Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصدر التهديد الحقيقي لبريطانيا... اليمين المتطرف وليس طالبي اللجوء

يشكل "مشروع قانون الجنسية والحدود" خطراً إرهابياً كبيراً من جانب اليمين المتطرف

الحكومة البريطانية متهمة بـ "الإستسلام" لضغوط اليمين المتطرف في تعاملها مع ملف طالبي اللجوء (أ ف ب)

يعتبر "مشروع قانون الجنسية والحدود" الذي طرحته الحكومة معيباً بقدر ما هو غير إنساني. فهو يوجه رسالة واضحة مفادها بأن حكومة المملكة المتحدة متحمسة لتجاهل بعض أكثر الناس ضعفاً في العالم، وللهبوط إلى درك أسفل جديد من خلال المغامرة بتجريم حتى قوارب النجدة التابعة لجمعية "قوارب الإنقاذ الوطنية الملكية" الخيرية، المعنية بمساعدة الناس على النجاة من الغرق في القناة الإنجليزية.

يركّز جزء مغمور نسبياً من القانون المذكور تركيزاً أساسياً على مراكز إيواء طالبي اللجوء، مقترحاً توسيع نطاق استعمالاتها ونقلها بعيداً من المجتمعات حيث يعيش الناس العاديون. تشكو هذه الاقتراحات من الخلل، إذ من شأنها أن تمنع اندماج اللاجئين بالمجتمع، كما أن مراكز "الإقامة المؤسساتية" (السكن الذي توفره مؤسسات مثل السجون والجامعات والثكنات العسكرية) مزرية إلى درجة اعتُبرت معها غير قانونية. لكن إضافة إلى كل هذا، فالاقتراحات تنطوي على المجازفة بإثارة نشاط إرهابي كبير من جانب اليمين المتطرف.

لقد أدى نقص أماكن الإقامة علاوة على ضرورات الالتزام بالقيود التي فرضتها مواجهة "كوفيد"، إلى اعتماد وزارة الداخلية على مساكن خاصة، وفنادق، ونُزُل من النوع الذي يوفر السرير للمبيت والفطور الصباحي، والثكنات العسكرية المهجورة، لإيواء اللاجئين بصورة موقتة. وسارع اليمين المتطرف على الفور تقريباً لاستغلال الفرصة وتأجيج مجموعات ناشطيه المتصدعة. وشهدنا ظهور ما سمي بـ "الصحافيين المواطنين"، وهم عبارة عن ناشطين انضمت إليهم مجموعات يمينة متطرفة منظمة، مثل "بريطانيا أولاً"، وصوّر هؤلاء شواطئ الساحل الجنوبي للبلاد، كما "تصيدوا" المهاجرين وطالبي اللجوء لدى وصولهم إلى التراب البريطاني.

وانتشرت أشرطة الفيديو التي صوروا في بعضها الوافدين بينما كانت الكاميرات تطاردهم، وفي بعضها الآخر ناشطين مهتاجين يصرخون بغضب في ردهات هذا النزل أو ذاك حيث أقام مهاجرون. وجرى تداول هذه الأشرطة بسرعة على نطاق واسع عبر منصات اليمين المتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي لإثارة غضب الناشطين المناهضين للمهاجرين حتى بلغ الأمر نقطة الذروة. وقد ساعد كل واحد من هذه الفيديوهات على تأكيد الاعتقاد السائد لدى اليمني المتطرف بأن بريطانيا تتعرض "للغزو" من قِبل الأجانب. وكانت في الوقت نفسه تبث الخوف مباشرة في أوساط طالبي اللجوء ممن وضعوا في فنادق وثكنات عسكرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السلوك الترهيبي الخطير المتنامي لليمين المتطرف بلغ حداً من الجرأة جعل تلك المجموعات تواظب بفعالية على اقتحام أماكن إقامة اللاجئين ومطاردة القوارب التي تأتي بهم، وذلك لتحقيق هدف وحيد هو مضايقتهم. ولن تؤدي مخططات إيواء اللاجئين في مراكز خارج المدن، عوض توفير إقامات لهم بين الناس، إلى منع اندماجهم بالمجتمع وإبقائهم محاصرين معزولين في أوضاع شبيهة بظروف المحتجزين فحسب، بل ستنطوي أيضاً على المغامرة بتعريضهم لمزيد من المضايقات والعنف.

علاوة على ذلك، ينبغي أن تدرك وزارة الداخلية مدى خطورة المجازفات التي تشتمل عليها هذه الاقتراحات حالياً، خصوصاً أن الاتهامات قد وجهت أخيراً إلى أعضاء مجموعة يمينية متطرفة جديدة تتبنى الإرهاب، ومن المزعوم أنها تقوم بتجنيد الأطفال ضمن صفوفها عبر تطبيقي "إنستغرام" و"تليغرام". وكشف استقصاء أجرته منظمة "الأمل لا الكراهية " العام الماضي أن زعيم إحدى المجموعات التي تضم غلاة اليمينين المتطرفين قد أعلن في منشور له أنه كان يخطط لشن هجوم على اللاجئين لدى وصولهم إلى دوفر. وإذ تلقى هذا القيادي المتطرف دعماً من أعضاء في هذه المجموعة، فقد شدد متطرفون آخرون أيضاً على استعدادهم للقيام بأعمال عنف ضد المهاجرين، كما ناقشوا كيفية الحصول على الأسلحة اللازمة، وسبل إخفاء آرائهم السياسية بحيث يتمكنون من الالتحاق بالقوات المسلحة والعمل من داخلها.

يبقى تطرف جماعات أقصى اليمين التهديد الأسرع تنامياً وانتشاراً في المملكة المتحدة. ويبدو في ضوء هذه الحقيقة أن هناك خطراً فعلياً بوقوع أعمال إرهابية بسبب التهديد الملموس من قبل اليمين المتطرف لأماكن إقامة اللاجئين، والمخاطرة المتزايدة بتعريض الوافدين للعنف جراء نقلهم إلى مراكز إيواء بعيدة من الناس. فمن الضروري أخذ هذا الوضع على محمل الجد كتهديد إرهابي بالغ الخطورة. يُشار إلى أن المنظمة الألمانية المسماة "برو أسّايل" قد أحصت 126 محاولة لإضرام النار بشكل متعمد في أماكن إقامة اللاجئين، أي محاولة واحدة كل ثلاثة أيام وذلك في ذروة "أزمة اللاجئين" في أوروبا بين عامي 2015 و 2016.

ومع ذلك يبدو أن وزارة الداخلية لم تستوعب حتى الآن التهديد المحتمل الذي يمكن أن ينجم عن مراكز الإيواء. وقد وجدت منظمة "الأمل لا الكراهية" من خلال اتصالات أجرتها العام الماضي مع مزودي أماكن الإقامة ومع منظمات تقدم دعماً مباشراً للاجئين، أن هناك شعوراً بالقلق جرّاء التهديد الذي يمثله اليمين المتطرف. واللافت أن المعنيين لم يتلقوا أي إرشادات بشأن ما يمكنهم القيام به لتخفيف وطأة هذه المخاطر.

وفي تقييم أجرته وزارة الداخلية للتأكد من مدى فعالية قرار استخدام مواقع تابعة لوزارة الدفاع بغرض توفير إقامات لطالبي اللجوء،- بما في ذلك ثكنات نابير-، لم تعثر منظمة "الأمل لا الكراهية" على أي إشارة  لخطر اليمين المتطرف، أو حتى للمعارضة المحلية.

كما لم تعثر على أي ذكر لـ "الإرهاب" أو "التطرف/ المتطرف" أو "اليمين المتطرف" في "تقييم مدى ملاءمة أماكن الإقامة الطارئة" الذي تجريه هيئة "تأشيرات الدخول والهجرة البريطانية. كذلك لاحظت المنظمة أن الرسالة التي كانت قد وجهتها بريتي باتيل وزيرة الداخلية بخصوص أماكن "الإقامة المؤسساتية" والوثائق المتعلقة بثكنات نابير في مارس (آذار) 2021، لم تتطرق إلى هذه النقاط. ويظهر أن التهديد تم تجاهله بالكامل عند اتخاذ القرار بالانتقال إلى مراكز الإيواء بعيداً من المجتمعات التي يعيش فيها البريطانيون وحيث يمكن التخفيف من هذه التهديدات بسهولة أكبر.

ويبدو أن وزيرة الداخلية لم تقدم أي ضمانات في اقتراحاتها، على رغم المناخ العدائي الذي يعيشه المهاجرون واللاجئون والمضايقات التي يواجهونها بشكل يومي من مجموعات سياسية منظمة تنتمي إلى اليمين المتطرف. ويبدو أن الوزيرة دأبت بدلاً من ذلك على استعمال نوع من اللغة التحريضية التي تعتبر بمثابة البيئة التي يولد فيها اليمين المتطرف ويتطور. فباتيل تواصل بلا كلل استخدام مصطلح "مهاجر غير شرعي" وترّكز على عبور قوارب صغيرة على الرغم من أن أعداد الوافدين عبر هذه الطرق لا تزال ضئيلة للغاية.

يتعين على وزارة الداخلية أن تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد حين تتخذ قراراً حول أماكن سكن طالبي اللجوء. وينبغي الابتعاد من اللغة العدائية والكفّ عن إذكاء الخصومة وتعزيز الانقسام من خلال اتبّاع نظام لا إنساني وغير عملي، يعرّض طالبي اللجوء إلى خطر أكبر في مراكز "الإقامة المؤسساتيه". وبدلاً من هذا كله يجدر بالحكومة أن توفر للاجئين أماكن سكن لائقة في المجتمعات الموزعة عبر البلاد، بحيث تتيح لهم أن يندمجوا ويصبحوا جزءاً من بلادنا.

وإذا كانت وزارة الداخلية جادة فعلاً في رغبتها بالحفاظ على سلامة الناس عندنا، فإن عليها أن تعيد النظر في "مشروع قانون الجنسية والحدود" الذي لا يقبل التطبيق، وأن تبدأ بإضفاء شيء من التعاطف على آلية صنع السياسات، ذلك أن نقطة البداية في أي سياسة من هذا النوع هي الحفاظ على حياة الإنسان.

سارة أوين عضو في مجلس العموم عن دائرة لوتون نورث وهي نائبة رئيس مجموعة "الأمل لا الكراهية " البرلمانية

 

© The Independent

المزيد من آراء