Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البصرة تتخلص من أخطر تركات حرب الخليج الثانية

كانت تتصدر المحافظات الأشد تلوثاً والأكثر تضرراً من رواسب اليورانيوم المنضب

مؤتمر للإعلان رسمياً عن خلو محافظة البصرة من التلوث الإشعاعي باليورانيوم المنضب (اندبندنت عربية)

آلاف القذائف والصواريخ المعززة باليورانيوم المنضب أطلقتها القوات الأميركية والبريطانية خلال حرب الخليج الثانية، وبعد ثلاثة عقود من التلوث الإشعاعي الذي حصد أرواح آلاف العراقيين بالأمراض السرطانية، أعلنت الحكومة العراقية أخيراً خلو محافظة البصرة من التلوث الإشعاعي باليورانيوم المنضب، بعدما كانت تتصدر المحافظات الأشد تلوثاً والأكثر تضرراً.

أمراض سرطانية وتشوهات

وتفيد دراسة علمية بشأن فداحة التلوث الإشعاعي باليورانيوم المنضب، استغرق إعدادها سبع سنوات، ونشرتها "منظمة المجتمع العلمي العربي" العام الماضي، بأن "القوات الأميركية والبريطانية استخدمت في حرب تحرير الكويت 4000 قذيفة يورانيوم منضب ذات حجم 120 ميليمتراً تم إطلاقها من دبابات تشالنجر وأبرامز على دبابات وناقلات جند ومعدات وتحصينات عسكرية عراقية. وتبلغ حشوة اليورانيوم المنضب في كل قذيفة منها 4.9 كيلوغرام، ما عدا القذائف والصواريخ التي ألقتها طائرات حربية". وأضافت الدراسة أن "القوات الأميركية والبريطانية استخدمت من 320 إلى 800 طن متري من اليورانيوم المنضب".
وعزت الدراسة زيادة التشوهات الخلقية لدى الأطفال بعد عام 1991، إلى التلوث الإشعاعي، وتوقعت إصابة مزيد من العراقيين بالأمراض السرطانية الناجمة عن التعرض لمستويات مرتفعة من الإشعاع. وأكدت أن "مشكلة التلوث الإشعاعي في جنوب العراق وتأثيراتها الصحية ستستمر لعشرات السنين، لأن أكاسيد اليورانيوم الناجمة عن احتراق القذائف عند انفجارها تحولت إلى هباء تتناقله الرياح".
وتشير الإحصائيات الرسمية في البصرة إلى تسجيل ما لا يقل عن 2000 إصابة بالسرطان سنوياً. وفي تقريرها لعام 2014، ذكرت منظمة الصحة العالمية أن "عدد وفيات مرضى السرطان في العراق بلغ عشرة في المئة من مجموع الوفيات بسبب الأمراض غير السارية". وبحسب النائب في البرلمان العراقي جمال المحمداوي فإن "معدل الوفاة بالسرطان في العراق هو الأعلى مقارنة بدول الجوار، وللحد من الإصابة والموت بالأمراض السرطانية لا بد من استراتيجية وطنية شاملة تتضمن معالجة مصادر التلوث البيئي والإشعاعي والكيميائي والبيولوجي".
كذلك أكد نائب محافظ البصرة، ضرغام الأجودي، وهو أحد أعضاء الجمعية العراقية للبحوث والدراسات الطبية، أن "التلوث الإشعاعي باليورانيوم المنضب تسبب بموت بطيء لآلاف العراقيين بالأمراض السرطانية"، مضيفاً أن "على وزارة الخارجية العراقية والمفوضية العليا لحقوق الإنسان التحرك باتجاه المطالبة بتعويضات من الدول التي استخدمت قواتها ذخائر اليورانيوم المنضب في العراق، وبخاصة خلال حرب الخليج الثانية في عام 1991. وبنتيجة الأضرار الفادحة والخسائر الجسيمة يمكن أن تصل مبالغ التعويضات إلى مليارات الدولارات".

معالجة المواقع الملوثة

قبل أيام قليلة، أعلنت الحكومة العراقية خلال مؤتمر في البصرة عن خلو المحافظة من التلوث الإشعاعي باليورانيوم المنضب في ضوء إنجاز مشروع تضمن معالجة ونقل كميات كبيرة من المواد الملوثة إشعاعياً، وتخزينها داخل حاويات في مكان يقع في منطقة صحراوية تبعد أكثر من 100 كيلومتر عن أقرب منطقة سكنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحول تفاصيل المشروع قال مستشار رئيس الوزراء لشؤون الطاقة النووية، حامد الباهلي، إن "مجلس الوزراء شكل فريقاً وطنياً أجرى على مدى عامين مسحاً إشعاعياً شاملاً في البصرة، تضمن تسجيل 73 ألف قراءة باستخدام أجهزة لقياس مستويات الإشعاع". وأضاف أن "عمليات المسح غطت مساحة 86 كيلومتراً مربعاً، منها 400 ألف متر مربع فقط ظهر فيها تلوث إشعاعي بنسب متفاوتة. وبعض المواقع كان التلوث فيها أكثر بـ300 مرة من الحد المسموح به".
وأشار الباهلي الذي كان مشرفاً على مفاعل تموز النووي الذي دمرته إسرائيل عام 1981، إلى أن "الخطوة اللاحقة كانت باتجاه معالجة وإزالة المخلفات الإشعاعية، والتي بلغ وزنها 180 طناً، إذ تم تجميعها في 250 حاوية محصنة ضد التسرب الإشعاعي، ونُقلت إلى مكان بعيد وآمن"، وأضاف أن "في الخطوة الأخيرة تم إجراء مسح إشعاعي جديد، وأظهرت النتائج عدم وجود تلوث إشعاعي باليورانيوم المنضب، وبذلك أصبحت البصرة أول محافظة عراقية خالية من التلوث الإشعاعي".
في هذه الأثناء يجري الحديث عن مشروع مرتقب بتمويل من الاتحاد الأوروبي لإنشاء موقع مخصص لطمر الملوثات الإشعاعية بشكل نهائي، فالمواد الملوثة جُمعت وخُزّنت في موقع مؤقت. وتؤكد هيئة المياه الجوفية أهمية معالجة وعزل المواد الملوثة قبل دفنها حتى لا تتسبب بتلوث المياه الجوفية. وقال مدير الهيئة في البصرة عبد الجبار السعيدي إن "فاعلية الإشعاع تبقى لمئات آلاف السنين، ولذلك من الضروري توخي الحذر الشديد عند طمرها حفاظاً على المياه الجوفية".

تلوث إشعاعي من نوع آخر

لا يقتصر التلوث الإشعاعي في جنوب العراق على استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب، بل ثمة نوع آخر من التلوث الإشعاعي ناجم عن الصناعة النفطية. وقال خبير التلوث الإشعاعي في "شركة نفط البصرة"، مسطر عبد الله، إن "عمليات استخراج النفط الخام تؤدي تلقائياً إلى تدفق أطيان ومياه من باطن الأرض ملوثة إشعاعياً باليورانيوم الطبيعي". وأضاف أن "هذه المواد الملوثة تترسب في الأنابيب والمعدات وتلوثها، ونتيجة لذلك لدينا مئات آلاف المعدات والأنابيب الملوثة إشعاعياً".
ولفت خبير التلوث الإشعاعي إلى أن "الشركة تعتزم إبرام عقد مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتنفيذ مشروع يقضي بمعالجة المعدات والأنابيب النفطية الملوثة إشعاعياً". واعتبر أن "تنفيذ المشروع يسمح بإعادة استخدام أو بيع هذه المعدات والأنابيب، ما يعني توفير مئات ملايين الدولارات".
ولا تتوفر معلومات دقيقة عن مدى تأثير المعدات والأنابيب الملوثة إشعاعياً على سلامة العاملين في القطاع النفطي، لكن وزارة النفط أصدرت الأسبوع الماضي بياناً أعلنت فيه تخصيص مبلغ 700 مليون دينار (ما يعادل نحو نصف مليون دولار) لتغطية نفقات علاج مصابين بالسرطان من العاملين في شركة الحفر العراقية تقديراً لتضحياتهم.

المزيد من تقارير