يواصل تنظيم "داعش" هجماته على مناطق تقع في أطراف محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين، مستهدفاً القوات الأمنية العراقية والمتعاونين معها من سكان هذه المناطق عبر كمائن بالعبوات الناسفة أو هجمات خاطفة على القرى ليلاً مستفيداً من جبال حمرين الوعرة.
وتمثل سلسلة جبال وتلال حمرين التي تمتد إلى مساحات واسعة بين هذه المحافظات وصولاً إلى أطراف كركوك باتجاه مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، قاعدة أساسية ومهمة لانطلاق هجمات "داعش" على مناطق واسعة من هذه المحافظات، وصولاً إلى أطراف العاصمة بغداد.
وعلى الرغم من نجاح القوات المسلحة العراقية في خفض معدلات هجمات التنظيم خلال الأشهر القليلة الماضية في المحافظات الثلاث وتأمين أغلب مدنها الرئيسة، إذ لم تشهد هجمات تذكر منذ فترة طويلة، فإن التنظيم لا يزال قادراً على شن هجمات بين الحين والآخر، تستهدف مناطق جلولاء وخانقين وأطراف المقدادية في ديالى، ومحيط الحويجة في كركوك، وأطراف قضاء طوز خرماتو والجزيرة، وأطراف بلد والدجيل في محافظة صلاح الدين. كما أن التنظيم له وجود في بعض أطراف محافظة نينوى، لكن عملياته محدودة قياساً بما يجري في المدن المجاورة أو الواقعة ضمن تلال وجبال حمرين.
وأسفرت هذه الهجمات منذ مطلع العام الحالي عن مقتل وإصابة العشرات من عناصر الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة والحشد وعدد من المدنيين الذين يسكنون داخل قرى تابعة لهذه المناطق.
التقنيات الحديثة
في سياق متصل، يدعو المستشار السابق في وزارة الدفاع العراقية، صفاء الأعسم، إلى الاستعانة بالتقنيات الحديثة لكشف مناطق وجود "داعش"، فيما يشير إلى أن نفوذه يمتد في مناطق من الصعوبة السيطرة عليها.
ويضيف "أن حركة تنقل التنظيم تبدأ من داخل محافظة أربيل نزولاً إلى تلال حمرين، وهذه من الصعب السيطرة عليها، ولذلك أُسست غرفة عمليات مشتركة بين المؤسسة العسكرية العراقية والبيشمركة"، لافتاً إلى أن حوض جبال حمرين هو "كبير من الصعب معرفة تفاصيله إلا من خلال تدخل أجهزة استخبارية كبيرة، ونحن نفتقر إلى كثير من التسليح الاستخباري والأمني".
وأعلنت الحكومة العراقية في 22 مايو (أيار) الماضي عن تشكيل مراكز للتنسيق المشترك بين القوات الاتحادية العراقية وقوات البشمركة الكردية، تضم ضباطاً وقوات من الطرفين في كركوك وديالى ونينوى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد الأعسم ضرورة أن يحصل العراق على بعض التقنيات سواء من خلال الطائرات المسيرة ورادارات ليلية لكشف الأشخاص ومعدات أخرى لمسح تلال حمرين، كونها حوضاً كبيراً يتركز فيها نفوذ "داعش".
مساحات واسعة
من جهة ثانية يرى المستشار السابق في وزارة الدفاع العراقية أن هناك منطقتين قلقتين في البلاد هي تلال حمرين وشمال غربي الأنبار، لأنها تمتد إلى عشرات الآلاف من الكيلومترات، مبيناً أن "داعش" يستغل أبناء المنطقة الضالين بعد أن غير سياسته من البعد الطائفي إلى البعد المالي، ويتم ذلك من خلال شراء العقول الهشة، وبدأ يحقق ما يريده في الجانب الأمني.
وتبدو مساحة هذه المناطق الواسعة وامتدادها لمنطقة الجزيرة التي تربط مع محافظة الأنبار غرب البلاد، أمراً تصعب السيطرة عليه من دون عمليات عسكرية متواصلة ومراقبة للحدود المشتركة مع سوريا، التي على الرغم من حديث الجهات الأمنية عن ضبطها ونشر الآلاف من المقاتلين عليها من حرس الحدود والجيش العراقي، فإنها لا تزال تمثل معبراً مهماً لعناصر "داعش" للدخول إلى الأراضي العراقية.
الدعم مستمر للتنظيم
بدوره يشير الباحث بالشأن السياسي والأمني، سرمد البياتي، إلى وعورة المناطق التي يوجد فيها "داعش" المتمثلة بالجبال والبساتين والأنهر، والتي وفرت ملاذاً لهم للاختباء من القوات الأمنية، فيما يصف الحرب معه بـ"حرب عصابات".
ويضيف البياتي أن "هناك من يغذي عناصر داعش بالسلاح والدعم اللوجستي والطعام، أو يقومون بدعم أنفسهم من خلال وجودهم نهاراً بين المواطنين والقرى والأقضية ويقومون ليلاً بعمليات معينة"، مشيراً إلى أن الحدود الفاصلة بين الحكومة الاتحادية والإقليم تمثل مشكلة لحد الآن، وتحاول الحكومة حلها من خلال نقاط التنسيق المشترك التي يوجد فيها ضباط من البشمركة.
وواجه تشكيل مراكز التنسيق المشترك بين بغداد وأربيل اعتراضات كبيرة من قبل العرب والتركمان في كركوك خصوصاً، معتبرين أنها محاولة لإعادة قوات البيشمركة إلى المدينة وباقي المناطق المختلف عليها بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان.
ويعتبر البياتي أن الحرب التي يقوم بها "داعش" عبارة عن حرب عصابات وهي من أصعب الحروب، إذ إن المهاجم يختار المكان والزمان المعينين، وتكون أعدادهم عند تنفيذ عملياتهم قليلة، ويستخدمون الدراجات النارية أو يأتون سيراً على الأقدام، مؤكداً الحاجة إلى تقنيات حديثة من خلال طائرات استطلاع وعمل استخباري حقيقي، والتغلغل داخل تلك المناطق لمعرفة مناطقهم واتجاه حركتهم.
نصب الكمائن
ويشدد البياتي على ضرورة نصب كمائن متحركة وثابتة، تُغير كل يومين في الطرق المحتملة لمسير "داعش"، لافتاً إلى أن أغلب عناصر التنظيم هم من داخل العراق، وربما يكون هناك تسلل لهم من الإقليم من دون علم الأخير أو من الحدود السورية.
ويبين أن المناطق التي يوجد فيها "داعش" هي أراضٍ خصبة لأي تنظيم إرهابي، كونها تحتوي على تلال وأنهار وبساتين، وتعطي المرونة للعدو بالتحرك، ولذلك نحتاج إلى خطط جديدة واضحة المعالم لمعالجة هذه الجيوب. فيما يرى الصحافي والناشط في محافظة كركوك، عدنان الجبوري، أن مناطق جبال حمرين التي يوجد فيها "داعش" تحتاج إلى جهد عسكري كبير، كونها مناطق وعرة وتحتاج إلى فرق عسكرية لتمشيطها.
ويضيف أن "هناك مناطق أصبحت آمنة مثل منطقة الزاب والحويجة لوجود الحشد وأبناء العشائر في تلك المنطقة"، مشيراً إلى أن مناطق صلاح الدين التي يوجد فيها "داعش" قريبة من الصحراء، فضلاً عن جبال مكحول وفيها خلايا لـ"داعش"، إضافة إلى وجود جهات سياسية تدعمهم.
مستقرون في مكحول
ويلفت إلى أن هناك عناصر من "داعش" مستقرين في جبال مكحول، بعد أن سلم قسم كبير منهم أنفسهم للقوات الأمنية، والقسم الآخر قُتل في المعارك مع القوات الأمنية العراقية.