Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دعوات إلى تأسيس جبهة تتصدى لمحاولات تغيير "هوية لبنان"

تضم القوى المعارضة لـ"حزب الله" وتضع رؤية استراتيجية تمهيداً للإصلاح السياسي والمؤسساتي

استدعاء رئيس حزب "القوات اللبنانية" يثير الجدل بسبب عدم استدعاء كل الأطراف المعنية بأحداث الطيونة (رويترز)

تتسارع الأحداث في لبنان، ويبدو أن الأمور بدأت تنزلق باتجاهات غير متوقعة، بعد أحداث الطيونة، التي تصدرت المشهد، وحجبت كل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي سادت البلاد في المرحلة السابقة. وتشهد البلاد تصعيداً سياسياً غير مسبوق، بخاصة بعد إصرار "حزب الله" على عزل المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وقرار المحكمة العسكرية استدعاء رئيس حزب "القوات اللبنانية"، سمير جعجع، للتحقيق، ما يشير إلى مرحلة جديدة من المواجهة عبر القضاء ضد القوى المناهضة للحزب.

وتشير معلومات أمنية إلى أن "حزب الله" الذي واجه انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) بالترهيب والاختراق، "بدأ معركته بمواجهة تحقيقات مرفأ بيروت من خلال تفريغ التحقيقات من مضمونها وتأمين الحماية للمدعى عليهم، ومن ثم استغلال حادثة الطيونة وتحويرها ضد "القوات اللبنانية" للوصول إلى مقايضة على حساب قضية المرفأ"، في حين ترفض مصادر "حزب الله" هذه الاتهامات، وتعتبر الإصرار على عزل بيطار مرتبطاً بتسييسه الملف، في حين تؤكد استقلالية المحكمة العسكرية وعدم تدخل الحزب بالتحقيقات.

وبينما يسعى "حزب الله" بحسب بعض جهات سياسية، لاستغلال تراجع الاهتمام الإقليمي بالوضع اللبناني واستباق الانتخابات النيابية التي استنبط نتائجها من هزيمة القوى الموالية لإيران في العراق، من أجل القضاء على خصومه وجعلهم يرضخون تباعاً لإرادته، لا يزال التساؤل الأبرز حول غياب جبهة سياسية تضم القوى المعارضة للحزب، تضع رؤية استراتيجية لمواجهة "التمدد الإيراني"، بحسب تلك الجهات، في وقت تتفق فيه أحزاب عدة على اعتبار الحزب أداة للسيطرة الإيرانية على لبنان، إلا أن صراعات جانبية تجعلها متناقضة فيما بينها.

وثائق مرجعية

وفي هذا الإطار، يؤكد الأمين العام السابق لتجمع قوى "14 آذار"، فارس سعيد، "ضرورة الدفع باتجاه تحالف عريض للقوى المعارضة للاحتلال الإيراني عبر "حزب الله" يضم أكبر عدد من الأحزاب والتيارات والمستقلين، والاتفاق على خريطة طريق وعناوين سياسية للمرحلة المقبلة، شبيهة بتحالف 14 مارس (آذار) الذي استطاع تحرير لبنان من الاحتلال السوري".

ولفت إلى أن التحالف يجب أن يكون مبنياً على وثائق مرجعية رسمية، تبدأ محلياً باحترام الدستور وتطبيق اتفاق الطائف بكل بنوده، ولا سيما تلك التي لم تطبق بهدف تشويهه، وصولاً إلى استعادة لبنان موقعه العربي، لا سيما أن مقدمة الدستور اللبناني تؤكد انتماء لبنان إلى جامعة الدول العربية، وليس إلى أي محور إقليمي أو دولي آخر، إضافة إلى تطبيق القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، والتي تؤكد حصر السلاح بيد الجيش اللبناني ودعم سيادة لبنان واستقلاله.

ورأى أن هناك عراقيل عدة تعيق تشكيل جبهة سياسية موحدة، لا سيما أن معظم القوى السياسية خرجت عن النصوص المرجعية، وقال، "نتيجة الترهيب الذي يمارسه (حزب الله) وفرضه معادلة التنازل مقابل السلم الأهلي، خضعت بعض القوى، ولا سيما (تيار المستقبل) و(الحزب التقدمي الاشتراكي)، بالتالي ابتعدت نتيجة الابتزاز عن روحية اتفاق الطائف ووجه لبنان العربي".

وحول إمكانية التعاون مع المجموعات التي نشأت على أنقاض انتفاضة 17 أكتوبر، يوضح سعيد أن تلك المجموعات تختلف فيما بينها على الأولويات الرئيسة، "هناك من يعارض الفساد وسوء الإدارة ويحيد النقاش عن سلاح (حزب الله)، وهناك من يتكلم عن الفساد ويربطه بحماية (حزب الله)، وهناك من يرى أن الأولوية مواجهة الاحتلال الإيراني بغض النظر عن سوء الإدارة"، معتبراً أن الأقرب للانضمام إلى جبهة سياسية موحدة هي المجموعة الثالثة، كون الأزمة مرتبطة بشكل صريح بوضع يد إيران على لبنان وبسلاح (حزب الله)".

فتنة واغتيالات

مصادر قيادية في "الحزب التقدمي الاشتراكي" تعتبر أن لبنان بحاجة إلى تسوية سياسية تضمن له مظلة من الاستقرار، لا أن تزيد من تفاقم الأمور وتوترها، مشيرة إلى أن السعي الحالي للحزب ينصب في إعادة تفعيل الحكومة التي كان يعول عليها لفرملة الانهيار الاقتصادي وتأمين شبكة أمان للمواطنين، مشددة على أنه، وعلى الرغم من اعتراض "الحزب الاشتراكي" على ممارسات "حزب الله"، فإن قيام جبهة سياسية قد يعيد مشهد اجتياح بيروت في 7 مايو (أيار) 2008 وما تبعها من اغتيالات سياسية.

في المقابل، تتخوف مصادر في "تيار المستقبل" من أن يؤدي قيام تحالف بوجه "حزب الله" إلى فتنة سنية - شيعية، موضحة أن الظروف الحالية مغايرة لما كانت عليه الأوضاع في عام 2005، فحينها "كانت الجبهة موجهة ضد جيش احتلال أجنبي على الأراضي اللبنانية، في حين أن المواجهة الحالية هي مع مكون داخلي".

ولفتت إلى أن مواجهة "حزب الله" تكون عبر إعادة بناء الدولة وتقوية المؤسسات التي يسعى الحزب لتفكيكها، معتبرة أن نهضة الدولة تسقط تلقائياً مشاريع الهيمنة الإيرانية عبر "حزب الله"، إذ إنه يسعى لإضعاف المؤسسات من أجل السيطرة عليها وتوسيع سطوته على البلاد.

جبهة سيادية

وفي وقت لا تزال فيه مواقف القوى الأساسية التي شكلت سابقاً تحالف 14 مارس (الحزب التقدمي الاشتراكي، والقوات اللبنانية، وتيار المستقبل) في مواجهة الاحتلال السوري عام 2005، متباعدة ومتناقضة، أطلق عدد من الأحزاب والشخصيات المستقلة "الجبهة السيادية"، برعاية ودفع من البطريرك بشارة بطرس الراعي، وتم الاتفاق تحت مظلتها على تشكيل لجان لمتابعة العمل وتوسيع الجبهة لاحقاً لتضم المجموعات السيادية المعارضة من مختلف الطوائف والانتماءات، بهدف إنقاذ لبنان من سطوة "حزب الله" على الدولة.

وضمت الجبهة 18 مجموعة مدنية كانت قد نشطت في التحركات الشعبية التي انطلقت في 17 أكتوبر، بالإضافة إلى حزب "الوطنيين الأحرار"، و"القوات اللبنانية"، و"لقاء سيدة الجبل" و"حراس الأرز". وأصدرت الجبهة وثيقتها السياسية الأولى، تحدثت فيها عن التحضير للإصلاح السياسي والمؤسساتي، وأولوية الإصلاح المالي، واستقلالية القضاء، وضرورة كشف ملابسات تفجير مرفأ بيروت، وتحقيق العدالة.

كما شددت على بندين رئيسين، الأول رفض السلاح الخارج عن سلطة الدولة، والثاني المطالبة بتدويل مسألة التسوية السياسية الداخلية من خلال تنفيذ موجبات الفصل السابع من الشرعية المؤسسة للأمم المتحدة، وذلك من خلال وضع حد للاختلالات التي أدى إليها سلاح "حزب الله" وأي سلاح غير شرعي، واستكمالاً لعمليات تدويل الحلول المالية والاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجية التي تبلورت مع القرارات الدولية 1701 و1680 و1559، واتفاق الهدنة لعام 1949، وترسيم الحدود البرية والبحرية وضبطها على قاعدة المواثيق الدولية الناظمة.

جبهة لتحرير لبنان

ويعتبر معنيون في الشأن السياسي ومحللون أن سياسة العزل والانتقام التي يقوم بها "حزب الله" تجاه حزب "القوات اللبنانية" بدأت تنتج مفعولاً عكسياً من خلال التعاطف الكبير الذي بدا تجاه رئيسها سمير جعجع، إذ إن العديد من المجموعات والقوى المستقلة التي كانت تختلف مع "القوات" في مقاربات سياسية معينة، وضعت خلافها جانباً وأعلنت وقوفها إلى جانب "القوات" في المعركة المستجدة، وتوسعت قاعدة التضامن لتشمل معظم الطوائف والمكونات اللبنانية.

وفي هذا السياق، دعا الوزير السابق أشرف ريفي إلى "مبادرة تجمع كل القوى السيادية لمواجهة مخطط وضع اليد على ما تبقى من مواقع وقوى تقاوم وصاية إيران". وأكد "التضامن مع (القوات اللبنانية)، وإكمال المواجهة يداً بيد للاحتلال الإيراني وأدواته".

ولفت إلى أن المرحلة تتطلب تضافر كل الجهود والتخلي عن الخلافات لمواجهة التحديات، وقال، "أتفهم خصوصيات كل فريق إنما المرحلة لا تسمح بالتوقف عند هذه الاختلافات، والمطلوب التلاقي على قواسم جوهرية ووطنية مشتركة بعيداً من كل الضغوط، والالتقاء لتشكيل جبهة لتحرير لبنان من الاحتلال الإيراني".

الاستقالة من البرلمان

في المقابل، لا تزال قوى أخرى ترفض الانضمام إلى الجبهة السيادية التي أعلنت أخيراً، وعلى رأس هؤلاء "حزب الكتائب" ومجموعات أخرى، إضافة إلى شخصيات مستقلة، ويعتبر هؤلاء أن "القوات اللبنانية" التي باتت تشكل الركيزة الأساسية لتحالف "السيادي" هي جزء لا يتجزأ من المنظومة الحاكمة.

وعلى الرغم من تضامن هذه التيارات مع الحملة المستجدة على جعجع، فإنهم يرفضون الانخراط معه في جبهة سياسية، كونهم يعتبرون عدم استقالة حزبه من البرلمان بالتزامن مع استقالة 10 نواب عقب انفجار مرفأ بيروت، تواطؤاً مع المنظومة الحاكمة، إضافة إلى اعتبارهم "القوات" شريكاً أساسياً في التسوية التي أوصلت ميشال عون إلى الرئاسة اللبنانية.

فساد ومحاصصة

بدوره، يرفض المحلل السياسي المقرب من "حزب الله"، فادي أبو ديا، الاتهامات الموجهة للحزب، واعتباره يشكل تهديداً لأي تحالف في البلاد، لافتاً إلى أن فكرة الاصطفاف الحزبي بوجه طائفة بكاملها خيار خاطئ، ولا يدفع "حزب الله" إلى التراجع عن دوره في "مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وخطر التطرف الذي لا يزال حاضراً، بخاصة مع تفكيك خلال من حين لآخر".

ويرى أن مساعي بعض القوى السياسية إلى "شيطنة الحزب واعتباره كياناً يتناقض مع المجتمع اللبناني، ليست سوى محاولة فاشلة لتبرير تناقضات الآخرين"، معتبراً أن "فشل خصوم (حزب الله) في الاصطفاف ضمن تحالف مشترك هو بسبب تناقض المصالح في ما بينهم واختلافهم على غنائم الفساد والمحاصصة".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي