كشفت تصريحات "ودية" للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والوزير الأول الجزائري أيمن بن عبد الرحمن، في طهران، عن رغبة البلدين في التوجه نحو مرحلة جديدة من العلاقات، وعلى الرغم من أن عبارات المديح كانت السائدة، إلا أن ذلك لم يمنع من تمرير رسائل سياسية بين الطرفين.
مدح محشو برسائل
ونوه رئيسي بالعلاقات الودّية والبناءة التي جمعت بين إيران والجزائر، مؤكداً أن حكومته وضعت أولويات سياستها الخارجية على أسس توسيع العلاقات مع دول الجوار والبلدان الإسلامية.
وتابع أن "الرجال والنساء الجزائريين لطالما ذكّرونا بروح الصمود والمقاومة ضد النفوذ الأجنبي"، مضيفاً أن إرادة طهران متمثلة في النهوض بمستوى العلاقات مع الجزائر، وأن تعزيز العلاقات الثنائية ينبغي أن يشكل أرضية لرفع التعاون بين البلدين على الصعيد الدولي أيضاً.
من جانبه، أثنى بن عبد الرحمن على تعاطف الرئيس الإيراني الجديد مع الشعب الجزائري، مبرزاً أن "الجزائر قدمت في سبيل مقارعة الاستكبار أكثر من مليون و500 ألف شهيد"، مشيراً إلى أن التحدي في بلاده اليوم هو التفوق على المشكلات الاقتصادية وبذل الجهود الهادفة إلى توسيع العلاقات الاقتصادية مع سائر البلدان، وهو أساس رغبة المسؤولين في تنمية الأواصر مع إيران.
خريطة طريق
وتعتبر تصريحات المسؤولين خريطة طريق تصبو لتحقيقها العاصمتين الجزائر وطهران، خلال المرحلة المقبلة، ولعل التعاون والتنسيق في الملفات الدولية، من جهة إيران، والتفوق على المشكلات الاقتصادية، من ناحية الجزائر، أهم ملامحها.
وتعد الجزائر من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقات مستقرة مع إيران منذ استقلالها، على الرغم من بعض الهزات التي اعترضت طريقها في مناسبات قليلة.
أهم الملفات
في السياق، تشدد أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عابر نجوى، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن علاقات الجزائر بطهران باستثناء التسعينيات، كانت دائماً ممتازة، وبعيداً من أي مزايدات، فإن طهران لا تنسى دور الجزائر لوضع حد للحرب الإيرانية- العراقية، كما لا تنسى دورها في أزمة الرهائن الأميركيين عقب إسقاط نظام الشاه محمد رضا بهلوي، حيث نجحت الجزائر في قيادة مفاوضات غير مباشرة انتهت بإطلاق سراح الرهائن مقابل رفع الحجز عن الأموال الإيرانية المجمدة والتي تم تحويلها لحساب الجزائر، ولذلك فإن حضور الوزير الأول مراسم تنصيب الرئيس الإيراني والتقارب الظاهر أخيراً، لا يمكن تفسيره بمنأى عن تاريخ العلاقات بين البلدين، فضلاً عن استرجاع الجزائر لدورها كفاعل مؤثر في الملفات المهمة، كما أن ارتفاع وتيرة التشنج في الشرق الأوسط عموماً، يمثل عاملاً ودافعاً موضوعياً يمكّن الجزائر من لعب دور مهم في المنطقة.
وتواصل نجوى، أنه بالنسبة إلى التعاون الاقتصادي، فهو ذا طبيعة استراتيجية بين البلدين، لكن يبقى الملفان السوري واللبناني فضلاً عن التوازن الذي فرضته إيران على خلفية تنامي قوتها الصاروخية وتمسك البلد بحقه في اكتساب التكنولوجيا النووية، من أهم الملفات التي ستفتح هامشاً للجزائر للعب دور مهم كوسيط لتقريب وجهات النظر بين إيران من جهة ومجموعة "5+1" من جهة مقابلة.
عوامل تحول دون ترقية العلاقات
على الرغم من أن العلاقات الجزائرية- الإيرانية قديمة وكانت دائماً تتميز بالهدوء، إلا أنها عرفت توتراً في بداية التسعينيات، بلغ حد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعد أن اتهمت الجزائر إيران بدعم الإرهابيين. وفي حين تجاوزت الجزائر الرسمية "الخصام"، لا يزال رئيس الحكومة في تلك الفترة سيد أحمد غزالي، يهاجم إيران كلما سنحت له الفرصة، إذ يعتبرها دولة تشكل خطراً على المنطقة العربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يرى الخبير في الشأن الإيراني، نور الدين المالكي، أن "حكومتي البلدين أعلنتا عن نيتهما تطوير العلاقات الثنائية، غير أن عوامل خاصة بكل بلد تحول دون ذلك. فبالنسبة إلى إيران تعد تدخلاتها في الشأن الجزائري عقبة أمام تطوير العلاقات، على الرغم من أن الجزائر لم تتدخل في الشأن الداخلي الإيراني"، مشيراً إلى أن بداية التدخلات كانت بدعم الإسلاميين في عام 1992.
وأضاف أن دعم إيران للجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية في اليمن ولبنان والعراق وسوريا يُشكل مصدر تخوف بالنسبة إلى الجهات الأمنية الجزائرية.
الجزائر تريد تقوية الحلف
إلى ذلك، يبيّن الإعلامي المهتم بالشأن السياسي، عبد الحكيم مسعودي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن من يطلع على مسار العلاقات بين الجزائر وإيران على المستوى الرسمي والاستراتيجي يدرك أنها جيدة ومتينة في معظم الأوقات إذا ما استثنينا فترة التسعينيات.
وقال إن جودة هذه العلاقات يترجمها تطابق السياسة الخارجية للبلدين إزاء أهم القضايا المحورية في المنطقة على غرار القضية الفلسطينية والملف السوري، مشيراً إلى أن الجزائر هي التي تريد تقوية هذا الحلف الموجود أصلاً، كونها تدرك جيداً حجم النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، بخاصة مع الدول التي تتقاسم المواقف نفسها داخل الجامعة العربية مثل العراق ولبنان، كما تدرك خطورة البقاء على الانكفاء الذي جنى عليها تهديدات إضافية بتمادي التدخلات الأجنبية في دول الجوار.
وأوضح أن الأوضاع والأحداث المتسارعة في العالم دفعت الرئيس عبد المجيد تبون إلى تعديل الجهاز الدبلوماسي من خلال تعيين رمطان لعمامرة وزيراً للخارجية، الذي يعمل بنشاط مكثف في أهم الملفات الشائكة بالمنطقة ككل، وما حضور أيمن عبد الرحمن في طهران إلا دليل على الأهمية التي توليها الجزائر لهذه العلاقات.