هل من حدود لما قد تصل إليه كتيبة ثقافة اليقظة المعاصرة [حيال العنصرية] والصوابية السياسية الشخصية؟ أما عاد أي جزء من ثقافتنا الشعبية بمنأى عن طغيان ثقافة الإلغاء؟ هل جاء دور بوند الآن؟ لا شك في أنها لن تمس بمنقذ السينما لدينا جيمس بوند!
أثار كاري فوكوناغا، مخرج فيلم "لا وقت للموت" No Time To Die، آخر الأفلام في سلسلة جيمس بوند، مجموعة من العناوين هذا الأسبوع حينما أشار إلى ما نعرفه أصلاً بأن جيمس بوند مغتصب "فعلياً". على نحو متوقع وممل، تتوجه الآن اتهامات لفوكوناغا بأنه يخلق شخصية بوند تناسب عصر ثقافة اليقظة المعاصرة. ما الذي يمكننا أن نتوقعه من بوند ضعيف؟ هل يخلع تنكره كي يكشف قميصاً عليه شعار "حياة السود مهمة"؟ هل يقطع عناقه بينيلوبي سمولبون كي يتأكد من موافقتها على العناق؟ كلا. يقتصر الأمر على شهادة من "المجلس البريطاني لتصنيف الأفلام" بأن الشريط يناسب جمهور المشاهدين من عمر 12 فما فوق.
بدا أن فوكوناغا يشير في تصريحاته إلى مشهد شهير في فيلم "كرة الرعد" الذي ظهر سنة 1965 يغتصب فيه بوند الذي أدى شخصيته شون كونري، باتريسيا فيرينغ الممرضة التي تعمل في "عيادة شربلاندز" الطبية. وعلى غرار غيرها من الشخصيات النسائية الكثيرة في أفلام بوند، اللواتي يوضعن دائماً في إطار طفولي ويلقبن بفتيات بوند، يحمل اسم فيرينغ معنى مبطناً (fear تعني خوف بالإنجليزية). خلافاً لبوسي غالور وهولي غودهيد وبلينتي أوتول وأكتوبوسي وهوني رايدر أو ماري غودنايت (كلها أسماء تحمل تلميحات جنسية).
قد لا يثير اسم باتريسيا فيرينغ ضحكة تلاميذ المدارس بسبب التلميحات الجنسية التي يحملها، لكنه يشير حقيقة إلى العنف الجنسي الذي عاشته الشخصية، أما بالنسبة إلى اسم الشخصية والموسيقى التصويرية التي ترافق المشهد، فلا يستخفان بعملية الاغتصاب وحسب، إنما يصورانها على أنها إغراء، وهذا ليس أمراً مفاجئاً بالنسبة إلى سلسلة أفلام تواظب على تصوير العنف الجنسي والمضايقة الجنسية بوصفها إغراء، والعنف الجسدي باعتباره مداعبة.
آن الأوان للتفكير في أن الجاسوس الذي يهزنا من دون أن يزعزعنا يمثل مؤشراً مهماً إلى قيمنا الثقافية، إذ تتجدد شخصية بوند في كل عصر، فتعكس وتصوغ قيم العصر في آن معاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد يروق لنا أن نفكر في أن شخصية 007 التي لعبها دانييل كريغ تمثل بوند الصحيح الذي نستحقه، بملابس المهربين، لكنه أيضاً الرجل المقرف الذي ندفع كثيراً من المال لمشاهدته. مثلاً، لنأخذ فيلم "السقوط من السماء" (سكاي فول Skyfall). تُصور سيفيرين، إحدى شركاء الشخصية الشريرة راوول سيلفا، بدور المرأة الفاتنة الكلاسيكية. عيناها مكحلتان ونظراتها قوية لكنها عدوة بوند كذلك، إلى أن يكتشف وشماً على رسغها يشير إلى أنها ضحية الاتجار بالبشر لأغراض جنسية. آنئذ تصبح شخصية المرأة الفاتنة منطقية! لا شك في أن ضحية الاتجار بالأطفال لاستغلالهم جنسياً ستحترف الغواية، ولا شك أيضاً في أنها لن تهتز أبداً حينما ينضم إليها بوند الذي تعتقده ميتاً، في الحمام.
لقد مُحي كل تاريخها المؤلم من الاتجار بالبشر واستغلالهم جنسياً في لحظة مع الجاسوس الذي أحبها، أو أقله أخطأ عندما أطلق النار عليها. نعم. يبعث ذلك على القلق الشديد، ومع ذلك، نعم، اصطفت الجماهير لمشاهدته.
يمثل بوند دور مفترس جنسي في كثير من أفلامه طبعاً، وكتب إيان فليمينغ التي تشير إلى "لسعة الاغتصاب اللذيذة" مقلقة بالمقدر ذاته، إن لم نقل أكثر.
بدل تنقيح سلسلة أفلام بوند أو تجنب كراهية النساء والعنصرية التي شكلت عناصر أساسية في أشهر سلسلات أفلامنا وأكثرها شعبية، ربما علينا الإقرار بأن أكثر شخصياتنا الثقافية احتراماً وتمجيداً واحتفاء قد اشتهرت تحديداً بسبب سلوكها الشائن. تعمل أفلام بوند على تسخيف الاغتصاب وتقدمه على أنه إغراء لعوب لأنه يُعامل بهذه الطريقة في الواقع.
علينا الانتباه جداً للقوالب المتعددة التي تجسد شخصية بوند، إذ تعتبر تلك الشخصية مرآة تُظهر قيمنا الثقافية، حتى عندما يشمل ذلك تصوير العنف الجنسي ضد النساء باعتباره مادة للترفيه مع نكتة ساخرة وبسمة ماكرة.
© The Independent