Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رسم الفصل القادم من تاريخ العلا الفني

بعد سلسلة من المقالات الترويجية حول المدينة التاريخية التي باتت وجهة ثقافية جديدة، يخبرنا الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية في المحافظة، عمرو المدني، عن أي وجه تنفذ المرحلة التالية من برنامج الفنون لتسري فيها الحياة

في مدائن صالح المدرجة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي اعتمدت رموز وزخارف من مصر القديمة وروما واليونان وبلاد ما بين النهرين، وجرى تكييفها مع الطراز المحلي (غيتي)

يقع محترف الفنانة هيلين باشجيان خلف باب أزرق قديم في أحد أزقة لوس أنجليس. الهيئة الخارجية للمكان متواضعة، لكنه يضم في الداخل عجائب ترمز إلى قوة الفنون في العلا، الوجهة الصاعدة للتراث الطبيعي والثقافي في شمال غربي المملكة العربية السعودية.

عند زيارة مجموعتنا للسيدة باشجيان في أحد الصباحات، أخيراً، عرضت علينا عملاً فنياً مذهلاً. كان عبارة عن كرة من الصمغ المتبلور مثبتة فوق قاعدة، ولا بد أن وزنها يبلغ نحو 100 كلغ. عندما أخفضت باشجيان الإنارة ببطء في المكان، تلاشت حواف الكرة ثم بدا القرص وكأنه يختفي بأكمله بطريقة ما، ثم عندما زادت من سطوع النور مرة أخرى، عادت الكرة تتوهج وتشع بالحياة.

كانت تجربة مشاهدة هذا العمل الفني لحظة فائقة الكمال وسامية. وهذا السمو هو الذي يعبر عن طموحاتنا للفنون في العلا - أي استخدام اللغة العالمية للفنون من أجل الارتقاء وطمس الحدود التي تفصل بين الرمال والسماء، الفنان والجمهور، السياح والمقيمين، الشعب وجيرانه، الماضي والحاضر، الأمور المادية والروحانية.

في المستقبل القريب، سيكون هذا الهدف محركاً لمخططنا الرئيس الأول الذي يحمل عنوان "رحلة عبر الزمن". في إطار المخطط الرئيس، ستنشئ الهيئة الملكية للعلا بحلول عام 2035 خمسة عشر مرفقاً ثقافياً جديداً تقدم مجالات مترابطة من المعرفة والانغماس والإبداع، وتتوج أكبر متحف حي في العالم. ضمن هذه الواحة الثقافية، سنجدد إرث العلا التاريخي كحلقة وصل من الاستكشاف والتعبير والإنتاج الفني من خلال ما سنقدمه، مثل حي الفنون والمعارض ذات الرؤية، ومتحف وحدائق البخور، وحدائق الواحة الحية - ذات الصلة الأوثق برحلتنا الفنية إلى أميركا - ووادي الفن.

ستكون المناظر الطبيعية الملحمية لوادي الفن وجهة عالمية للأعمال الفنية الضخمة - حيث تنتصب بعض الأعمال من السهول الرملية لتخلق حواراً مع الأخاديد والنتوءات الصخرية والكثبان والمعالم الصخرية المحفورة والمشذبة التي تميز وادي العلا.

يُعد عرض الفنون ضمن الأطر الطبيعية إرثاً طويل الديمومة للعلا. فمنذ آلاف السنين، قام الناس في العلا بنقش ونحت وحفر انعكاسات فريدة من نوعها للفن في عصرهم، حيث لعبت المناظر الطبيعية دور المادة الخام لأعمالهم. يعد الفن الصخري والنحت والنقوش والعمارة... من الأعمال الصغيرة إلى الضخمة، والمعالم الإبداعية في العلا، فصولاً في تاريخ عالمي للفن.

في حالة مدائن صالح المدرجة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي (وهي شاهد ملحمي على ثراء وفن مملكة الأنباط القديمة)، اعتمدت رموز وزخارف من مصر القديمة وروما واليونان وبلاد ما بين النهرين، وجرى تكييفها جنباً إلى جنب مع الطراز المحلي لتزيين المدافن الضخمة، ما خلق معرضاً في الهواء الطلق يحتفل بحوار الحضارات. ويشمل طريق البخور - الذي كانت العلا تحتل فيه مركزاً حيوياً - وطرقاً بحرية حول البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض المتوسط، وتجارة المحيط الهندي التي ارتبطت في النهاية بطريق الحرير. كانت تلك التجارة قناة لتبادل ليس فقط البخور، ولكن الأفكار والفن والعمارة.

إن هذا الإرث - المتثمل في الدافع العالمي لنقل الثقافة وخلق انعكاسات غير عادية لعصرنا ستكون مصدراً إعجاب الأجيال القادمة وإلهامها، ضمن المناظر الطبيعية الخلابة في العلا - هو الذي يقودنا رؤيتنا نحو تقديم الفن في قلب المشهد الطبيعي. بدأنا بإحياء هذا الإرث خلال افتتاح معرض "ديزيرت أكس العلا" في أوائل عام 2020. يضم هذا المعرض الاستثنائي للفنون، الذي أقيم بقيادة مديرة البرامج الفنية والثقافية في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، نورا الدبل، وبالتعاون مع المدير الفني لـ"ديزيرت إكس"، نيفيل ويكفيلد، والمشرفتين السعوديتين رنيم فارسي وآية علي رضا، أعمالاً فنية ضمن المناظر الطبيعية لأربعة عشر فناناً من جميع أنحاء العالم، تدمج المناظر الطبيعية للوادي في تركيبات مذهلة ولافتة للنظر وعميقة.

ومن تلك الأمثلة كانت تجربة "الآن تراني، والآن لا" [يا ترى هل تراني؟] للفنانة السعودية منال الضويان، حيث شكلت منصات ترمبولين مستديرة كبيرة مساراً على امتداد الوادي. قلة هم الزوار الذين استطاعوا مقاومة القفز على تلك المنصات البهلوانية كي يحلقوا، للحظات وجيزة، في الهواء وسط الأخاديد ذات الحجارة الرملية. تضمنت النصب الأخرى التي تحاكي المناظر الطبيعية بشكل مثالي مجموعة منمقة من الأراجيح، وتلة نحت عليها نص عربي مستمد من قصيدة حب، وفيديو طيفي بأسلوب النيغاتيف لإبل تشق طريقها عبر الصحراء، ومنحوتة باللون النيلي لرائد فضاء آتٍ من القرن الخامس والعشرين.

كان ظهور معرض "ديزيرت أكس العلا" (صحراء أكس العلا] متزامناً مع تهيئة جدول البرامج في مدرسة الديرة، وهي مركز الفنون والتصميم في العلا. هذا المركز، الذي كان في السابق مدرسة ثانوية، ويقع ضمن منطقة الفنون المستقبلية في العلا، هو الآن مقر للحرفيين المحليين الذين يتلقون إرشاداً للاستفادة من الإرث الإبداعي للمحافظة ليصوغوا منتجات ثقافية متميزة وعالية الجودة تتراوح بين الأعمال الخزفية والحلي. هذا هو طابع أنشطتنا الذي سيغذي صناعة إبداعية مزدهرة، لإثراء كل من يعيش ويعمل ويسافر إلى هذه الواحة، حيث نبرع في كتابة الفصل التالي من إرث محافظة العلا كمهد للإلهام الفني ونقله والتعبير عنه.

وبينما يحصل هؤلاء الفنانون والحرفيون مهارات، ربما سيقوم زائر قادم من بعيد يوماً ما بطرق باب محترف يقع في نهاية زقاق في العلا ويدهش من الروائع التي سيجدها في الداخل.

عمرو المدني هو الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمحافظة العلا

© The Independent

المزيد من ثقافة