Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محاولة اغتيال الكاظمي أتت بعد ساعات على تهديدات أطلقتها ميليشيات موالية لإيران

الاستهداف الذي تعرض له رئيس الوزراء العراقي يمثل رسائل موجهة إلى الصدر وأركان تحالفه المقبل

لا تبدو التوترات التي عاشها العراق في الفترة الماضية في طريقها إلى الانحسار، فبعد التصعيد الأخير الذي شنته الميليشيات الموالية لإيران على أسوار المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، والصدامات بين مؤيديها والقوات الحكومية، تعرض رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى محاولة اغتيال بطائرات مسيرة استهدفت منزله في المنطقة الخضراء، ما أسفر عن إصابة عدد من أفراد حمايته.

وتأتي محاولة الاغتيال هذه بعد ساعات على تهديدات صريحة أطلقتها ميليشيات موالية لإيران، على إثر ما جرى من صدامات بين القوات الحكومية ومناصرين للفصائل المسلحة خلفت عدداً من القتلى والجرحى.

ويرتبط التصعيد الجاري في البلاد بخسارة تحالفات الميليشيات للانتخابات الأخيرة، وأفول نجم التيارات الموالية لإيران في البرلمان المقبل، الأمر الذي أدى إلى سلسلة طويلة من التهديدات كان عنوانها الأبرز التحذير من "حرب شيعية - شيعية".

سيناريوهات انقلابية

ولعل السبب الرئيس في ربط ما جرى من استهداف لرئيس الوزراء العراقي بالجماعات الموالية لإيران يأتي نتيجة سلسلة طويلة من التهديدات التي تعرض لها الكاظمي من تلك الجماعات خلال الفترة السابقة، فضلاً عن عمليات القصف المتكررة التي تعرضت لها المنطقة الخضراء من قبل جماعات ولائية، ولطالما رددت شخصيات ومنصات مرتبطة بـ"الحشد الشعبي" الحديث عن تفعيل سيناريوهات انقلابية خلال السنة الأخيرة، إضافة إلى محاصرة منزل رئيس الحكومة في يونيو (حزيران) 2020، فضلاً عن أكثر من محاولة اقتحام للمنطقة الخضراء شديدة التحصين من قبل ميليشيات منضوية تحت لواء "الحشد الشعبي".

وكانت منصات على صلة بـ"الحشد" قد تحدثت في وقت سابق عما سمته تفعيل "السيناريو اليمني" في العراق، بعد محاولة اقتحام المنطقة الخضراء الأخيرة في مايو (أيار) الماضي، مشيرة إلى أن تفعيل هذا السيناريو يمثل حلاً لما يجري في البلاد.

وفي الفترة ذاتها، تداولت أوساط قريبة من "الحشد" تسجيلاً صوتياً طالب فيه مقرب منها بأنه "كان على الحشد الدخول إلى المنطقة الخضراء وأخذ الدولة"، بالتزامن مع نشر حسابات على صلة بالميليشيات تحمل وسم: "#ليلة_إسقاط_الكاظمي".

ويشير رئيس المركز العراقي الأسترالي للأبحاث أحمد الياسري إلى أن "نزول القوى الموالية لإيران إلى الشارع خلال الفترة الماضية يمثل سيناريو مشابهاً لما حصل في صنعاء عام 2014 والذي أدى في النهاية إلى إخراج عبد ربه منصور هادي من السلطة".

وقبل ساعات قليلة من استهداف منزل الكاظمي، ظهر زعيم ميليشيات "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي وسط المتظاهرين المعترضين على نتائج الانتخابات الأخيرة، وتوعد بالرد على الصدامات التي أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى على بوابات المنطقة الخضراء، وقال الخزعلي، "رسالتي إلى الكاظمي نفسه، اسمعها من شروكي أصيل، دماء هذه الشهداء لن نتركها كما لم نترك دماء المهندس وسليماني، ووصل ردنا لكل القواعد الأميركية، فحق دماء الشهداء برقبتي".

وشهدت الفترة الماضية تتابعاً للتحريض الذي شنته زعامات الميليشيات الموالية لإيران ضد رئيس الحكومة، وتضمن العديد من التغريدات التي أطلقها المتحدث العسكري باسم ميليشيات "كتائب حزب الله" أبو علي العسكري وزعيم "كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي، التهديد والتحريض ضد الكاظمي.

حوادث سابقة

وليست هذه المرة الأولى التي تتهم فيها الميليشيات الموالية لإيران باستخدام الطائرات المسيرة في البلاد، وكانت مصادر مطلعة كشفت لـ"اندبندنت عربية" في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2019، أن طائرة مسيرة حلقت للمرة الثانية فوق قصر رئاسة الجمهورية العراقية بالتزامن مع ضغوط يتعرض لها رئيس الجمهورية برهم صالح، من أجل تمرير تكليف مرشح تحالف "الفتح" قصي السهيل لمنصب رئيس الوزراء أثناء انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

وفي ديسمبر 2019، استهدفت طائرة مسيرة منزل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في مدينة النجف، وقال قياديون في التيار الصدري في حينها، إن الاستهداف جرى نتيجة الأوامر التي أصدرها الصدر لحماية المتظاهرين العراقيين.

ردود أفعال من إيران والميليشيات

وبعد ساعات على محاولة الاغتيال التي تعرض لها الكاظمي، قال زعيم ميليشيات "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي في بيان، "بعد مشاهدتنا لصور الانفجار الذي حصل في منزل رئيس الوزراء، وملاحظة عدم وقوع ضحايا، فإننا نؤكد ضرورة التحقق منه من قبل لجنة فنية متخصصة وموثوقة، للتأكد من سببه وحيثياته"، وأضاف، "إذا لم يكن الانفجار عرضياً أو ما شابه، وكان استهدافاً حقيقياً، فإننا ندين هذا الفعل بكل صراحة، ويجب البحث بجد عن منفذي هذه العملية ومعاقبتهم وفق القانون"، وأكد أنها "محاولة لخلط الأوراق لمجيئها بعد يوم واحد على الجريمة الواضحة بقتل المتظاهرين والاعتداء عليهم وحرق خيمهم".

وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني بدوره، إن "محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي فتنة جديدة يجب التحري عنها في مراكز الفكر الأجنبية، والتي لم تجلب منذ سنوات، من خلال خلق ودعم الجماعات الإرهابية واحتلال البلاد، سوى انعدام الأمن والخلافات وعدم الاستقرار للشعب العراقي المظلوم".

خسارة الغطاء البرلماني لـ"الحشد الشعبي"

ويتزامن ما يجري من تصعيد في العراق مع ما أعلنته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من أن يوم السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي يمثل نهاية فترة الطعون والانتهاء من العد والفرز اليدوي.

ويرجح مراقبون أن تكون المخاوف الكبيرة تحيط القوى السياسية الموالية لإيران من خسارة نفوذها على هيئة "الحشد الشعبي" في المرحلة المقبلة، نتيجة تضاؤل الغطاء البرلماني الذي كانت تتمتع به في السابق، هو الذي دفعها إلى التصعيد لمراحل غير مسبوقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبدو أن ما جرى سواء في محاولة المتظاهرين الموالين للميليشيات اقتحام المنطقة الخضراء قبل أيام، أو الاستهداف الذي تعرض له الكاظمي يمثل "رسائل موجهة إلى الصدر وأركان تحالفه المقبل، في محاولة لتقويض تحقيق هذا التحالف"، بحسب الياسري الذي يعتقد أن التصعيد الأخير "سيعطي دفعة إضافية للشروع نحو الأغلبية السياسية وسيجعل القوى الكردية والسنية تسارع للتحالف مع الصدر لعزل قوى الإطار التنسيقي"، ويضيف الياسري أن "أساس التصعيد يتعلق بمسارات تشكيل الحكومة وليس نتائج الانتخابات، والمخاوف من خسارة التيارات الموالية لإيران نفوذها في سياق تشكيل الحكومة المقبلة"، ويتابع، "نفوذ تلك القوى على الحشد الشعبي كان يجري بوجود الغطاء البرلماني، وخسارة هذا الغطاء تعني تفكيك سيطرة الموالين لإيران على الحشد في المرحلة المقبلة، الأمر الذي سيفقدهم السيطرة على العديد من المنافذ الاقتصادية"، ويستبعد الياسري أن يقدم الكاظمي على الرد عسكرياً على ما جرى، مرجحاً أن ينتهج "استراتيجية الاحتواء التي أسهمت بشكل كبير في تفكيك منظومة الميليشيات في العراق".

ودعا الكاظمي عبر تغريدة على "تويتر" إلى "التهدئة وضبط النفس من الجميع، من أجل العراق".

سياسة حافة الهاوية

ويشهد العراق ذروة التوترات الأمنية والسياسية في المرحلة الحالية، خصوصاً مع المخاوف الكبيرة من احتمال انزلاق الأوضاع في البلاد إلى حالة احتراب واسعة بين الدولة والميليشيات المسلحة، ويرى رئيس مركز "كلواذا" للأبحاث باسل حسين أن استهداف منزل الكاظمي من خلال طائرة مسيرة يمثل تحولاً نوعياً خطيراً ينقل البلاد إلى مرحلة "سياسة حافة الهاوية"، مضيفاً، ربما يدفع ما جرى إلى تحول الصراع "لمواجهة مسلحة بين الدولة وقوى اللادولة".

ويضيف أن القوى المسلحة خارج إطار الدولة تسعى إلى "فرض سياسة الأمر الواقع بعدم اعترافها بنتائج الانتخابات الأخيرة ورفض مبدأ التداول السلمي للسلطة"، مبيناً أن ما يجري يمثل نقطة شروع لـ"دفع البلاد إلى خارطة الفوضى".

وفي حين تتباين وجهات النظر بشأن إمكان أن يمثل ما جرى من محاولة استهداف لرئيس الوزراء العراقي بداية لاشتعال صراع مسلح، يعتقد حسين أن احتمالات اندلاع الصراع في العراق لا ترتبط فقط بالتصعيد الجاري بل بمدى قدرة الفاعلين على الساحة العراقية من كبح جماح أي تصعيد ربما يثير صراعاً مسلحاً طويلاً.

ويبدو أن التصعيد الأخير الذي تديره الجماعات الموالية لإيران تحاول من خلاله تحقيق أكثر من هدف، لا سيما "إفشال المفاوضات السياسية التي يجريها الصدر لتحقيق الأغلبية السياسية"، ويلفت حسين إلى أن المؤشر الرئيس على تأثير التصعيد هو "قطع زعيم التيار الصدري زيارته إلى بغداد بعد ما جرى من صدامات بين قوات الأمن وجمهور التيارات الولائية"، ويستبعد حسين أن تكون الغاية مما يجري على الساحة العراقية خلال الأيام الماضية محاولة "إشعال حرب" بقدر كونها "مقامرة لتسليط أقصى الضغوط للوصول إلى تسوية سياسية تعيد ترتيب موازين القوى بما يضمن تمثيل القوى المسلحة الخاسرة في الانتخابات"، ويختم أن الخيارات في العراق تدور حول مسارين، "إما التسوية أو الصراع الدامي"، مشيراً إلى أن "احتمالات التسوية لا تزال قائمة بقوة".

"كسر التوافقات الجديدة"

في المقابل، يعتقد مراقبون أن ما يجري في البلاد يمثل محاولات لـ"كسر التوافقات الجديدة" التي يعمل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على صياغتها مع الأطراف السنية والكردية، ويرى الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني أن ما جرى رسالة من الأطراف المسلحة الخاسرة في الانتخابات إلى الكتل السياسية مفادها بأن "معادلة السلاح لا تزال الفاعل الأكبر في صياغة المشهد السياسي العراقي"، ويشير الموزاني إلى أن ما أثار الميليشيات محاولات الصدر "إعادة تشكيل المحاصصة بشكل يتفق مع مخرجات الانتخابات الأخيرة ويقصي القوى المسلحة"، مبيناً أن هذا الأمر دفع الميليشيات إلى استخدام "أقصى الضغوط لاستعادة أدوارها السياسية".

وبشأن الاتهامات للميليشيات الموالية لإيران، يلفت الموزاني إلى أن القوى المسلحة هي من وضعت نفسها في دائرة الشبهات، خصوصاً مع التهديدات المتكررة التي أطلقتها خلال السنوات الأخيرة، فضلاً عن تهديدات من الفصائل المسلحة سبقت استهداف منزل الكاظمي بساعات قليلة.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي