Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قانون الغذاء الإسرائيلي الجديد ضربة قاصمة لتجار الضفة وغزة

يصدران إلى تل أبيب بين 280 و300 طن يومياً منها خضروات بقيمة 55 مليون دولار

قرابة 300 طن من المنتجات الزراعية تصدر يومياً إلى إسرائيل   (اندبندنت عربية)
 

مع صبيحة كل يوم، ينهمك إبراهيم العمري (60 سنة) بتفقّد جودة منتجاته من الخضروات، ومتابعة تحضيرها وتغليفها بشكل صحي بحسب الشروط والمواصفات، قبيل إرسالها إلى الجانب الإسرائيلي عند حاجز الجلمة (شمال الضفة الغربية)، حيث يلتقي هناك يومياً مئات التجار من الجانبين. لكن مع بداية العام المقبل، سيطرأ تغيير جذري على العلاقة التجارية التي تجمع العمري بنظرائه الإسرائيليين لتصبح أكثر صرامة عما مضى.

فالإدارة المدنية الإسرائيلية أعلنت عبر مكتب الشؤون الزراعية تعديل قانون المنتجات الغذائية والزراعية في إسرائيل، بحيث يشترط القانون الجديد على وجوب تسويق المنتجات الزراعية كافة من يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغزة إلى إسرائيل من قبل مسوّق معتمد ومسجل لدى وزارتي الصحة والزراعة الإسرائيليتين، ومقيم في إسرائيل، إذ يتوجب عليه إدخال المنتجات الواردة من مناطق السلطة الفلسطينية إلى مخزن تبريد، لأخذ عينة منها وإرسالها إلى مختبرات متخصصة، لتخضع إلى اختبار جودة المحصول الزراعي.

شروط صارمة

وعن أهمية القانون الجديد، يقول منسق شؤون الزراعة في الإدارة المدنية الإسرائيلية سمير معدي "بمجرد الانتهاء من الاختبار، وفي حال تبيّن أن المنتجات تفي بالمعايير اللازمة، فإن وزارة الصحة الإسرائيلية تصادق على تسويقها داخل تل أبيب. أما في حال عدم استيفائها المعايير، فيعود قرار إرجاع المنتجات إلى المزارع، أو إتلافها إلى المسوّق الإسرائيلي. لا ندخر جهداً لدعم وتطوير مجال الزراعة في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)".

على الرغم من استياء المزارعين الفلسطينيين وتخوفهم من القانون الجديد، يرجّح العمري، وهو أحد كبار التجار والمصدرين للمحاصيل الزراعية في الضفة الغربية، فشل تطبيق القانون، فقال لنا، "لست خائفاً من هذا القانون، لأن المستهلكين الإسرائيليين والتجار هناك هم من سيعترضون على تنفيذه وليس نحن، فتشديد الرقابة والفحص على المنتجات الزراعية ووضعها في الثلاجات، سيتسبب من دون أدنى شك في رفع مستوى السمّية، وستصل إلى المستهلك الإسرائيلي بعد يومين، ويعني ذلك تكبيد المزارع تكاليف إضافية إلى حين الحصول على نتائج الفحوصات. المستهلك الإسرائيلي اعتاد لأعوام طويلة على الخضار الفلسطينية ذات الجودة العالية، لأنه بعد قطافها من الأرض بساعات قليلة تكون على مائدته. هل يوجد أفضل من ذلك؟".

يُضيف، "نعلم أن هناك اتفاقيات جديدة أبرمت بين إسرائيل ودول الجوار لتبادل زراعي تجاري واسع المستوى في محاولة لصرف النظر عن المنتج الفلسطيني، لكن من يحكم في النهاية هو المستهلك الإسرائيلي وصاحب المطعم ومدير الفندق، الذين بالتأكيد سيفضّلون القرنبيط والملفوف والخيار والكوسا الطازجة على تلك المشحونة بالطائرات من الأردن وأوروبا وغيرها، وستصله بعد يومين أو ثلاثة فاقدة فوائدها الغذائية. اليهود يهتمون بطعامهم بشكل كبير ولن يقبلوا بتلك القوانين التي ستعود عليهم بالخسارة."

تخوفات فلسطينية

في الوقت الذي يبدي متخصصون وخبراء تخوفاتهم من انعكاسات القانون وسلبياته على قطاع الزراعة الفلسطيني الذي يشكل 7 في المئة من الناتج المحلي، لم يصدر من رام الله أي موقف أو تعقيب على القانون الإسرائيلي الجديد، فيما اكتفت وزارة الزراعة الفلسطينية في رام الله بالتصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "القرار مرفوض لأنه من جانب واحد"، أما وزارة الزراعة في قطاع غزة، فأعلنت من جانبها أن "القانون يفرض مزيداً من التعقيدات والاشتراطات الخاصة بتصدير المنتجات الزراعية من غزة، ويشكل صفعة أخرى لكل الاتفاقيات التي أُبرمت من قبل السلطة الفلسطينية مع إسرائيل، التي تنص على استقلالية حق التسويق بين المحافظات الفلسطينية".

 اتحاد جمعيات المزارعين في فلسطين حذر من خطورة القرار وتبعاته، مطالباً بضرورة أن تلوّح السلطة الفلسطينية بوقف الاستيراد من إسرائيل إذا ما تم فعلياً تطبيق القرار بداية العام المقبل 2022".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول الرئيس التنفيذي للاتحاد عباس ملحم في حديث خاص، "لا يمكن النظر إلى هذا القانون بعين البراءة تحت حجة معايير السلامة الصحية في الغذاء، فهو هجوم على القطاع الزراعي الفلسطيني لتخريب المشاريع وضربها، فالقرار سيتسبب في عزوف المزارعين الفلسطينيين عن مهنة الزراعة لأنها ستصبح مكلفة وغير مجدية، فالقانون المعدل يتطلب منهم دفع تكاليف مخازن التبريد، وتحمّل مصاريف فحص السمّية وتكبّد الخسائر إذا لم يتجاوز المنتج الفحص".

وشدد على أنه "يجب أن يكون هناك تراجع فوري عن القرار وممارسة ضغط سياسي حكومي لحفظ الأمن الغذائي. هناك ضعف في التمويل الموجه لتطوير قدرات هذا القطاع وحمايته، إذ لم تتجاوز الموازنة المخصصة للقطاع الزراعي في الموازنات الحكومية السنوية أكثر من 5 في المئة، وفي بعض الأعوام وصلت إلى 1 في المئة، وهنا تبرز الحاجة لسياسات وقوانين وإجراءات تُسهم في حماية القطاع الذي أصبحت تل أبيب تستخدمه لضرب الاقتصاد الفلسطيني لعلمها المسبق أن المزارعين الفلسطينيين يصدرون أكثر من 80 في المئة من منتجاتهم من الخضروات للسوق الإسرائيلية، بالتالي فإن ضرب هذا القطاع من خلال هذا القانون الصارم سيدمّر مئات آلاف العائلات الفلسطينية، التي تعتاش من التصدير داخل إسرائيل".

تبعية اقتصادية

أرقام وبيانات وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطيني لعام 2018، تقول إن "كمية المنتجات الزراعية التي تُصدّر من الضفة الغربية إلى إسرائيل يومياً تتراوح بين 280 و300 طن، منها خضروات بما يعادل 55 مليون دولار، ويُعتبر الخيار المنتج الزراعي الأكثر تصديراً لإسرائيل بقيمة 29 مليون دولار". ووفقاً لوزارة الزراعة الفلسطينية، فإن "قيمة التصدير الزراعي الفلسطيني إلى إسرائيل تبلغ سنوياً نحو 300 مليون دولار، أما حجم الاستيراد الزراعي منها، فيصل إلى مليار و200 مليون دولار".

وبلغت قيمة الفواكه والخضار الإسرائيلية، التي تصل إلى السوق الفلسطينية 300 مليون دولار. وتتخطى الواردات الفلسطينية الكلية من إسرائيل حاجز 3.6 مليار دولار، فيما لم تتجاوز الصادرات الفلسطينية كافة للاتجاه ذاته 967 مليون دولار.

ودعا مراقبون ومحللون الحكومة الفلسطينية مرات عدة إلى وضع استراتيجية واضحة للتشغيل تقوم على خلق فرص عمل داخل الاقتصاد الفلسطيني، بما يضمن مراجعة شاملة وعميقة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية العامة باتجاه إصلاحها، وإعادة الاعتبار والاهتمام بتنشيط القطاعات الإنتاجية الحيوية كالسياحة والصناعة والزراعة.

يوضح الخبير في الشأن الاقتصادي نصر عبد الكريم، "نتحدث عن دولة واستقلال لكن خياراتنا الاقتصادية ذهبت في اتجاه مخالف، وطموحاتنا السياسية تسير بشكل معاكس لسياساتنا الاقتصادية، وعلى الحكومة الفلسطينية ألا تلحق الضرر بقطاع المزارعين من خلال توفير آليات وسبل حماية، فهم حماة الأرض من الاستيطان، ويجب أن تضع خطة محكمة للانفكاك الاقتصادي تدريجاً، فالصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل تشكل ستة في المئة من المنتج المحلي الفلسطيني، في حين بلغت قيمة الاستيراد من إسرائيل سنوياً خمسة مليارات دولار، ما يعني أن بإمكان تل أبيب بكل بساطة إيجاد بديل للمنتجات الفلسطينية من دول أخرى، من دون تكبّد خسائر فادحة".

يتابع، "إسرائيل لديها إمكانات أعلى وأفضل من الفلسطينيين في إدارة الأزمات وتكاليفها، وتملك طاقة تخزينية وقدرة عالية لاستخدامها في الإنتاج، وبإمكانها استيراد الخضروات من شمال الأردن وتركيا ومصر وأوروبا، ولديها مقدرة لتعويض المزارعين الإسرائيليين عن خسائرهم، لذا فخياراتهم أفضل وحجم الضرر يمكنهم استيعابه."

اتفاقيات نوعية

في منتصف أغسطس (آب) الماضي، وقّعت الحكومتان الإسرائيلية والأردنية، اتفاقاً خاصاً لاستيراد منتجات زراعية أردنية، وتنويع مصادر الاستيراد وسد حاجات السكان خلال سنة الشميتا (سنة تبوير الأرض، تُمنع الزراعة مرة كل سبع سنوات وفقاً للشريعة اليهودية)، التي بدأت من سبتمبر (أيلول) الماضي، وتستمر حتى نظيره 2022.

 الاتفاق بحسب وزارة الزراعة الأردنية، سيرفع الصادرات الأردنية إلى الجانب الإسرائيلي إلى ما يزيد على 50 ألف طن من الخضار والفواكه، وتشمل الاتفاقية أيضاً الصادرات الحيوانية والنباتية، التي تقدّر بنحو 50 ألف طن.

وعقب الاتفاق، احتج مئات المزارعين الإسرائيليين ضد خطة الحكومة في تل أبيب إلغاء الجمارك المفروضة على المنتجات الغذائية المستوردة إليها، التي ستؤدي إلى تخفيض أسعار الخضروات والفواكه وسائر المنتجات الزراعية الإسرائيلية. ويعتبرها المزارعون بمثابة "ضغط خانق لآلاف العائلات والمرافق الزراعية". وأشارت هيئة المزارعين الإسرائيلية إلى أن "مداجن تابعة لنحو 3500 من مربي البيض في خطر الإغلاق." كذلك أعرب تجار فلسطينيون عن رفضهم للاتفاق الأردني الإسرائيلي، لما له من آثار سلبية، وهم الذين كانوا ينتفعون بشكل كبير من سنة الشميتا بزيادة كميات الخضار إلى إسرائيل.

إصلاحات حكومية

بحسب صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية، تُعتبر أسعار المنتجات الزراعية للمستهلك النهائي في إسرائيل أغلى بضعفين من أسعارها في دول منظمة التعاون الاقتصادي بين عامي 2012 و2020، إذ ارتفعت أسعار الخضار والفاكهة بحوالى 17 في المئة، والسبب هو وجود سلسلة طويلة من المنتفعين.

لذلك تضمنت الموازنة الإسرائيلية الجديدة سلسلة واسعة من الإصلاحات وبرنامجاً واسعاً لتطوير القطاع الزراعي الإسرائيلي، يسمح باستيراد المنتجات الزراعية والحيوانية بما في ذلك البيض ومنتجات الألبان من الخارج. وتهدف هذه الخطوة بحسب الحكومة إلى زيادة القدرة التنافسية وإتاحة مجموعة أوسع من المنتجات للمستهلكين. وتأتي الخطة بحسب وزارة الزراعة الإسرائيلية مع حزمة سخية من المنح الحكومية لتطوير المزارع والبنية التحتية، بما في ذلك إعفاءات ضريبية جديدة لتشجيع الاستثمار التجاري في قطاع الزراعة، إذ أعلنت الوزارة استثمار قرابة 5 ملايين دولار في تكنولوجيات زراعية وميكنة حديثة بهدف رفع الإنتاجية ودعم القطاع في إسرائيل التي ستقتصد في القوى البشرية.

بحسب الموقع الرسمي لوزارة الزراعة الإسرائيلية، يقول عوديد فورير، وزير الزراعة والتطوير القروي، "هذا البرنامج جزء من الثورة التي تشهدها الزراعة الإسرائيلية التي تضع المزارع في المركز، عبر استثمار المليارات في إدخال تكنولوجيات متقدمة. بهذه الطريقة، ندفع الزراعة إلى الواجهة التكنولوجية الحديثة، نقتصد في الموارد للمزارع، ونمنحه إمكانية تكبير الإنتاجية والمدخولات".

ثورة زراعية

يُضاف هذا الدعم إلى سلسلة عمليات أخرى نشرتها وزارة الزراعة الإسرائيلية في الشهرين الأخيرين، تهدف إلى إثراء "صندوق الأدوات" والموازنات لصالح المزارع، بمبلغ يزيد على نحو 22 مليون دولار، من أجل تعزيز ترسيخ الحداثة.

نعاماه كاوفمان، المديرة العامة لوزارة الزراعة والتطوير القروي تقول، "الحداثة هي الحل لاستيفاء الإمكانات الزراعية في إسرائيل. ثبت حقاً أنه عبر الحداثة التكنولوجية، يمكن رفع الإنتاجية والوصول إلى إنجازات غير مسبوقة. الحلول الموجودة اليوم تتيح للمزارع تربية المحصول لكل دونم بأدوات كثيراً ما تكون متواضعةً. سنشارك معه في شراء هذه الأدوات من أجل المساعدة في تعزيز ربحه واستيفاء الأراضي الزراعية في إسرائيل".