Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أربع معارك في "جمهوريات" الشارع والسلطة والمال والسلاح

"85 في المئة من اللبنانيين لا يثقون بسياسييهم لكنهم مستعدون لانتخابهم من جديد"

متقاعدون من الجيش اللبناني يتظاهرون في وسط العاصمة اللبنانية بيروت في 10 مايو (أ.ف.ب)

يغرق لبنان في أربع معارك أساسية لا أحد يعرف كيف يخرج منها. واحدة أكبر من قدرته، مرتبطة بالصراع الجيوسياسي الدائر في المنطقة. وثانية، أكبر من رغبته، وهي السعي إلى عودة النازحين السوريين إلى بلادهم. وثالثة أبعد من إرادته، تتعلق بضمان حقوقه في الثروة النفطية والغازية المكتشفة على شواطئ البحر المتوسط. ورابعة أصغر من حاجته، هي معركة الإصلاحات المالية والاقتصادية والإدارية التي ميدانها حالياً موازنة العام 2019.

المعركة الأولى، هي حماية موقع لبنان على خريطة المواجهة بين أميركا وإيران وحلفاء كل منهما. وهي مواجهة تتداخل فيها عوامل محلية وإقليمية ودولية في حرب سوريا. وتُدار من ضمنها حسابات "صفقة القرن" في الصراع العربي- الإسرائيلي. ولكل منها انعكاس على حاضر لبنان ومستقبله. فنحن في لبنان جزء من مسرح العمليات في المواجهة.

وإذا كانت السياسة الرسمية للحكومة هي "النأي بالنفس"، فإن السؤال هو عما سيفعله "حزب الله"، في حال قرّرت طهران تطوير ردّها على الحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة ضدها، بحرب بالوكالة على المصالح الأميركية. وهذا ما حذّرنا منه الرجل الذي طلبنا وساطته لترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل، مساعد وزير الخارجية الأميركي بالوكالة لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد. إذ قال في محضر لقاء رسمي إن "التزام حزب الله مع إيران والحرس الثوري يجعل لبنان في مهب رياح قاسم سليماني، ويعرّض الحكومة لخسارة الدعم المحدود في المجتمع الدولي".

أما المعركة الثانية، فدارت بين مَن يريد التنسيق مع دمشق ومَن يربط عودة اللاجئين بجهود الأمم المتحدة، ثم جرى التسليم بالرهان على المبادرة الروسية. لكن نتائج التنسيق مع دمشق محدودة، والأمم المتحدة تربط العودة بالتسوية السياسية في سوريا وضمان شروط العودة الآمنة. واصطدم لبنان الراغب في عودة اللاجئين من دون ربطها بالتسوية السياسية، بواقع أن المبادرة الروسية تفرملت بإرادة دولية صلبة، وبقيت حبراً على ورق. إذ إن واشنطن تضغط على كل الأطراف لمنع العودة قبل التسوية السياسية، ومنع الانفتاح ثنائياً وضمن إطار الجامعة العربية على النظام السوري. لا بل إن التقييم الأميركي المبادرة الروسية، هو، كما قال ساترفيلد لوفد لبناني إن "الولايات المتحدة ناقشت مع الروس والشركاء الدوليين مسألة العودة". وخلاصة الموقف هي، " أن روسيا أنقذت النظام ولديها الكثير من النفوذ عليه، لكنها اختارت ألا تستخدم هذا النفوذ لممارسة مزيد من الضغوط علينا وعليكم ومن خلالكم على الأوروبيين المتخوّفين من انتقال اللاجئين إلى أوروبا، ولتمرير الأجندة السياسية الروسية في المنطقة".

المعركة الثالثة، تتعلق بترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل وسوريا والاتفاق مع قبرص. الحركة الجديدة فيها تمثلت بوحدة الموقف اللبناني، ثم بدأ ساترفيلد "ديبلوماسية الملوك" بين بيروت وتل أبيب. والنتائج حتى الآن إيجابية، كما قيل. ولا أحد يجهل لماذا بقي ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا مفتوحاً بلا حل.

والمعركة الرابعة هي، التي يملك عناصرها المسؤولون اللبنانيون. فالمعادلة واضحة ومكرّرة: على لبنان أن يساعد نفسه لكي يساعده الآخرون. وتكرّست تلك المعادلة في مؤتمر "سيدر" حيث تعهّدت الدول والمنظمات المانحة بدفع استثمارات في لبنان قيمتها الأولية 11 مليار دولار. والتزم لبنان إجراء إصلاحات مالية واقتصادية وإدارية لئلا يأكل الهدر والفساد والسطو على المال العام، كل الاستثمارات الموعودة. وتلك هي المشكلة، حين يجب أن تكون الحل. فاللبنانيون في ورطةٍ كبيرة. وأخطر ما فيها أن الذين يلعبون دور إخراجنا منها هم، مع استثناءات محددة، من صانعي الورطة. ذلك أن أهل المحاصصة الطائفية والمذهبية ليسوا راغبين، ولا قادرين لو رغبوا، في إجراء إصلاحات جذرية على النظام المالي وفي طليعته السياسة الضريبية، وعلى نظام الاقتصاد الريعي. ولن يمسوا مصالح الأقوياء والأثرياء لأنها مصالحهم هم أيضاً. وهكذا بحثوا في موازنة التقشف عن "فلس الأرملة" وبعض مظاهر الهدر الفاقعة. والقليل الجيد الذي ظهر أثار موجات لا تنتهي من الإضرابات حين نزل الجميع إلى الشارع ولكن "بالمفرق". والنتيجة موازنة، أغضبت الشارع من دون أن تُرضي الدول المانحة وتحقق المصلحة اللبنانية.

والسؤال هو: إذا كان كل هؤلاء ضد الموازنة وينتقدون المسؤولين الذين يتقاتلون عليها، فمَن مع السلطة التي تضمّ "الجميع"؟ وإلى أي حد يمكن الحديث عن انقسام بين "جمهورية الشارع" و"جمهورية" المال والسلطة و"جمهورية السلاح" ؟ وأي معنى لخفض الأرقام في الموازنة، ما دمنا متأخرين خمسة أشهر حتى الآن في إقرارها، وما دام الانفاق تم منذ يناير (كانون الثاني) على القاعدة الإثني عشرية؟

الخفض الذي لا يزال نظرياً ليس ضمن رؤية اقتصادية، بل هو مجرد "هندسات" حسابية. حتى القانون الذي صدر في العام 2017 ومنع "جميع حالات التوظيف والتعاقد"، لم يمنع من إضافة 10 آلاف موظف إلى 350 ألفاً آخرين في القطاع العام، وهو عدد مرتفع جداً بالنسبة إلى بلد بحجم لبنان.

وللمفارقة، لو وصلنا إلى موازنة يشكل العجز فيها 7 في المئة‏ من الدين العام، فإننا لا نزال في المرحلة التي أشار إليها تقرير المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، وهي "ضبط مالي فوريّ وكبير لتحسين القدرة على خدمة الدين العام"، لا على بداية الإيفاء به.

والمفارقة الأكبر هي، أن استطلاع "الدولية للمعلومات" كشف أن "85 في المئة من اللبنانيين لا يثقون بسياسييهم، لكنهم عملياً انتخبوهم، ومستعدون لانتخابهم من جديد".

المزيد من آراء