تبدو الحكومة العراقية وأجهزتها العسكرية واثقة من عدم تكرار السيناريو الأفغاني بأي شكل من الأشكال بعد انسحاب القوات الأميركية القتالية من أراضيها بنهاية العام الحالي، وبقدرتها على إدارة الملف الأمني بصورة كاملة. وكان الرئيس الأميركي جو بايدن أكد في تصريحات خلال استقباله في البيت الأبيض، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في 26 يوليو (تموز) الماضي أن المهمات القتالية للجيش الأميركي في العراق ستُختتم مع نهاية العام.
وينتشر نحو 2500 جندي أميركي في البلاد، كجزء من التحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم "داعش" ويدرّب القوات العراقية. والقوات الأميركية موجودة في مطار بغداد الدولي وقاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار وقاعدة حرير في أربيل.
ومنذ يوليو الماضي، انخفضت معدلات الهجمات على الأرتال العسكرية الأميركية أو أرتال الدعم الخاصة بقوات التحالف التي تسلك الطرق السريعة في العراق إلى أدنى مستوياتها منذ مقتل قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" العراقي أبو مهدي المهندس مطلع عام 2020.
قادرون على إدارة الملف الأمني
وأكد رئيس أركان الجيش العراقي الفريق الركن عبد الأمير يار الله أن القوات الأمنية قادرة على الإمساك بزمام الأمور بعد انسحاب القوات الأميركية. وأكد يار الله لـ"اندبندنت عربية" أن "القوات المسلحة العراقية جاهزة وقادرة على تأمين بلدنا"، مبيّناً أن القوات الأميركية أوقفت الدعم للعراق منذ شهر مايو (أيار) الماضي. وأضاف أن "القوات العراقية ستتمكن من الاستمرار في تأمين البلد. وكل تشكيلات القوات المسلحة العراقية جاهزة ومستعدة".
لا يمكن المقارنة
بدوره، اعتبر زعيم "تحالف الفتح" هادي العامري أنه "من غير المعقول مقارنة العراق بأفغانستان"، مشيراً إلى أن "الفصائل المسلحة العراقية مؤمنة بالعملية السياسية". وأضاف في تصريح للصحافيين أن "وجه المقارنة بين العراق وأفغانستان غير موجود، إذ إن داعش انتهى والفصائل في العراق مؤمنة بالعملية السياسية والمشاركة فيها، ويقدم أفرادها دماءهم من أجلها"، لافتاً إلى أن "خروج الاحتلال سيوحّد كل القوى لبناء العراق وخدمة الناس".
مخاوف من حرب أهلية
لكن هذه الثقة المفرطة تقابلها مخاوف من جهات عراقية مختلفة، من أن يكون خروج القوات الأميركية من البلاد بداية لحرب طاحنة بين الفصائل الشيعية. وعبّر النائب الكردي سليم همزة عن قلقه من أن تخرج الأمور عن السيطرة بعد انسحاب القوات الأميركية، مشيراً إلى أن "خطر داعش ما زال قائماً، فضلاً عن مخاوف من حدوث اقتتال بين الفصائل الشيعية". وأردف أن "حفظ الأمن في البلاد يتطلب أن يكون السلاح بيد الدولة وعدم وجود سلاح منفلت، فضلاً عن سيطرة القائد العام للقوات المسلحة على الجماعات التي لا يزال بعضها خارج سلطته"، معرباً عن تخوفه من "أن يؤدي انسحاب القوات الأميركية الى إحداث حالة من الفوضى في العراق".
وقال همزة "إذا كانت الحكومة جدّية في سحب القوات الأجنبية من العراق، يجب أن تحصر السلاح أن تحصر السلاح بيد الدولة فقط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الدعم الاستخباري ضروري
من جهة أخرى، رأى مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن "القوات الأمنية العراقية قادرة على حفظ الأمن بعد انسحاب القوات الأميركية"، إلا أنه لفت إلى أن "البلاد ستحتاج إلى دعم استخباري، إضافة إلى دعم طيران التحالف الدولي". وأضاف أن "وجود القوات القتالية الأميركية أصبح رمزياً في العراق ودورها الأساسي هو من خلال القوة الجوية إلى جانب الطيران البريطاني عبر قصف مقرات داعش في أماكن مختلفة من البلاد"، مبيّناً أن "العراق لا يملك تفوّقاً جوياً وطائرات أف 16 التي يملكها الجيش تعاني من مشكلات لغياب صيانتها باستمرار من قبل المؤسسات الأميركية المعنية. لذلك نعاني من ضعف في القوة الجوية والجانب الاستخباري".
وخلال الأعوام الماضية، عقدت بغداد عدداً من صفقات التسلح لتطوير قدراتها العسكرية الجوية المقاتلة مع روسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة التي تربطها بها اتفاقية إطار استراتيجي، امتلكت بموجبها مجموعة من أسراب الطائرات، إلا أن الحرب ضد "داعش" الذي سيطر على مساحات واسعة من العراق عام 2014، أظهرت حاجة البلاد إلى تطوير قواتها الجوية، لا سيما بعد الاستعانة بالتحالف الدولي بقيادة أميركا لمحاربة التنظيم المتشدد.
ولدى العراق حالياً 95 طائرة مقاتلة أميركية وروسية وكورية وتشيكية، وجميعها تعاقد عليها بعد عام 2003، إلا أن هذا العدد، وبحسب متخصصين، غير كافٍ لتأمين الأجواء العراقية وتنفيذ ضربات ضد أهداف معادية، خصوصاً أن البلد يضم مساحات واسعة من الصحراء.
بقاء 2000 جندي أميركي
ورجّح فيصل أن تبقي الإدارة الأميركية قوات غير قتالية يتراوح تعدادها بين 500 إلى 2000 عنصر، لتدريب القوات العراقية ودعمها استخباراتياً، لافتاً إلى أن "بقية صنوف القوات المسلحة العراقية، لا سيما البرية، جيدة، إذ إنها خاضت حروباً شرسة ضد داعش في الموصل والأنبار، وما زالت تخوض عمليات عسكرية ضده".
الخطر داخلي
وتابع مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية أن "وظيفة الجيش العراقي الرئيسة هي حماية الأمن القومي والحدود، وفي هذا الاتجاه لن تواجه البلاد خطر الاعتداء من دول جواره. ما يواجهه هو تهديد داخلي، لا سيما الكتائب المسلحة غير الشرعية والسلاح المنفلت والعمليات العسكرية خارج سلطة الدولة"، مؤكداً أن "القوات المسلحة العراقية قادرة على معالجة هذا التهديد بتطوير الجانب الاستخباري والتدريبي وامتلاك قدرات الدفاع الجوي الذي ما زال محدوداً".
وكان وزير الدفاع العراقي جمعة عناد حسين، أعلن أن "لا يوجد لدينا حاجز نفسي مع داعش ولا يشكّلون خطورة وإنما قلق، إذ بدأت بعض الخلايا تنشط. لكن لا توجد لدى التنظيم حالياً حواضن تُذكر".
وأكد أن "ما يحدث من إخفاق أمني في بعض المناطق لا يعني أن القوات العراقية غير قادرة على حمايتها"، مشيراً إلى الأسلوب الجديد الذي تستخدمه العناصر الإرهابية، الذي وصفه بأسلوب "الذئاب المنفردة" (في إشارة إلى أسلوب حرب الغواصات الألمانية ضد السفن التجارية الأميركية والبريطانية خلال الحرب العالمية الثانية).