Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طرح النظام الرئاسي يثير مخاوف من عودة الاستبداد في تونس

سعيد يجول مجددا في وسط العاصمة ويلمح إلى إمكانية تعديل الدستور

سعيد محييا مواطنيه في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية مساء السبت 11 سبتمبر الحالي (صفحة رئاسة الجمهورية التونسية)

منذ انتخابه رئيساً للجمهورية، يلوّح قيس سعيد، بتغيير المنظومة السياسية التي يحملها مسؤولية تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

واقتنص سعيد اللحظة التاريخية للخامس والعشرين من يوليو (تموز) 2021، ليعلن التدابير الاستثنائية التي وضعت حداً للمنظومة الحاكمة بكاملها، من برلمان وأحزاب وحكومة.

وبينما ينتظر التونسيون برنامج رئيس الجمهورية، لمرحلة ما بعد الإجراءات الاستثنائية، ألقى مستشاره وليد الحجام، حجراً في مياه راكدة، فصرح لوكالة "رويترز" في 9 سبتمبر (أيلول) الحالي، أن هناك "اتجاهاً نحو تغيير النظام السياسي في البلاد، ربّما عبر استفتاء"، مشيراً إلى أن "الدستور الحالي أصبح عائقاً أساسياً ويُفترض تعليقه، ووضع نظام مؤقت للسلطات"، مرجحاً أن يعلن رئيس الدولة برنامجه قريباً.

جولة في العاصمة

وأعلن سعيد خلال جولة له في العاصمة التونسية، مساء السبت (11 سبتمبر)، أن تشكيل الحكومة سيتم في أقرب الآجال، متحدثاً من جهة ثانية عن إمكان إدخال تعديلات على دستور البلاد.
وصرح سعيد لوسائل الإعلام بعد جولته في شارع الحبيب بورقيبة وسط حراسة مشددة، بأن الحكومة ستشكل "سنواصل البحث عن الأشخاص الذين يشعرون بثقل الأمانة ويحملونها". وتطرق إلى دستور عام 2014، قائلاً "أحترم الدستور، لكن يمكن إدخال تعديلات على النص".
واعتبر أن "الشعب سئم الدستور والقواعد القانونية التي وضعوها على المقاس، ولا بد من إدخال تعديلات في إطار الدستور". وأردف "الدساتير ليست أبدية ويمكن إحداث تعديلات تستجيب للشعب التونسي، لأن السيادة للشعب ومن حقه التعبير عن إرادته".
وأظهرت صور نشرتها صفحة الرئاسة التونسية على "فيسبوك"، سعيد يتجول في الشارع بينما كان هناك حشد يلقي عليه التحية ويردد النشيد الوطني.

فهل قدَر تونس أن تُحكم بنظام رئاسي محفوف بمخاطر الاستبداد، ولماذا فشل النظام البرلماني في إدارة شؤون البلاد؟

تاريخ تونس "رئاسي"

لم يعرف تاريخ تونس المعاصر، منذ الاستقلال وإلى عام 2011، أي طيلة أكثر من نصف قرن، غير النظام الرئاسي، مع أول رئيس للجمهورية الحبيب بورقيبة (1956 - 1987)، ثم مع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987 - 2011).

واعتاد التونسيون هذا النظام، ما جعل مؤسسات الدولة وأجهزتها، لا تنسجم بالشكل المطلوب مع النظام البرلماني المعدّل، الذي توزعت بمقتضاه السلطات بين ثلاث مؤسسات للحكم هي، البرلمان والحكومة والرئاسة.

ودخل مصطلح جديد المعجم السياسي التونسي، وهو الرئاسات الثلاث، بعد أن ألف التونسيون لعقود، رأساً واحداً للسلطة التنفيذية، هو رئيس الدولة.

ومثلت الزيارات التي يقوم بها رؤساء الجمهورية في تونس في مرحلة ما بعد عام 2011، فرصة كشفت حقيقة الوعي الباطني لدى عامة التونسيين بالمكانة الرمزية لرئيس الجمهورية، حيث يُطلب منه خلق الثروة، ويُسأل عن المنجز الاقتصادي والاجتماعي، بينما هذه الأمور من اختصاص وصلاحيات الحكومة.

التنشئة الاجتماعية تقوم على الأب القائد

وأعاد الباحث في علم الاجتماع، بالعيد أولاد عبد الله، جذور هذا الوعي إلى التنشئة الاجتماعية، التي تقوم في تونس على العائلة، النواة الاجتماعية الأولى التي يلعب فيها الأب الدور المحوري والمركزي، واعتباره الشخص الملهم والمؤطر والمرجع والقائد.

كما اعتبر عبد الله أن "أكثر من نصف قرن من تاريخ البلاد، شهد حكماً فردياً، لا يمكن محوه بسهولة"، داعياً إلى "تغيير هذه العقلية عبر إرساء المؤسسات، وتفعيل مبدأ التوازن بين السلطات، حتى لا تنزلق تونس مجدداً نحو الاستبداد، بحكم استعداد المحيطين برئيس الجمهورية لتحويله إلى مستبد عبر ممارسات التمجيد".

صراع الزعامات

وتحدث أولاد عبد الله، عن "الصراعات حول الزعامة، في أحزاب عدة في تونس"، لافتاً إلى "ذوبان الحزب في رئيسه، من خلال احتكار المداخلات والظهور الإعلامي، دون ترك المجال لبقية أعضاء الحزب للظهور". وتابع أن "هذا الوضع، شكل وعياً جمعياً لدى التونسيين، بأن البلاد في حاجة دوماً إلى شخص قائد وملهم ومنقذ، وهو ما يُروج اليوم في تونس، حول شخص رئيس الجمهورية، ما راكم حجم التخوفات من عودة الاستبداد".

وشدد بالعيد أولاد عبد الله، على أن "النظام البرلماني الذي تم اعتماده في تونس بعد عام 2011 قدم صورة سيئة عن نفسه، ولم يساهم في خلق الثروة، وتحسين ظروف التونسيين، بل استُخدم لتفقير التونسيين، مقابل استشراء الفساد، وإهدار المال العام، دون القيام بالإصلاحات المطلوبة".

سبب الأزمة ليس نظام الحكم

ويتخوف التونسيون من إعادة تجربة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، الذي أحكم قبضته على كل السلطات، وأسفرت سياسته عن انفجار الاحتجاجات الاجتماعية، التي أطاحت بنظامه، لذلك يترقبون بحذر ما ستؤول إليه الأوضاع بعد الإجراءات الاستثنائية. كما تتوجس المنظمات المدنية والأحزاب من تغيير النظام السياسي، خوفاً من سقوط تونس تحت نير الاستبداد.
واستنكر التيار الديمقراطي في بيان تصريحات مستشار الرئيس، وليد الحجام، التي عبر فيها عن نية سعيد، تعليق العمل بالدستور وتغيير النظام السياسي. وطلب التيار من رئيس الجمهورية، توضيح موقفه من هذه التصريحات، وذكـره بـ"ضرورة احترام الدستور، والعمل ضمن فصوله، التزاماً بما تعهد به في كلمته للشعب في 25 يوليو وباليمين الدستورية التي أداها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما استنكر ''الضبابية التي تعتمدها رئاسة الجمهورية، عبر مقاطعة الإعلام التونسي والشركاء الوطنيين، مما يمس بحق التونسيات والتونسيين في المعلومة، والمشاركة في تقرير مصيرهم، ويفتح الباب أمام القرارات الأحادية والتدخلات الأجنبية''.

واعتبر الحزب أن "سبب الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لا يعود أساساً إلى الدستور أو نظام الحكم، بل إلى استشراء الفساد، داخل الطبقة الحاكمة، وفي مفاصل الدولة، وسوء اختيار المسؤولين، وانعدام الكفاءة وغياب البرامج".

التفرد في تقرير مستقبل تونس

من جهة أخرى، أفاد الأمين العام المساعد، في الاتحاد العام التونسي للشغل، سمير الشفي، أن "الإرادة الشعبية التي تم التعبير عنها يوم 25 يوليو الفائت، لها قواها الحية ومنظماتها ونُخبها، وهي معنية قبل غيرها بالمساهمة في رسم مستقبل تونس".

وأقر الشفي "بفشل منظومة كاملة على المستوى السياسي، طيلة عشر سنوات، منها ما يتعلق بنظام الحكم، وفصول أخرى من الدستور تتطلب التنقيح والتعديل". شدد على أن الاتحاد يُكن كل الاحترام لرئيس الجمهورية، إلا أنه لا يقبل بالضرورة التفرد في اتخاذ القرارات، التي تهم تونس ومستقبلها".

النظام الرئاسي لا يؤدي إلى الاستبداد

في المقابل، قلل أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي من "حجم التخويف من النظام الرئاسي"، معتبراً أنه "لن يؤدي بالضرورة إلى الاستبداد".

واعتبر الزكراوي ما أعلنه مستشار الرئيس، بخصوص خريطة الطريق، التي تتضمن إمكانية تعليق العمل بالدستور واللجوء إلى الاستفتاء، "أمراً كان متوقعاً"، مشيراً إلى "أن الدستور الحالي هو مصدر كل المشاكل، بخاصة في الجانب المتعلق بالنظام السياسي".

وأكد الزكراوي أن "النظام السياسي، سيصبح رئاسياً متوازناً بسلطة تنفيذية برأسين، رئيس للجمهورية يتمتع بصلاحيات واسعة، ووزير أول بصلاحيات محدودة، وبرلمان بصلاحيات معتبرة ومهمة، حتى يحدث توازناً بين السلطة التشريعية والتنفيذية".

ويعول أستاذ القانون الدستوري، على حيوية المجتمع المدني، وحرية الإعلام، والمحكمة الدستورية، وأحزاب البرلمان لتكون سلطة مضادة للجم أي توجه نحو الاستبداد.

المزيد من العالم العربي