Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينسف "إجراء S17" ما تبقى في تونس من حريات؟

وصف قضاة ما يحدث بأنه "انزلاق خطير" في تعامل السلطة التنفيذية مع "القضائية"

كشفت النيابة العامة التونسية عن اتخاذ قرارات بمنع السفر بحق 12 مسؤولاً (أ ف ب)

يمنع الدستور التونسي، المصادَق عليه عام 2014 في فصله الـ 49، أي تضييق على الحريات، بخاصة التنقل، إلا أن الإجراءات التحفظية التي اتخذتها السلطة التنفيذية ضد عدد من الشخصيات السياسية والنواب، على غرار المنع من السفر، أو القرار الإداري المعروف بـ"S17" أو الوضع تحت الإقامة الجبرية، بعد التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد في 25 يوليو (تموز) الماضي، أعادت إلى الأذهان سؤال الحريات الأساسية في تونس، وإلى أي مدى قلصت تلك الإجراءات من الحريات الأساسية كالحق في التنقل؟

وعبرت عديد من المنظمات والشخصيات السياسية والحقوقية عن خشيتها من نزوع السلطات في تونس إلى التضييق على الحريات، التي اعتُبرت المكسب الوحيد بعد 2011، بسبب الوضع الخاص الذي تعيشه تونس بعد الـ 25 من يوليو، بينما قلل عدد آخر من خطورة تلك الإجراءات، مبررين أسباب اللجوء إليها بحجم الفساد المستشري في كامل مفاصل الدولة وأجهزتها.

تمييز وإهانة للقضاة

وفي هذا السياق، وقَّع خمسة وأربعون قاضياً بياناً نددوا فيه بالإجراءات غير القانونية المتخذة، في حق عدد من القضاة، وبما سموه "انزلاقاً خطيراً في تعامل السلطة التنفيذية مع القضائية". ودعوا إلى التراجع عن تلك القرارات، معبرين "عن تمسكهم بمبدأ المحاسبة لكل المتورطين في الإطار القضائي والمؤسسي مع احترام حقوق الدفاع".

واعتبروا وضع كل القضاة التونسيين قيد إجراء (الاستشارة الحدودية S17) "غير مبرر وغير مستند إلى أساس قانوني".

وقال القضاة إن هذا الإجراء "نتج عنه تمييز وإهانة ضد القضاة"، معبرين عن "استنكارهم الاعتداء المجاني والفظيع وغير المسبوق على حرية القضاة في التنقل، والسفر، كبقية المواطنين في غياب أي إجراء قضائي يمنعهم من ذلك"، ومؤكدين "رفضهم تقييد حرية التنقل وباقي الحقوق الدستورية طبق ما تقتضيه أحكام الفصل 49 من الدستور"، داعين إلى "التراجع الفوري عن كل الإجراءات التعسفية المتخذة في حق القضاة ومنع تكرارها".

تجاوزات خطيرة

ومن جهتها رصدت "مجموعة محامون لحماية الحقوق والحريات" ما قالت إنها جملة من التجاوزات الخطيرة التي أقدمت عليها السلطة التنفيذية، والمتمثلة أساساً في انتهاكات طالت السلطة القضائية، ووضع المحامين والقضاة تحت طائلة الاستشارة، قبل السماح بالمغادرة ومنع عدد منهم من السفر، أو تعطيل سفرهم، من دون أذون قضائية، ومن دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للقضاء أو لهياكل مهنة المحاماة، معتبرين أن في ذلك مساساً بالسلطة القضائية وبمفهوم حصانة المحامين والقضاة أثناء مباشرة أعمالهم، ومسّاً باستقلالية المحاماة والقضاء.

ودانت "مجموعة محامون لحماية الحقوق والحريات" صمت المجلس الأعلى للقضاء تجاه ما يحدث من انتهاكات تطال السلطة القضائية، وتمس استقلاليتها، وحملت الهيئة الوطنية للمحامين مسؤولية الدفاع عن منظوريها تجاه التجاوزات والانتهاكات التي طالت عدداً منهم.

بسط سلطة القانون

وبينما يندد بعض القضاة والمحامين بتلك الإجراءات، قلل آخرون من أهميتها، واعتبروا أنها تأتي في سياق خاص تمر به تونس، ومن أجل بسط سلطة القانون على الجميع. يقول القاضي وليد الوقيني، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "الفساد استشرى في مفاصل الدولة، ووصل إلى القضاء الذي لم يتمكن من إصلاح نفسه من الداخل، وبدأ يفقد ثقة التونسيين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا يرى الوقيني "حرجاً في أن يخضع بعض القضاة من ذوي الشبهة إلى المنع من السفر أو إجراءات تحد من تنقلاتهم إلى حين يبت القضاء في شأنهم، وفق القانون، مع احترام أسس المحاكمة العادلة". مشدداً على أهمية المرحلة التي تمر بها تونس، التي تتطلب أن يكون القضاء مستقلاً حتى يقوم بدوره.

وأضاف، "الفصل بين السلطة التشريعية ونظيرتها التنفيذية مسألة جوهرية في كل الديمقراطيات، من أجل صون الحريات الأساسية لكل التونسيين". غير أنه عبر عن تخوفه من أن تكون الإجراءات التي تحد من تنقل بعض القضاة "محاولة للسيطرة على القضاء، بالتالي انتقاله من حضن سياسي إلى آخر".

وتابع القاضي التونسي أن إجراء المنع من السفر "يشمل عدداً من المسؤولين في الدولة، وهو ليس سيفاً مصلتاً على القضاة من دون غيرهم"، مشيراً إلى أن عديداً من القضاة الذين لا تحوم حولهم أي شبهات "يتنقلون بصفة عادية، والقرار يتعلق فقط بمن في موضع شبهات". مشدّداً على أنه في الفترة الراهنة "لا بد من أن يُحاسب الجميع، مهما كان الموقع، تكريساً لمبدأ العدالة للجميع، ودولة القانون والمؤسسات".

منع السفر عن اثني عشر مسؤولا

وكانت النيابة العامة في تونس قد كشفت عن اتخاذ قرارات بمنع السفر في حق اثني عشر مسؤولاً، بينهم وزير سابق، ونائب في البرلمان، مشتبه فيهم في قضايا فساد مالي وإداري، بينما مُنع عدد من القضاة ورجال الأعمال والنواب من السفر تطبيقاً للإجراء الحدودي "s17"، المثير للجدل، الذي تتخذه وزارة الداخلية من دون الاستناد إلى قرارات قضائية.

وعبرت حركة النهضة عن رفضها "كل الإجراءات التعسفية التي مست الحقوق والحريات، بما في ذلك حق التنقل والسفر وحرية التعبير"، داعية الرئيس قيس سعيد إلى رفع الإجراءات التي تنتهك أحكام الدستور والقانون والمواثيق الدولية.

انتكاسة لحقوق الإنسان

في غضون ذلك، يعتبر المرصد التونسي للحقوق والحريات أن هناك انتكاسة كبيرة لحقوق الإنسان في تونس بعد 25 يوليو، ودعا أستاذ القانون ورئيس المرصد، أنور أولاد علي، في تصريح خاص، إلى ضرورة إيقاف العمل بالإجراءات الحدودية، التي تمس الحقوق والحريات، بخاصة منها إجراء "s17"، معتبراً أن هذه الإجراءات شملت المحامين والقضاة والنواب، ومعبراً عن خشيته من أن ترتد تونس عن مكاسب الحقوق والحريات، التي تحققت بعد 2011.

واقترح أولاد علي أن يُطبق القانون من خلال ما تتيحه مختلف التشريعات للتعامل مع كل شبهات الفساد، أو الجرائم، وعبر تفعيل المنع من السفر عبر المسار القضائي، بعيداً من تدخل السلطة التنفيذية، رافضاً شيطنة كامل المؤسسة القضائية، ومشيراً إلى وجود شرفاء في القضاء يمكن التعويل عليهم خلال هذه المرحلة التي تمر بها تونس، داعياً إلى تطبيق الإجراءات المعتمدة في المجلس الأعلى للقضاء على القضاة الذين تلاحقهم شبهات فساد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير