Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

11 سبتمبر خلف مفارقة لم نتمكن بعد من تجاوزها

يكتب توم بيك قائلاً، إن وصول "الحرب على الإرهاب" إلى نهاية اسمية إثر هجوم إرهابي وشحنة من التوابيت الأميركية يكشف مجدداً أننا عالقون في وضع لا يملك أحد فكرة عن سبل التعامل معه

 في أعقاب هجوم 11 سبتمبر الإرهابي مباشرة (غيتي)

[إذا ما نظرنا إلى] أحد الجوانب القاتمة تحديداً، لم يدفع بلد ثمناً أعلى للأحداث المروعة التي حدثت في 11 سبتمبر (أيلول) أكثر من المملكة المتحدة. فقد قُتِل 67 بريطانياً في ذلك اليوم في ما يظل أسوأ هجوم إرهابي يستهدف حياة البريطانيين. وفي الحروب التي خِيضَت لاحقاً على شرفهم، قُتِل ما يقرب من 10 أضعاف هذا العدد من العسكريين البريطانيين، 455 في أفغانستان و179 في العراق.

وفي شكل غير مفاجئ، تمتلك الولايات المتحدة أرقاماً أكثر إثارة للذعر، لكنها نسبياً أقل إثارة للصدمة. فقد قُتِل ألفان و605 أميركيين في 11 سبتمبر، مقارنة مع سبعة آلاف عسكري أميركي خلال خوضهم "الحرب على الإرهاب"، التي انتهت في شكل مذل وعنيف قبل أسبوعين.

(من جانب آخر، إن ما ورد أعلاه غير صحيح على نحو عبثي. فقد قدم العراق وأفغانستان بالتحديد صفراً من إرهابيي 11 سبتمبر [لم يأت أي من الإرهابيين من هذين البلدين]، وتحملا نطاقاً من الخسارة والتدمير لا يمكن تخيله، لكنه يصل بالتأكيد إلى مئات آلاف الأرواح، البريئة كلها تقريباً).

ويُعَد تطابق الذكرى الـ20 لهجمات الحادي عشر من سبتمبر مع الخروج النهائي لقوات التحالف كلها من أفغانستان اللحظة الحلوة التي رغب بها دونالد ترمب. فالرئيس الملائم لتلفزيون الواقع، الذي لم يفهم يوماً العمل السياسي إلا كعرض من عروض تلفزيون الواقع تبثه القنوات الإخبارية، رغب في الوقوف في ظل المباني في مانهاتن أمام مجموعة من الشبان الأميركيين الذين أعادهم إلى بلادهم ليتبجح بأن المهمة اكتملت.

وأُعجِب خليفته، لعاره، بهذا السيناريو، على الرغم من أن الواقع غير المدرج في السيناريو مناسب أكثر مما يجرؤ على الإقرار به. فوصول الحرب على الإرهاب إلى نهاية اسمية إثر هجوم إرهابي وشحنة أخرى من التوابيت الأميركية يكشف مجدداً المفارقة التي تكشفت للمرة الأولى قبل 20 سنة، والتي لا نزال عالقين فيها، والتي لا يملك أحد دليلاً حول ما يفعله في شأنها.

قبل 20 سنة، كان توني بلير في غرفة بفندق يستعد لإلقاء خطاب أمام مؤتمر الاتحادات المهنية في برايتون، حين شاهد على شاشة تلفزيونه الصور نفسها التي شاهدها الآخرون جميعاً. وفي مناسبات كثيرة أعرب عن أفكاره في تلك اللحظة، لكنه فعل ذلك في الشكل الأكثر تعبيراً حين وقف أمام لجنة تشيلكوت للتحقيق بعد تسع سنوات. قال إن 11 سبتمبر "غيّر طريقة احتساب الخطر".

وهذا ما فعله حقاً. لقد كشف أن عصابات صغيرة من الأفراد الملتزمين، تعمل إلى هذا الحد أو ذاك خارج إطار أي دولة أو حكومة، امتلكت القدرة على شن هجمات مدمرة ضد بلدان قوية. لكن في الأسابيع والسنوات التالية، وجدت هذه البلدان القوية نفسها غير قادرة على الاستجابة بأي طرق غير طرقها التقليدية – شن حروب على بلدان أخرى، مع النتيجة الحتمية المتمثلة في أنها ستدفع الضحايا الأبرياء لهذه الحروب إلى التطرف.

قال بلير أمام التحقيق، "تمثل الاعتبار الرئيس لدي بإرسال رسالة قوية في شكل مطلق بعد 11 سبتمبر. إذا كان نظام ما منخرط في صنع أسلحة الدمار الشامل، كان عليه أن يتوقف".

كانت جودة المجادلة هذه أقل بكثير من معاييره. لقد غيرت الهجمات في 11 سبتمبر كل شيء تماماً لأن دولة - أمة لم ترتكبها، ولأنها لم تتضمن ذلك النوع من الأسلحة الذي لا تستطيع سوى مثل هذه الدول امتلاكه. كانت الفكرة كلها من وراء عالم ما بعد 11 سبتمبر تتلخص في أن الغرب القوي جداً عطلته شبكة من الرجال، العاملين إلى حد كبير في معزل عن أي حكومة. وإذا كانت طريقة احتساب الخطر تغيرت، للأسباب التي عرضها بلير، فالحرب في العراق كانت رداً غير مجد (معالجة عقيمة). هذه هي تحديداً المفارقة التي لم نتمكن من تجاوزها.

ولهذا السبب، من الأهمية في شكل خاص تذكر أعداد القتلى البريطانيين، لأن هؤلاء يمثلون الإسهام المادي العظيم لبريطانيا. قبل ثلاثة أسابيع، سجل جنود بريطانيون سابقون أصبحوا سياسيين، مثل (رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان) توم توغنهات، اشمئزازهم من الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان، ومن المصير الذي تُرِك شعب البلاد لمواجهته، وهذا يكشف أيضاً عجز بريطانيا وعدم الاعتداد بوزنها طوال الوقت (الحرب على الإرهاب).

من المهم عدم الخلط بين الحربين. فالأولى، الحرب في أفغانستان، اعتُبِرت منصفة وعادلة، استهدفت إزالة حكومة مارقة دعمت فصيلاً سرياً من الإرهابيين شن هجوماً شنيعاً. والثانية، الحرب في العراق، كانت مشكوكاً فيها في مرحلة استشراف المستقبل ومدعاة عار في مرحلة الإدراك المتأخر.

لكن ثمة ميلاً، في صفوف البريطانيين بالتأكيد، إلى إلقاء لائمة الحرب في العراق على توني بلير. وتلقي أحداث الأسابيع القليلة الماضية بعض الضوء على ذلك. كانت حرب العراق واقعة لا محالة. وكان القرار الوحيد الذي اضطر بلير إلى اتخاذه هو توفير الدعم المعنوي لأميركا أو عدمه وهي تشن الحرب. (شبه مرة مراسل أجنبي، أمضى وقتاً طويلاً في كل من العراق وأفغانستان، دور بريطانيا في العراق بـ"الواقي الذكري خلال اغتصاب". هذا لتوفير مظهر مثير للضحك تقريباً لاحترام فعل بغيض في شكل تام).

كان التبرير الرئيس للحرب في أفغانستان منع حصول 11 سبتمبر آخر مرة أخرى. وعلى الرغم من سهولة النسيان، لا يمكن التغاضي عن أن أي عمل إرهابي فظيع في ذلك النطاق لم يحصل قط منذئذ. فقد دُفِعت طالبان مجدداً إلى باكستان، وطُورِد قادة القاعدة وقُتِلوا. لكن مطاردة أسامة بن لادن استغرقت وقتاً أطول بكثير مما كان متوقعاً، وأوقعت الولايات المتحدة وحلفاءها في درجة من درجات محاولة بناء الأمة في أفغانستان ربما لم ترغب فيها واشنطن أو لم تتوقعها. ومن المؤكد أنها لم تهتم بالقيام بالأمر نفسه في العراق، حيث لم ينطوِ الأمر على محاولة لـ"فرض قيمنا" على الآخرين بقدر ما تضمن، كما يُوصَف عادة، قلباً للوحة لعبة المونوبولي وترك اللاعبين يتعاملون مع الفوضى.

هذا التحول في طريقة احتساب الخطر هو ما يوفر التبرير الغامض الوحيد للخسائر البريطانية في الأرواح، لكنه في حد ذاته احتساب مشكوك فيه. فأي مجموعة إرهابية لم تمتلك بعد أسلحة بيولوجية أو كيماوية. وقد تكون قيادة طائرة مخطوفة إلى قلب ناطحة سحاب أعلى مستوى من الشر يمكن تحقيقه، وبهذا المعنى، يصعب عدم الاستنتاج بأن مئات الآلاف من الأرواح وتريليونات الدولارات لم تجعل العالم مكاناً أكثر أماناً أكثر مما فعلت سلسلة من الإجراءات الجديدة والمزعجة الخاصة بركوب الطائرات. في الأيام القليلة الماضية، حذر بلير مجدداً من مخاطر امتلاك الإرهابيين أسلحة دمار شامل، في نوع من تبرير للحربين في العراق وأفغانستان، لكن حالياً، لا تقوم قائمة لهذا التسويغ.

لدى تبريرات بلير قدرة على التوفيق الجيد. لقد أمضى 20 سنة يجادل بأن من الصحيح الحفاظ على العلاقة الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة، وأن العمل العسكري في العراق كان مبرراً في كل الأحوال. وهذا الأسبوع قال مجدداً، "إذا ابتعدنا عن أميركا، سيشكل ذلك تراجعاً كبيراً". لا شك في أن الأمر صحيح، لكنه ليس مفيداً إلى هذا الحد. فأميركا غير مستقرة. ومن الآن فصاعداً، لدينا رئيس وزراء أهان باراك أوباما عنصرياً في شكل استفظعه مَن كان نائبه في ذلك الوقت وأصبح الآن رئيس الولايات المتحدة ويقف إلى جانب إيرلندا في شأن بريكست. وفي هذا الوقت من العام الماضي، كاد العكس تماماً أن يصح.

طوال 20 سنة، تجادل البريطانيون بين بعضهم بعضاً حول أوجه الحق وأوجه الباطل في الحربين اللتين خدمنا فيهما بسرور على الهامش، لكن الجدل لم يترك سوى أثر بسيط جداً في عملنا السياسي. فالحرب في العراق ربما دمرت سمعة بلير، لكنها لم تسبب أي ضرر يُذكَر لحياته المهنية، فهو حقق فوزاً انتخابياً كبيراً إضافياً بعدها، وتقاعد في الوقت الذي اختاره هو تقريباً (ويصح الأمر نفسه على جورج دبليو بوش). وفي أوقات ما، اعتُبِر حزب العمال محظوظاً لامتلاكه قادة إما عارضوا الحرب أو لم يكونوا موجودين ليصوتوا عليها، لكن ذلك لم يساعد كوربين أو ميليباند قيد أنملة.

لقد نجح ميليباند، طبعاً، في منع تدخل عسكري في سوريا، وربما أثر في التطورات في واشنطن من خلال ذلك، لكن تداعيات ذلك القرار تدعنا أمام مقارنة مماثلة واضحة. لا تبدو سوريا في وضع أفضل في غياب تدخل غربي. (من آراء بلير الموفقة التفكير في الرد المحتمل لصدام حسين على الربيع العربي. وهو رأي يلائمه، لكنه ليس غير صحيح).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبلير عام 2021 أكثر تشكيكاً في سهولة ما لا نزال نحب أن نسميه تصدير قيمنا حول العالم أو في القيمة الأخلاقية لذلك. لكنه محق حين يقول إن الآخرين، لا سيما روسيا، حين لا يتصرف الغرب، يملأون الفراغ بكل سعادة.

ثمة عدد من الأسباب الجديدة للامتعاض نضيفها إلى المعضلة المستحيلة بالفعل. إن الديمقراطية الليبرالية نفسها تعوقها حالياً قيمها، حرية التعبير وحرية التجمع. فالبلدان الاستبدادية تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات المغلوطة وانعدام الثقة (الشك) والتفكك في البلدان الحرة، وتعزز مصالحها صبيحة تراجع البلدان الأخرى.

وخلال معظم الحرب الباردة، كان في مقدور أميركا أن تؤكد على قيمها وتحميها حول العالم لأسباب من أبرزها أنها حققت درجة من التعاون بين الحزبين في مجال السياسة الخارجية. والآن يستفيد ترمب والحزب القائم على صورته من ذلك سياسياً. والمطلوب من المملكة المتحدة القيام به في هذا الشأن شبه مُحرر في عقمه [يعتقها من الإقدام لأنه غير مجد]. فهي لا تستطيع سوى أن تنتظر وترى ماذا يحدث وتأمل بحصول الأفضل.

لم تفتقر السنوات القليلة الماضية إلى الانتخابات العامة. ففيها كلها، يكون السؤال المتعلق بالسياسة الخارجية الذي يمكن طرحه، هو ما إذا كان القائد المعني سيطلق سلاحاً نووياً. وعام 2019، ردت جو سوينسون من الحزب الليبرالي الديمقراطي بـ"نعم" في حماسة شبه مثيرة. وبعد أسبوعين خسرت موقعها النيابي.

في عبثية كهذه، يتكشف كثير من العقم. وبعد 20 سنة، يمكن القول إن من الواضح الآن اعتبار أن عملاً بربرياً لا مثيل له جهز أميركا وحلفاءها ذهنياً لخوض معركة أكبر مما يجب. وبعد ثلاثة أسابيع، وسط نفحة من الإثارة العدوانية، قال توني بلير لمؤتمر حزب العمال، "هذه المعركة معركة ذات نتيجة واحدة، انتصارنا، لا انتصارهم".

وبعد 20 سنة، لم يتحقق ذلك تماماً. فـ"انتصارنا" لم يقبل بعد، و"نحن" نبدو أكثر إرهاقاً من أن نهتم لذلك [نُبالي]..

© The Independent

المزيد من آراء