أبحاث حديثة للصندوق إلى الآثار المحتملة لتحول الطاقة إلى أسواق المعادن والتأثير الاقتصادي في المنتجين والمستوردين.

على سبيل المثال، يمكن أن يرتفع الليثيوم، وهو المعدن الرئيس المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية، من مستواه في عام 2020 بنحو 6000 دولار للطن المتري إلى نحو 15 ألف دولار في أواخر العقد الحالي، بما يعني زيادة نسبتها 150 في المئة، ويظل مرتفعاً خلال معظم العقد الثالث من القرن الحالي. وستشهد أسعار الكوبالت والنيكل ارتفاعات مماثلة في السنوات المقبلة.

"صفر كربون"

في الوقت نفسه، ينظر الصندوق بشكل خاص إلى الهدف المتمثل في الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية. الأمر الذي يتطلب تحولاً في نظام الطاقة يمكن أن يزيد بشكل كبير من الطلب على المعادن، إذ تتطلب تقنيات منخفضة الانبعاثات، بما في ذلك الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية والهيدروجين واحتجاز الكربون، معادن أكثر من نظيراتها من الوقود الأحفوري.

وذكر صندوق النقد أن التركيز ينصب على أربعة معادن مهمة من بين التنوع المستخدم في التحول. وهي النحاس والنيكل، وهما من المعادن الرئيسة الراسخة التي تم تداولها في البورصات لعقود من الزمن، إضافة إلى الليثيوم والكوبالت اللذين تم تداولهما في البورصات أخيراً فحسب ولكنهما يكتسبان شعبية لكونهما مهمين لانتقال الطاقة.

وأشار الصندوق إلى أن الوتيرة السريعة للتغيير اللازمة لتحقيق الأهداف المناخية، مثل خريطة طريق "Net Zero" التي وضعتها وكالة الطاقة الدولية بحلول عام 2050، تعني ارتفاع الطلب على المعادن في العقد المقبل. وفي ظل السيناريو الطموح لوكالة الطاقة الدولية، يقفز استهلاك الليثيوم والكوبالت بأكثر من ستة أضعاف لتلبية احتياجات البطاريات واستخدامات الطاقة النظيفة الأخرى.

وسيتضاعف استخدام النحاس والنيكل بنحو أربع مرات، على الرغم من أن هذا يشمل تلبية الاحتياجات غير المرتبطة بالطاقة النظيفة.

أسعار المعادن ستصل إلى ذروة تاريخية

وفي حين أن الطلب على المعادن قد يرتفع، فإن العرض عادة ما يتفاعل ببطء مع إشارات التسعير، ويعتمد ذلك جزئياً على الإنتاج. ويأتي النحاس والنيكل والكوبالت من المناجم، التي تتطلب استثمارات مكثفة وتستغرق في المتوسط أكثر من عقد من الاكتشاف إلى الإنتاج، وفقاً لتقرير حديث لوكالة الطاقة الدولية.

وغالباً ما يتم استخراج الليثيوم من الينابيع المعدنية والمحلول الملحي عبر المياه المالحة التي يتم ضخها من تحت الأرض. ويؤدي ذلك إلى تقصير مهل الإنتاج الجديد إلى قرابة خمس سنوات. وتتأثر اتجاهات العرض بابتكار تكنولوجيا الاستخراج وتركيز السوق واللوائح البيئية. ويمكن أن يؤدي الجمع بين الطلب المتزايد والتغيرات البطيئة في العرض إلى تحفيز الأسعار على الارتفاع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الواقع، فإذا كان على التعدين أن يرضي الاستهلاك في ظل سيناريو صافي الصفر لوكالة الطاقة الدولية، فإن التحليل الأخير لصندوق النقد الدولي يوضح أن الأسعار يمكن أن تصل إلى ذروتها التاريخية لفترة زمنية غير مسبوقة، وقد تؤدي هذه التكاليف المرتفعة إلى تأخير انتقال الطاقة نفسه.

وسوف ترتفع أسعار الكوبالت والليثيوم والنيكل مئات عدة في المئة من مستويات عام 2020 وتصل إلى ذروتها في عام 2030. مع ذلك، فإن النحاس ليس في عنق الزجاجة، لأن زيادة الطلب عليه ليست شديدة الارتفاع. وقدر الصندوق أن الأسعار ستبلغ ذروتها كما كانت في عام 2011، على الرغم من أنها سترتفع لفترة أطول.

ويتم تحميل زيادة الطلب في ظل سيناريو صافي الصفر في المقدمة، لأن مكونات الطاقة المتجددة مثل توربينات الرياح أو البطاريات تحتاج إلى معادن مقدماً. ومع ذلك، من ناحية العرض، يتسم رد فعل الإنتاج بالبطء بسبب المهلة الطويلة لفتح المناجم. وفي النهاية فقط يخفف من ضيق السوق بعد عام 2030.

من يتصدر سوق المنتجين في المعادن؟

وفي ظل سيناريو انبعاثات صافية صفرية، فإن الطلب المتزايد على معادن تحول الطاقة الأربعة وحدها سيعزز قيمة إنتاجها بنحو ستة أضعاف إلى 12.9 تريليون دولار على مدى عقدين. ويمكن أن ينافس هذا القيمة المقدرة تقريباً لإنتاج النفط في سيناريو صافي الصفر خلال تلك الفترة. ويمكن أن تؤثر المعادن الأربعة في الاقتصاد من خلال التضخم والتجارة والإنتاج وتوفر مكاسب كبيرة لمنتجي السلع الأساسية.

ويعني العرض المركّز للمعادن أن بعض كبار المنتجين قد يستفيدون، وعادة، تمتلك البلدان ذات الإنتاج الأكبر أكبر الاحتياطيات. ومن المحتمل أن يسيطر كبار المنتجين على هذه السوق خلال الفترة المقبلة. على سبيل المثال، تنتج جمهورية الكونغو الديمقراطية نحو 70 في المئة من إنتاج الكوبالت العالمي، وتمتلك نصف الاحتياطيات، وتشمل قائمة البلدان الأخرى أستراليا لما تحتويه من احتياطيات معدن الليثيوم والكوبالت والنيكل، في وقت تمتلك تشيلي احتياطات ضخمة من النحاس والليثيوم، إلى جانب بيرو وروسيا وإندونيسيا وجنوب أفريقيا.

وفي وقت يمكن أن يؤدي ازدهار المعادن الطويل الأمد إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة، خصوصاً بالنسبة إلى كبار المصدرين، يُقدر أن الارتفاع المستمر بنسبة عشرة في المئة في مؤشر أسعار المعادن التابع لصندوق النقد الدولي، سيضيف ثلثي نقطة مئوية إضافية إلى وتيرة النمو الاقتصادي الذي تشهده البلدان المصدرة للمعادن مقارنة بالدول المستوردة، وسيشهد المصدرون قدراً مماثلاً من التحسن في الأرصدة المالية الحكومية من الإتاوات أو الإيرادات الضريبية.

وذكر صندوق النقد الدولي أن عدم اليقين الذي يحيط بسيناريوهات الطلب هو تحذير مهم، ومن الصعب التنبؤ بالتغير التكنولوجي، وتعتمد سرعة واتجاه انتقال الطاقة على تطور قرارات السياسة، وهذا الغموض ضار لكونه قد يعرقل الاستثمار في التعدين ويزيد من احتمالات أن تؤخر أسعار المعادن المرتفعة انتقال الطاقة.

ويمكن أن تعمل هذه الأسواق بكفاءة مع وضع سياسة مناخية منسقة عالمياً وذات صدقية ومعايير بيئية واجتماعية وحوكمة عالية، مع الحد من الحواجز التجارية والقيود المفروضة على الصادرات. ومن شأن ذلك أن يوجه الاستثمار لتوسيع المعروض من المعادن بشكل كافٍ وتجنب الزيادات غير الضرورية في التكاليف للتقنيات المنخفضة الكربون والمساعدة في انتقال الطاقة النظيفة.

أخيراً، يمكن أن تلعب هيئة دولية ذات ولاية تغطي المعادن تكون مماثلة للوكالة الدولية للطاقة أو منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، دوراً رئيساً في نشر البيانات وتحليلها، ووضع معايير لهذه الصناعة وتعزيز التعاون العالمي لتحقيق أكبر استفادة منها في ظل أزمة الطاقة التي تضرب السوق العالمية في الوقت الحالي.