يعود مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة "دي- كاف" في دورته التاسعة بعد عامين من الغياب بسبب وباء كورونا، ليشعل الحماسة من جديد في ساحات القاهرة ومسارحها ومبانيها التاريخية.
انطلق المهرجان في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي ويستمر حتى 22 من الشهر نفسه. وخلال هذه الأسابيع الثلاثة يمكن لسكان القاهرة وضيوفها الاستمتاع بإبداعات عشرات الفنانين من مختلف أنحاء العالم، وهم يقدمون عروضهم الفنية في أماكن مختلفة من المدينة، من ساحات مفتوحة إلى أسطح البنايات التاريخية وفضاءاتها الداخلية، ومن واجهات المحال التجارية إلى المراكز الثقافية ودور العرض السينمائي والمسرحي.
مهرجان "دي كاف"
وكان المهرجان استهل أمسياته بحفل موسيقي أقيم في الحرم اليوناني في وسط القاهرة، قدمت خلاله أشكال موسيقية تمزج بين الراب الأميركي والمصري، بحضور عدد كبير من محبي هذا النوع من الموسيقى.
ويعد مهرجان "دي كاف" أحد أكثر الفعاليات الفنية التي تستضيفها العاصمة المصرية تنوعاً، فهو يغطي أغلب الممارسات المعاصرة في المسرح والموسيقى والفنون الأدائية والبصرية، وفنون الميديا الحديثة والسينما، مما يجعله واحداً من أبرز المهرجانات الدولية على الخريطة الثقافية المصرية خلال العقدين الماضيين.
وما يميز المهرجان خلافاً لهذا التنوع، هو التحام كثير من الفعاليات والعروض التي يستضيفها مع جمهور الشارع وإتاحة بعضها مجاناً، فبعض المساحات التي تقام فيها تلك العروض تحظى بإطلالة على واجهات الشوارع والساحات الرئيسة في وسط القاهرة.
ويستضيف المهرجان هذا العام عروضاً مسرحية من مصر وفرنسا وتونس والمغرب وبوركينا فاسو وتشيلي.
وتشهد هذه الدورة الانطلاقة الأولى لساحة روابط للفنون بعد تجديدها وإعادة تطويرها، كأحد العلامات البارزة في مشهد المسرح المصري المستقل خلال العقدين الماضيين. وتستضيف ساحة روابط للفنون هذا العام محاضرات وعروضاً مسرحية وموسيقية ومعارض لمبدعين فرنسيين وسوريين ودنماركيين ومصريين.
ومن بين عروض المهرجان التي استضافتها الساحة عرض عرائس حي من الدنمارك بعنوان، "نغمات الجسد السوريالية"، وهو عرض يمزج بين فن العرائس والموسيقى الإلكترونية والرقص المعاصر.
"التي سكنت البيت قبلي"
ومن بين العروض اللافتة أيضاً يأتي العرض الفرنسي "التي سكنت البيت قبلي" للمخرج الفرنسي هنري جوليان، وبمشاركة الشاعرة السورية رشا عمران.
ويقدم العرض أجزاء من ديوان الشاعرة السورية بطريقة مبتكرة وباللغتين العربية والفرنسية، وباستخدام ثلاثة عناصر رئيسة، الشعر والموسيقى والتمثيل. وفي هذا العرض تقوم رشا عمران بإلقاء الأشعار بالعربية، بينما تقدم الممثلة السورية ناندا محمد الأشعار بالفرنسية، أما الفنانة الفرنسية إيزابيل دوتوا فتقوم بغناء مقاطع من هذه الأشعار.
ويتضمن برنامج المهرجان هذا العام أيضاً عدداً من العروض المسرحية لفنانين من مصر ودول مختلفة بالتعاون مع عدد من المراكز الثقافية والسفارات والمؤسسات الفنية العالمية.
وقد انطلقت أولى هذه العروض على خشبة مسرح الفلكي بعرض "رويدو" من تشيلي، وهو عرض يجمع بين الأداء الحي والتكنولوجيا السمعية والبصرية.
وقد استضاف المسرح نفسه عرضاً فرنسياً راقصاً تحت عنوان "آكزاك" جمع بين مؤدين وراقصين من مصر وفرنسا والمغرب وتونس وبوركينا فاسو، وهو من تصميم الراقصين هالة فطومي وإيريك لاموريكس. ويخلق العرض أجواء متناغمة بين مجموعة الراقصين في إطار فني متعدد الأشكال ومتجاوز للحدود الثقافية والجغرافية.
ويختتم مهرجان "دي كاف" يوم الأربعاء 22 أكتوبر بالعرض الفرنسي "ذكريات لورد" على مسرح الفلكي. و"ذكريات لورد" هو عرض راقص معاصر صممه الفنان الفرنسي أوليفييه ديبوا بمشاركة 35 راقصاً آخر، ليشكلوا معاً لوحة استعراضية على إيقاعات موسيقية لفرانسوا كافين.
ويعد أوليفييه ديبوا أحد الراقصين الفرنسيين المعاصرين المعروفين عالميـاً، وهو مصنف بين أفضل 25 راقصاً في العالم.
رحلة صوتية
ومن بين عروض الفنون البصرية يأتي معرض الفوتوغرافيا للفنانة المصرية هنا جمال بعنوان، "تنسى كأنك لم تكن"، والمستلهم من إحدى قصائد الشاعر محمود درويش.
ويمثل المعرض رحلة متعددة الأبعاد في أجواء من الحنين والمصالحة مع الذات والماضي. ومن بين العروض البصرية اللافتة أيضاً يأتي معرض "احتضان" للفنانة سارة كوبل من الدنمارك، وهو واقع معزز باستخدام تطبيق على الهاتف، يستطيع الزوار من خلاله أن يشاهدوا عدداً من الرسومات على الحائط، ويمكنهم التطبيق من رؤية هذه الرسومات متحركة تدب فيها الحياة. وتعكس الرسومات مجموعة من المشاعر الإنسانية المتبادلة كالأمومة وروابط الحب بين البشر وغير البشر أيضاً.
ومن المشاريع المهمة التي يتبناها المهرجان برنامج "روح المدينة" الذي يتضمن عدداً من الفعاليات التي تستكشف التراث المعماري الغني لوسط القاهرة.
وفي هذا السياق، يقدم المهرجان هذا العام عرضاً صوتياً تفاعلياً تحت عنوان "رحلة صوتية في القاهرة" وهو إنتاج سويسري. وفي هذا المشروع الذي يقدم على مدى ثلاثة أيام، يستقل الجمهور حافلة تجوب أبرز مناطق وسط القاهرة مع الفنانين الذين يحملون معهم معدات صوتية تسمح لهم بخلق مزيج من الأصوات الخاصة بالمدينة.
ويقدم هذا العرض كل من إيزيس فهمي وبينوا رينودا من سويسرا. وفي هذه التجربة الاستثنائية يعيش الجمهور في الحافلة تجربة مميزة، تتداخل خلالها أصوات المدينة مع تأثيرات معدات الصوت لخلق نوع من الموسيقى، في محاولة لتأمل الطبيعة الصوتية المتفردة لهذه المدينة المتخمة بالأصوات.