تواجه الحكومة البريطانية انتقادات شديدة لتخلّيها عن تعهداتها في مكافحة تغير المناخ، وذلك قبل شهرين فقط من استضافتها قمة المناخ العالمية (COP26) في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وكانت شبكة "سكاي نيوز" قد كشفت، الأربعاء، عن رسالة بريد إلكتروني من مسؤول حكومي لوزير "بريكست"، ديفيد فروست، تفيد بأن وزيرة التجارة الدولية ليز تراس، ووزير الأعمال كوازي كوارتنغ، وافق على "إسقاط كل البنود المتعلقة بأهداف مكافحة التغيرات المناخية" من نص اتفاقية التجارة الحرة مع أستراليا.
ويتولى الوزراء الثلاثة، تراس، وكوارتنغ، وفروست، مفاوضات التجارة الحرة مع شركاء بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، والتي جعلتها حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون أولوية. وقبل ثلاثة أشهر، أعلن جونسون ورئيس وزراء أستراليا، سكوت موريسون، عن التوصل لاتفاقية تجارة حرة بين البلدين بشكل أولي. ووقتها، واجه الإعلان غضباً من قبل المزارعين البريطانيين ومنتجي المواد الغذائية، واتهموا حكومة جونسون بالتنازل لأستراليا في شأن سلامة الأغذية والمنتجات الزراعية لمجرد إبرام الاتفاقية.
لكن، مع ما كُشف عن تنازل بريطانيا عن كل أهداف مكافحة التغير المناخي أيضاً في الاتفاقية مع أستراليا، تزيد المعارضة للاتفاقية حتى داخل حزب المحافظين الحاكم. وتتهم الحكومة بأنها لا يمكنها الادعاء بأنها في الطليعة ضمن الجهود الدولية لمكافحة التغيرات المناخية.
فقدان الريادة
ووجّه القيادي في حزب المحافظين، لورد ديبن، الخميس، انتقادات شديدة اللهجة لحكومة بوريس جونسون، لنكوصها عن تعهداتها لمكافحة التغيرات المناخية وفقدانها أي ريادة في هذا السياق. ويترأس ديبن، الذي شغل منصب وزير البيئة في حكومة جون ميجور حين كان نائباً برلمانياً باسم جون غمر، لجنة التغير المناخي التي تقدم المشورة للحكومة حول مواجهة ارتفاع درجة حرارة الأرض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال ديبن في مقابلة تلفزيونية، "وعدت الحكومة بأنها لن تفعل أي شيء مماثل، ثم نستمع للوزراء في مجلس اللوردات لنكتشف أنهم يتخلون عن كل الوعود التي قطعوها... فإذا لم نكن مستعدين لاحترام اتفاقية باريس التي تعهدنا بها وأصبحت قانوناً في هذا البلد عندما نتعامل مع أستراليا، وهي من البلدان الملوثة للبيئة ولا تقوم بما عليها القيام به (في مكافحة التغيرات المناخية)، فنحن في هذه الحالة لسنا في الطليعة مطلقاً".
لكن حكومة جونسون تعتبر اتفاقية التجارة الحرة مع أستراليا انتصاراً حتى فيما يتعلق بمكافحة التغيرات المناخية. فأستراليا لم تقر اتفاق باريس لعام 2015، ولا تتعهد بأي شيء من المطالب الدولية لخفض الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري. ويقول مسؤولو الحكومة البريطانية، إن مجرد الإشارة إلى اتفاق باريس في نص الاتفاقية، حتى من دون ذكر الأهداف المحددة لخفض درجة حرارة الأرض وغيرها من الأهداف الدولية يعد مكسباً مهماً.
وحين سُئل ديبن عن ذلك، رد بالقول، "علينا الالتزام بما أقررنا به ووافقنا عليه. عندما يتم تمييع الأمور لا تتوقع أن تلتزم أستراليا بشيء... فهي لن تلزم نفسها بما لا تطالبها به. إنها أكبر مصدر للفحم في العالم، وهم يدمرون المناخ ويضرون بالجميع".
مكسب لأستراليا
يذكر أن اتفاق "بريكست" واتفاقية التجارة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي تتضمن بالنص الصريح الالتزام بأهداف اتفاقية المناخ وتحديد الخفض المطلوب في درجة حرارة الأرض وغيرها من الأهداف التي على دول العالم تحقيقها بحلول عام 2030 وعام 2050.
لكن البعض يتهم حكومة جونسون بأن سعيها للتوصل لاتفاقات تجارة حرة بعد "بريكست" جعلها تتنازل عن كثير من التعهدات والالتزامات الدولية، بما فيها ما يتعلق بمكافحة التغيرات المناخية ومعايير السلامة والاستدامة البيئية.
وتأتي أستراليا والولايات المتحدة في مقدمة الدول التي رغبت لندن في التوصل لاتفاقية تجارة حرة بسرعة معها بعد "بريكست". وكلا البلدين لم يُقرّا اتفاقية المناخ الدولية (أقرتها واشنطن في البداية، ثم انسحبت منها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب) المعروفة باتفاق باريس.
وتعتبر أستراليا تخلي الحكومة البريطانية عن تضمين أي التزامات بيئية في نص الاتفاقية مكسباً سياسياً مهماً. وفي مقابلة مع شبكة "سكاي نيوز أستراليا"، قال عضو مجلس الشيوخ الأسترالي عن كوينزلاند، مات كافانان، إن أي إشارة لأهداف مكافحة التغير المناخي "تعد خطاً أحمر بالنسبة إلى أستراليا في مفاوضات التوصل لاتفاقية تجارة حرة".
وأضاف كافانان، الذي شغل من قبل منصب وزير الموارد في الحكومة الأسترالية، "لطالما فصلنا تماماً بين سياساتنا التجارية والمخاوف والأولويات المحلية للدول الأخرى، فذلك أمر يخصهم... وأنا سعيد لأن بريطانيا تدرك أن أستراليا لم تعد مستعمرة بريطانية، ولا يجوز لها أن تحدد لنا السياسات التي نطبقها (بالنسبة إلى البيئة والمناخ)".
وكان كافانان وزيراً للبيئة وقت قمة المناخ السابقة في باريس عام 2015. وأكد أنه لن يشارك في قمة هذا العام في بريطانيا، كما أنه لم يشارك في القمة السابقة في فرنسا. وذكر بأن الكونغرس الأميركي لم يقر بعد اتفاق باريس للمناخ.