تساءل السودانيون خلال الساعات الـ 24 الماضية، عن صحة أنباء رشحت تفيد بتقدم دولة عربية بطلب لاستضافة الرئيس المعزول عمر البشير وأسرته. ويواجه البشير المعزول منذ شهر عقب احتجاجات شعبية عمت جميع أنحاء البلاد واستمرت لخمسة أشهر، تهماً تتعلق بفساد مالي. وفتحت السلطات المختصة الأحد الماضي، تحقيقاً معه حول تهم تتعلق بالفساد المالي وحيازة مبالغ مالية ضخمة ضُبطت داخل منزله في العاصمة الخرطوم.
وأعلن فريق تفتيش، مكون من الشرطة والاستخبارات، في وقت سابق العثور على ستة ملايين يورو، وأكثر من 300 ألف دولار في منزل البشير، إضافة إلى أموال بالعملة السودانية، بلغت أكثر من خمسة مليارات جنيه سوداني، أودعتها لدى بنك السودان المركزي.
دولة خليجية
وأفادت تقارير محلية السبت 11 مايو (أيار) الحالي، بأن دولة خليجية تقدمت بعرض لاستضافة البشير على أراضيها. ولم تشر تلك التقارير إلى اسم تلك الدولة، إلا أنها ذكرت أن الرئيس المعزول وافق على العرض، الذي تمت إحالته إلى المجلس العسكري الانتقالي للبت فيه.
أثارت تلك التقارير موجة استياء بين المحتجين الذين يطالبون بمحاكمة البشير المتهم بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي منذ العام 2009، إضافة إلى تهم أخرى متعلقة بالفساد المالي والإداري، وقتل متظاهرين. كما تقدم محامون سودانيون الخميس الماضي، بعريضة للنائب العام في العاصمة الخرطوم، اتهموا فيها البشير بتقويض النظام الدستوري عبر تدبيره الانقلاب العسكري في العام 1989.
البشير يقر بجرائمه
وأفادت صحف سودانية بأن الرئيس المعزول أقر في التحقيقات التي بدأت معه الأسبوع الماضي، بالتهم التي وجهتها إليه النيابة العامة المتعلقة بالفساد المالي ومخالفة قوانين النقد الأجنبي وغسل الأموال. وأشارت الصحف إلى أن البشير قال أثناء التحقيق معه "أصابتنا دعوة المظلوم"، مفصحاً عن أسماء أخرى ذات صلة بالقضية التي تتحرى النيابة حالياً بشأنها وقُسمَت تلك الأسماء بين الشهود والاشتراك الجنائي.
تستر جنائي
قال المحامي الصادق حسن، في تعليقه على طلب استضافة البشير إن "تقدم دولة محددة بمثل هذا الطلب يشير إلى أن لديها أجندة خاصة تحاول تنفيذها في ظل المناخ السائد الآن في السودان"، مضيفاً أن "البشير الآن متهم أمام السلطات العدلية... ولا يُفسَّر طلب استضافته سوى أنها محاولة لوضع غطاء دولي على جرائمه، مبنية على اعتبارات غير مفهومة... يمكننا أيضاً تفسير الطلب على أن لتلك الدولة مصالح أو أجندة سابقة تعمل على سترها قبل أن تُفضح أمام الرأي العام المحلي والدولي، وإلا لماذا تسعى لإيواء مجرم مطالب دولياً ومحلياً؟".
وأبدى حسن استغرابه قائلاً إن "مثل هذه العروض وإن صحت تضع تلك الدولة في حالة عداء مع الشعب السوداني، ويدفعنا لتجديد التساؤل: ما الأمر الذي ترغب في إخفائه لتضع نفسها في خانة العداء المباشر معنا؟"، مضيفاً "نعلم أن البشير دخل في التزامات دولية كثيرة على حساب مصالح الشعب، من رهن للأراضي وبيع أصول وممتلكات الدولة، وكان سلوكه في بناء العلاقات الدولية قائماً على الانتهازية واستغلال المواقف، ولا توجد دولة عربية صديقة ممتنة له ولها رغبة حقيقية في حمايته".
وشدد على أنه "لا توجد جهة حكومية في السودان تملك الحق الآن في قبول مثل تلك الطلبات أو المصادقة عليها، بل أن وضع الطلب للدراسة ليس له سند قانوني في الأساس". ولم يصدر تعليق رسمي من المجلس العسكري الانتقالي بعد حول صحة طلب استضافة البشير. تورط مسؤولين الرئيس المعزول أقرّ بتورط مسؤولين سابقين معه في قضايا فساد، لكن السلطات السودانية لم تعلن عن أسماء هؤلاء. وكان المجلس العسكري أعلن عقب توليه السلطة، اعتقال مسؤولين بارزين في النظام السابق، من بينهم أحمد هارون رئيس حزب المؤتمر الوطني، ومأمون حميدة وزير الصحة في ولاية الخرطوم، ورجال أعمال من بينهم جمال الوالي. كما أعلن المتحدث باسم المجلس العسكري شمس الدين الكباشي أن مدير جهاز الأمن والاستخبارات السابق صلاح عبد الله قوش رهن الإقامة الجبرية.
وأثار حفيظة السودانيين، خبر نشرته صحف محلية الأحد 12 مايو (أيار) عن تمكن شقيق الرئيس المعزول، العباس البشير من الهروب من البلاد على الرغم من إعلان وضعه رهن الإقامة الجبرية سابقاً، وتوجهه إلى تركيا، إلا أن مدير عام السجون في البلاد، نفى إطلاق سراح العباس بقوله "هو لم يكن موقوفاً داخل أحد السجون الرسمية حتى يُطلق سراحه".
ويقبع شقيق البشير الآخر عبد الله داخل سجن "كوبر" في الخرطوم، إضافة إلى زوج شقيقتهما الذي اعتُقل أيضاً مع بعض رموز النظام السابق. وكان المجلس الانتقالي العسكري أعلن في 17 أبريل (نيسان) الماضي أن عبد الله والعباس موجودان في سجن كوبر، إلا أن الأخير حصل على إذنٍ رسمي بالخروج من السجن. وأفادت الأنباء التي نقلتها صحيفة "اليوم التالي" المحلية الأحد، بأن العباس البشير، شقيق الرئيس المعزول هرب من السجن إلى تركيا.
وكان المجلس العسكري الانتقالي قد سبق وأكد أن الاعتقالات جارية "لرموز النظام المخلوع، ومَن تدور حولهم شبهات الفساد وغيرهم من رموز النظام"، وأن البحث لا يزال جارياً عن أسماء مطلوبة عدة، اختفت من المشهد.
تصاعد وتيرة الاحتجاج
في المقابل، أعلنت قوى "إعلان الحرية والتغيير" التي تقود الاحتجاجات في البلاد خطتها للتصعيد الثوري خلال الأيام المقبلة للضغط على المجلس العسكري لتنفيذ مطالبها، موضحةً في بيان أن يوم الإثنين سيشهد مواكب مسائية من الأحياء، وأن يوم الثلثاء مخصّصٌ للتصعيد النقابي ومواكب المهنيين والدعوة إلى الإضراب العام.
من جانب آخر، تصاعد التوتر في محيط مقر الاعتصام، إذ أغلق المعتصمون شارع "النيل"، أحد الشوارع الرئيسة وسط الخرطوم، ما أدى إلى ازدحام مروري خانق، بخاصة في ظل إغلاق شوارع أخرى بفعل الاعتصام المستمر منذ 6 أبريل الماضي. ويأتي إغلاق الشارع لمراكمة مزيد من الضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة للمدنيين.
في هذه الأثناء، ذكر "تجمع المهنيين السودانيين" في بيان أن "الأحداث تسارعت في ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش، وجرت محاولات لفك بعض المتاريس أفشلتها مقاومة المعتصمين". وأشار البيان إلى أن "ساحات الاعتصام تمددت بفعل التصعيد الجماهيري". ولجأت قوات الشرطة إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع مساء الأحد لتفريق عمال وفنيين معتصمين داخل الإدارة العامة للكهرباء، وسط الخرطوم. وبدأ عمال قطاع الكهرباء اعتصاماً طالبوا فيه المسؤولين بالتوضيح أن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي ليس مسؤوليتهم، إنما بسبب عجز تعاني منه البلاد.