Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تدويل فرنسي لقضية "حنون" يهدف إلى "ارباك الجيش الجزائري"

فرنسا تخشى فقدان نفوذها ومصالحها بعد اتخاذ الجزائر سلسلة إجراءات سلبية ضدها

جزائريون يطالبون بتنحي رموز النظام في تظاهرات الجمعة الـ 13 (اندبندنت عربية)

وقعت 1000 شخصية فرنسية عريضةً تطالب بـ"اطلاق فوري" للأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، المتواجدة في الحبس العسكري بتهمة "التآمر على الجيش والدولة"، ورغم أن تدخل فرنسا في الشأن الجزائري لم يتوقف منذ استقلال الجزائر عنها في العام 1962، إلا ان ما يجري في الجزائر خلال الفترة الجارية قد يعصف بعلاقات البلدين.
 

 

"رسائل مشفرة"
 
ويبدو أن فرنسا فهمت الرسائل المشفرة الموجهة من طرف قيادة الأركان، منذ 22 فبراير (شباط) الماضي، نظراً إلى تطور التصريحات وردود الأفعال الفرنسية، فبعد هجوم وسائل الإعلام الفرنسية على قيادة أركان الجيش تارة، ورئيسها الجنرال أحمد قايد صالح تارة أخرى، وقّع أكثر من 1000 شخصية فرنسية بتوقيع لنداء يطالب "الجيش" بالإفراج الفوري عن الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، في محاولة للضغط على المؤسسة العسكرية عبر التلويح بورقة "تدويل" قضية حنون.
ويوحي ذلك بأن فرنسا غيّرت سياستها إزاء الأحداث الحاصلة في الجزائر، وقررت دخول الساحة لإعادة الاعتبار او الانكسار، بخاصة وأن حنون تواجه تهماً ثقيلة من المحكمة العسكرية، أهمها "التآمر على الجيش والدولة"، وهي التهم ذاتها الموجهة إلى كل من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المستقيل، والجنرالين محمد مدين (توفيق)، وعثمان طرطاق، رأسي جهاز الاستخبارات السابقين.
ووقّع العريضة، ناشطون سياسيون ونقابيون ومدافعون عن حقوق الإنسان، من بينهم رئيس الوزراء الفرنسي السابق، جان مارك إيرولت، وزعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي، جان لوك ميلانشون، والأمين العام للكونفدرالية العامة للعمل، فيليب مارتينيز، والرئيس الفخري لرابطة حقوق الإنسان المحامي هنري لوكلير، الذين أدانوا "التوقيف التعسفي" لحنون، طالبين "الإفراج عنها فوراً".
 


اللجوء إلى المعارضة الجزائرية في الخارج وارد

وأوضح الناشط السياسي سعيد بن رقية، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن مطالبة شخصيات فرنسية بالإفراج عن لويزة حنون، "تدخل في الشأن الجزائري"، مشيراً إلى أن "حنون تحظى بدعم من دوائر في باريس، وقد تقف الاستخبارات الفرنسية وراء المبادرة. وقال إن "فرنسا تعمل من أجل تحريك أي ورقة من شأنها قلب الموازين في الجزائر، بعد ضياع نفوذها ومصالحها".
وتابع بن رقية قائلاً إن "المبادرة تضر بحنون، نظراً إلى الحساسية ازاء كل ما هو فرنسي"، محذراً من لجوء الاستخبارات الفرنسية إلى المعارضة الجزائرية في الخارج خلال الايام المقبلة، من اجل استهداف المؤسسة العسكرية ورئيس الأركان.

 

فرنسا ترد على "ضربات تحت الحزام"
 
وربط مراقبون العريضة الفرنسية التي ستتبعها تحركات قوية أخرى، بـ"ضربات تحت الحزام" وجهتها الجزائر إلى فرنسا، حيث تم تجاوز اللغة الفرنسية من لافتات وزارة الدفاع الجزائرية، ومن معاملات إدارة شركة "سوناطراك" النفطية خلال الأسابيع الأخيرة، في خطوة غير مسبوقة. كما يتجه المشروع البتروكيماوي الفرنسي في وهران، غرب الجزائر، والمقدر بنحو مليار دولار، نحو التعثر، إضافة الى أن مصرف الجزائر المركزي عطل تحويلاً بنكياً للشركة المنفِّذة قُدّر بنحو 80 مليون دولار لأسباب غير معلنة، وسحب صفقة ترميم حي "القصبة" العتيق المقدرة بـ3 مليارات دولار، من فرنسا ومنحه إلى كوبا.

 

جيل جديد من الضباط الجزائريين يقلق فرنسا

ويرى متابعون أن باريس تنظر بعين القلق لصعود جيل الضباط الجدد المعادين للنفوذ الفرنسي، وأنها غير مرتاحة لانفراد رئيس الأركان قايد صالح، بسلطة القرار في بلد ظلت تعتبره قاعدتها الخلفية في شمال أفريقيا، بخاصة مع توجه قيادة الجيش إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين، ما اثار مخاوف الفرنسيين من ضياع مصالحهم في الجزائر مستقبلاً، بمجيء قيادة سياسية لا تخرج عن التوجهات الجديدة للعسكر.
وأبدى النائب عن الحزب الجمهوري في البرلمان الفرنسي، جان لاسال، تخوفاً من انعكاس الاحداث في الجزائر على مصالح بلاده، وقال إن "صعود جيل جديد من الضباط والجنرالات في المؤسسة العسكرية الجزائرية، بتكوين وتأطير قومي مركز، يهدد المصالح الفرنسية في الجزائر، لاسيما في الجوانب الثقافية والاقتصادية والسياسية"، مبرزاً أن بلاده مطالبة بالتركيز على تداعيات الوضع على الاهتمامات المشتركة، لاسيما تلك المتعلقة بالهجرة والجالية والجوار الجغرافي.



دعم فرنسي لبوتفليقة

ودخل البلدين في أزمة دبلوماسية "خفية" منذ "اقالة" الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وبروز خطاب معادٍ للفرنسيين لدى قوى الحراك الشعبي والمؤسسة العسكرية، بخاصة بعد الترويج لمشاركة عناصر من الاستخبارات الفرنسية في "الاجتماع المشبوه" الذي خطط له السعيد بوتفليقة، والجنرالين "توفيق" و "بشير"، وسياسيين وحقوقيين، لإجهاض الحراك والانقلاب على قيادة الجيش، الذي تحدث عنه قائد الاركان في خطاباته، بخاصة بعد تفاعل فرنسا إيجاباً مع المبادرات والمقاربات التي أطلقها بوتفليقة، وتصب في خانة الذهاب إلى ولاية خامسة، ثم تمديد الولاية الرابعة، ثم دعم الندوة السياسية التي سوّق لها كل من الدبلوماسي المخضرم لخضر الإبراهيمي، ووزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة، في العواصم الغربية. وذكرت مصادر فرنسية أن الرئيس ايمانويل ماكرون يتابع الوضع في الجزائر عن قرب، وطلب من سفيره في الجزائر كزافيي دريانكور القدوم إلى باريس دورياً، وعقد اجتماعات مع وزير الخارجية جان إيف لودريان ومسؤولين فرنسيين، للاستعداد لكل السيناريوهات التي قد تتمخض عنها الاحداث في الجزائر.

دور اليسار الفرنسي

وصرح النائب الجزائري السابق، عدة فلاحي لـ"اندبندنت عربية"، أنه "لا يمكن لفرنسا أن يهدأ لها بال وهي ترى حملة محاربة الفساد تقص أجنحتها، وأذنابها يُزجون في السجون، مبرزاً أن "فرنسا تتمنى أن تغرق الجزائر في الفساد والتخلف والفقر حتى يتحسر الشعب على رحيلها"، مشدداً على أن توقيع شخصيات فرنسية من أجل الافراج عن حنون، خطوة حرّكتها نخبة اليسار الفرنسي التي اتخذت "مظلة التضامن الأيديولوجي"، "الذي لا يمكن القبول به ما دامت القضية مطروحة على مستوى العدالة"، مشيراً إلى احتمال أن تكون محاولة لتدويل القضية، للضغط على المؤسسة العسكرية.
في السياق، فنّد السفير الفرنسي الجديد لدى الجزائر كزافييه دريانكور، عقب تقديم أوراق اعتماده لرئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، وجود إرادة لدى بلاده للتدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، مضيفاً أن "فرنسا تتابع مثل دول أوروبية أخرى، ما يحدث في الجزائر بكثير من الاحترام دون إصدار أحكام، ولا إرادة لها بالتدخل في الشأن الجزائري". وتابع أن "الجزائر بلد كبير وشاسع، ونكنّ له كل الإعجاب، وأملي أن نطوّر معاً العلاقات في كل الميادين بين الحكومتين، بخاصة بين الشعبين الفرنسي والجزائري الصديقين". وقال إن "الشعب الفرنسي منبهر بالنضج السياسي للشعب الجزائري الأبي".

 

 
استفزاز

وسارت مجلة "جون أفريك" (أفريقيا الفتية) الفرنسية المختصة في الشأن الأفريقي، في اتجاه الاستفزاز، بقولها إن قائد الجيش الجنرال قايد صالح، يناور من أجل المحافظة على تحكمه بزمام الأمور، واعتبرت أن الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، يعطي انطباعاً واضحاً بالوقوف ضد تيار الحراك. وتابعت أن "لقايد صالح، أجندته الخاصة، فهو يدعم رسمياً اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد، مع تأكيده في الوقت ذاته على دعم المؤسسة العسكرية لمطالب الشعب.
وذكرت المجلة الفرنسية وفق "مصدر في الجيش الجزائري"، إن "تأجيل الانتخابات لا يزعج قايد صالح، لأنه سيسمح له بالإمساك بزمام الأمور لأطول فترة ممكنة بصفته القائد الوحيد الحقيقي". وعادت إلى التشكيك في نواياه، حين ذكّرت بماضيه، وأشارت إلى أنه "ظل إلى وقت قريب مؤيداً من الدرجة الأولى لبوتفليقة. وتابعت "جون أفريك" نقلاً عن لسان "أحد المقربين من قائد الأركان"، أن "قايد صالح، يثير الخوف ولا يأبه ما إذا كانت عمليات التطهير واسعة النطاق التي يقوم بها ستشل اقتصاد البلاد"، حيث تلوح في الأفق صعوبات مالية خطيرة، وفق خبراء. ورأت أن رفض قايد صالح، التحرك بسرعة نحو مرحلة انتقالية، يَعكس رغبة الجيش في الاحتفاظ بالتأثير الذي يتمتع به منذ العام 1962، لأن المؤسسة العسكرية ترى في حلول مؤسسات جديدة وانتخاب رئيس جديد تهديداً لها.

 

"ماضٍ طويل"

ويجمع بين البلدين، ماضٍ طويل من الأزمات والمعارك الديبلوماسية، حيث أشعل بيرنار باجولي، السفير الفرنسي السابق، رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية في صيف العام الماضي، نار التوتر بين الجزائر وفرنسا، بسبب تصريحات "سلبية" حول الوضع الصحي للرئيس السابق بوتفليقة، حيث قال إنه "يبقى على قيد الحياة بشكل مصطنع". كما قررت الجزائر سحب الحراسة الأمنية التي اعتادت توفيرها لمقرات السفارة والقنصليات والمعاهد والمراكز الثقافية الفرنسية في الجزائر، في سابقة لم تشهدها البلاد منذ التسعينيات، وذلك رداً على عدم تجاوب فرنسي مع طلب تقدمت به الجزائر، يقضي بتعزيز الحراسة الأمنية أمام سفارتها في باريس، لمواجهة احتجاجات قادها معارضون جزائريون. وكرّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في السنة نفسها، مجموعة من "الحركي"، وهي التسمية التي تُطلق على الجزائريين الذين عملوا إلى جانب الجيش الفرنسي خلال "الثورة التحريرية"، حيث وقّع مرسوماً رقّى بموجبه 6 من "الحركي" إلى درجة جوقة الشرف، وهي أعلى رتبة تكريم تمنحها الدولة الفرنسية، ومنح 4 آخرين درجة الاستحقاق الوطني برتبة ضابط، و15 آخرين رتبة فارس.
اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي