Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليف أولمان تكرمها أميركا بأوسكار فخرية متأخرة

الممثلة الكبيرة التي وجدت نفسها في أفلام برغمان تحلم أن تكون حكواتية

الممثلة السويدية الكبيرة ليف أولمان (صفحة الممثلة على فيسبوك)

"أن يأتي متأخراً خير من أن لا يأتي أبداً" مقولة تخطر على البال ونحن نقرأ خبر إسناد ليف أولمان "أوسكار" فخرية من أكاديمية فنون الصور المتحركة وعلومها. الجائزة المهيبة التي تُمنح عادةً لمن يستحقونها بشدة ولكن لم يحالفهم الحظ في الحصول عليها طوال مسيرتهم، ستتسلمها الممثلة النرويجية الكبيرة خلال الدورة الـ12 من توزيع جوائز حاكم كاليفورنيا التي من المتوقع إقامتها في شهر يناير (كانون الثاني) 2022. 

أولمان واحدة من آخر عمالقة التمثيل الذين لا يزالون أحياء. مجرد لفظ اسمها كفيل باستحضار عشرات الصور والمشاهد الأيقونية. الممثلة التي ذاع صيتها دولياً بعد أن لعبت دور إليزابيث فوغلر في "برسونا" لإنغمار برغمان في عام 1966، اقترن وجودها طويلاً بسينما هذا المخرج السويدي الكبير. رُشحت مرتين لـ"أوسكار" أفضل ممثلة، مرة عن "المهاجرون" (1973) ومرة عن "وجهاً لوجه" بعدها بأربع سنوات، إلا أنها لم تنلهما في كلتا الحالتين.

لحظات سامية

مثلت أولمان تحت إدارة برغمان تسعة أفلام. طبع وجهها بتفاصيله الساحرة، أفلام صاحب "صراخ وهمسات" وتصدر أسمى لحظاتها. هناك روح معذبة داخل هذه الفنانة التي حافظت على صفاء لا مثيل له، وقد تسنى لي أن ألمس شيئاً من هذه الروح في لقاء جمعني بها في مدينة ليون الفرنسية قبل ثلاث سنوات. يومها كانت تقف على عتبة الثمانين، وقد كتبتُ عنها أنها "سيدات عدة في سيدة واحدة". الجلوس قبالة هذه الأسطورة السينمائية كان أمراً مربكاً. اشتهرت أولمان في العالم أجمع كملهمة برغمان، وأضحت الوجه والصوت اللذين نسج منهما حكاياته، والعينين اللتين تشع منهما روعة الإنسانية. 

لم تزعجها يوماً حقيقة أن اسمها بات مرتبطاً للأبد باسم برغمان. عندما يسألها أحدهم عن هذا الموضوع ترد بأن الأمر طرح لديها بعض التساؤلات، لكونها قامت بنشاطات أخرى في حياتها، ولكن في كل مرة، كان يتم ذكر برغمان ليطغى على أي شيء آخر قامت به. إلى أن جاء يوم قررت أن تصارح فيه برغمان بهذا الموضوع، فلم يقل لها سوى "كوني فخورة". وبالفعل، لم تعتبر هذا تخفيفاً من شأنها، لكونها متصالحة مع نفسها. شعرت ولا تزال تشعر بالاعتزاز بسبب هذه العلاقة التي تصفها بالعظيمة وانطوت على شراكة وفن وحب. وعندما، قبل ثلاثة أعوام، عمت الاحتفالات بمئوية برغمان، وجدت نفسها تتنقل من عاصمة إلى أخرى، للحديث عن أمور كان هو يتكتم عليها نوعاً ما عندما كان حياً. 

على الرغم من هذا كله، تقول أولمان إنها غير نادمة على التوقف عن التمثيل. فالأولويات تتغير من عمر إلى عمر، والتمثيل ما عاد حاجة عندها. كل ما تريده في ما تبقى لها من سنوات هو أن تروي القصص للآخرين. ليس من خلال الوقوف قبالة الكاميرا بل الكتابة. تقول "اليوم، أود أن أقلب الصفحة وأصبح حكواتية. أود أن أكتب وأحكي قصص أناس لم أستطع الحكي عنهم في حياتي السابقة".

سرد الحكايات

بلا معرفة عميقة بينك وبينها، تفتح أولمان لها قلبك وتصارحك فتخبرك بأنها تنوي اكتشاف ماذا تخبئ لها الحياة بعد عمر طويل من المجد الذي لا تراه هي مجداً. وعلى الرغم من أن ما تبقى لها أقل بكثير مما راح، فلا تزال دفاترها مليئة بالمشاريع، وتستخدم صيغة "قد" في الحديث عنها "قد أكتب وأسرد الحكايات وأروي عن أولئك الذين التقيتهم. سأعيش حتى أكتشف ما الذي ينتظرني وأنا في خريف الحياة".

 

آخر إطلالة جماهيرية مهمة لها كانت في ليون. بدت مندهشة. كانت تقول إنها لم تتوقع أن يحدث لها أمر كهذا: لقاء الناس والإنصات إلى قصصهم، وفجأةً الشعور ببهجة عالم السينما. يومها اعتبرت أن زحف الناس إلى السينما نتيجة أنهم سئموا من التلفزيون والأكاذيب. تنظر من حولها وتكرر: "كم هو ملهم، هذا المكان يجسد حب السينما بكل تجلياته". 

مَن يتسنى له لقاء أولمان، لا بد أن يفرغ جعبته من الأسئلة الكلاسيكية في شأن مدرسة التمثيل التي تعتمدها. فهي درست معطيات المخرج الروسي ستانيسلافسكي كثيراً خلال شبابها، قبل أن تكتشف أنه لا يلائمها. اليوم تؤكد أن الحياة هي مدرستها. هذا ما تؤمن به. اتباع منهج ستانيسلافسكي يفرض على الممثل أن يستحضر ذكرياته وتجربته الحميمية لبناء الشخصية، ومشكلة أولمان مع هذه التقنية هي أنها تجعل كل شيء يلف حولها ولا يبقى إلا القليل من العالم الذي يحيط بها. تقول "تقنيته مهمة جداً للذين استخدموها، ونعرف ممثلين أميركيين كباراً طبقوها على أكمل وجه. اشتغلتُ مع بعض منهم، ولا يمكنك أن تتواصل معهم خلال الاستراحة لأنهم يكونون داخل الشخصية. وهذا يختلف عما أنا عليه، لأنني أخرج كلياً من الشخصية التي أكون فيها عندما تتوقف الكاميرا عن الدوران". 

الممثلة المتعددة

مع برغمان، عملت أولمان على النحو الآتي: تخوض تمارين لنحو أسبوع أو أسبوعين، وكان المخرج يراقب خلالها الممثلين ثم يأتي مع الكاميرامان ليقرر الزوايا التي سيلتقط منها. كانوا يكررون اللقطة ثلاث مرات أو أربعاً حداً أقصى. تقول أولمان "بصفتي ممثلة، أفضل لقطتين. مجدداً أقول: كان برغمان مشاهداً رائعاً. يعرف عنك أكثر مما تعرف عن نفسك. كان يديرك بشكل جيد من دون أن يشرح لك لماذا تقوم الآن من كرسيك وتتوجه إلى النافذة. وعندما كنت تبدأ في التنفيذ، مشاعر أخرى كانت تدهمك. ولكن لم يكن يملي عليك المشاعر. كان يسمح لك بأن تكون مبدعاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يقتصر الفن بالنسبة إلى أولمان على السينما فحسب، بل يشمل الباليه والأوركسترا والأدب وسائر أنواع التعبير. من أجل تأكيد أهمية الفن، تستشهد بونستون تشرشل وما قاله خلال الحرب العالمية الثانية رداً على الناس "لمَ نحارب إذا لم يكن للفن وجود؟". جملة كهذه هدفها بالنسبة إليها تذكيرنا بمَن نحن ولأي سبب نعيش في هذه الحياة.

حتى نشاطاتها في المجال الاجتماعي لا تأتي من فراغ بل لها أهداف محددة شبيهة بأهداف الفن: كي تتذكر مَن هي ولمَ لا تزال في هذه الحياة. العمل الإنساني يمدها بطاقة لمواصلة مسارها الطويل. بفضله التقت بأناس عاديين وقرأت في عيونهم كلاماً أجمل من أي لوحة راقصة أو معزوفة أو قصيدة. بعض هؤلاء علموها ماذا يعني أن تكون كائناً من لحم ودم، وماذا يعني أن تلتقي أشخاصاً من ثقافات مختلفة، وعلى الرغم من ذلك يفهم أحدهم الآخر. هذا ما شعرت به عندما حملها العمل الإنساني إلى بقع مختلفة من العالم، حيث لا يملك بعض الناس أي شيء يُذكر، ومع ذلك يبدون استعدادهم أن يمنحوا الآخرين آخر نقطة مياه في كأسهم.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما