Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد سنوات من النزيف... الجنيه المصري ينتصر في معركة الدولار

"المركزي": تدفقات النقد الأجنبي السبب... ومحللون: الإجراءات الإصلاحية بدأت تؤتي ثمارها

شهد الجنيه المصري تقدماً ملحوظاً مقابل الدولار الأميركي للمرة الأولى منذ التعويم (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ تعويم الجنيه المصري في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2016، يشهد الجنيه المصري تقدماً ملحوظاً مقابل الدولار الأميركي، الذي بدأ رحلة الهبوط مقابل الجنيه المصري منذ بداية العام الجاري.

البنك المركزي المصري أرجع هذه المكاسب الأخيرة التي حققها الجنيه المصري على حساب الدولار إلى تدفقات النقد الأجنبي من مصادر متعددة، ليرتفع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 44.218 مليار دولار بنهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي.

وذكر "المركزي المصري" أن "سعر صرف الدولار الأميركي واصل تراجعه أمام الجنيه المصري ليسجل نحو 16.99 للشراء و17.09 للبيع".

أداء عكس التوقعات
وعلى عكس توقعات المحللين والدراسات والمذكرات البحثية، التي كانت تشير إلى اتجاه الدولار نحو الصعود مقابل الجنيه المصري، جاءت الخسائر الأخيرة، خصوصاً مع استمرار الحكومة المصرية في تقنين الواردات بشكل كبير والاستمرار في طرح سندات دولية دولارية، والتوسع في الاقتراض لتمويل العجز الكبير والمستمر في الإنفاق العام.

في مذكرة بحثية سابقة، توقَّع بنك الاستثمار "بلتون"، استمرار "تحسن سعر صرف الجنيه أمام الدولار حتى منتصف 2020"، متوقعاً وصوله إلى "17.10 جنيه خلال العام المالي 2019 – 2020".

وأوضح بلتون، أن "ما يدعم تلك الرؤية، هو تحول صافي الميزان التجاري البترولي إلى تسجيل فائض قبل الوقت المتوقع، والتحسُّن الملحوظ في صافي الأصول الأجنبية بالبنوك، مع استمرار نمو الواردات بوتيرة معتدلة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار البنك، إلى أن "انخفاض عجز الحساب الجاري إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2018 - 2019، مقابل 2.4% في العام السابق، مع استمرار تحسُّن قطاع السياحة يوفران دعماً آخر".

ولفت إلى أن "خروج استثمارات الأجانب في سندات الخزانة الخطر الوحيد على هذه النظرة المستقبلية، لكن هذا الخطر يأخذ في التراجع، فمصر ما زالت توفر فرصاً جاذبة للاستثمار، مع إشارة إلى تراجع معدلات التضخم إلى عائد حقيقي جيد".

وأكد بلتون، أن "المكاسب الأساسية بنهاية البرنامج الإصلاحي، التي حفَّزت مراجعة التصنيف الائتماني لمصر، تضيف مكانة متماسكة للاقتصاد الكلي المصري".

وتابع، كما "أن مستوى الاحتياطيات المستقر يُمحي مخاطر سعر الصرف في ظل الالتزامات الخارجية، مع تراجع الديون قصيرة الأجل وصافي الاحتياطيات الأجنبية إلى 26% في الربع الأول من العام المالي 2018 - 2019 مقارنة بنحو 40% خلال العام المالي 2015 – 2016".

سحب الاستثمارات من تركيا والأرجنتين
الخبير المصرفي يحيي أبو الفتوح، نائب رئيس البنك الأهلي المصري، أرجع في اتصال هاتفي مع "اندبندنت عربية"، انخفاض الدولار مقابل الجنيه المصري إلى "قيام المستثمرين في الأسواق الناشئة بسحب استثماراتهم من تركيا والأرجنتين خلال النصف الثاني من العام الماضي لزيادة الأرباح، وربما لخفض معدلات الخسائر، ومع بداية العام الجديد بحث المستثمرون عن أسواق واعدة ومستقرة، وكانت تلك المؤشرات تنطبق على السوق المصرية، التي بدأت تتعافى مع تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي".

وقال أبو الفتوح، إن "الإجراءات الإصلاحية، التي اتخذتها الحكومة المصرية خلال السنوات الثلاث الماضية بدأت بالفعل تحصد ثمارها، إذ أسهمت هذه الإصلاحات في جذب قرابة مليار دولار في صورة إيداعات واستثمارات بأسواق المال المصرية".

ماذا توقعت بنوك الاستثمار؟
لكن التراجع الأخير والمفاجئ في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه جاء مخالفاً لتوقعات عشرات بنوك الاستثمار والمؤسسات المالية، التي أشارت في وقت سابق من العام الجاري إلى زيادة في سعر الدولار بنسبة تدور حول 5%، إذ توقعت مؤسسة "كابيتال إيكونومكس" ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 20 جنيهاً بنهاية العام الجاري.

في حين توقعت مؤسسة "فوكس إيكونوميز" للبحوث الاقتصادية، "حدوث تراجع في سعر الجنيه لينهي عام 2019 حول مستويات تبلغ نحو 18.30 جنيه للدولار، على أن يصل الدولار إلى 18.79 جنيه خلال 2020".

كما أشار استطلاع أجرته المجموعة المالية "هيرميس" المصرية، إلى تراجع "قيمة الجنيه أمام الدولار إلى نحو 19 جنيهاً بنهاية 2019".

أسباب صعود الجنيه
المحلل الاقتصادي مصطفى عبد السلام، رصد 10 أسباب لهذا التراجع المفاجئ في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري، مشيراً إلى "حالة الركود والكساد الشديدين، التي أصابت الأسواق المصرية، مع تحجيم وقيود الاستيراد، وضعف القدرة الشرائية لدى المواطن، وزيادة سعر الدولار الجمركي ليصبح مساوياً لسعر الصرف السائد في الأسواق، وهو ما قلل من الطلب على الدولار من قبل المستوردين والتجار، وأسهم في الوقت نفسه في رفع تكلفة العملية الاستيرادية، وهذا البند لعب دوراً مهماً في خفض سعر الدولار، إذ إن تكلفة الواردات هي الأعلى بين التزامات النقد الأجنبي المستحقة على الدولة، وتبلغ قيمتها نحو 5 مليارات دولار شهرياً، وبما يعادل 60 مليار دولار سنويا وربما أكثر".

 

وقال عبد السلام، إن "عودة الأموال الساخنة إلى مصر للاستثمار في أدوات الدين الحكومية، بما فيها السندات وأذون الخزانة، خصوصاً مع إنهاء العمل بآلية تحويل أموال المستثمرين الأجانب، أدت إلى أن تذهب حصيلة الأموال الساخنة إلى البنوك مباشرة، لا إلى البنك المركزي المصري كما كان متبعاً في السابق".

وتشير الأرقام والبيانات المتاحة إلى أن صافي استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية بلغ نحو 16.8 مليار دولار حتى الأسبوع الثالث من أبريل (نيسان) الماضي.

سيولة دولارية ضخمة
أمَّا عن ثالث الأسباب التي أدت إلى انخفاض الدولار مقابل الجنيه المصري فيقول المحلل الاقتصادي، يتمثل في "زيادة وتيرة الاقتراض الخارجي سواء لأغراض سد عجز الموازنة العامة للدولة، أو لتمويل مشروعات في العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها، فالحكومة المصرية اقترضت في شهر فبراير (شباط) فقط أكثر من 8.7 مليارات دولار، موزعة ما بين سندات وقروض دولية بالدولار واليورو وأذون خزانة دولارية محلية، وزاد الدين الخارجي في العام الماضي بنحو 13.7 مليار دولار".

وتابع "كما حصلت الحكومة على قروض بقيمة ملياري يورو (ما يعادل 2.24 مليار دولار) عبر طرح سندات دولية في شهر إبريل (نيسان) الماضي، وهناك قرض بقيمة 3 مليارات دولار لتمويل أبراج العاصمة الإدارية، وآخر لتمويل القطار المكهرب، وهناك خطة معلنة لدى الحكومة لاقتراض 5 مليارات دولار من أسواق المال الآسيوية، وهذه القروض وفَّرت سيولة كبيرة في السوق، كما تتوقع الحكومة زيادة الاقتراض المحلي في مشروع موازنة 2019 - 2020 بنسبة 45% إلى 725.156 مليار جنيه تعادل نحو 42.32 مليار دولار".

تحسن قوي في أداء بعض القطاعات
وعن تحويلات المصريين بالخارج أشار عبد السلام إلى أنها "أسهمت في تحسين أداء الجنيه المصري مقابل الدولار، إذ تشير بيانات حديثة صادرة عن البنك المركزي المصري إلى أن إجمالي تحويلات المغتربين ارتفعت خلال 2018 لتسجل 25.5 مليار دولار، مقابل 24.7 مليار دولار في 2017، بزيادة 778.2 مليون دولار وبمعدل 3.1%".

وأضاف المحلل الاقتصادي أن "استمرار ارتفاع احتياطي مصر من النقد الأجنبي، يعد عاملاً من بين تلك العوامل المؤثرة في انخفاض الدولار مقابل الجنيه المصري، إذ تشير بيانات البنك المركزي المصري إلى أن احتياطي البلاد من النقد الأجنبي ارتفع ليسجل نحو 44.218 مليار دولار في نهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي، وأسهم في الزيادة تحسن بعض مؤشرات الاقتصاد مثل السياحة واستمرار الحكومة في الاقتراض الخارجي، وتأجيل سداد بعض مستحقات الدائنين الخارجيين، كما حدث مع ودائع السعودية والإمارات والكويت والصين".

 

ولفت عبد السلام، إلى "تحسن بعض القطاعات المدرة للنقد الأجنبي، إذ كشفت بيانات رسمية، ارتفاع إجمالي صادرات مصر خلال العام الماضي 2018 بنسبة 11.6% ليسجل نحو 25 مليار دولار مقابل 22.4 مليار دولار خلال العام 2017، علماً بأن الجزء الأكبر من الزيادة جاء بسبب ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وحسب الأرقام الرسمية، بلغت صادرات مصر النفطية خلال الـ11 شهراً الأولى من العام الماضي 2.493 مليار دولار، بزيادة 13.8% على ذات الفترة من العام السابق له".

المحلل الاقتصادي أكد أن "إيرادات مصر من السياحة، كان لها أثر في انخفاض الدولار مقابل الجنيه المصري، إذ تشير البيانات إلى أن إيرادات مصر من القطاع السياحي شهدت قفزة كبيرة خلال عام 2018 لتصل إلى 11.4 مليار دولار بزيادة تبلغ نسبتها نحو 50%، مقارنة بنحو 7.6 مليارات دولار خلال 2017".

حملات شعبية مؤثرة
وحول انتشار الحملات الشعبية، التي أثرت على حركة البيع والشراء، قال عبد السلام "تسببت حملة (خليها تصدي) لمقاطعة شراء السيارات في تخفيف الطلب على الدولار، خصوصاً مع زيادة حدة الحملة عقب خفض الجمارك على السيارات الأوروبية إلى الصفر، وإدراك المستهلك الأرباح الضخمة التي يحققها الوكلاء والمستوردون على حسابهم".

وتشير بيانات صادرة عن مجلس معلومات تسويق السيارات "أميك"، إلى أن مبيعات السيارات انخفضت بنسبة 42% في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، كما استمر التراجع في الشهور التالية ليصل إلى 5.2% في فبراير (نيسان) الماضي.

وأكد المحلل الاقتصادي، أن الحملة "تسببت في أن ينخفض إجمالي واردات السيارات بمختلف أنواعها لتسجل ما قيمته نحو 2.6 مليار دولار خلال العام الماضي 2018، وفقاً للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر".

تحركات لخفض السيولة في السوق
وقال عبد السلام إن "الحكومة المصرية قامت بسحب السيولة من الأسواق سواء عن طريق البنك المركزي في إطار خطته لخفض معدل التضخم، أو عبر توسع الحكومة في سياسة طرح الأراضي والعقارات، وهو ما أحبط محاولات البعض في تقليص الدولرة والقضاء على ظاهرة المضاربة مجدداً على الدولار، وتخزينه لتحقيق أرباح رأسمالية عند أول ارتفاع له مقابل الجنيه".

واختتم المحلل الاقتصادي حديثه، قائلاً "أضف إلى ما سبق تدخل البنك المركزي المصري بشكل مباشر لتحريك سعر العملة بعد استقرارها لنحو عام، وإعطاء تعليمات لبنوك القطاع العام بتلبية احتياجات المستوردين، وهو ما ينفيه (المركزي المصري)، بل ويشدد على أنه لا يتدخل في سعر الصرف حسب الاتفاق المبرم مع صندوق النقد الدولي، الذي تم على أساسه تعويم الجنيه المصري في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2016".

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد