Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا هاجمت بيئة "حزب الله" الحاضنة الفنان حسين قاووق؟

لديه حساسية عالية لمنتقديه فهم بالنسبة إليه خونة خارجون عن الاجتماع العام الذي ولدوا وترعرعوا فيه

الهجوم على حسين قاووق الشيعي اللبناني الخارج من بيئة "حزب الله" ليس الأول (مواقع التواصل الاجتماعي)

ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها فنان كوميدي لبناني كحسين قاووق لهجوم من البيئة الحاضنة لـ"حزب الله" بسبب تعديه "الخطوط الحمراء" التي ترسمها هذه البيئة بناء على "فائض القوة" الذي تعيشه وتكرسه. والخطوط الحمراء هي: عموماً الأمين العام للحزب، ونائبه، والمسؤولون الإيرانيون الرئيسون، وسياسات الحزب وقراراته وطريقة إدارته للأزمات التي يعيشها اللبنانيون جميعاً والطائفة الشيعية منهم، بسبب الحزب المباشر، أو بسببه أيضاً ولو غير المباشر في دفاعه وحمايته للمنظومة الحاكمة، وليس أدل على ذلك محاربته لحراك "17 تشرين" الرافض كل المنظومة السياسية منذ انطلاقة الحراك، وهذه المحاربة كانت كلامية أولاً على لسان الأمين العام، ثم تحولت ميدانية بالسلاح الأبيض وبالأسلحة النارية أيضاً.

انخفاض الخط الأحمر

في ما مضى تعرض المسرحي والمخرج شربل خليل لهجوم لاذع، وسارت تظاهرات في شوارع بيروت، وتم حرق الإطارات على طريق المطار الدولي بسبب استخدامه في برنامجه القديم "كاريكاتور" لدمية تمثل الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وكانت تلك المرة الأولى التي يتعرض فيها للسخرية في البرامج الكوميدية السياسية على التلفزيونات اللبنانية، وكانت الأخيرة أيضاً. فقد تمكن جمهور البيئة الحاضنة الذي يسيره الحزب نفسه من فرض رأيه، ومنع تكرار مثل هذا الأمر، هذا قبل أن يصبح شربل خليل "العوني" والمنتمي إلى "التيار الوطني الحر" حليفاً لـ"حزب الله" ومدافعاً عنه بشراسة.

لكن الهجوم هذه المرة على حسين قاووق يختلف في أمرين، أولاً في طريقة الهجوم، وثانياً في سبب هذا الهجوم الذي يمكن وصفه بالدموي، بسبب مطالبة كثيرين من مهاجميه ضربه وسحله و"تربيته"، أي إسكاته. فالهجوم هذه المرة قادته صحيفة "الأخبار" اللبنانية المؤيدة لـ"حزب الله"، ثم تولاه الجيش الإلكتروني للحزب من بعد مقالة "الأخبار" على الرغم من أن البرنامج كان قد تم عرضه على شاشة التلفزيون قبل أسبوع من المقالة، ولم يكن قد أثار أي امتعاض لدى البيئة، وعلى الرغم من أن فيديوهات حسين قاووق تملأ محركات البحث في شبكة الإنترنت وفيها من النقد والسخرية أكثر بكثير من المقطع سبب المشكلة.

إذاً يتلقى "الجيش الإلكتروني" للحزب الأمر بالهجوم عبر مقالة، وهو يسمى بهذا الاسم لشدة تنظيمه وقدرته السريعة على الهجوم الكثيف على أي مادة موجودة على مواقع التواصل الإنترنيتية، إلى أن يتمكن من منع عرضها نهائياً نتيجة الكم الهائل من التقارير التي ترسل إلى الشركة الأم لطلب إزالتها.

جروح كثيرة

أما سبب هذا الهجوم، فهو أيضاً مختلف، بسبب خفض سقف "الخط الأحمر" المرسوم، فهذا كان سابقاً يتناول قدسية قادة الحزب سواء لأنهم رجال دين أو لأنهم "رجال المقاومة" التي أريد لها في فترات كثيرة أن تكون "مقدسة" أو عصية على النقد أو خارج إطار النقد العام، أما في الهجوم الحالي على الكوميدي حسين قاووق فسببه السخرية من البيئة الحاضنة التي تربى وترعرع فيها الفنان قاووق، أي في مناطقها وداخل اجتماعها متشرباً ثقافتها وعارفاً خباياها، أي قادراً على الفصل بين ما يذاع عنها في الإعلام أو في خطابات حسن نصر الله الذي يقدس هذه البيئة الحاضنة، ويذكرها دائماً في خطاباته على أنها "أشرف الناس"، مميزاً إياها عن سائر اللبنانيين.

أراد مهاجمو حسين قاووق رسم خط أحمر منخفضاً له ولغيره طبعاً ممن تسول له نفسه السير في طريقه، أي ليس الاعتراض على سخريته من القادة والسياسيين للحزب، بل وعلى البيئة الحاضنة نفسها، أي الجماعة الدائرة مباشرة في فلك الحزب، والتي باتت جزءاً منه كوجهين لعملة واحدة في هذه الآونة من الانقسام اللبناني السياسي والطائفي. وعلى الرغم من أن طريقة قاووق بالسخرية أو بعرض موضوعه لا تخرج عن التهذيب المتوافق عليه عموماً، ولا تتعدى أي نوع من المحرمات الأخلاقية أو السياسية، فإنه وبسبب معرفته الشديدة بهذه البيئة تمكن على بساطته من وضع إصبعه على جروح كثيرة موجودة داخل هذه البيئة ولكنها لا تخرج إلى العلن. بل ولم يقل جديداً إلا بكونه خرج على شاشة التلفزيون وفي مواقع الإنترنت، بينما ما يقوله ويشيعه بطرقه الكوميدية هو نفسه ما يتداوله ويقوله الناس داخل البيئة نفسها، ولكنه لا يخرج منها إلى الفضاء اللبناني العام.

البيئة الحاضنة والقوة الفائضة

اجتماع البيئة الحاضنة الضيقة أو الموسعة مثله مثل سائر اللبنانيين عنده كثير من الانتقادات على سياسات الحزب في الساحة اللبنانية في كل الملفات، سواء من الحرب في سوريا أو من انفجار المرفأ أو من الاغتيالات المتنقلة أو من تشكيل الحكومات المتباطئ والمركب بحسب الحاجات الإقليمية والأدوار التي يلعبها الحزب فيها، وكذلك في إدارته الضائقة المعيشية والاقتصادية التي يعيشها قسم كبير من الطائفة الشيعية التي قد لا يكون ناسها من البيئة الحاضنة المباشرة للحزب، ولكنهم جزء من الاجتماع الشيعي العام وهم أقارب وأصدقاء البيئة الحاضنة المباشرة، ويعانون ما يعانيه سائر اللبنانيين جراء الأزمات الكثيرة والمتناسلة التي يمر بها لبنان على كل الصعد والتي اتفق اللبنانيون على تسميتها "الانهيار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لنأخذ على سبيل المثال "الشرارة" التي أشعلت اللهيب في الهجوم على حسين قاووق، في "الإسكتش" الكوميدي، يكون رئيس المافيا قد طلب من القاووق أن يقتل له من كل حزب لبناني شخصاً، فقتلهم له. وحين سأل رئيس المافيا عن كيفية قتله لكل واحد منهم، وهو قتل معنوي أي كلامي في "الإسكتش" وليس قتلاً بواسطة السلاح، يأتي دور عنصر "الحزب" أي "حزب الله"، فيقول القاووق لرئيس المافيا، أطلقت عليه النار فلم يمت لأنه مدرع، ثم قلت له إننا معك في المقاومة، ولكن ضدك في السياسة الداخلية، فلم يتأثر، فقلت له، إن الدولار عاد إلى وضعه الأول أي بات يساوي 1500 ليرة لبنانية، فمات "سكتة قلبية".

أسرار الداخل إلى الخارج

الجمل الثلاث الواردة في المقطع المصور هي التي ضربت على الوتر الحساس لدى البيئة الحاضنة؟

أولاً، أن عنصر "حزب الله" مسلح ومدرع، فلا يمكن قتله كما تم قتل الباقين من عناصر الأحزاب في "الإسكتش"، ثم إن هذا العنصر لا يعنيه ما هو الخلاف السياسي بينه وبين سائر اللبنانيين سواء حول المقاومة أو حول السياسات الداخلية التي يلعبها الحزب بحسب الدور الموكول له إيرانياً في لبنان كرأس حربة للمشروع الإيراني في شرق المتوسط، ولكن الأهم والأقسى هو موضوع الدولار، فاللبنانيون جميعاً يعلمون أن عناصر الحزب والبيئة الحاضنة المقربة منه يحصلون على رواتبهم بالدولار الأميركي، وهذا ما جعل نمط عيشهم مختلفاً تماماً عما يعانيه سائر اللبنانيين، فهم في بحبوحة ظاهرة في مناطقهم، وتميزهم ليس فقط على سائر اللبنانيين الآخرين بل وعلى أبناء الطائفة الآخرين الذي لا يحصلون على رواتب من الحزب. هذا عدا عن الإشارة إلى مشاركة الحزب بسبب ملايين دولاراته التي توزع شهرياً على عناصر حزبه وبيئته في اللعب بقيمة العملة اللبنانية وسعر صرفها أمام الدولار الأميركي، وخلق سوق سوداء قوية وضخمة لا يتمكن مصرف لبنان بأي طريقة من مضاهاتها وكبح جماحها.

هذه النقطة تحديداً كانت الموضع الذي يفشي فيه حسين قاووق موضوعاً ما زال حتى اليوم خارج الكلام والنقاش والتداول داخل لبنان، وسبب خروج هذا الموضوع من التداول هو أن البيئة الحاضنة قدمت وتقدم نفسها وقدمها أمينها العام غالباً على أنها بيئة مستقلة خاصة تعيش في دولة ضمن الدولة الرسمية، وما يجري فيها لا يعني سائر اللبنانيين بل وممنوع عليهم أن يعنيهم، فقام حسين قاووق وأخرج هذا النوع من الكلام أو النقد من الداخل إلى الخارج، وهنا الطامة الكبرى التي وقعت عليه. فهو ابن هذه البيئة ومن داخلها، وبالتالي خطره عليها أكبر من خطر غيره من المنتمين إلى الطوائف الأخرى، فمنتقد الداخل من الداخل يصنف كخائن أو كعميل، وهذا ما يدلل على الحساسية الفائقة لـ"حزب الله" من النقد من داخل بيئته، كما كانت الحال مع كثر تمت ملاحقتهم أو اغتيالهم أو اتهامهم بالتعامل مع إسرائيل وهي التهمة الجاهزة والسهلة للنيل من أي شخص نفسياً وأخلاقياً واجتماعياً وعبر ملاحقته وسجنه، وليس آخر هؤلاء الباحث والناشط السياسي لقمان سليم الذي كان يعيش ويعمل في داخل الضاحية الجنوبية، معقل أو عاصمة "حزب الله"، ولم يكن أولهم الشيخ حسن مشيمش الخارج معارضاً من الحزب نفسه بعدما كان مستشاراً لأمينه العام السابق صبحي الطفيلي واتهامه بالتعامل مع إسرائيل وسجنه ثلاث سنوات بين السجون اللبنانية والسورية قبل سنوات قليلة، ومنهم الناطق السابق باسم أهالي شهداء المرفأ وهو شيعي لبناني لم يكن يأخذ بأقوال الحزب حول هذه القضية في البداية ويتغافل عنها، بل كان يحمل هذه القضية على "دمه" كما يقال، بسبب شراسته في التعبير ومباشرته في القول، إلى أن خرج فجأة مطالباً بتنحية القاضي طارق البيطار، وهو المطلب الواضح للحزب، بسبب تسييسه القضية بحسب ما يشيع الحزب وأمينه العام دوماً، ما أدى إلى تقسيم أهالي شهداء المرفأ إلى فريقين، واحد يطرح ما يقوله "حزب الله" حول القاضي البيطار الذي يحقق في هذه الجريمة، وقسم آخر بقي على خطابه السابق.

وليست الأمثلة قليلة عن الخارجين بفيديوهاتهم معترضين على الحزب وسياساته وإدارته الأزمة الداخلية في يوم، ومن ثم تقديمهم فيديو اعتذار آخر في اليوم التالي في ما اتفق اللبنانيون على تسميته "ما قبل السحسوح، ما بعد السحسوح"، و"السحسوح" هو الكف الذي يضرب على الرقبة، وهو تعبير عن الذل الذي يتعرض له المضروب به ليتراجع عما قاله أو صرح به.

منع الانتقاد من الداخل

لدى "حزب الله" حساسية عالية لمنتقديه من داخل بيئته، فهؤلاء إذا ما كانوا ينتقدون بيئتهم ومجتمعهم وتطاول الحزب فيها وتعبيره الفاقع عن القوة الفائضة كما كانت الحال في غزوة "الطيونة"، فهم بالتأكيد خونة خارجون عن الاجتماع العام الذي ولدوا وترعرعوا فيه، فيكون الهجوم عليهم وتهديدهم وتثبيط عزيمتهم أولى من غيرهم. وهذا ما جرى تماماً مع حسين قاووق، وما سيجري مع غيره ممن سيقومون بما قام به، طالما أن الحزب يرغب بشدة في الحفاظ على الصورة القدسية لأمينه العام ولقادته في لبنان وإيران، وطالما أنه يريد تكريس فكرة الدولة الحزبية التي تدير الدولة الرسمية، فأي نوع من الخروقات أو الكلام النقدي الذي قد يؤثر في هذه الصورة سيكون ممنوعاً ومحارباً من قبل البيئة الحاضنة إلى أن تتبدل الموازين السياسية في لبنان، والتي يبدو أنها لن تتبدل قريباً بل وهي إلى انحدار أكثر فأكثر وليس آخر انحداراتها قطع دول الخليج العربي شقيقة لبنان المقربة علاقتها معه بسبب "حزب الله" نفسه.

الهجوم على حسين قاووق، الشيعي اللبناني الخارج من بيئة الحزب، ليس الأول ولن يكون الأخير عليه وعلى أمثاله. فضرورات التقديس وإعلاء قيمة القوة الفائضة المكرسة بالسلاح، والحفاظ على الشوكة والعصبية في داخل هذه البيئة، ستحتم على هذه البيئة التنظيمية أو التي تدور حول التنظيم، أن تقوم بهجومات كلما شعرت بتهديد يمزق غلاف تقوقعها الرقيق الذي تعيش داخله.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل