يتظاهر الفلسطينيون في قرية بيتا شمال الضفة الغربية المحتلة على طريقتهم، مستخدمين أضواء ليزر باللون الأخضر، ومطلقين ضجيجاً صاخباً، لإزعاج المستوطنين اليهود الذين أقاموا مستوطنة على أرض تقول الحكومة الإسرائيلية إنها تبحث في ملف ملكيتها.
ويؤكد المتظاهرون في القرية الفلسطينية الواقعة قرب نابلس أن حراكهم لاستعادة أرضهم كما يقولون، الذي بدأ في يونيو (حزيران) احتجاجاً على إقامة بؤرة "أفيتار" الاستيطانية، يتميز عن غيره لأسباب أخرى.
لا وجود للفصائل
ويقول الشباب، إن احتجاجاتهم شعبية مستقلة لا تتلقى التعليمات من الطبقة السياسية الفلسطينية المنقسمة بشكل كبير.
ويؤكد سعيد حمايل لوكالة الصحافة الفرنسية، "هناك علم واحد فقط، علم فلسطين، لا وجود للفصائل".
ويوضح حمايل أنه وغيره من المتظاهرين "نقوم بما لا يستطيع القادة الفلسطينيون القيام به". مشيراً إلى أنه فقد ابنه محمد (15 عاماً) في يونيو (حزيران) بنيران إسرائيلية خلال إحدى التظاهرات في القرية.
وقال الجيش، إنه فتح النار لقمع "مثيري الشغب"، بعد ما شكلوا تهديداً خطراً على قواته.
وبدأت التظاهرات بعدما أقامت مجموعة من المستوطنين المتشددين بؤرة على تلة قريبة في الضفة الغربية.
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية في 1967. وتعد جميع المستوطنات الإسرائيلية فيها غير شرعية بموجب القانون الدولي. ويعيش حالياً أكثر من 470 ألف إسرائيلي في مستوطنات في الضفة الغربية.
وبعد أسابيع من الاشتباكات والتوتر، جرى في الثاني من يوليو (تموز) التوصل إلى اتفاق مع مستوطني أفيتار الذين أخلوا المكان، لكنهم تركوا فيه منازلهم المتنقلة، فيما تراجعت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن حقوق ملكية الأراضي.
وتواجه القوات الإسرائيلية التي بقيت متمركزة في المستوطنة، احتجاجات متواصلة من سكان بيتا البالغ عددهم نحو 12,500 نسمة.
وأصيب جراء الاحتجاجات أكثر من 700 فلسطيني، وقتل سبعة على الأقل.
على نقيض السلطة الفلسطينية
يستذكر حمايل، الذي لا يزال الحزن يخيم على ملامحه، تفاني ابنه في مدرسته، وحلمه أن يصبح محامياً، لكن فاجعته لم تنسه اعتزازه بـ"النموذج" الذي قدمه المحتجون في بيتا.
ويرى أن الإسرائيليين "يريدون القضاء على الشكل الجديد من المقاومة الشعبية، إنهم يخشونها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر حمايل أن الحراك في القرية يقف على نقيض من السلطة الفلسطينية، التي يقودها محمود عباس (86 عاماً)، مؤكداً أن هذه الأخيرة "لا تفعل شيئاً سوى إلقاء خطابات" تطالب بإنهاء الاحتلال.
في عام 2007 شهدت السياسة الفلسطينية انقساماً كبيراً، وسيطرت حركة "حماس" على الحكم في قطاع غزة، بعد رفض حركة "فتح" الاعتراف بفوز الإسلاميين في الانتخابات.
وبذلت جهود حثيثة للمصالحة بين الفصيلين، لكن من دون جدوى، إذ استمر الاحتقان بينهما، وبقيت "فتح" مسيطرة في الضفة الغربية، فيما تدير "حماس" القطاع.
ويرى خبراء أن الأحداث التي شهدتها الساحة الفلسطينية في وقت سابق من هذا العام غيّرت الشعور السائد لدى عامة الشعب الفلسطيني.
وفي مايو (أيار) ألغى عباس أول انتخابات فلسطينية تقرر منذ 15 عاماً، وتزامن الإلغاء مع احتجاجات فلسطينية ضد إخلاء عائلات من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة لصالح المستوطنين.
وامتد التوتر إلى اشتباكات بين القوات الإسرائيلية والمصلين في باحات المسجد الأقصى في القدس الشرقية.
وكانت الأحداث في القدس سبباً، لتصعيد دموي بين إسرائيل والفصائل المسلحة في قطاع غزة، وعلى رأسها حركة "حماس".
إحياء روح الوحدة
ويرى خبراء أن تحرك "حماس" حينها يعود إلى رغبتها في أن ينظر إليها على أنها أقوى من "فتح" في مقاومة إسرائيل.
واستمر التصعيد 11 يوماً بين "حماس" وإسرائيل، بعد ما بدأ في العاشر من مايو (أيار) بإطلاق صاروخ من قطاع غزة نحو القدس.
وأطلقت "حماس" وجماعات مسلحة أخرى آلاف الصواريخ نحو إسرائيل التي ردت بمئات من الضربات الجوية.
وتقول رئيسة تحرير موقع "دوز" الفلسطيني الإخباري جلاء أبو عرب، إن النزاع الأخير أعاد إحياء روح الوحدة المتلاشية، خصوصاً عند الشباب.
وتضيف أبو عرب (27 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية، "للمرة الأولى منذ سنوات لم يعد الشباب ينظرون إلى أنفسهم كضحايا. كان هناك شعور بأن الفلسطينيين لن يتلقوا النيران ويجلسون وإنما وقفوا وواجهوا".
وترى الصحافية أن "الشباب اليوم سئموا النهج الناعم"، لكن هذا لا يعني أنهم يؤيدون "حركة حماس بالضرورة".
وتشير أبو عرب إلى مقتل الناشط السياسي الفلسطيني نزار بنات، الذي كان من أشد المنتقدين للسلطة الفلسطينية، الذي يشتبه أنه قضى على يد قوات الأمن الفلسطينية.
وأدى مقتل بنات إلى خروج تظاهرات واحتجاجات في مدن فلسطينية عدة.
ويصف رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض الوضع الحالي بأنه "غير مسبوق". ويضيف، في حديث إلى الصحافيين، "لا أعرف إلى أي درجة نحن بعيدون عن أن نصبح أمام أزمة حقيقية، ربما هي موجودة بالفعل، ويجب أن تتعامل معها القيادة على أنها أزمة".
ودعا فياض إلى "تغيير التوجه بدءاً من الاستماع إلى الناس، بخاصة الشباب المحبط جداً من الاحتلال، ووعود الحرية التي لم تتحقق".
ومع استحالة التوصل إلى مصالحة بين "حماس" و"فتح" وتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، يقول حمايل، إن "نموذج بيتا يمكن أن يحقق التغيير في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية".
ويضيف "هناك نزاع في السلطة، لكن هنا على الأرض يتوحد الفلسطينيون".