عندما اختتم مغني الراب المعروف باسم "50 سنت" أول جولة فنية رئيسة له، بلغ رصيده في المصرف 38 مليون دولار. في ذلك الحين، فواتيره لا تتجاوز 800 دولار في الشهر، بالإضافة إلى نفقات سيارة اشتراها لجدته من طراز "مرسيدس بينز" C220. شعر المغني المعروف أيضاً باسم "فيدي" بأن مصلحة الضرائب كانت تهدده، ولم يكن قادراً على فعل أي شيء بهذه الثروة المكتسبة حديثاً سوى إنفاقها.
حدث ذلك في 2003 حينما أطلق الفنان، واسمه الحقيقي كيرتس جاكسون، ألبومه الغنائي الأول "صِرْ غنياً أو مُتْ وأنت تحاول" Get Rich or Die Tryin الذي سيرسم مسيرته المهنية ويغير قواعد اللعبة لمصلحته. جاء الألبوم سريع الإيقاع وحمل طابعاً ساخراً يعبّر عن حياة أكثر عنفاً. قبل ثلاث سنوات، نجا المغني من الموت بأعجوبة بعدما تعرض إلى إطلاق نار تسع مرات من مسافة قريبة أمام منزل جدته. وقد قُتلت والدته التي عملت آنذاك في تجارة المخدرات، حينما كان في الثامنة من العمر، وبعد أربع سنوات وجد نفسه في الشوارع يبيع الكوكايين. في المقابل، يعتبر الآن أحد رواد موسيقى الـ"هيب هوب"، وباتت الصناعة التي أدرجته في القائمة السوداء ذات مرة، تتودّد إليه.
لم يفكر جاكسون بحكمة عندما قرر الاحتفاء بنجاحه عبر شراء المزرعة التي كان يمتلكها [الملاكم الشهير] مايك تايسون الذي يعتبره بطله الشخصي. وتمتد المزرعة على مساحة 50 ألف قدم مربع [نحو 4645 متراً مربعاً] في ولاية كونيتيكت، وقد اشتراها بـ4.1 مليون دولار (شكّل ذلك سعراً قياسيّاً في ذلك الوقت بالنسبة إلى المنطقة). من بين مرافق الرفاهية التي تحتويها المزرعة، هناك كازينو خاص، وحوض سباحة، وملعب كرة سلة، و21 غرفة نوم، وملهى ليلي، وبحيرة... وتسعة مطابخ. تمكن جاكسون من بيعها أخيراً في 2019 بعدما عُرِضَت في السوق اثنتي عشرة سنة، وقد أشار إلى أنه شعر الآن أنها شكّلت مكاناً كبيراً جداً.
وإذ تحدثنا عبر مكالمة مصورة، ذكر جاكسون أنه "في البداية كان لا بأس في ذلك، لأنك تريد دعوة الجميع... لكنك في النهاية ستنام في سرير واحد. بعد فترة من الوقت، ستسأل نفسك: لماذا أحتاج إلى كل ذلك المكان؟". إنه يتكلم بلطف، ومن الصعب ملاحظة تلك البحّة في صوته التي غيّرت أسلوبه في موسيقى الراب، وقد نجمَتْ عن شظية استقرّتْ في لسانه أثناء إطلاق نار تعرض له في 2000. يجلس الرجل البالغ من العمر 46 سنة باسترخاء في مكتبه، ويبدو الهدوء على مُحياه، ويغطيه السواد بفضل سترته وسرواله السوداوين فيما اختار اللون الأبيض لقميصه، وفضل إخفاء معالم غرفته الحقيقية باستخدام خلفية جاهزة عبر تطبيق "زووم" مكوّنة من جدار من الطوب رُكِنَتْ إلى جانبه سيارة. تشبه تلك الخلفية مشهداً كلاسيكياً من فترة التسعينيات من القرن العشرين، مأخوذاً من المكان الذي خرج منه، وهو حي "ساوث جامايكا" في منطقة "كوينز" بنيويورك.
يصادف أن ذلك يشكّل أيضاً موقع تصوير مسلسله التلفزيوني الجديد الذي يتألف من دراما عن جريمة أميركية عنوانها "كتاب السلطة الثالث: تنشئة كنعان" Power Book III: Raising Kanan. يحكي العمل قصة كنعان ستارك في شبابه، وتلك شخصية ثانوية أداها جاكسون في السلسلة الأصلية "سلطة" Power، التي تدور حول تاجر المخدرات الذي لا يرحم جيمس المعروف بـ"شبح سانت باتريك" (أداها الممثل أوماري هاردويك)، وصدر جزء تتمة لها العام الماضي تحت عنوان "كتاب السلطة الثاني: الشبح"Power Book II: Ghost، (متوفر للمشاهدة في المملكة المتحدة عبر خدمة "ستارز بلاي").
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ذلك الصدد، أوضح جاكسون، "أنا راضٍ حقاً عن العمل. لقد استخدمنا نيويورك كشخصية ما سمح لنا بتقديم تنوع شديد. ثمة تمثيل للجميع في نيويورك". وإضافة إلى تولي مهمة المنتج المنفذ في المسلسل الدرامي الجديد، تولى جاكسون الأداء الصوتي لشخصية كنعان البالغ (خطوة مستوحاة من شخصية هنري هيل التي أداها الممثل راي ليوتا في فيلم "الأصدقاء الطيبون" Goodfellas للمخرج مارتن سكورسيزي).
في جزأي المسلسل، عمل جاكسون مع الكاتب ومقدم البرامج ساشا بن، الذي دمج عناصر من حياة جاكسون في النص. ووفق الحال مع شخصية كنعان، إنّ سابرينا والدة جاكسون تاجرة مخدرات مرهوبة الجانب وأنجبته في سن الخامسة عشرة، وقُتلت في الثالثة والعشرين من عمرها في منزلها على يد قاتل مجهول. أجبره ذلك على سرعة النضوج. وبحسب كلماته "ينبغي لك ذلك، إذ إنك لست محاطاً بأشخاص يتحملون هذه المسؤولية. عليك تقبل الأمر في وقت مبكر". حينما بلغ جاكسون عامه الثاني عشر، راح الشاب يروج المخدرات في الشوارع بنفسه حينما عاشت نيويورك ذروة أزمة المخدرات.
وفي محادثتنا، أخبرني جاكسون، "جلست مع ساشا وأخبرته عن تجربتي، وقد اختار الجوانب التي شعر أنها تناسب المسلسل جيداً". سينطلق العمل مع حلقة أولى مثيرة، وسيتمتع بنص سريع الإيقاع وشخصيات مرسومة بعناية. بالطبع سيحتوي العمل على العنف. وهناك مشهد مروع بشكل خاص يحتوي على فرن ميكروويف وكلب صغير. في المقابل، ثمة رقة أيضاً في المسلسل، وتصوير دقيق للصراع بين كنعان (الممثل ميكاي كيرتس) ووالدته ملكة المخدرات (الممثلة باتينا ميلر). ووفق جاكسون، "تكمن نيات حسنة تجاه بعضهما بعضاً، وراء أكبر الأخطاء التي يرتكبانها، إذ يريد الصغير أن يُعامَل كرجل".
واستطراداً، يعتقد جاكسون أن "كتاب السلطة الجزء الثالث" سيصل إلى شريحة من الجمهور أكبر مما فعل المسلسل الأصلي. وسيكون ذلك مثيراً للإعجاب، نظراً إلى كون الجزء الثاني ضمن قائمة العروض الأعلى تقييماً على شبكة "ستارز بلاي". في المقابل، يمكننا بسهولة الاعتقاد بأن "تنشئة كنعان" سيجذب الجماهير من جميع مشارب الحياة، لأنه يجسد نيويورك بكل أطيافها. خارج الإطار الضيق لعائلة كنعان، نتعرف على وكيلة دعاية وإعلان فظة (الممثلة أنالين ماكورد بطلة مسلسل 90210)، ونادل لطيف (الممثل الإنجليزي وعارض الأزياء والعداء الدولي البريطاني السابق توبي ساندمان)، وشرطي مزعج (عمر إيبس نجم مسلسل "منزل" House)، ومارفن، عم كنعان، يؤديه نجم موسيقى الـ"هيب هوب" جوي باداس. هناك أيضاً شخصية غرانر التي تعتبر تجسيداً لـ"دي جي" لافيرن في مراهقتها، وابنة عم كنعان التي نراها تحاول اكتشاف هويتها الجنسية في الحلقة الأولى.
في محادثتنا، سألتُهُ عن مدى استيحاء ذلك الجانب من الحكاية من حقيقة أن والدته كانت مثلية جنسيّاً، هزَّ جاكسون رأسه "بسبب أمي. تلك حالتها. امتلكت صديقة مقرَّبَة. تبدو تلك كأنها عناصر تدخل في صلب القصة بشكل عضوي، [لذلك] تكون ملائمة". كذلك أشار جاكسون إلى أنه معتاد على الجدل، وتعرض لانتقادات في الماضي بسبب عادته البغيضة المتمثلة في توجيه شتائم معادية للمثليين إلى زملائه من مغني الراب. وقد استشهد بتلك الأمور باعتبارها من أعراض ثقافة موسيقى راب العصابات التي سادت في تسعينيات القرن العشرين.
وفق ما صرّح به علانية، في مقابلة أجراها عام 2004 مع مجلة "بلاي بوي"، فإنه "غير مهتم باللوطيين". ومع ذلك، أيّد علناً زواج المثليين خلال رئاسة باراك أوباما، ودعم زميله الفنان فرانك أوشن عندما أعلن عن ميوله [المثلية جنسيّاً] في 2012. بدأ الحديث مبكراً في أغنيات الراب الخاصة به عن كون والدته سحاقية، تحديداً منذ 2005. وحينئذٍ، أورد في مقطعه الخاص ضمن أغنية "أحب الأمر أو أكرهه" Hate It or Love It مع المغني "ذا غيم"، كلمات نصها "خلال نشأتي كنتُ في حيرة من أمري، كانت والدتي تُقبّل فتاة/ وقعتْ تلك الحيرة عندما انضممتُ إلى ذلك العالم البارد". في المقدمة الموسيقية لمسلسل "تنشئة كنعان"، يقدم مقطعاً من أغنية "الصعود إلى القمة" Rising to the Top للمغني كيني غرين، الذي كشف عن أنه ثنائي الميول الجنسية قبل وفاته بفترة وجيزة في 2001. ووصف جاكسون الاتهامات الموجهة إليه بكونه شخصاً يعاني رهاب المثلية الجنسية ("هوموفوبيا" Homophobia)، بأنها "مؤلمة جداً"، خصوصاً بسبب والدته. يبدو أنه يشير إلى أن الناس تجاهلوا هذه الحقيقة حتى حينما تحدث عنها بصراحة في أولى أغنياته التي تتضمن أن "رأى [الناس] أنني عدواني، لقد رأوا تلك الصورة النمطية".
في زاوية أخرى، تتمثّل أبرز الجوانب في تركيبة جاكسون في كونه شخصاً يحب العبث مع الآخرين، وترتيب المقالب، إضافة إلى كونه رجل أعمال يسعده تجاهل العلاقات العامة إذا رصد فرصة لنيل بعض المرح. وقد أخبرني أنني أخدع نفسي حينما أدعي أنني سعيدة بشقتي المتواضعة المكوّنة من غرفة نوم واحدة (عليَّ الاعتراف بأن كلماته جاءت تواً عقب سخريتي من "تقليص مسكنه" إلى شقة مكونة من أربعة طوابق في نيويورك).
في ملمح متصل، تعرض جاكسون لبعض الانتقادات الشهر الماضي من مغنية الراب ليل كيم، عقب إشارته إلى أن البلوزة البيضاء ذات القبعة التي ارتدتها في حفل توزيع "جوائز شبكة التلفزيون السوداء للترفيه" جعلتها تبدو كأنها بومة (بدت كذلك فعلاً). لقد أمضى سنوات في تصيّد الممثلة تراجي بي هينسون بسبب مسلسلها "إمبراطورية" Empire، إذ ادّعى أن فكرته مسروقة من مسلسل "سلطة". وفي ردّه على سؤالي عن ذلك الأمر، لاحظ أنه "إذا لم يكن لديك رأي، فلماذا يطرح عليك الناس أسئلة؟". وأضاف راسماً ابتسامة خبيثة "لن يكون الجميع سعداء برأيك، لكن أن تكوني محبوبة ومكروهة في آن معاً، فذلك جزء من الترفيه".
في سياق موازٍ، لدى إجراء مقارنة مع مظاهر الثراء التي ظهرت عليه في فيديو كليب أغنياته الأولى كـ"في الملهى الليلي" In Da Club و"محل بيع السكاكر" Candy Shop، فإن صفحته الخاصة على موقع "إنستغرام" عبارة عن مجموعة من لقطات الشاشة غير الواضحة ومقاطع الفيديو المنتشرة على الإنترنت والطرائف الصبيانية. ثمة جانب لا يتغير فيه أبداً هو ميله إلى الاختصار، وتلك الصراحة في كلمات الأغاني التي صبغتْ آخر خمسة ألبومات غنائية له. وفي تناوله ذلك الأمر، هزَّ كتفيه، "عندما تغني (هيا ارفعْ صوتك، اليوم عيد ميلادك) ليس الأمر بذلك التعقيد"، مشيراً إلى أن البساطة في كلمات الأغاني تشكّل مفتاح النجاح التجاري.
واستطراداً، لم أستطع كبح نفسي عن الإشارة إلى أن عيد ميلادي سيحل في غضون أيام قليلة. فردَّ بنبرة راضية، "أترين؟ ما زالت العبارة صالحة". لديه قدرة رائعة على التقاط النغمات المؤثرة، سواء عبر المجازفة باستعمال توليفة حادة للكمان في أغنية "في الملهى الليلي"، أو الاستعراض المسرحي في أغنية "افتح زجاجة" Crack a Bottle مع المغنيين إيمينيم ودكتور دري. وتذكيراً، فإن إيمينيم أول من اكتشف جاكسون ووقع معه اتفاقاً على تسجيل أغنية "سلِم شيدي" Slim Shady التي جاءت نتيجة تعاون بين شركة "أفترماث إنترتيمنت" التي يملكها مغني الراب دكتور دري وشركة "إنترسكوب". ولاحظ جاكسون، "لا يزال [إيمينيم] أحد أفضل الفنانين بالنسبة إليَّ، إذ إن قيمته في الثقافة أكبر من فنانين آخرين كثيرين. اعتاد كثيرون من الناس رؤية أنفسهم فيه حين ينظرون إليه، وفهموا كيف يمكن أن ينسجموا مع ثقافة الهيب هوب".
واستكمالاً، ماذا أخبرنا جاكسون عن ألبومه "ملك الشارع الخالد" Street King Immortal الذي طال انتظاره ويدور الحديث عنه منذ أكثر من عشر سنوات؟ لقد أجابني، "لم تصدر تلك النسخة الأصلية، لكنني سأطلق ألبوماً موسيقياً جديداً في سبتمبر (أيلول)". لن تكون هناك مشاركة للمغني إيمينيم فيه. وأضاف، "في نهاية الأمر، لم أسجل الأغنيات معه. لن أخبرك من الذي سيشارك في الألبوم لأنني الشخص الأكثر إثارة في الألبوم". لقد أعلن حديثاً عن مسابقة تلفزيونية جديدة لمشاهير الهيب هوب بعنوان "آنرابد" Unrapped، وكذلك ينتج مسلسلاً كوميدياً عائلياً لمصلحة شبكة "إي بي سي" بمشاركة المغنية ماري جيه بلايج. وستكون تلك المشاريع على رأس قائمة تتضمن إلى جانب الألبوم الجديد، الموسم الجديد من سلسلة "طاقة" وعدداً من المشاريع التجارية الأخرى تشمل دار نشر متخصصة ومنتجات كحولية ومشروبات غازية وشركات إنتاج فني وملابس وعقارات.
وقد علّق على ذلك، "دخلتُ ميدان الموسيقى لأُحسّن حياتي، لذا حينما تقولين (أعمال موسيقية)، تأتي الموسيقى أولاً، بالطبع".
في إطار آخر، يأمل جاكسون أن يتولى ابنه الأصغر ساير (تسع سنوات) إدارة عدد من أعماله التجارية حينما يكبر. وقبل فترة، توترتْ علاقته بابنه الأكبر ماركيز (24 سنة). وأشار بفخر إلى أن ساير يزداد طولاً بالفعل ويتحلى بذوق جيد في الموسيقى. وأضاف "إنه يحب ترافيس سكوت كثيراً. إن لعبة (فورتنايت) تشكّل الوسيلة للوصول إلى الأطفال". إنها فكرة أخرى لمشروع تجاري.
أسأله، هل يمكن لشخص ما أن يمتلك الكثير من المال؟ ما رأيه في مؤسس شركة "أمازون" الملياردير جيف بيزوس؟ جاء رد جاكسون، "لا أعتقد أن هناك ما يمكن اعتباره ثراءً مفرطاً". ابتسم مجدداً، وأضاف بجدية، "ما مستوى الإنجاز الذي نصل إليه عندما نقول لأنفسنا (يكفي ذلك؟) ليس هناك ما يعتبر كافياً". يبدو أنه أشار إلى طموح ريتشارد برانسون في تحويل رحلات الفضاء إلى تجارة، إذ أضاف، "إنهم ذاهبون إلى القمر! سوف يبنون منازل تحتوي على 18 غرفة نوم على سطح القمر". ليس لديَّ شك في أن "50 سنت" سيكون أول المنتظرين في الانضمام إلى الرحلة، مع استعداده لدفع تكاليفها.
* يعرض مسلسل "كتاب السلطة الجزء الثالث: تنشئة كنعان" للمرة الأولى في 18 يوليو (تموز) عبر شبكة "ستارز بلاي".
© The Independent