Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل تونسي يصاحب فرض الإقامة الجبرية على نواب وقضاة

قيس سعيد يقول إنها "إجراءات ظرفية ولا أحد فوق المحاسبة" والمجتمع المدني يدعو إلى النأي بهذه القرارات عن التجاذبات السياسية

قرارات فرض الإقامة الجبرية شملت أكثر من 600 مواطن تونسي منذ عملية 24 نوفمبر 2015 (رويترز)

تلجأ الأنظمة الحاكمة عند الأزمات السياسية أو في الحالات الطارئة، إلى اتخاذ تدابير استثنائية ضد شخصيات سياسية، أو نشطاء مدنيين، لتقييد تحركاتهم والحد من تواصلهم مع عموم الناس. ومن بين تلك الإجراءات فرض الإقامة الجبرية التي هي أساساً إجراء إداري بمعزل عن المسار القضائي، وهو قرار صادر عن وزير الداخلية، ويُعلَم المعني به، الذي له الحق في الاعتراض على إيقاف تنفيذه لدى المحكمة الإدارية.

وقد لجأت تونس إثر القرارات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، في 25 من يوليو (تموز) 2021، إلى فرض الإقامة الجبرية على عدد من النواب والقضاة، وهو ما أثار حفيظة منظمات المجتمع المدني وبعض الأحزاب، التي رفضت هذا الإجراء واعتبرته مقيداً للحقوق والحريات، داعية إلى اتباع المسارات القضائية ضد كل المشتبه فيهم والنأي بهذه القرارات عن التجاذبات السياسية وتصفية الحسابات.

فما دوافع فرض الإقامة الجبرية على عدد من النواب والقضاة والمسؤولين السياسيين في تونس؟ وهل تمس مثل هذه الإجراءات من الحقوق والحريات؟

قرار إداري احترازي

يعرّف أستاذ القانون والباحث في القانون الدستوري، رابح الخرايفي، في تصريح خاص، الإقامة الجبرية بأنها "قرار إداري تحفظي احترازي، تتخذه السلطة التنفيذية ضد أي شخص تقدر أنه يشكل خطراً على أمن البلاد".

والإقامة الجبرية، ينظمها الأمر عدد 50 المؤرخ في 26 يناير (كانون الثاني) لسنة 1978 وهو المتعلق بحالة الطوارئ، التي يعلنها رئيس الجمهورية، ويجدّدها كل شهر أو أكثر، كلما كان هناك طارئ، أو لمواجهة كل ما يستجد في البلاد من أخطار مصدرها الأفراد أو الكوارث الطبيعية أو الأزمات السياسية.

وتعود صلاحية اتخاذ قرار الإقامة الجبرية إلى وزير الداخلية بناء على معلومات أمنية قد لا يعلمها العموم، ولا علاقة لها بالقضاء، ولا يمكن النفاذ إليها، لأنها تدخل في الأمن القومي للبلاد. وبناء على تلك المعطيات، يُتخذ قرار إداري يوضع بمقتضاه الشخص الذي يمثل خطراً على البلاد أو حتى على حياته، تحت الرقابة، وهو قرار محدود في المدة ويُجدد أو يُنهى بزوال الخطر.

الطعن لدى المحكمة الإدارية

وتعني الإقامة الجبرية إلزام الشخص المكوث في مكان محدد، وعادة يكون منزله مع عائلته، ويُنفذ القرار عن طريق دورية أمنية قريبة تراقبه، وتمنعه من الخروج أو التواصل مع الغير، ويمكن كذلك منعه من الاتصالات الهاتفية أو حتى استخدام الإنترنت.

ويعتبر الخرايفي أن هذا الإجراء احترازي محدود في الزمن، والإدارة غير مجبرة في هذه الظروف على تعليل أسباب اتخاذ القرار.

ويضيف الباحث في القانون الدستوري أن قرار الإقامة الجبرية يمكن الطعن فيه لدى المحكمة الإدارية، ووزارة الداخلية مطالَبة بأن تقدم إلى القضاء المعلومات التي تعلل اتخاذ القرار وتبرّره.

ولفت أستاذ القانون إلى أن المحكمة الإدارية قد لا تنظر في قرارات الإقامة الجبرية، بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها تونس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

600 تونسي تحت الإقامة الجبرية منذ 2015

قرار الإقامة الجبرية لاقى معارضة كبرى من قبل المنظمات الحقوقية التي اعتبرته يمسّ من منظومة الحقوق والحريات في تونس، وندّد أنور أولاد علي، رئيس مرصد الحقوق والحريات، بهذه القرارات، داعياً إلى اتباع المسار القضائي في التعاطي مع أي مشتبه.

وقال إن هذه الإجراءات شملت أكثر من 600 مواطن تونسي، منذ عملية 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 التي قتل فيها 12 عنصراً من الأمن الرئاسي، إلى اليوم.

واستنكر أولاد علي وضع الجميع في سلة واحدة، داعياً إلى تحديد المشتبه فيهم بدقة، واتباع المسالك القضائية لضمان حقوق الجميع.

وبحسب إحصائيات المرصد، فإن 50 في المئة من المشمولين بقرارات الإقامة الجبرية ليست لهم تتبّعات جزائية، وهي قرارات جائرة، مبنية فقط على بعض المعلومات الأمنية التي عادة ما تكون مبنية على وشايات كاذبة.

اعتداء صارخ على حقوق الإنسان

ووصف رئيس المرصد التونسي للحقوق والحريات قرارات الإقامة الجبرية بـ"غير القانونية، والاعتداء الصارخ على الحقوق والحريات، ومن أهمها حرية التنقل واختيار المسكن".

ولفت إلى أن المحكمة الإدارية يمكنها الطعن في تلك القرارات، إلا أن بطء البتّ في الطعون، جعل المتضررين من القرارات الإدارية بالإقامة الجبرية يعزفون عن الطعن فيها، مضيفاً أن الأمر المنظم لقانون الطوارئ غير دستوري، وأنه يُستخدم ضد الخصوم السياسيين.

نائبان وقضاة ووزير تحت الإقامة الجبرية

وكان عضو مجلس النواب التونسي، زهير مخلوف، أعلن يوم الاثنين 16 أغسطس (آب) في تدوينة على "فيسبوك"، أنه وُضع قيد الإقامة الجبرية بمنزله في محافظة نابل، بقرار صادر عن وزير الداخلية.

وأضاف أن القرار جاء "من دون مبرّر قانوني وفي تعارض مع الدستور والقوانين والمعاهدات والمواثيق والاتفاقات الدولية التي وقعت عليها تونس"، لافتاً إلى أن "هذا الأمر جاء نتيجة عدم صمته عن الإجراءات التي قام بها رئيس الجمهورية، قيس سعيد، ونضاله ضد هذه التجاوزات اللا دستورية وانتهاكات حقوق الإنسان، التي قام بها، ضد النواب وضد القضاة وضد النشطاء".

كما وُضع النائب محمد صالح اللطيفي، تحت الإقامة الجبرية بمنزله في محافظة نابل.

وفي وقت سابق، وُضع الوزير السابق، أنور معروف، قيد الإقامة الجبرية، وأيضاً القاضي، البشير العكرمي، كما شمل القرار أيضاً أحد عشر قاضياً، ما أثار حفيظة جمعية القضاة التونسيين التي أصدرت بياناً اعتبرت فيه أن إخضاع القاضي إلى الإقامة الجبرية يقتضي إعلام المجلس الأعلى للقضاء مسبقاً، بحقيقة ما يُنسب إليه من نشاط، يمكن أن يشكل خطراً على الأمن والنظام العامين، والحصول على الموافقة المسبقة للمجلس قبل اتخاذ ذلك الإجراء.

وكان المكتب التنفيذي لـ"حركة النهضة" رفض في بيان له يوم الاثنين 16 أغسطس 2021، "وضع عدد من النواب والقضاة تحت الإقامة الجبرية من دون إذن قضائي ومن دون تعليل، ووفقاً لقانون غير دستوري".

قلق مبالغ فيه

في المقابل، يرى الكاتب الصحافي المختص في الشأن السياسي، محمد صالح العبيدي، في تصريح خاص، أن الإقامة الجبرية إجراء يتخذه رئيس الجمهورية قيس سعيد مُكرَهاً، بحكم تغلغل الفساد في مفاصل الدولة وعجز مؤسسة القضاء عن معالجة الملفات بالسرعة والنجاعة المطلوبتين.

وأضاف العبيدي أن الإقامة الجبرية "شر لا بد منه" في الظروف الاستثنائية في تونس، بحكم العدد الكبير من المشتبه فيهم في ملفات قضائية منشورة لدى المحاكم، وأخرى ما زالت في طور التحقيق.

وشدد الكاتب الصحافي على أن القلق إزاء المس بالحريات مبالغ فيه، لأن هذه الإجراءات محدودة في الزمن، ولن تؤثر في رصيد تونس من الحقوق والحريات.

تطبيق القانون على الجميع

كذلك أكد رئيس الجمهورية، قيس سعيد، خلال زيارة مفاجئة لمطار تونس قرطاج الدولي يوم الاثنين، أن حرية التنقل مضمونة بالدستور والمعاهدات الدولية، لافتاً إلى أن هناك بعض التدابير الاستثنائية ضد بعض المطلوبين للعدالة، وهي تدابير احترازية لمدة محددة، داعياً التونسيين إلى تفهم هذه الإجراءات الظرفية.

وذكّر رئيس الجمهورية بأن على الأشخاص المطلوبين للعدالة أو الذين تعلقت بهم شبهات فساد، تسوية وضعياتهم مع القضاء، مشدداً على تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات