يواصل الريال اليمني في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الشرعية انهياره، إذ وصل سعر الدولار الواحد إلى 1200 ريال يمني، بينما يستقر في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين عند 600 ريال يمني للدولار الواحد.
وفي نهاية العام 2019 أقدمت الحكومة المعترف بها دولياً على طباعة عملات نقدية جديدة وتوزيعها في السوق، وعملت جماعة الحوثي على منع تداولها في مناطق سيطرتها، وأدى هذا التصرف إلى انقسام مصرفي هو الأول في تاريخ البلاد، ومع منتصف العام 2021 أعلن البنك المركزي في العاصمة الموقتة عدن تراجعه وتغليب مصلحة المواطنين من أجل إنهاء الانقسام المالي في البلاد، وعمل على إعادة طباعة عملات نقدية كانت جماعة الحوثي قررت التعامل بها في مناطق سيطرتها، لكن مع خروج العملات النقدية الجديدة منعتها جماعة الحوثي مجدداً من الدخول إلى مناطقها، وعملت على مصادرة مبالغ كثيرة من تجار ومسافرين بحجة أنها مزورة، مع العلم أنها العملات النقدية نفسها التي تتداولها الجماعة في مناطق سيطرتها.
الانقسام المصرفي
كل هذه المعارك المفتعلة أدت إلى انقسام مصرفي في البلاد، بين المناطق التي تخضع للحكومة الشرعية وأخرى تقع تحت سيطرة الحوثيين.
ولأن نظام الحكم في اليمن كان مركزياً قبل انهيار الدولة، كانت صنعاء عاصمة للبلاد، وفيها توجد الشركات وكبار التجار، وتأتي البضائع إليها ثم يعاد توزيعها على المحافظات الأخرى.
ونظراً إلى عدم قبول الحوثيين للعملات النقدية الوطنية يضطر التجار إلى شراء العملات الأجنبية من مناطق الشرعية، ومن ثم إرسالها إلى مناطق الحوثيين لشراء البضائع، الأمر الذي شكل طلباً كبيراً على العملات النقدية الصعبة في مناطق الحكومة الشرعية، يقابله استقرار في مناطق الجماعة.
سالم الخراز وهو مالك شركة صرافة في مدينة مأرب، يقول في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن أسباب ارتفاع الصرف هو الطلب غير الطبيعي من البنوك والسماسرة والشركات ذات الفروع في مأرب على العملات الصعبة، وتهريب العملة للخارج، مما أدى إلى زيادة الطلب على الريال السعودي الذي بات متداولاً في الداخل.
وأضاف، "الشركات التي تتبع هوامير وبنوكاً لها مراكز في صنعاء هي شريك في أزمة اليوم، وتهريب العملات الأجنبية من مناطق الشرعية مستمر، ومقدار ما يتم تهريبه يومياً من 30 إلى 40 مليون ريال سعودي (8 إلى 10 مليون دولار أميركي)، والسبب خروج كميات كبيرة من العملة الأجنبية إلى خارج البلاد، وتتحمل المسؤولية عنها الجهات المتخصصة في تلك المنافذ".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما أسامة العاقل، مدير فرع إحدى شركات الصرافة والتحويلات في مأرب، فيقول إن من أسباب ارتفاع قيمة العملات الأجنبية أمام العملة الوطنية هو غياب العملة الصعبة. ويضيف، "إذا وفر البنك المركزي في عدن العملات الصعبة للتجار فسيكون هناك انخفاض في أسعار الصرف، وأيضاً يجب أن يزيد من دوره في الرقابة، وإذا فُعّل دور الرقابة على شركات الصرافات والتحويلات فسيكون هناك هدوء في سوق العملات".
إيقاف إنتاج الوقود محلياً ضغط الدولار
ويشدد أستاذ الاقتصاد المساعد في جامعة إقليم سبأ عبده مدهش، على أن انهيار العملة قائم في المقام الأول على "عرض وطلب الدولار، فعندما يزيد الطلب على الدولار والعرض محدود تكون النتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل العملة الوطنية". ويضيف، "عامل الحرب له دور أيضاً، لكن الأهم هو حصار الحكومة اقتصادياً في عدم تصدير الغاز والنفط، وتوقيف مصافي عدن، حيث كان يتم توفير حجات السوق المحلية من المشتقات النفطية محلياً بدلاً من استيرادها بالدولار، والتي حالياً تشكل ضغطاً على طلب الدولار، أما العامل الآخر والمهم فهو أن الحكومة تقوم بعملية تغطية نفقاتها من خلال الإصدار النقدي، وهذا يؤدي إلى زيادة عرض النقود وانخفاض قيمتها".
وإضافة إلى غياب الاستقرار السياسي وعدم عودة الحكومة للعاصمة المؤقتة عدن، مما يترتب عليهما توقع التجار والصيارفة ارتفاع الدولار، فيقومون بشرائه من السوق بسعر أعلى من قيمته الحقيقية، مما يؤدي إلى ارتفاع قيمته ومن ثم انخفاض قيمة العملة أيضاً.
"مركزي عدن" يسعى إلى وقف التدهور
وقال البنك المركزي اليمني بعدن إنه يعتزم اتخاذ إجراءات وقرارات حازمة على مستوى قطاعي البنوك والصرافة لإصلاح الوضع بقدر ما يمكنه ذلك، لوقف التدهور الحاد الذي تشهده العملة الوطنية، بحسب ما أوردته وكالة "سبأ" الرسمية.
وتزامن القرار مع احتجاجات غاضبة في عدد من المدن اليمنية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، تنديداً بانهيار العملة وغلاء المعيشة، إضافة إلى إعلان اتحاد ملاك المحطات الخاصة بأربع محافظات يمنية تعليق العمل في جميع المحطات الخاصة ابتداء من اليوم الثلاثاء.
وقال الاتحاد في بيان، "نظراً إلى ما آلت إليه الأمور من تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، تقرر تعليق العمل في المحطات الخاصة في أربع محافظات وهي عدن ولحج وأبين والضالع، وسيتم تعليق العمل حتى يتم الجلوس مع الجهات المعنية والخروج بحلول مناسبة".