Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سنلد من الرماد" حملة تطوعية لتشجير الأراضي المحترقة في الجزائر

26 ولاية مستها ألسنة النيران و4.1 ملايين هكتار من المساحة الغابية تتربص بها النيران

يرفض سكان المناطق المتضررة من الحرائق الاستسلام على الرغم من هول الكارثة (اندبندنت عربية)

على الرغم من هول الكارثة، وصدمة المشاهد التي خلفت آثاراً نفسية عميقة، يرفض سكان المناطق المتضررة من الحرائق في الجزائر الاستسلام للرماد المحيط بهم، وللخراب الذي حل بمناطقهم التي أتت عليها ألسنة النيران ملتهمةً منازلهم وأشجار الزيتون والتين الخاصة بهم، إضافة إلى ثروتهم الحيوانية ومواشيهم التي تُعد مصدر رزقهم في أعالي الجبال.

تحويل الرماد إلى سماد

"سيتحول الرماد إلى سماد وستُمطر من جديد لتعود الحياة، سنبني المنازل ونرمم المدارس وسنزين القرى ونغرس التين والزيتون، سنغرس الأمل"، بهذه العبارات التحفيزية، أطلق جزائريون حملةً تطوعية على منصات التواصل الاجتماعي، لتحفيز المواطنين على الانخراط في إعادة تشجير تلك المساحات الغابية التي تحولت إلى أراضٍ قاحلة، وإرجاع مشاهد الغطاء النباتي الأخضر إلى تلك الربوع التي تشكل "رئة الجزائر".
وبحسب منشورات وصور متداولة على منصات التواصل الاجتماعي، تشهد هذه الحملات التطوعية تجاوباً من طرف المواطنين، من خلال المشاركة في شراء شتلات لأشجار مثمرة وغابية والتبرع بها، بغية إعادة الحياة إلى السكان المقيمين قرب الغابات الذين تضررت منازلهم وبساتينهم، في واحدة من أبهى صور التضامن والتكافل بين مختلف جهات البلاد، وإن كانت حملة التشجير الرسمية لم تنطلق بعد.

ففي ولاية تيزي وزو شرق الجزائر، ارتدت النسوة زيهن القبلي، وصعدن إلى الجبال وفي أيديهن غرسات الزيتون لزرعها من جديد، والإسراع في النهوض من ركام الكارثة التي ألمت بهم بسبب الحرائق، في مشاهد أثارت الإعجاب على مواقع التواصل لما تحمله من رمزية للتحدي والمقاومة.
وتُعد ولاية تيزي وزو، أكثر المناطق تضرراً من الحرائق الأخيرة، واحدة من أهم مناطق زراعة الزيتون وإنتاج الزيت في الجزائر، إذ تقدر أعداد أشجار الزيتون المزروعة في جبالها بنحو 4 ملايين ونصف مليون شجرة، تعرض عدد كبير منها للاحتراق.


حملات تضامنية

وأمام تعدد المبادرات تبرز تلك التي أطلقها عبد الوهاب فلوح، وهو شاب جزائري من ولاية شلف غرب البلاد، تحت عنوان "شجرة الشهيد" لجمع وغرس مليون ونصف المليون شجيرة، وهو عدد مَن سقطوا في سبيل استقلال الجزائر على المستعمر الفرنسي إبان الثورة التحريرية (1954- 1962).
وقال فلوح إن "المبادرة تحمل البعدين البيئي والتضامني، إذ ستوجه قسماً من شتلات الأشجار المثمرة إلى الفلاحين الذين تضررت بساتينهم، ما سيسهم في إعادة بعث نشاطهم الفلاحي والتجاري، فيما ستُخصَص الشتلات الأخرى لتشجير المساحات الغابية التي أتت عليها النيران. وتشمل الشتلات الزيتون والتين والصنوبر الحلبي". وأضاف أن "انطلاق حملة التشجير سيكون في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل".
في المقابل، أعلن متعاملون عن الإسهام في إعادة تشكيل قطعان الأبقار وترميم الاسطبلات ومخازن علف المربين المتضررين، بعدما أسفرت الحرائق عن نفوق قسم كبير من رؤوس الماشية.

وتثير حملات التشجير جدلاً بين الجمعيات المدنية، إذ تركز جمعية "اكسيجون درقينة"، على ضرورة رفع مستوى الوعي بالتحديات البيئية المقبلة. وقالت الجمعية إن "التشجير يجب أن يكون عملية تربوية أخلاقية واجتماعية وإنسانية"، مضيفةً "مثلما نغرس الأشجار، علينا غرس الوعي والأفكار. ما الفائدة من غرس المليار ثم يأتي شخص بعود ثقاب واحد يحولها إلى رماد وأحجار؟".
ورأت الجمعية أنه "إذا لم نربّ ونُحضّر جيلاً يحافظ على البيئة ويهتم بالغابات، فلا معنى لأي عملية تشجير، ولا معنى لملايين الأشجار التي نغرسها في كل مناسبة، فالجيل الذي لا يحب الشجرة لن يحمي الغابة".

مسح الأضرار

وشكلت وزارة الداخلية الجزائرية فرقاً متخصصة على مستوى 26 ولاية شهدت اندلاع حرائق الغابات، بغرض جرد الخسائر التي مست الممتلكات المنقولة وغير المنقولة بغية تعويض المتضررين، فيما قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، منح علاوة مالية لعائلات الضحايا، مدنيين وعسكريين، يتسلمها والدا الضحية إذا كان عازباً، وإلى زوجته إذا كان متزوجاً.
وبينما يربط علماء البيئة والمناخ، الحرائق التي تتزايد في جميع أنحاء العالم بالاحتباس الحراري، لا تستبعد السلطات الجزائرية "الفعل الإجرامي"، إذ تعتبر أن البلاد تتعرض إلى مؤامرة تُعد حرائق الغابات جزء منها ضمن مخطط يستهدف استقرارها، إذ وجهت اتهامات لحركتين تصنفهما على أنهما إرهابيتان، بالضلوع في اشتعال النيران، وهما "رشاد" الإسلامية و"الماك" التي تطالب باستقلال منطقة القبائل، كما حملتهما مسؤولية التورط في اغتيال الشاب جمال بن إسماعيل، الذي قتلته مجموعة من الشباب الغاضبين ونكلت بجثته وأحرقته بعد انتزاعه من سيارة أمنية، في قرية الأربعاء ناث ايراثن التابعة لولاية تيزي وزو، بزعم الاشتباه في تورطه في الحرائق التي طالت المنطقة، ليظهر في النهاية أنه بريء.

أحكام بالسجن واعتقالات

وأودعت محكمة جزائرية ثلاثة متورطين في إشعال النار بغابات المدية (88 كيلومتراً تقريباً جنوب العاصمة)، الحبس المؤقت في سجن القليعة، حيث أسفر التحقيق عن كشف مقاطع فيديو في هواتفهم توثق تورطهم في عملية إضرام النار.

ووُجهت إلى المتهمين تهم عدة تتعلق بالقيام بأفعال تخريبية والمساس بأمن الدولة وبث الرعب في أوساط السكان، وإشاعة جو من انعدام الأمن، من خلال الاعتداء المعنوي على الأشخاص وارتكاب جناية الحرق العمد للغابات، إضافة إلى جناية الاعتداء على المحيط بإدخال وإلقاء مادة تعرض صحة الإنسان أو الحيوان أو البيئة للخطر في إطار منظمة إرهابية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واعتقلت السلطات 22 شخصاً، 11 منهم في تيزي وزو، إضافة إلى موقوفين في عنابة وجيجل (شرق) وعين الدفلى والمدية (غرب)، يُشتبه في ضلوعهم في إضرام الحرائق.
وكان النائب العام في تيزي وزو، عبد القادر عمروش، اعتبر أن الدليل على أن الحرائق فعل إجرامي هو "اشتعال النيران يوم 9 أغسطس (آب) في آن واحد وفي نقاط غابية مختلفة"، موضحاً أن العقوبات تصل في حق "مَن أضرم النيران وتسبب في وفاة أشخاص أو احتراق مساكن إلى الإعدام".
وذكر تقرير "الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر"، أن عدد المتضررين من الحرائق التي اجتاحت الجزائر أخيراً وصل إلى 210 آلاف شخص، معظمهم كانوا يقيمون في مناطق سكنية بلغتها ألسنة اللهب، فيما بلغت مساحة ما أتلفته من الأراضي الزراعية والغابات، أكثر من 125 ألف هكتار."
وقال التقرير إن ولايات بجاية وتيزي وزو وجيجل وسطيف من أكثر الولايات تضرراً من موجة الحرائق، مبرزاً أن "الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر يعمل حالياً على توزيع مساعدات فورية على 25 ألف شخص، كما تسهر فرق الهلال الأحمر الجزائري على تقديم الدعم النفسي للأسر المتضررة".


الغطاء النباتي

 تبلغ مساحة الغابات في الجزائر 4،1 ملايين هكتار، مع معدل إعادة تشجير ضئيل يبلغ 1,76 في المئة. وأتت النيران في عام 2020 على 44 ألف هكتار من المساحات الحرجية. وتحصي الجزائر، وفق المديرية العامة للغابات 3139 نوعاً من النباتات، تُعد 1611 منها نادرة إلى شديدة الندرة، ما يشكل حوالى 51 في المئة من الغطاء النباتي الجزائري المهدد بالانقراض. وتضم الجزائر 289 نوعاً من النباتات "شديد الندرة" و647 نوعاً نادراً و640 نوعاً نادراً جداً و35 نوعاً استثنائياً.
وترتبط هذه الحصيلة "بتدهور المساحات الطبيعية بسبب تطور المنشآت والتوسع الحضري المتزايد والحرائق المتكررة وإزالة الأحراش والعبث بالأنظمة البيئية الهشة وانجراف التربة والجفاف الطويل والاستغلال الفوضوي".
وتعرضت الحكومة الجزائرية إلى انتقادات عدة بالتزامن مع اندلاع سلسلة الحرائق التي مست 26 ولاية من أصل 48، لافتقادها لطائرات إخماد النيران، ولجوئها إلى شركائها الأوروبيين.
وتجاوباً مع مطالب شرائها، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية، التفاوض مع شركة روسية للتوصل إلى اتفاق لاقتناء أربع طائرات برمائية قاذفة للمياه متعددة المهام من نوع (BE-200 BERIEV-200) ذات المحركات المزدوجة، وتصل قدرتها الاستيعابية إلى 13000 لتر، ويمكنها التدخل لمكافحة حرائق الغابات في الظروف الجوية القصوى والمعقدة.
وذكرت وزارة الدفاع أن "هذه الطائرات القاذفة للمياه ذات سمعة عالمية، أثبتت نجاعتها خلال استخدامها في مكافحة حرائق الغابات التي مست دولاً عدة في العالم أخيراً، وستعطي دعماً قوياً لجهود الدولة في مكافحة ومواجهة الحرائق بفعالية وسرعة".

المزيد من العالم العربي