Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليل غول: الاندماج أم التعددية

تخوض الروائية ليل غول في قصة حياتها وعيشها المزدوج بين ثقافتين متناقضتين

الروائية ليل غول تطرح تساؤلات مآزق الليبرالية الغربية مع تكاثر الهجرات المختلفة الثقافات (غيتي)

"سوف أحيا" Ik Ga Leven هو عنوان رواية كتبتها هولندية من أصول تركية، وقد أصبحت رواية ليل غول الأكثر مبيعا في هولندا، الكتاب هو عبارة عن قصة حياتها، فقد ولدت ليل وترعرعت وتعلمت وعاشت طول عمرها (23 سنة) في هولندا لأبوين بسيطين تركيين هاجرا قبل عقود من الأرياف التركية بحثا عن حياة أفضل في هولندا، والدها عامل بسيط ووالدتها ربة بيت أمية.

تمردت ليل على العادات والتقاليد والتعاليم الدينية الإسلامية وأعلنت إلحادها في روايتها وحياتها الصاخبة من شرب الخمر والحشيش، بل وتطرقت حتى لعلاقتها الجنسية مع رجل هولندي أبيض يؤيد حزبا يمينيا مناهضا للمهاجرين إلى بلاده، ويناهض المثليين كذلك.

تخوض الروائية ليل في قصة حياتها وعيشها المزدوج بين ثقافتين متناقضتين، بل وتعليمين متناقضين، حيث تذهب للدراسة في مدارس هولندية علمانية، ثم يجبرها والديها على الذهاب لمدرسة دينية تمولها الحكومة التركية حيث تتعلم القرآن وتعاليم الإسلام "الصحيحة".

تتناول الرواية التناقضات بين العادات والتقاليد والدين التي يتمسك بها والداها المؤيدان للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولحزبه الإسلامي، لكنهم يرفضون العودة لتركيا ويؤيدون حزبا يساريا علمانيا في هولندا رغم تأييده للمثليين هناك، لكنه يقف إلى جانب المهاجرين ويدافع عن حقوقهم. وتطرح ليل معاناتها كفتاة مقيدة الحرية هي وأختها الصغرى، ولكن قيود الحرية لا تنطبق على أخيها الذي يصادق الفتيات الهولنديات ولا ترى العائلة ضيرا في ذلك، فما هو مسموح للرجل- حسب العادات والتقاليد الشرقية- غير مسموح للفتاة حتى وإن كانت هولندية الجنسية والمولد والمنشأ والتعليم.

تسرد الروائية أنها سألت مدرستها في مدرسة القرآن التي تذهب لها في عطلة الأسبوع عن سبب هذا التناقض في ما يسمح للذكر ولا يسمح به للأنثى فيما يتعلق بالحرية الشخصية، وتصف ردة فعل المدرسة الغاضبة التي حذرتها بأن طرح مثل هذه التساؤلات سوف يقودها يوما نحو الردّة بلا شك.

قصة ليل تطرح مشكلة ثقافية حضارية مزدوجة يواجهها المهاجرون لدول الغرب حيث الليبرالية الديمقراطية التي تقدس الحريات من معتقد وسلوك  وحريات فردية، وبين ثقافة ودين وتقاليد المهاجرين لهذه الدول التي تتناقض تناقضا تاما مع مباديء الحريات الشخصية، وبالذات أولئك المهاجرون القادمون من بلاد إسلامية.

فهي من ناحية تطرح تساؤلات مآزق الليبرالية الغربية مع تكاثر الهجرات المختلفة الثقافات: إلى أي مدى نسمح بممارسة الثقافات المختلفة بيننا؟ ماذا لو تناقضت تلك الثقافات مع مباديء الليبرالية الغربية والحريات الشخصية؟ هل نسمح بممارسات ثقافية بحجة التعدد الثقافي حتى وإن خالفت مباديء ثقافتنا وانتهكت حقوق الأفراد؟ إلى أي مدى نسمح بهذه الممارسات الثقافية المختلفة على حساب الحريات والحقوق العامة للأطفال والنساء تحديدا؟ هل نسمح بفرض لبس معين على الصغيرات والمراهقات وتزويجهن قبل السن القانوني؟ هل نسمح بفرض هذه الثقافات قيودا على المرأة تحت ذريعة دينهم وتقاليدهم؟ أم يجب أن نفرض على هذه المجتمعات المهاجرة الاندماج في ثقافتنا وحضارتنا التي اختاروا الهجرة لها؟ ألا يعني فرض الاندماج لهذه الثقافات خرقا لمباديء الحرية والتعددية التي تقوم عليها الحضارة الغربية نفسها؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن ناحية أخرى، تعيش مجتمعات المهاجرين حالة من التناقض أيضا حول مدى الاندماج والتعايش على حساب ثقافاتهم وأديانهم التي جلبوها معهم في قلوبهم وتصرفاتهم، فهم من ناحية اختاروا- وفي أحيان كثيرة- غامروا بل وربما كذبوا وزوروا ولفقوا كي يصلوا لهذه الدول، وكثير منهم يدرك ما هذه الدول عليه من مباديء تقدس حرية الفرد في سلوكه الخاص ما لم يتعد على حريات الآخرين، فالحرية الجنسية حق لكل ذكر أو أنثى تعدى سنا معينة، وهو الأمر الذي يتعلق بالشرف لدى أهل الثقافات الشرقية- وبالذات شرف الأنثى، فالرجل "ينقل عيبه"، ومسائل المشروبات الروحية مباحة للجميع بعد سن معين، بل إن هولندا- حيث تعيش كاتبة الرواية- تسمح بتدخين الحشيش والماريجوانا علنا.

وهنا يأتي السؤال: إلى أي مدى يمكن أن يتنازل هذا المهاجر عن قيمه وعاداته وتقاليده وربما بعض تعاليم وطقوس دينه في سبيل التعايش والاندماج مع هذه المجتمعات بثقافتها المناقضة لثقافته تماما والتي اختار الهجرة إليها لأنها توفر له لقمة عيش وحقوق إنسان لا تتوفر في موطنه الأصلي؟

الاندماج أم التعددية الثقافية  INTEGRATION or MULTI-CULTURALISM  هو مفترق الطرق الذي تواجهه المجتمعات الليبرالية الغربية، وهو نفس مفترق الطرق الذي يقف أمامه المهاجرون المختلفون مع هذه المجتمعات اختلافا ثقافيا جذريا.

تكرر ليل في لقاءاتها أنها لاتزال تحب والديها وأسرتها، وتتمنى العودة للعيش معهم رغم اختلافها وتمردها على عاداتهم وتقاليدهم ودينهم، وتقول: "هم بالنهاية أهلي". فهل يمكنها العودة للعيش مع أسرتها رغم تناقضها الصارخ معهم؟ أم أن عليها أن تنتظر حسم المأزق الذي تواجهه الليبرالية الغربية ومهاجروها المختلفون عنها تماما وهو مأزق: الاندماج أم التعددية!

اقرأ المزيد

المزيد من آراء