في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة البريطانية لتكون في صلب دائرة الاهتمام والتركيز العالمي أثناء "مؤتمر الأطراف المعنية بالتغير المناخي" (كوب 26 Cop26) الذي تعقده الأمم المتحدة [وتستضيفه بريطانيا في غلاسكو]، يعمل بوريس جونسون على تسليط الأضواء على المملكة المتحدة باعتبارها "سباقة ورائدة في مجال المناخ". وقد أعلن خلال مؤتمر حزب المحافظين الذي عُقد الأسبوع الماضي أنه يتعين على بريطانيا إنتاج الكهرباء بالكامل من مصادر "الطاقة النظيفة" مع حلول 2035.
وجاء ذلك الإعلان في ظل التعرض لضغوط تطالبه برد على الموقف الحازم الذي اتخذه حزب العمال إزاء البيئة خلال مؤتمره الأسبوع قبل الماضي.
وذلك يعني أن أمام بريطانيا 14 عاماً للتخلص من كافة استخدامات الوقود الأحفوري في مزيج الطاقة. وقد قطعت بريطانيا شوطاً لا بأس فيه حتى الآن في تلك العملية من خلال استغلال الفحم، لكنها ما زالت متعثرة في ما يتعلق الأمر بالغاز الذي يظل أكبر مصدر مفرد في توليد الكهرباء.
وفي الوقت الذي تعاني فيه البلدان حول المعمورة من قضايا إمدادات الطاقة، اغتنم بوريس جونسون الفرصة كي يوضح أن التحول إلى الطاقة الكهربائية المتجددة المحلية من شأنه أن يحمي المستهلكين من تقلبات أسعار استيراد النفط والغاز.
وقد أوضح ذلك عبر الإشارة إلى "إن ميزة ذلك أنها تعني أن المملكة المتحدة لن تعتمد للمرة الأولى، على الهيدروكربونات المستوردة من الخارج التي تشهد تقلبات في أسعارها مع ما تحمله من أخطار على جيوب المواطنين والمستهلكين".
وبصورة عامة، ليس من الهين إخراج الوقود الأحفوري من مزيج الطاقة، لكن ذلك قد يحدث بشكل سريع نسبياً مثلما حدث في التخلص من الفحم.
وقد وفر الوقود الأحفوري 98 في المئة من احتياجات بريطانيا من الطاقة في 1965، وحتى في الآونة الأخيرة وصولاً إلى سنة 2014، وفر الوقود الأحفوري 60 في المئة من الكهرباء المولدة في البلاد، فيما جاء النصف الآخر من الفحم.
وبعد ست سنوات، وبالتحديد في 2020، لم يمثل الفحم سوى 1.6 في المئة من مزيج الطاقة، فيما حققت المملكة المتحدة رقماً قياسياً بلغ 68 شهراً من دون استخدام الفحم في توليد طاقة الشبكة الكهربائية، فسجل ذلك أطول فترة من ذلك النوع منذ عصر الثورة الصناعية.
وفي الوقت نفسه، شهدت مصادر الطاقة المتجددة ارتفاعاً. إذ مثلت طاقة الرياح في 2014 حوالي 9.5 في المئة من مزيج الطاقة، فيما بلغ الرقم بالنسبة إلى الطاقة الشمسية 1.2 في المئة. ومع حلول 2020، ارتفعت هذه النسبة، وصارت طاقة الرياح تسهم بـ 24.8 في المائة، والشمس بـ4.4 في المائة.
وتعتمد المملكة المتحدة في الوقت الراهن على الغاز اعتماداً كبيراً، إذ أُستخدم الغاز العام الماضي في توليد ما يربو على الثلث، أي 34.5 في المئة، من مزيج الكهرباء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من تلك النسبة العالية في استخدام الوقود الأحفوري، أعرب خبراء يعملون في "الشبكة الوطنية" عن اعتقادهم بأن المملكة المتحدة ستشهد فترات قصيرة من توليد الكهرباء من دون كربون كلياً اعتباراً من 2025 تقريباً. ويمنح ذلك عقداً كاملاً من الزمن للوصول إلى هدف بوريس جونسون المتمثل في توليد الطاقة من دون الوقود الاحفوري نهائياً مع حلول 2035.
وفي الوقت الحاضر، سُجل أقل مستوى في استخدام الوقود الأحفوري ضمن مزيج الطاقة، في 23 مايو (تموز) 2020، حينما شكل الوقود الأحفوري مجرد 17 في المئة من هذا المزيج.
ومما لا شك فيه أنه يمكن تحقيق طموح بوريس جونسون إلا أن الفترة الزمنية الطويلة نسبياً ستفاقم على الأرجح غضب كل من يريد أن يرى مستويات أعلى في الطموح، إضافة إلى الذين يريدون رؤية المملكة المتحدة تتخلى عن الطاقة النووية.
في ذلك الإطار، مع أن الطاقة النووية "نظيفة" إذ أن إنتاجها لا يتسبب في انبعاث غازات دفيئة [غازات التلوث التي تسبب الاحتباس الحراري]، فإنها تحمل أخطاراً بيئية أخرى جسيمة إذا لم تدار بعناية وحرص فائقين. ويضاف إلى ذلك أنها سترهق كاهل الأجيال المقبلة بسبب التعامل مع النفايات المشعة الخطيرة، ومختلف الآثار البيئية الأخرى، إضافة إلى أنها ما تزال مثار خلاف وجدل كبيرين.
وما يزال إنتاج الطاقة النووية مكلفاً، لكن انخفاض كلفة توليد الطاقة المتجددة إلى مستويات أقل من كل الأوقات الماضية، سيساعد الاستثمار في تخزين الطاقة والبطاريات الضخمة بهدف الحفاظ على إمدادات ثابتة من الطاقة خلال الفترات التي تقل فيها الرياح وأشعة الشمس، بدلاً من الاعتماد على محطات الطاقة النووية.
وحول ذلك، أوضح دوغ بار، كبير علماء منظمة "غرين بيس" في المملكة المتحدة، أن "الحكومة لا تزال تولي أولوية قصوى للتكنولوجيا النووية على نحو غير صحي، وتأمل بتحسن هذه التكنولوجيا ووصولها إلى مرحلة تنافس فيها مصادر الطاقة المتجددة، على الرغم من أن التجارب تشير إلى خلاف ذلك. ووفق ما تعلمناه على مدى السنوات السبعين الماضية، فلن تنخفض كلفة إنتاج الطاقة. وبالنسبة إلى قضية المفاعلات الكبيرة الحجم، فإن مسوغاتها تنهار وتضعف مع مرور الأيام. إذ أصبح جلياً أن مستقبل الطاقة يكمن في إنشاء شبكة مرنة غير مركزية تعمل على تسخير التقنيات الجديدة في التخزين التي تشهد كلفتها انخفاضاً حاداً، إضافة إلى اعتمادها على مصادر طاقة متجددة رخيصة الثمن وسريعة الانتشار".
وبدلاً من أن تمارس الحكومة ضغوطاً لإحداث تغييرات سريعة، يسود المجتمع شعور بخيبة أمل لأن الحكومة لا تستثمر في المجالات التي من شأنها أن تسرع ابتعاد المملكة المتحدة عن الوقود الأحفوري.
وفي ذلك الصدد، ذكر الدكتور ماثيو لوكوود، وهو محاضر أول في سياسة الطاقة بـ "جامعة سوسكس"،أن "الالتزام بتحقيق هدف الوصول إلى 100 في المئة من الكهرباء الخضراء الصديقة للبيئة، يتماشى مع توصيات "لجنة التغير المناخي" حول الالتزام باستيفاء متطلبات ميزانية الكربون السادسة، لذا فإن استجابة الحكومة لهذه التوصيات يعتبر أمراً إيجابياً. ويتمثل التحدي في أن نسبة كبيرة من خطط الحكومة تركز على طاقة الرياح المتقطعة. ويثير ذلك تساؤلات بشأن كيفية مواءمة توليد الطاقة مع مستويات الطلب على المدى القصير (بالساعة) أو على امتداد الفصول. وتشير تفاصيل المقترحات الحكومية التي أُعلن عنها حتى الآن إلى إن الطاقة النووية ستوفر قدرة أساسية في إنتاج طاقة كهربائية "تكون قادرة على تأمين الحد الأدنى من الكهرباء على الشبكة، مع قدرتها أيضاً على تلبية المستويات المتغيرة من العرض والطلب". لكن ذلك ليس منطقياً لأن مستويات إنتاج الطاقة النووية لا يمكن زيادتها وتخفيضها بشكل متواصل بالتوافق مع الرغبة في إبقاء التكاليف منخفضة، وبالتالي فإنها ليست اختياراً موفقاً من الناحية الفنية".
وأردف الدكتور لوكوود، "على صعيد الممارسة العملية، سيكمن الحل في الاستجابة للطلب، وتخزين البطاريات قصيرة الأجل، وتبني شكل من أشكال التخزين الموسمي، التي قد يمثلها الهيدروجين أو لا يكون كذلك. وتجعل تلك الخطة من مسألة التجاوب مع التخزين والطلب في موضع الصدارة قطعاً، وبالتالي إذا أُريد للخطة أن تنجح، يجب أن تركز على ذلك بشكل رئيس".
في ذلك السياق، يلفت أن خطة بوريس جونسون بشأن مستقبل الطاقة النظيفة لم تحظ بأي دعم مالي رصين أو حتى مجرد اهتمام ملموس من مستشار الخزانة ريشي سوناك الذي وجه كلمة أثناء مؤتمر حزب المحافظين يوم الإثنين قبل الماضي.
وبالتالي، لم يمر ذلك الصمت من قبل ريشي سوناك مرور الكرام. إذ لفت إد ميليباند وزير الأعمال والطاقة في حكومة الظل التابعة لحزب العمال البريطاني إلى أن "صمت سوناك المطبق بشأن قضية المناخ التي تعد أضخم تحدي اقتصادي نواجهه، أمر يثير جزعاً بالغاً. إن المرة الوحيدة التي تحدث فيها [سوناك] عن ذلك، جاءت حول منح المنازل الصديقة للبيئة التي خفض تمويلها. إن العمل من أجل المناخ من شأنه أن يوفر إمكانات هائلة في خلق فرص عمل. ومن المشين أن يعجز سوناك عن الاعتراف بذلك".
ومن ناحية أخرى، لا تزال الحكومة غير قادرة على استبعاد خيار إنشاء منجم جديد وعميق للفحم من أجل تصديره إلى مصانع الصلب الأوروبية، إضافة إلى أنها تستكشف فرص جديدة في التنقيب عن النفط في بحر الشمال.
وفي ظل الانعقاد الوشيك لـ "مؤتمر الأطراف المعنية بالتغير المناخي"، لا تزال الحكومة عاجزة عن الإعلان عن سياسة من شأنها أن تبلور التحرك العالمي، الأمر الذي يجعلها تبدو كأنها غير متحمسة بشأن القضية الأكثر إلحاحاً في العالم.
© The Independent