Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جرح عكار اللبنانية بليغ… رحلة العلاج الطويلة بدأت

لا يزال بعض الأهل يبحثون عن أبنائهم بين الضحايا وبعض المصابين نقل إلى خارج البلاد

وصلت المستشفيات إلى أقصى قدرتها الاستيعابية (أ ف ب)

من مستشفى إلى آخر، بدأت رحلة البحث عن الأبناء وسط الأشلاء والجثث المتفحمة. ومن أسعفهم القدر تمكنوا من سماع أصوات أبنائهم لمرة جديدة من تحت الطبقات السميكة من الشاش والضمادات. فيما تنتظر المسيرات الجنائزية فحوص الحمض النووي لتبيان هوية الضحايا، ولإكمال الإجراءات الإدارية في ظل وجود عناصر عسكرية ضمن القائمة. وفي الأثناء، بدأ بعض الدول مد يد المساعدة للمصابين والدولة اللبنانية، إذ اتخذت أشكالاً عديدة، منها تحمل نفقة علاج المرضى على أراضيها، فيما تعهدت دول أخرى مثل مصر بتقديم مساعدات عينية للعلاج. 

البحث مستمر

إلى باحة مستشفى السلام في طرابلس، حضر الأهالي من أجل السؤال عن أبنائهم، وهم غير متأكدين من مكان وجودهم. ومن لم يسعفه الحظ بالحضور من عكار إلى طرابلس، انتدب بعض الأقارب والرفاق للاطمئنان. يشير محمد قرحاني إلى أنه جاء من الكويخات، برفقة عائلات "إخوته الروحيين" من أجل معرفة مصيرهم. ويقول إنهم تنقلوا في مستشفيات عكار، ولكن لم يجدوا أثراً لهم. وبعد الانتهاء منها، نزلوا إلى طرابلس. جلس في غرفة الانتظار، وعنده الأمل بسماع الأخبار الجيدة بعد تفقد العائلة المصابين، واستكشاف إمكانية وجود الأبناء هنا. 

يروي محمد أنه وصل إلى مكان الانفجار بعد 15 دقيقة من وقوعه، كان المشهد مؤلماً، أكوامٌ من البشر تحترق ومن بينهم جيرانه، ولا إمكانية للمساعدة. في المكان، كان له عدة رفاق بمثابة إخوة له، وهم الإخوة الثلاثة: علي ومحمد وإبراهيم حسن حاويك، وأقاربهم عثمان ماجد حاويك، وخالد أحمد حاويك. يلفت إلى أنهم تبلغوا بوجود شابين من بيت حاويك من بين الجرحى لذلك جاؤوا ليتأكدوا من هوية المصابين. 

يتحدث الشاب عن "وضع نفسي فظيع" للعائلة. يحمل قرحاني الدولة مسؤولية الكارثة، فهي "حرمت الناس من البنزين والطعام، وكذلك من رفاقهم". وأفاد المستشفى عن وجود عبد الرحمن أحمد حاويك ومحمد حسن حاويك وعثمان ماجد حاويك بين المصابين بالحروق لديه.

في اليوم الثاني على الكارثة، بدأ يتضح توزع الضحايا على مختلف القرى العكارية المجاورة لبلدة التليل، وتزايدت التكهنات حول "حادثة مقصودة أودت بحياة العشرات من الشبان"، فيما أفاد أبناء الكويخات لاحقاً عن وفاة خالد أحمد حاويك وعلي حسن حاويك وإبراهيم حسن إبراهيم. وأكد أبناء بلدة الدوسة سقوط أربع ضحايا من بين أبنائها. فيما سرت معلومات عن تعرف خطيبة أحد الضحايا، محمد الأسعد، إليه من خلال خاتم المحبس الذي في يده. 

في موازاة ذلك، أُوقف جورج الرشيد صاحب الأرض التي انفجر فيها خزان الوقود. وتزايدت الدعوات في عكار لإقامة مجموعات شعبية لوقف خطوط تهريب المحروقات إلى سوريا بعد الكارثة التي ألمت بالمحافظة. 

رحلة العلاج طويلة

بدأت رحلة العلاج الطويلة لـ14 مصاباً في مستشفى السلام المتخصص في طرابلس. وتغلب الإصابات البالغة والحروق العميقة على المصابين من الجنسيتين اللبنانية والسورية (عددهم أربعة). يتقاسم معالجة هؤلاء جهات ضامنة مختلفة، ستة يعالجون على نفقة الجيش اللبناني، وثلاثة على نفقة وزارة الصحة اللبنانية، واثنان من المصابين على نفقة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأربعة على نفقة الأمم المتحدة. ويؤكد الدكتور صلاح إسحاق، من مستشفى السلام، أن الحروق البليغة تصل إلى 90 في المئة، وهي عميقة للغاية لأنها ناجمة عن البنزين. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد وصل المستشفى إلى مرحلة الاستيعاب القصوى، واستهلك أكثرية المعدات المتوفرة لديه. ويتحدث إسحاق عن مسار علاجي طويل يستغرق أشهراً من العناية، وهم بحاجة إلى تأمين كميات كبيرة من الضمادات والبنج، بالإضافة إلى أدوية الالتهاب والمضادات الحيوية، والبلازما ذات الكلفة المادية العالية. 

كما يعالج تسعة مصابين في مستشفى الجعيتاوي ببيروت، بعد نقل ثلاثة بحروق بالغة إلى تركيا بواسطة طائرة خاصة لاستكمال العلاج. 

ويلفت رضا الموسوي، مستشار وزير الصحة، إلى أن نقل هؤلاء الجرحى جاء بناء لعرض المساعدة الذي قدمته بعض الدول، بالإضافة إلى التكلفة العالية للعلاج في لبنان، وصعوبة الحصول على المستلزمات الطبية بسبب الأزمة الراهنة. ويكشف الموسوي عن عرض قدمته دولة الكويت لمعالجة مجموعة من المصابين، إلا أنه لم يُنقل أي مصاب إليها، بانتظار تحديد الحاجات والأولويات. 

المزيد من الأشلاء

يؤكد الموسوي وجود 27 ضحية حتى اللحظة، بالإضافة إلى "كمية كبيرة من الأشلاء"، التي تنتظر فحوص الحمض النووي لتحديد هوية أصحابها، ولإجراء معاملات المطابقة. 

ويشير إلى أن الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية يتوليان مهمة مطابقة وتدقيق الهويات، لأن هناك عدداً كبيراً من المصابين والضحايا من العناصر العسكرية التي كانت موجودة في مكان الانفجار. 

ويضيف أن المستشفيات تُبلغ الوزارة بقوائم الأشخاص الموجودين لديها، لذلك يمكن للعائلات التواصل مع الوزارة أو المؤسسة العسكرية لمعرفة مكان وجود أبنائهم.

والاثنين، أفادت المعلومات عن العثور على مزيد من الأشلاء في محيط البؤرة التي وقع فيها الانفجار، والتي تتولى الجهات الأمنية مهمة تمشيطها. وبانتظار مهمة تحديد الهويات البيولوجية، تأخرت عملية تشييع الضحايا في عكار. واقتصرت على تشييع حاشد للضحية محمد خضر في بلدته الكواشرة، بعد أن تعرّفت العائلة إلى جثته. 

الجثث المتفحمة

استقبل المستشفى الحكومي في طرابلس سبع جثث متفحمة بالكامل. ويوضح الدكتور ناصر عدرة، مدير المستشفى، أن الطوارئ استقبلت ثمانية أشخاص من الضحايا والمصابين في تفجير عكار، وأجريت لكل واحد منهم الإسعافات الأولية قبل تحويله إلى مستشفى السلام المتخصص بعلاج الحروق بالتنسيق مع وزارة الصحة والصليب الأحمر اللبناني. 

في المقابل، "يوجد في المستشفى جثث لسبعة قتلى، وأصبح الملف في عهدة الشرطة العسكرية للمتابعة مع أهالي المفقودين لدعوتهم للتعرف إلى أبنائهم، أو إجراء فحوص الحمض النووي لتحديد هوياتهم". 

ويلفت عدرة إلى أن "الجثث السبع ما زالت في برادات المستشفى، ولم تسلم للأهالي".

جاهزية المستشفيات

فتحت الكارثة الأخيرة الباب للسؤال عن مدى جاهزية المستشفيات الحكومية، وكذلك الخاصة، لمواجهة الكوارث التي يمكن أن تحدث. يميّز عدرة في موضوع القدرة على مواجهة الحروق بين عدة درجات، هناك الحروق البسيطة التي يمكن للمستشفيات الحكومية التعامل معها وعلاجها، أما الحروق البليغة والعميقة فتحتاج إلى مستشفيات متخصصة ومجهزة بصورة متقدمة. 

يتحدث عدرة عن ضغط كبير تواجهه المستشفيات الحكومية في الفترة الحالية، لأن القدرة المادية للمواطنين أصبحت محدودة، وعليه فهم سيتجهون للاستشفاء لدى المؤسسات الحكومية، لأنه "لم يعد بإمكان الكثير من الناس التوجه إلى المستشفيات الخاصة". ويضيف أن مستشفى طرابلس الحكومي هو مؤسسة مركزية في محافظة الشمال، لذلك يُنسق مع مصفاة طرابلس لتأمين مادة المازوت من أجل الاستمرارية، وتأمين الحاجات الأسبوعية. 

ويؤكد عدرة أن أزمة جديدة تطل برأسها، ألا وهي أزمة البنزين والكلفة العالية للنقل التي قد تؤخر أو تحول دون وصول الطواقم الطبية والتمريضية إلى المؤسسة في الحالات الطارئة، فما بالك بالنسبة إلى أهالي المصابين الذين يتعذر عليهم النزول من عكار إلى طرابلس. ففي الفترة التي تلت الانفجار عجز الكثير منهم عن المجيء إلى المستشفى للتفتيش عن أبنائهم، أو إجراء عمليات التفقد والمطابقة، لذلك اتصلوا بالأقارب في طرابلس لمساعدتهم في ذلك. وهذا الأمر ينسحب على أهالي المصابين المقيمين في المراكز العلاجية المتخصصة في طرابلس، إذ سيحتاج هؤلاء إلى تكاليف كبيرة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات