تتجه أطراف المعادلة السياسية في السودان إلى خطوات تصعيد جديدة، وذلك عقب فشل المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير في الوصول إلى اتفاق نهائي بشأن المجلس السيادي، على الرغم من اتفاقهما بشأن مجلس الوزراء، الذي مُنح بكامله للمعارضة، والبرلمان الذي ستحظى بنسبة 67 في المئة منه.
ومنذ الأربعاء 22 مايو (أيار)، تشهد دعاوي الدخول في عصيان مدني شامل وإضراب سياسي إقبالاً مكثفاً من المعتصميين والموظفين في الدوائر الحكومية.
وأعلن "تجمع المهنيين السودانيين" الذي يقود الاحتجاجات في البلاد مع قوى الحرية والتغيير مضيه في ترتيبات الإضراب والعصيان المدني، لاستكمال وتحقيق أهداف الثورة، مضيفاً أنه فتح دفتر الإضراب لاستكمال الثورة وأن ترتيبات الإضراب والعصيان المدني تستكمل الحراك الثوري.
المؤسسات الحكومية تؤيد العصيان
ظهر الأربعاء، نفذ موظفو وزارات وشركات اتصالات، وقطاعات خاصة متعددة وقفات إحتجاجية، لمطالبة المجلس العسكري الانتقالي بتسليم السلطة إلى المدنيين.
وذكر التجمع أن موظفين في شركات توزيع الكهرباء وقطاع الطيران والاتصالات والمصارف، وعدد من الوزارات، نفذوا وقفات احتجاجية أعلنوا من خلالها دعمهم خطوة العصيان العام والإضراب المدني.
وفي خطوة صُنفت على أنها ردة فعل على دعوة المعارضة إلى الدخول في إضراب، قرّر المجلس العسكري الانتقالي إلغاء تجميد نشاط النقابات والاتحادات المهنية والاتحاد العام لأصحاب العمل.
وقال المجلس في بيان إنه "عكف على مراجعة القرارات التي تم اتخاذها خلال هذه المرحلة الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وذلك حفاظاً على المصالح العامة والخاصة"، مضيفاً "في هذا الإطار عولج قرار تجميد التنظيمات النقابية في ضوء القوانين المنظمة للعمل النقابي في البلاد والاتفاقيات الدولية المتعلقة بهذا الشأن".
ولفت إلى أنه "توصل إلى ضرورة فك تجميد هذه التنظميات إلتزاماً بالمواثيق الدولية، وتثبيتاً للمكاسب التي يحققها تقلد السودانيين هذه المنظمات في مواقع إقليمية ودولية غاية في الأهمية".
وكان المجلس العسكري الانتقالي قرر في أبريل (نيسان) 2019 تجميد نشاط النقابات والاتحادات المهنية والاتحاد العام لأصحاب العمل، عقب اتهام تلك الكيانات بأنها تخضع لسيطرة موالين لنظام الرئيس المعزول عمر البشير.
مواطنون يدعمون العصيان
قال المواطن علي الدالي إن "ميثاق الحرية والتغيير نص على مدنية الحكومة. وهو مبدأ التفاوض الذي اعتمدته المعارضة، لكن المجلس العسكري يتمسك بوجود المكون العسكري في المجلس السيادي، وهذا يتنافى مع إعلان الحرية الذي توافقت عليه الجماهير قبل تحقيق الثورة".
وتابع أن "ظروف نجاح العصيان والإضراب السياسي متوفرة، وأن الثورة خلقت حالة من الوعي لدى غالبية المواطنيين، وجعلتهم يهتمون بالقضايا العامة ويعملون على إنجاحها بمختلف الوسائل المشروعة".
محاربة الفساد
أحمد بابكر الشيخ، أحد العاملين في شركات الكهرباء أكد من جهته أنهم "مستعدون للاستجابة لدعوة العصيان المدني والإضراب العام"، موضحاً أن "الشركة التي يعمل فيها كانت إحدى الشركات التي تضررت من سياسات النظام السابق، وأنهم اقتنعوا بضرورة وصول السلطة إلى المدنيين الذين يخضعون للمراقبة والمحاسبة من قبل الشعب".
الشيخ شدد على أن الإضراب "سيجبر العسكريين على التنازل عن السلطة وإعطائها للمدنيين، وهو أمر طبيعي"، معتبراً أن"الإضراب وسيلة مشروعة ومتحضرة تلجأ إليها القطاعات العاملة المختلفة، إذا ما اتفقت على قضية عامة، ونحن جميعاً متفقون على ضرورة مدنية السلطة".
جدوى الوقفات
عن جدوى الوقفات الاحتجاجية، وقدرة الموظفين على تنفيذها، ذكر محمد شيوب، أحد العاملين في قطاع الاتصالات أنه "بمجرد صدور دعوى تجمع المهنيين بتنظيم وقفات احتجاجية، تحت مسمى التوقيع على دفتر الحضور الثوري استعداداً للعصيان والإضراب العام، نجحنا في تنظيم وقفتنا الاحتجاجية خلال ربع ساعة، وشهدت تضامناً كبيراً من العاملين".
وأردف أن "الرهان الآن على تنفيذ الإضراب العام، ونحن قادرون على ذلك، كل الموظفين العاملين متفاعلون مع ذلك ورغبتهم الأولى هي في عودة السلطة إلى المدنيين كي تحقق الثورة مطالبها".
عقبة المجلس السيادي
على الرغم من أن المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، حتى وهما يخفقان في الوصول إلى اتفاق يتجنّبان التصعيد، إلا أنهما منذ أيام يمضيان بوتيرة متصاعدة نحو المواجهة.
وتتمثل تلك المواجهة في تحرك نائب رئيس المجلس العسكري، محمد حمدان دقلو، الذي زار الأربعاء، سلطة الطيران المدني، وقدم للعاملين حوافز مالية بلغت راتب ثلاثة أشهر، واعداً بحل العديد من قضاياهم. ومن المنتظر أن يلتقي الخميس أعضاء النقابات ومن المتوقع أن يقدم لهم مساعدات مالية.
وتُقرأ تحركات نائب رئيس المجلس العسكري في إطار محاولة كبح خطوة الإضراب المتوقعة، إذ قال في إحدى مقابلاته إن من سيقدم على الإضراب أياً كان تخصصه، فإن بديله جاهز وسيُعيّن فوراً لسد الثغرة.
وانعكس قوله في الوقفات التي نُفذت الأربعاء، إذ رفع عدد من الموظفين المؤيدين لخطوة العصيان المدني، شعارات أكدت أنهم سينفذون العصيان متى دعتهم المعارضة، وعلى نائب رئيس المجلس أن يُقدم على فصلهم فوراً.
وتتفق المعارضة والمجلس على "صلاحيات المجلس السيادي والتشريعي والتنفيذي ومهمات الفترة الانتقالية التي تمتد لثلاث سنوات، لكنهما يختلفان بشأن طريقة تشكيل مجلس السيادة ونسب تمثيل العسكر والمدنيين فيه".