Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانتخابات العراقية تشهد اختراقا مؤثرا من قوى التغيير والانتفاضة

تساؤلات حول تشكيل المستقلين كتلة معارضة أو ذوبانهم في كتل الأحزاب الكبرى

على الرغم من خشية طيف واسع من العراقيين من مصادرة أصواتهم بسبب السلاح المنفلت والتبعية لدول الجوار وغيرها، وفي ظل مقاطعة قسم كبير من المواطنين، أدلى أكثر من تسعة ملايين ناخب بأصواتهم في الانتخابات العامة المبكرة التي جرت الأحد الماضي، من أصل 25 مليون عراقي يحق لهم التصويت. واعتُبرت نسبة المشاركة في عموم البلاد متدنية، إذ بلغت 41 في المئة، وفق ما أعلنته المفوضية العليا للانتخابات. وجرت هذه الانتخابات وفق القانون الجديد القائم على نظام الدائرة الفردية، الذي زاد من حظوظ المرشحين ذوي الشعبية المحلية من خلال رفع عدد الدوائر إلى 83 دائرة.
الاستحقاق الذي قررت حكومة مصطفى الكاظمي إجراءه في وقت مبكر لامتصاص غضب الشارع، وفي ظل توقع تخفيف قبضة الأحزاب التي فشلت في استمالة الجمهور المؤلّف بغالبيته من الشباب الذين احتجوا ضد السلطة الحاكمة لعامين متواصلين.

منح المستقلين فرصة أكبر

وعلى عكس الدورات الانتخابية السابقة الأربع التي منحت مرشحي الكتل والأحزاب فرصاً أكبر على حساب المستقلين، أعطى قانون الانتخاب الجديد الفرصة الأكبر للمستقلين من خلال حصر عملية التصويت ضمن المحليات والمناطق وتقسيم المحافظة الواحدة إلى دوائر انتخابية عدة بدلاً من أن تشكل دائرة واحدة.
وتحدثت وسائل الإعلام عن أن بعض الأحزاب والكتل، بخاصة تلك التي اعتلت مناصب في السلطة منذ عام 2003، عمدت إلى مواجهة المرشحين الذين برزوا في ساحات الاحتجاج خلال تظاهرات "تشرين 2019"، من خلال ترشيح بعض الأسماء تحت غطاء "مرشح مستقل"، وذلك بسبب تراجع شعبية هذه الأحزاب وفسادها وإهدارها المتعمد للمال العام وعملها لمصلحة أجندات خارجية.

نسبة المرشحين

وترشح أكثر من 789 مستقلاً للانتخابات المبكرة، مشكلين نسبة 24 في المئة من المجموع الكلي للمرشحين الذين بلغ عددهم 3249 مرشحاً. وأُعلن فوز نسبة كبيرة من المستقلين وصلت إلى 20 مقعداً، وذلك مقارنةً بعددهم في الاستحقاقات الانتخابية الأربعة الماضية. وعلى الرغم من مراهنة الكثيرين على خسارة المرشحين المستقلين، إلا أن النتائج التي كشفت عنها مفوضية الانتخابات الاثنين الماضي، أتت خارج حدود التوقع بفوز عدد من المرشحين المستقلين بمقاعد نيابية، في مقابل تراجع عدد مقاعد الأحزاب والقوى التقليدية التي تملك المال السياسي والنفوذ.
وصرحت عضو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أحلام الجابري أن "عملية عد وفرز الأصوات وتحديث النتائج ما زالت مستمرة".

صورة غير واضحة

وتفسيراً لردود الفعل المرافقة لفوز المستقلين، قال الرئيس السابق لبرلمان إقليم كردستان العراق عدنان المفتي إن "الصورة ما زالت غير واضحة، لكن هذا الفوز جاء نتيجة طبيعية للإحباطات التي عانى منها أبناء البلد وهو نتيجة لما حصل بعد عامَي 2003 و2005، فلم تلبِّ الأحزاب طموح الجماهير ولم تكُن عند حسن الظن. والأمر الآخر هو عدم وجود بديل سياسي. وطالما أن الإرهاب مستشرٍ والتدخلات الإقليمية والخارجية في الشأن العراقي مستمرة، فالأنظار ستتجه إلى المستقلين".
وعن تبعية بعض المرشحين لأحزاب أو كتل معينة، بيّن  المفتي أن "لبعض الأحزاب يداً في ترشيح 3 إلى 4 مستقلين، وقد تفرز الفترة المقبلة احتمالات خارج التوقع من اصطفافات وتحالفات وانشقاقات. وقد يشكل صعودهم ظاهرة طبيعية ربما نبني عليها مستقبلاً. وينبغي مستقبلاً اعتماد المصارحة بين الحكومة وأبناء الشعب لبناء أواصر الثقة المفقودة بالأحزاب السياسية".

عقوبة انتخابية

في السياق، رأى الباحث والأكاديمي في جامعة بغداد جميل رماح الحسناوي، أنه "يجب أن نحدد أسباب صعود المستقلين الذين وصل عددهم اليوم إلى حوالى 50 نائباً مع توقع أن ترتفع الأعداد بعد الانتهاء من الفرز والعد اليدوي. هذه النتيجة جاءت كعقوبة انتخابية لبعض الكتل السياسية في العراق، التي عملت لصالح أحزابها ووفق مصالح حزبية ضيقة وأيضاً بسبب أدائها السيّء منذ عام 2003 وحتى اليوم. وكان رد المواطنين حاسماً بالتصويت لأعداد كبيرة من المستقلين، ما أدى إلى تشتيت أصوات الكتل الكبيرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن توجه الفائزين من "شباب تشرين" إلى التحالف مع جهات أخرى، أجاب الحسناوي، "باعتقادي أنهم لن ينضموا إلى الأحزاب الإسلامية لأسباب تتعلق بالمواجهات بين هذه التيارات وميليشياتها من جهة، وأنصار الحركة التشرينية بين عامَي 2019 و2020 من جهة أخرى، وما بدر منهم من اعتداء وتجاوز وضرب في ساحات التظاهر .لهذه الأسباب من المستبعد أن ينضموا إلى الأحزاب المناهضة للحركات الاحتجاجية".

قوة معارضة تحت قبة البرلمان

ولفت الحسناوي إلى وجود "توجه لتشكيل كتلة نيابية من المستقلين ومن مرشحي تظاهرات تشرين الذين انتُخبوا، ليشكلوا كياناً معارضاً تحت قبة البرلمان، وهو القرار الأكثر ترجيحاً، والأكثر مساهمة في تغيير واقع السياسة تمهيداً للانتخابات المقبلة عام 2025 ومن غير المستبعد إحداث ثورة شعبية في ما لو تمكنوا من إنجاز أو تحقيق جزء من تطلعات الشارع والناخب العراقي، وهو ما ننتظره في المرحلة المقبلة".

بين فائز سعيد وخاسر ممتعض ومشكك

أما الباحث السياسي محمد الفخري المولى، فقال "نرضى بالنتائج ولننظر إلى الغد، فالمشهد الانتخابي الآن بين فائز سعيد، وخاسر ممتعض ومشكك، إلا أن الجميع متفق على الجهود التي بُذلت للوصول إلى يوم الانتخابات في ظرف مستقر أمنياً وبأقل عدد من الطعون على التصويت العام والخاص، والرهان سيكون على الأعوام الأربعة المقبلة". وأضاف أن "المرشحين المستقلين فازوا بأصواتهم الحقيقية من دون تزوير، ومجيئهم كان برغبة وإرادة الناخبين وهناك خشية وتوجس من قبل الأحزاب والكتل الكبيرة من تنفيذ المستقلين وعودهم وأداء واجبهم في إطار المصلحة العامة وبدوافع وطنية خالصة".
كما ذكر الباحث في مجال الأمن والسياسة مخلد الحازم أن "البعض يراهن على بروز مفاهيم جديدة للأداء البرلماني. وإذا ما كانت التقديرات صحيحة، فستشهد المرحلة المقبلة قوى قادرة على التحكم بالميزان السياسي".
في سياق متصل، أفاد الباحث السياسي طارق جوهر بأن "نتائج الانتخابات الأخيرة تُعدّ نقطة لصالح التجربة وعلينا أن ندعم هذا التوجه .وما يزيد من أهمية التجربة، هو تشكيل كتلة داخل البرلمان وهذا يحتاج إلى إطار وطني يقدم مفهوماً لدور الكتلة ضمن برنامج سياسي خدمي يحمل رؤية واضحة. كما يمكن أن تشكل كتلة المستقلين قوة مناوئة للكتل التقليدية الكبيرة، أو كتلة معارضة". وأضاف "أتمنى أن يشكلوا كتلة معارضة حتى بالتعاون مع الأحزاب غير المتوافقة مع الكتل الكبيرة وبرنامجها الانتخابي، لكن قد يكون الاختلاف من الناحية السياسية والدينية والمذهبية بين المستقلين عائقاً في تشكيل تحالف مستقل".
وعن إمكانية تلقّيهم الدعم من أحزاب أخرى، أكد جوهر "ربما تعاونت الأحزاب السياسية ووقفت إلى جانب بعض المستقلين في بعض المحافظات عبر توفير الدعم المالي لهم، ولا نستبعد انضمام مستقلين إلى الكتل والأحزاب الكبيرة التي فازت بالانتخابات لتحقيق مطامحهم الشخصية، فمن الصعوبة المراهنة على دور المستقلين في البرلمان بشكل فردي ما لم يلعبوا دور المعارضة. أما في حال مشاركتهم واندماجهم مع الحكومة وقوائم السلطة، فسيمثل ذلك خيبة أمل كبيرة للناخبين".
أما الدكتور عبد الرحمن الجبوري، رئيس أكاديمية التطوير السياسي والحكم الرشيد، فرأى أنه "يُفترض وجود محاولات لتشكيل أكثر من كتلة، ولكن مع الوقت ستخلُص النتائج إلى بروز كتلتين، إحداهما للمستقلين والأخرى للتشرينيين".
واعتبر الأستاذ في كلية الإعلام، الدكتور فاضل البدراني أن "قراءة المشهد تشير إلى انضمام المستقلين تحت جناح مظلة الكتل الكبيرة، وبتفسير أدق، السمك الكبير يأكل السمك الصغير، إذ يُتوقع ذوبان المستقلين في الكتل الكبيرة والدليل على ذلك إعلان بعض الأسماء تأييدها كتلاً ومكونات منسجمة جغرافياً وفكرياً. وأعتقد أن هذه الدورة تقترب إلى حد كبير من الدورة السابقة والصورة واحدة".

المزيد من العالم العربي