Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشهد بانورامي للذكرى السنوية لانفجار مرفأ بيروت

لمحات مؤثرة من الحزن الممزوج بالفرح والأمل أعادت إحياء انتفاضة اللبنانيين

في 4 أغسطس، استقبلت المنطقة المحيطة بالمرفأ ووسط بيروت اللبنانيين من مختلف المناطق (أ ف ب)

بعد أيام على تجمع اللبنانيين في الذكرى السنوية الأولى لانفجار بيروت ومرفئها في 4 أغسطس (آب) 2020، يمكن النظر بطريقة بانورامية موسعة إلى التجمعات والتظاهرات التي جرت في تلك المناسبة قرب المرفأ وفي الساحات العامة في وسط العاصمة اللبنانية، الذي بات المنطقة المكرسة للتظاهر والاعتصام في البلاد في كل القضايا التي يتفق عليها أو ينقسم حولها اللبنانيون.

ماذا يعني وسط المدينة؟

وسط المدينة، حيث ساحتا "الشهداء" و"رياض الصلح" و"الواجهة البحرية"، إضافة إلى ساحة النجمة، حيث مبنى البرلمان، هو مركز لبنان كله، وليس العاصمة وحدها، وهو مقصد اللبنانيين من كل المناطق والأطياف للتعبير عن مشاعرهم تجاه أمر ما. فبعد إعماره في زمن السلم الذي تلا "اتفاق الطائف"، جرت فيه تظاهرات "ثورة الأرز" بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ورفاقه وعدد كبير من اللبنانيين في انفجار 14 فبراير (شباط) 2005، للمطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان وإنشاء محكمة دولية لمحاكمة القتلة. وفي ذلك الوسط أيضاً أقام "حزب الله" وحلفاؤه تظاهرتهم التي حيت النظام السوري، وأهدى "الحزب" خلالها رئيس الاستخبارات العسكرية السورية في لبنان حينها، رستم غزالة، "بندقية المقاومة" التي غنمها الحزب من جندي إسرائيلي في إحدى الحروب. وخلق ذلك فريقين سياسيين كبيرين يقسمان لبنان عمودياً، هما فريق "14 آذار" وفريق "8 آذار".

كتلة واحدة في مواجهة المنظومة الحاكمة

في إحياء ذكرى تفجير المرفأ في 4 أغسطس، كان هذا الانقسام السابق قد انتهى، وبات بعد سنوات طويلة من الصراع السياسي اللبناني انقساماً بين لبنانيين يريدون الحقيقة في تلك الكارثة التي أودت بحياة العشرات وجرحت وشردت الآلاف، ومحاكمة الفاعلين والمتسببين والمشاركين والمغطين لهذه الجريمة، وفي الوقت ذاته محاولة طرد كل الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد إلى الانهيار الذي هو فيه، ابتداءً من منظومة ما يسمى "العهد" وحلفائه الذين يؤخرون التحقيق والوصول إلى نتائج بكل الطرق الممكنة ويمنعون تشكيل حكومة لأسباب سياسية عدة، محلية وإقليمية، وصولاً إلى لبنانيي السلطة الحاكمة ومنظوماتها التي كرستها عبر 30 سنة من الحكم بعد "اتفاق الطائف" الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1989.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في 4 أغسطس 2021، استقبلت المنطقة المحيطة بالمرفأ ووسط بيروت اللبنانيين من مختلف المناطق، وبدا ذلك واضحاً على الأرض من الجهات التي يمكن رصدها من هذا الوسط، حيث تلتقي الطرق القادمة من محافظات الشمال والبقاع وجبل لبنان. وتلتقي هذه الطرق الدولية كلها في "ساحة الشهداء" ووسط المدينة، وكلها كانت تغص بالمشاركين حاملي الأعلام اللبنانية واللافتات المختلفة التي تحمل شعارات كتبها أفراد كل على هواه للتعبير عن رفضه للوضع القائم، ولم يخلُ كثير منها من الطرافة والغضب والإصرار على التغيير.
بدا اللبنانيون بعد سنة على انفجار المرفأ وكأنهم كتلة واحدة متراصّة على الرغم من اختلاف انتماءاتهم السياسية والمناطقية والطائفية. فالمطلب المحق بكشف الحقيقة هو مطلب جامع للمواطنين إلا الحزبيين منهم والبيئات التي تأتمر بأوامر الأحزاب التي تحاول تمييع التحقيقات وعرقلتها بكل الطرق المتاحة، لأن التحقيق العادل والحقيقي سيوقع بعض رجالاتها من السياسيين والأمنيين في قبضة العدالة.
وبدا على هؤلاء اللبنانيين المتظاهرين في وسط المدينة وقرب المرفأ، أن أي قضية محقة يمكنها أن تجمعهم وأن تؤسس لجبهة معترضة ولو شكلية في هذه المرحلة بوجه المنظومة الحاكمة، ريثما تُفرَز كتل ومجموعات وأحزاب جديدة ذات أهداف محددة في ما بعد.

اختلاط الحزن والفرح

هذا المشهد الضخم الذي لم يكن منظماً تنظيماً حزبياً أو أيديولوجياً، ولكنه نظم بطبيعة المشاركين فيه من المواطنين المسالمين والطامحين إلى بناء دولة على قدر تطلعاتهم تنتشلهم من الانهيار وتؤمن لهم حياة كريمة، فكان ذلك سبباً لفرح ممزوج بالحزن. فالفرح سببه الصدمة من الأعداد الكبيرة والجموع الغفيرة التي حضرت إلى المكان، بعد أن اعتقد لبنانيون كثر أن أصحاب الفكر التغييري يئسوا أو استسلموا للأمر الواقع بعد أن انفكت عصبية "ثورة 17 تشرين" (17 أكتوبر 2019) خلال سنة كاملة مرت. كما أن التعبير السلمي الطاغي شكل سبباً آخر للفرح، إذ أراد اللبنانيون عبره توصيل رسالة مهمة بأنه ليس بالعنف وحده يتم التغيير أو إحقاق العدالة. ورفرفت الأعلام اللبنانية في كل مكان، وتمت استعادة شعارات "17 تشرين" التي كادت تخبو، وانتشرت اللافتات المكتوبة بروحية الأجيال الجديدة، صاحبة السخرية السوداء، سواء بالرسم أو بتشكيلات فنية صغيرة تحمل باليد كتصغير للمشانق التي يراد منها معاقبة الفاسدين أو "الأحذية" التي تم تشبيه الحصانات النيابية بها، والأغاني الثورية الجامعة التي عادة ما تكون للمغنية اللبنانية الشهيرة بمواقفها الداعمة لحرية اللبنانيين وكرامتهم ماجدة الرومي أو لأغاني فيروز المهداة إلى بيروت وبحرها.
أما الحزن الذي كان يخالط الفرح فأسبابه كثيرة. فالسبب المباشر هو الحزن على الضحايا الذين سقطوا في هذا الانفجار، وعلى أهاليهم الذين لم يجدوا بعد ما يؤشر إلى أن العدالة ستتحقق لتساهم في بلسمة بعض جروحهم. والحزن أيضاً على نصف المدينة الذي دُمّر، والذي كان خلال سنوات السلم الماضية، صورة بيروت وواجهتها التي تطل بها على العالم، أي بيروت التنوع والثقافة والسهر والسياحة والبيوت التراثية، تحديداً من هذه الزاوية، حيث مرفأها. والحزن سببه أيضاً الوضع الاقتصادي المتردي بشكل متدحرج، ومن دون توقف، وانهيار المؤسسات واحدة تلو الأخرى، وتوقف عمل الإدارة اللبنانية، واستلاب قرار الدولة عبر مجموعة مستقوية داخلياً وإقليمياً من دون أن يعنيها فعلياً الانهيار المتمادي الذي يعيشه اللبنانيون، إلى درجة محاولة فتح جبهة الجنوب اللبناني مع إسرائيل بسبب الكباش الإيراني معها. وبات اللبنانيون يعرفون معنى فتح هذه الجبهة والأثمان التي سيدفعونها في حال شن حرب إسرائيلية على لبنان، كما حصل في كل الحروب السابقة.

التنوع في الوحدة

وكانت قدرة اللبنانيين على الحشد والوقوف جنباً إلى جنب في سبيل قضية محقة، فرحاً ممزوجاً بحزن الأوضاع الحالية في لبنان وآفاقها المظلمة. وكانت هذه التعبيرات واضحة على أجيال مختلفة من كبار السن الذين عايشوا الحروب الأهلية والإسرائيلية المديدة، ومن الأجيال الجديدة من صغار السن الذين لم يعيشوا الحرب، ولكنهم يرفضونها سلفاً بسبب معرفتهم بنتائجها.
وقال مواطن أجنبي شارك في تظاهرة 4 أغسطس الحالي، إنه يشعر بأن "الشعب اللبناني ينبض بالحياة، فهو على الرغم من كل شيء يحاول العيش حياة كريمة ويعبر بقوة عن اعتراضه لأحواله ويحترم تنوعه، فها هم الصبايا المحجبات إلى جانب المرتديات ما خف من ملابس، والشباب المسيسون من مختلف الأهواء يصرخون جنباً إلى جنب في وجه سلطة طاغية. وأجراس الكنائس تعانق المآذن". وأردف قائلاً، "أنا أعرف أنكم تجدون كلبنانيين صورة الكنيسة والجامع معاً مشهداً فولكلورياً أو سياحياً شكلياً، ولكن بالنسبة لي أعتبرها كنزاً لبلادكم لم تعرفوا قيمته الحقيقية بعد".

المزيد من تقارير