Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سجال مصري حول تلاقي وتنافر هوى "الإخوان" و"طالبان"

يرى بعضهم أن الربط بينهما يجانبه الصواب لكن مباركة الحركة الأفغانية لـ"مرسي" تبرهن على وحدة المرجعيات

يتسلق الأفغان على متن طائرة أثناء انتظارهم في مطار كابول  (أ ف ب)

يعيد المصريون فتح دفاتر طالبان المنسية، ويعاودون التنقيب في معلومات أحيلت إلى أرشيف النسيان، وينعشون حوارات ظنوا أنها من زمن فات، ومنذ سقطت كابول قرر المصريون تأجيل احتقانات "الساحل" الطبقية، حيث من له الحق في أن يمضي أيام المصيف أين ولماذا؟ وتجاهل الهلع السنوي لإعلان نتائج الثانوية العامة لحين الإدلاء بدلوهم، وربط ما يمكن وما لا يمكن ربطه بين ما يحدث في أفغانستان وبين ما كان يمكن أين يحدث في مصر.

وبين مصر وأفغانستان مسافة تزيد قليلاً على 3600 كيلومتر، وأوجه تشابه يحلو للبعض بأن يصفها بالتطابق، لا سيما فيما كانت عليه الأمور في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وما آلت إليه فكرياً ومظهرياً في الألفية الثالثة.

 سرعة السقوط المدوي لأفغانستان التي تنافس قطبي العالم القديم الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية على تمزيقها إرباً قبل نصف قرن من الزمان، جعل المصريين يهرعون إلى نبش مسيرة أفغانستان نحو الهاوية التي عاصر كثيرون أغلبها.

عرض عنكوبتي

أغلب ما يتذكره المصريون يعرضونه عنكبوتياً هذه الأيام، كل بحسب وجهة نظره، وما آل إليه انتماؤه وما وصلت إليه أيديولوجياته في ضوء الخلطة السحرية للدين بالسياسة، وهي الخلطة التي لعبت أفغانستان منذ سبعينيات القرن الماضي دوراً محورياً في ضبط مقاديرها ونثر شررها في أرجاء العالم.

هرع بعضهم إلى تل الصحف القديمة التي يحتفظ بها فوق الخزانة أو أسفل الفراش، وأخذ يبحث عن توثيق صحافي لما عاصره من خطوات جماعات الإسلام السياسي وما كابده من تقلبات في السياسة المصرية، وأطوار اتفاقات الجنتلمان بين الدولة والتيارات. تتواتر على منصات التواصل الاجتماعي صور الصفحات الأولى لصحف السبعينيات، وأبرزها مانشيت صحيفة "الأهرام" اليومية بالبنط العريض يقول، "السادات للثوار الأفغان: سنقف معكم بكل ما في الإسلام من قوة".

قوة السجال الدائرة رحاه على مواقع التواصل الاجتماعي مصرياً قوة عاتية، يحاول البعض التسلل منها إلى الساحة الشعبية من أبواب خلفية، فقاعدة ليست قليلة من المصريين ترى في سقوط أفغانستان المدوي في أيدي "حركة طالبان" ضرورة ملحة لاستخلاص العبر واستنفار الهمم، وهذه القاعدة تؤمن أن فكر جماعات الإسلام السياسي داء لا يشفيه تدخل أمني هنا أو غزو أجنبي هناك، بل يعضده ويقوي شوكته وينشر مظلوميته، وحركة "طالبان" مثلها مثل جماعة الإخوان وغيرها من أبناء عمومتها ممن تخلط الدين بالسياسة والدعوة بالسلطة والإفتاء بالحكم، جميعها سواء.

تغريد وتدوين وتشارك

أصوات مصرية عدة تغرد وتدون وتشارك مقارنات بين ما فعلته حركة طالبان في أفغانستان وما فعلته جماعة الإخوان في مصر، وعلى الرغم من اختلاف المدة التي سيطرت فيها كل جماعة على مقاليد الأمور في بلدها، فإن المقارنات تهدف إلى القول إن ما صنعه التغلغل الفكري خلال عقود لا يمحوه تطهير أمني أو تطبيب مظهري أو تطوير سطحي في أشهر قليلة، ومقاربات صعود نجم طالبان في أفغانستان وقريناتها من جماعات الإسلام السياسي في مصر على مدى عقود استدعى مجدداً جدلية الدولة الإسلامية والمدنيّة، وتلك التي لا هي بالدينية أو المدنيّة، بل نصف دينية ونصف مدنيّة بحسب الظروف، وما يتراءى للحاكم وما تميل إليه كفة المصالح.

مصلحة مصر تكمن في الخروج من نفق الإسلام السياسي المظلم إلى نور الدولة المدنيّة التي تتبرأ من خلطة "فخفخينا" الدين بالسياسة، وهكذا يجزم بعضهم في ضوء أحداث أفغانستان، ملايين الـ "لايك" و"الشير" لتدوينة أحدهم، "لم نر شعوب دول تهرب من أوطانها إلى المطارات وتتشبث بأجنحة الطائرات قبل أن تقلع بسبب إعلانها تطبيق العلمانية، لكن رأيناها في شعوب دول تعلن أنظمتها قيام الدولة الدينية وتطبيق الشريعة بحذافيرها".

لكن بعضاً آخر يرى ما يجري في أفغانستان نصراً للدين وإعزازاً للمتدينين الذين لم تكسرهم دعوات للمدنيّة، أو تنل من عزيمتهم تشكيكات في قدرة الدين على النصر على أعدائه ولو بعد غزو البلاد بكثير.

دور أميركا

أميركا التي غزت أفغانستان قبل وقت طويل، وفي أقوال أخرى تدخلت لتحمي الأفغان من طالبان، وفي قول ثالث أرسلت قواتها لدحر الإرهاب في أعقاب أحداث سبتمبر (أيلول) 2001، على سيرة كل لسان مصري، فبين مؤكد أن "المتغطي بأميركا عريان" والدليل أن 20 عاماً من الإقامة الأميركية في ربوع البلاد لم تسفر عن تدعيم للجيش الأفغاني ليحكم سيطرته على حدود البلاد وأمن العباد، بقدر ما أسفرت عن نجاح في الإبقاء على قوة طالبان القائمة وسطوتها الحاسمة.

حسم ما يجري في أفغانستان التي تكرر كبوتها التي أسقطتها في سبعينيات القرن الماضي أمر شبه مستحيل، فتفاصيل ما يجري غير مفهوم للغالبية المطلقة في أنحاء العالم، لكن الشعب المصري المرابط على مواقع التواصل الاجتماعي يعي كثيراً مما يقال هذه الآونة، وما يدق على أوتار جلاء المستعمر غير المسلم حتى لو كان أميركياً، وانتصار مالك الأرض المسلم حتى لو كان طالبان، والملاحظ أن بعض المدونين والمغردين يتعامل مع "فتح" طالبان لأفغانستان من دون مقاومة باعتباره رسالة إلهية تفيد بانتصار الدين الحق وهزيمة الباطل، وبشرى تنبئ بالخير القادم للمنطقة.

شد وجذب في المنطقة

"الخير" القادم للمنطقة ما زال محل شد وجذب شديدين على أثير العنكبوت المصري، وإذا كان البعض يجد في سقوط أفغانستان في أيدي الجماعة التي فتحت أذرعها وكهوفها لزعيم تنظيم "القاعدة " أسامة بن لادن ومساعده أيمن الظواهري وغيرهما من "أباطرة الإرهاب المتلفح بالدين" نذير شؤم إرهابي للمنطقة برمتها، ودليلاً دامغاً على محاولات بث الحياة في جسد تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين المطرودة من جنة الحكم في غير دولة، فإن الآخر يجد في هذا "الفتح" ما يجدد عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي كان أول من دشن مساعدات لـ "المجاهدين الأفغان" من أعضاء حركة طالبان باعتباره "الرئيس المؤمن" الداعم للإسلام وتياراته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من اغتيال السادات على يد أحد المغسولين دماغياً من الإسلاميين الذين كفروه ومعه الجيش ومؤسسات الدولة والمجتمع، إلا أن مقطعاً متداولاً من إحدى مقالات الكاتب الإخواني الهارب في تركيا سليم عزوز تقول كثيراً عن موقف إخوان مصر مما يجري في أفغانستان، "التخوف من الأفكار الرجعية لطالبان هو استدعاء لما لا ينبغي، لأنه يغطي على الانتصارات، فلم تكد حركة طالبان تحقق نصراً كبيراً هو رسالة عزة لكل المستضعفين في الأرض، حتى وجدها البعض فرصة للتفتيش في الدفاتر القديمة لهذه الحركة، وودّ لو استقامت على طريقته".

طريقة المنتمين للجماعة وكوادرها في الثناء على انتصار "طالبان" في فتح أفغانستان قائم في أغلبه على مبدأ "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"، فعلى الرغم من أن "طالبان" تندرج تحت فئة "الجماعات السلفية المتطرفة" وليس "الإخوان"، إلا أن التعلق بتلابيب حلم الخلافة بغض النظر عن هوية نسخته يلقي كثيراً من الضوء على الدعم الكبير والتعضيد المعنوي الذي تحظى به طالبان على أثير مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك من قبل متسخدمين أصحاب هوى إخواني النزعة.

فتوحات طالبان

نزعات لا أول لها أو آخر تحفل بها منصات التواصل الاجتماعي متزامنة و"فتوحات" حركة طالبان، وموقف الحركة من المرأة مثار شد وجذب على أثير مواقع التواصل، وبينما يتشارك كثيرون أخبار ما يجري في أفغانستان من أخبار "عظيمة" عن نصرة "الإخوة"، يتشارك آخرون صور أفغانستان كيف كانت في السبعينيات متمدنة متحضرة متنورة، وكيف أصبحت في عصر طالبان متأخرة متحجرة مظلمة، ومعها صور شبيهة لمصر على سبيل المقارنة الذاتية وإلقاء الضوء على ظلال الدولة الدينية.

ظلال الدولة الدينية المرجح قيامها في أفغانستان تتخذ من المرأة هدفاً ووسيلة لها، فالماضي القريب يشير إلى أن المرأة في فترة هيمنة "طالبان" على الحكم كانت محرومة من العمل والتعليم، وكانت تطبق عليها جرائم مثل الرجم والجلد والشنق.

رجم وجلد وشنق

 الرجم والجلد والشنق عقوبات ظلت سارية المفعول حتى سنوات قليلة مضت، وهي تنذر بإطلاقة جديدة هذه الآونة مع اكتمال إطباقها على كيانات الإدارة الحكومية وغير الحكومية، ومتابعة الأحداث لحظة بلحظة باتت سمة الحياة في مصر، وشاشة "قناة الجزيرة" لا تكتفي بنقل الأحداث فقط، بل تحفل بقصص وروايات عما يمكن أن تتوقعه المرأة الأفغانية في ظل طالبان، ومصريات يتوقعن أن تعيش المرأة والفتاة في أفغانستان أسود الأيام وأحلكها، حيث لا تعليم ولا عمل ولا اعتراف بالآدمية، لكن المنصات لا تخلو من مهلّلات لقرب تطبيق الشريعة مجدداً على الأخوات في أفغانستان، والعقبى لأخواتهن هنا وهناك، وهناك من يستشهد بتصريحات لمسؤولين في حركة طالبان يطلون عبر شاشات عربية بعينها، حيث تصريحات بأن "طالبان تحترم حقوق المرأة والأقليات وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية"، وغيرها من التصريحات التي يبرزها البعض تحت عنوان، "طالبان تنفتح على العالم وتطبق الشريعة من منظور حديث".

تلاقي الهوى

الحديث عن تلاقي هوى "الإخوان" مع هوى "طالبان" ينفيه بعضهم في مصر، حيث تأكيد أن الجماعات السلفية والإخوان متصارعتان وليستا متكاملتين، لكن ميزة الشبكة العنكبوتية هي في الاحتفاظ بذاكرة البشر لوقت الحاجة لإثبات أو نفي تلاقي الهوى، لذلك تشير الذاكرة إلى البيان الذي أصدرته "إمارة أفغانستان الإسلامية" إلى "شعب مصر الشقيق" عام 2012 إثر إعلان فوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي بالرئاسة في مصر، واعتبر البيان فوز مرشح الجماعة "ضربة لمخطط التوسع الصهيوني - الأميركي"، مشيراً إلى أنه يعني كذلك تحولاً كبيراً في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بأسره.

وكما جاملت "إمارة أفغانستان الإسلامية" "شعب مصر الشقيق لصعود محمد مرسي إلى سدة الحكم، جاملته أيضاً في رحيله عن العالم ببيان جاء فيه، "أثبتت حكاية الرئيس مرسي وما تعرض له من ظلم وغدر وجفاء أن طريق الكفاح الصادق والوصول إلى الهدف محفوف بالصعاب والمتاعب، ويحتاج إلى تضحيات وعزم راسخ، وإن ثباته وصموده سيظل نموذجاً لأهل الحق والتاريخ الإسلامي والإنساني إلى الأبد"، ولكن أبدية النموذج لأهل الحق والتاريخ الإسلامي والإنساني إلى الأبد تخضع للقيل والقال هذه الآونة في أحاديث المصريين.

"التعلق" بطائرة

صور ومقاطع فيديو لآلاف الأفغان وهم يركضون في محاولات بائسة للتعلق بطائرة عسكرية أميركية بدأت في الإقلاع يجري تداولها بشكل هستيري، فبين سخرية لاذعة متساءلة عن سبب هرب الأفغان من جنة تطبيق الحكم الديني أملاً باللجوء لجهنم الحكم العلماني، وأخرى مستنكرة ومنددة بالسخرية من حكم الشرع وبوادر الأمل التي تلوح من أفغانستان لإقامة دولة الخلافة، هوة شاسعة وسجال محموم لا يليقان إلا بعظائم الأمور من سقوط دول وفتح ممالك، والوقوف على طرفي نقيض "إموجي" أحدهما ضاحك مستبشر بـ "الفتح" والآخر باك ينعي السقوط المدوي لدولة ظنوا أنها نجت بنفسها من "الفتح".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير