يتجه العراق إلى هيكلة مصرف الرافدين أحد أكبر المصارف الحكومية وأعرقها، وجاءت الخطوة بعد سنوات من الضغوط ومطالبات صندوق النقد الدولي بإعادة هيكلة المصارف الحكومية العراقية وجعلها أكثر انسجاماً مع الاقتصاد، وتتمثل في الرافدين والرشيد والصناعي والزراعي التي تستحوذ على أغلب ودائع البلاد.
تعيين مدير ومجلس إدارة جديد
وقال وزير المالية علي علاوي في تصريحات صحافية، "بدأنا في إعادة هيكلة المصارف الحكومية، والمشكلة لدينا بنسبة 80 في المئة بمصرف الرافدين"، لافتاً إلى "أن الخطوات تتضمن تغيير النظام الداخلي له، وقطع الصلة بين وزارة المالية وبينه وتغيير مجلس إدارته". وأضاف، "أن هذه الخطوات تجري بالتنسيق مع البنك المركزي، مع إدخال الحوكمة"، مشيراً إلى أن وزارة المالية بصدد اختيار مدير ومجلس إدارة جديدين لمصرف الرافدين".
ويشيد المدير العام السابق للعمليات المالية في البنك المركزي العراقي محمود داغر بهذه الخطوة، مشدداً على ضرورة أن تقترن بتحويله للقطاع الخاص وزيادة رأسماله وتغير تسميته. وأوضح، "أن خطوة وزارة المالية جيدة لتحرير المصارف الحكومية من سيطرة القطاع العام المتمثل في وزارة المالية، لا سيما أن القانون الذي يعمل بموجبه المصرف هو قانون الشركات والمفترض أن يعمل مجلس إدارة ليست له علاقة بأي جهة"، مشيراً إلى "أن المصرف حكومي ولهذا كانت قرارات مجلس الإدارة تصادق عليها من قبل وزارة المالية وموظفين أقل من مستوى الوزير تفرض عليهم أحياناً سياسات، خصوصاً قضايا الدَّين التي لا تتناسب مع إمكانات وأداء ورأسمال المصرف".
إجمالي الودائع 27 مليار دولار
وأوضح داغر، "أن مصرف الرافدين عريق، ويستحوذ على المركز الأول من حيث الودائع، التي معظمها حكومية"، لافتاً إلى "أن هذه الخطوة ستتيح له إعادة رأسماله لكونه منخفضاً، ويقدر بـ130 مليار دينار (89 مليون دولار) وهي لا تتناسب مع حجم ودائعه البالغة ما بين 30 إلى 40 تريليون دينار (من 20 إلى 27 مليار دولار). وشدد على ضرورة تحويله إلى شركة مساهمة خاصة، مع تغيير اسمه لكونه واحداً من المصرفين المفروض عليهما عقوبات دولية تمنعهما من العمل المرن دولياً"، داعياً إلى إيجاد مستثمرين محليين أو أجانب يشاركون المصرف في تطويره نظراً لما يتسم به من امتيازات.
وكان مصرفا الرافدين والرشيد الحكوميان تعرضا إلى عقوبات دولية خلال فترة التسعينيات عقب غزو نظام صدام حسين للكويت، ولا تزال حتى الآن مفروضة عليه في التعامل الدولي معهما، خصوصاً في ما يتعلق بقضية الحوالات المالية. ويرى داغر "أن تحول المصرف إلى القطاع الخاص يجعله بمنأى عن المطالبات الدولية، لأن سبب القرارات الدولية على مصرفي الرافدين والرشيد هو بسبب الحكومة العراقية قبل عام 2003".
خطوة متأخرة بضغط دولي
يتابع، "أن هذه الخطوة جاءت متأخرة، فصندوق النقد الدولي وإحدى الشركات المالية العالمية دخلت لتصفية ميزانية مصرفي الرشيد والرافدين وأخذت نقاشاً واسعاً لكن لم تكن هناك شجاعة حكومية لاتخاذ مثل هذا القرار للفائدة التي تجنيها وزارة المالية والخزانة العامة من خلال الاستدانة من هذا المصرف"، مبيناً "أن المصارف الحكومية لا تواكب التكنولوجيا ولا تمتلك رأسمالاً كبيراً لنستطيع تسميتها مصارف حديثة".
بدوره يشدد المتخصص بالشأن الاقتصادي صفوان قصي، على ضرورة خصخصة المصارف الحكومية لتطوير نظامها المصرفي ولتكون قادرة على دخول سوق المصارف العالمية، فيما يشير إلى أن هذه الخطوة ستعمل على تطوير الاقتصاد العراقي. ويضيف، "أن عملية خصخصة مصرف الرافدين وبيع أسهمه ضروري ليكون لدينا مجلس إدارة مستقل عن وزارة المالية يستطيع تنفيذ التنمية الاقتصادية بعيداً من التدخلات الحكومية ونحن مع الشروع في خصخصة المصارف العامة من أجل أن تعمل نظيرتها الحكومية بعقلية الاستثمار".
30 مليار دولار خارج المصارف
ويشير قصي إلى "أن هناك أكثر من 30 مليار دولار هي مدخرات للعراقيين بعيداً من النظام المصرفي، والبدء في عرض منتجات مصرفية متنوعة ستسهم في تحريكها باتجاه النظام المصرفي، بالتالي تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة". يضيف، "أن الشراكة مع المصارف العالمية مع وجود نظيرتها المحلية على مستوى متطور من التكنولوجيا يسهم في تشجيع الاستثمار المحلي والإقليمي والدولي، لا سيما أن الشروع في عملية الخصخصة بالمصارف العامة سيحدث قفزة للاقتصاد العراقي على المستوى المتوسط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يتابع، "أن وزارة المالية مشرفة على السياسة المالية والبنك المركزي وهو من سيشرف على المصارف"، مبيناً "أن تكوين مجالس إدارة مستقلة تنتخب من المساهمين تعمل على إدارة هذا القطاع سيؤدي إلى الانفتاح على المصارف الدولية". ويشير إلى أن "المصرف العراقي للتجارة يحتكر القطاع المصرفي بنسبة عالية لأن الحكومة تعتمد عليه"، موكداً "أن خلق منافس قوي سيؤدي إلى العدالة في توزيع الفرص والمنافسة بين المصارف مما يدفع النظام المصرفي نحو التكامل. إضافة إلى أن مصرفي الرافدين والرشيد بحاجة الى إعادة التأهيل وإدخال التكنولوجيا والموارد البشرية التي لم تستطع مواكبة نظم المكننة الحديثة"، وأشار إلى "أن مصرف الرافدين لديه سمعة دولية وأن البنك المركزي حريص على تأهيل هذه المصارف ونتوقع أن تليها خطوة تأهيل مصرف الرشيد".
الخطة موجودة منذ 2006
ويؤكد المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مضهر محمد صالح، "أن خطة إعادة هيكلة المصارف كانت موضوعة منذ عام 2006 إلا أن مصاعب كبيرة واجهت عملية التغير، بينها اعتماد الصيرفة الحديثة كأساس لعمل المصرف ما يقتضي التعاطي بعدد أقل من العاملين وتكنولوجيا أكبر، الأمر الذي لاقى مقاومة سلبية داخلية من المصرف نفسه"، مشيراً إلى "أن هناك ما يسمى بإعادة الهيكلة المالية، وهذا يتطلب تخليص المصرف من إرث هائل من الخسائر تحمّلها عن ديون النظام السابق التي يفترض أنها جرت تسويتها ضمن اتفاق نادي باريس 2004 إضافة إلى خسائر الحروب".
رأسمال جديد
وأوضح صالح، "أن الحرب الأخيرة على إرهاب داعش وتعرض الكثير من فروع المصرف إلى السلب والحرق يتطلب وضع رأسمال جديد، أو رافعة مالية أوسع تمتلك القدرة على امتصاص الخسائر، وتشكل في الوقت نفسه دعماً في مواجهة مخاطر عمليات المصرف مثل الائتمانات الرديئة التي منحها المصرف في أزمنة مختلفة وباتت صعبة التحصيل وتحولت إلى خسارة".
ضرورة الهيكلة القانونية
ويلفت صالح إلى "وجود ضرورة للهيكلة القانونية التي لا بد من منح مجلس إدارة المصرف القوة القانونية والاستقلالية الكافية من هيمنة وزارة المالية، التي أصبحت حتى حركة الملاك الوظيفي اليوم في المصرف على سبيل المثال تتم من خلالها، وليس إدارة المصرف مما أضعف مجلس الإدارة وهذا يقتضي حوكمة أكبر بفصل الإدارة عن الملكية لضمان كفاءة ومرونة أنشطة المصرف لبلوغ غاياته وتطبيق سياساته المصرفية السليمة".
وعلى صعيد الصيرفة الدولية، "فإن المصرف بحاجة إلى معايير عمل مصرفية أوسع في مجال الامتثال والحوكمة والمحاسبة والرقابة كي يرفع من مستوى التعاطي مع البنوك المراسلة الدولية ويستعيد عافيته في تمويل التجارة الخارجية للقطاع الخاص"، بحسب صالح، الذي أشار إلى أن الإصلاح ليس بالأمر السهل وهو بحاجة إلى إرادة قوية.
إشراف الحكومة
بدوره يشدد عضو اللجنة المالية جمال كوجر، على ضرورة أن يوجد كل من القطاع العام والخاص في المجال المصرفي وأن يكون تحت إشراف الحكومة، فيما انتقد عمل المصارف الحكومية. ويضيف، "أن الآلية التي تعتمد عليها المصارف الحكومية جاءت نتيجة المشكلات المالية في الدولة العراقية وسيطرة الأحزاب السياسية على مفاصل الحكومة". وأكد "أن النظام المصرفي في العالم أصبح أكثر تطوراً، وبسبب الحروب تأخر لدينا، خصوصاً أن الأحزاب دخلت إلى المعترك المالي وأصبحت لديها مصارف ومنافذ مالية".