Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سلسلة حرائق في العراق والفاعل ماس كهربائي

حريق مستشفى الحسين في الناصرية يكشف صفحة من صراع السلطة

هل تشعل الانتخابات في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل مزيداً من الحرائق التي تشهدها البلاد بين يوم وآخر؟ فالمشهد العراقي يميل بشكلٍ علني إلى مزيد من التصعيد في خلق حالة التوتر المجتمعي كلما اقتربنا من موعد الانتخابات، التي تشهد سباقاً محموماً تبدو نتائجه محسومة للقوى الإسلامية المتناقض بعضها مع بعض في التوجهات والنيات والمشاريع، واعتادت تقاسم المنافع فيما بينها، ولن تقبل بالقليل بعد أن جربت حظها في أكبر مفاسد المحاصصة السياسية التي تشهدها البلاد منذ تأسيسها قبل 100 عام.

صراع الدولة واللا دولة

أضحى اقتسام الموارد "دون وجع قلب"، كما يقول العراقيون، الذين يرون وزاراتهم وملحقاتها تحترق واحدة تلو الأخرى، لتذّكر بحرق السفارات والقنصليات الإيرانية في البصرة والناصرية والنجف وسواها من الحرائق التي عُدت مجابهات بين الدولة من جهة واللا دولة وميليشياتها من جهة ثانية، فكلما يزداد التنابز والتراشق والاتهامات بالفساد لأطراف بعينها، تشتعل الحرائق في البصرة والنجف وكربلاء وبغداد والناصرية، ويتعالى الدخان ليغطي سماوات مدنها، لتضيع الحقائق وتخفت التساؤلات الملحة التي يثيرها الرأي العام العراقي، والفاعل دائماً ماسٌ كهربائي، أو انفجار قنينة أكسجين في مستشفى حكومي، كما حدث أخيراً في مستشفى الحسين التعليمي في الناصرية بـ"ذي قار" جنوبي العراق، حيث راح ضحية الفاجعة مئات المرضى وآخرون جرحى!

في الليل كل الحرائق تشتعل وسط أنين المرضى بلا علاج أو طبابة كفؤة ليعجل الموت في عذابات الراقدين، ويكشف واقعاً مزرياً في الصحة والوقاية والسلامة العامة في عموم العراق، فقد استهدفت المدن الجنوبية والوسطى بفساد السلطة التي تحكمها قوى اللا دولة، التي تعرقل أي مسيرة إصلاح أو تحسين للخدمات، وحولت تلك المدن إلى سجون كبيرة نتيجة فقدان الطاقة الكهربائية والعوز والفقر، الذي يزداد نتيجة سرقة الرواتب أو رفع قيمة الدولار قياساً بالعملة الوطنية التي تدهورت إلى مراحل قياسية، استنزفت ميزانيات الأسر التي تنتظر الرواتب الشهرية غير المنتظمة، إضافة إلى تقاسم حصص موارد الدولة بين الأحزاب النافذة كأخطبوط في جسد الدولة.

 ويبدو أن عقولاً شريرة، كما يصفها كثيرون، في العاصمة والمحافظات أدركت أن معادلة "اللي يشوف الموت يرضى بالسخونة" كما يردد المثل الشعبي العراقي، هي التي سادت لإسكات الناس وضرب قناعاتهم بالترهيب والاغتيالات حيناً، وبالحرائق أحياناً، فقد شهدت وزارة الصحة العراقية قبل أيام حريقاً لافتاً استهدف ملفات الوزارة وسجلاتها المالية، بعد أن جرت اتهامات لجهة نافذة بالسيطرة عليها وعلى إيراداتها المليارية، الأمر الذي حدا بزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أن ينفي علناً عائدية الوزارة إلى تياره، ولوح بمحاسبة من يتهم التيار بأنه مسؤول عنها، بعد أن سرت أقاويل بعائداتها إليه.

النائب محمد شياع السوداني يقول، "لم تعد الأعذار والمبررات تنفع أمام حياة المواطنين التي تزهق بغير ذنب. فبدلاً من إصدار بيانات التبرير الفارغة كان الأجدى بالمنددين إيقاف سطوة الفاسدين وتطبيق شروط السلامة بشكل صارم، والإفادة من درس حادثة مستشفى ابن الخطيب جنوب بغداد، التي راح ضحيتها نتيجة حريق هائل استهدف المصابين بجائحة كورونا 90 شخصاً، قتلوا نتيجة الإهمال والفساد كما قيل، والمتسبب انفجار أسطوانة غاز الأكسجين المستخدم لعلاج المرضى! وعلى أثرها استقال وزير الصحة لامتصاص نقمة الشارع الغاضب، وأقيل محافظ بغداد بعد أن أوقفهما رئيس الحكومة عن العمل".

حريق الناصرية يشعل الشارع ويحرج السلطة

حادثة مستشفى الحسين التعليمي في ذي قار أثارت غضبا رسمياً وشعبياً وجدلاً غير مسبوق ينذر بعواقب وخيمة على حكومة مصطفى الكاظمي، التي خرجت قبل أسبوع بفاجعة حريق وزارة الصحة واستهداف بياناتها، ودُعي البرلمان إلى عقد جلسة بين رؤساء الكتل، وعقد مجلس الوزراء جلسة استثنائية حول الحادثة التي راح ضحيتها 92 ضحية وعشرات الجرحى، وصفها الرئيس العراقي برهم صالح بـ"الفاجعة التي أنتجها الفساد المستحكم وسوء الإدارة"، فيما دعا رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، رئيس ائتلاف النصر، إلى التعاطي مع الفاجعة بتشكيل خلية أزمة لمعالجة أسباب وتداعيات ما حدث، وأن تباشر الخلية بمسح جميع المؤسسات الصحية الأخرى لضمان مطابقتها المواصفات، وتشديد إجراءات السلامة وضبط الأداء الوظيفي للمؤسسات المعنية وتفعيل الرقابة والمتابعة.

الإهمال والتقصير الإداري وراء الحادث

أدانت لجنة الصحة البرلمانية التي يترأسها، قتيبة الجبوري، بشدة ما وصفته بالإهمال والتقصير، الذي أدى إلى نشوب حريق مستشفى الحسين التعليمي في الناصرية، مطالبة رئاسة الوزراء بفتح تحقيق عاجل وإشراك اللجنة البرلمانية فيه، وإنزال أقصى العقوبات بحق كل من يثبت تقصيره في توفير مستلزمات السلامة والأمن. فيما أثارت الفاجعة الإنسانية جدلاً عراقياً حول ضرورة إعلان حكومة طوارئ لتلافي الحوادث المماثلة التي رافقت هذا الحادث في واسط والديوانية، لكن جوبهت بمعارضة كثيرين ممن يصرّون على بقاء النظام البرلماني سبيلاً لإدارة الدولة.

 يقول الكاتب ناجي الغزي، "المشكلة أن هناك بعض الأحزاب التي هيمنت على مؤسسات الدولة ومفاصلها وعلى الشارع، وتهدف إلى تنفيذ مشروع حكومة الطوارئ، وستكون بداية النهاية للنظام البرلماني وتصفية الخصوم السياسيين. وربما هناك مفاجآت تفوق مستوى العقل في بيئة غير قابلة للتحليل والاستشراف!".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أن زميله من ذي قار الكاتب ناجي سلطان الزهيري أكد لـ"اندبندنت عربية"، "أن الحرائق في عموم العراق ليست جديدة، ولكن في ذي قار مستمرة كحرائق الأراضي الزراعية وتسميم الأسماك وحرق مصنع الألبان في الجبايش وسواها، والحقيقة الغائبة أن مستشفى الناصرية الذي تعرض للحرق ليلة أمس يشهد كل عام حريقاً متعمداً، كما حدث في حريق مماثل لوزارة الصحة الذي تعمَّد إشعال طوابق المالية والعقود لتغطية الفساد، وهو ديدن قامت به جهات صاحبة مصلحة للتغطية على فسادها، وهي لا تعد لكثرتها".

 يستدرك الزهيري، "في الناصرية ظل الوضع أكثر تعقيداً نتيجة الحروب الدائرة بين الأحزاب ونية فرض هيمنتها وهي حالة معروفة لدى الناس. وما يزيد الطين بلة أن مديري الدوائر لا يُحاسبون لأنهم معينّون من قبل أحزاب معروفة، ويعملون لصالحها وهم يعرفون أنه رغم ما يرتكبونه من سرقات وفساد سيعودون إلى الوظيفة حتى لو أقيلوا! فمن قبل تم تعيين ستة مديرين لصحة ذي قار عُينوا خلال هذا العام، وأقيلوا نتيجة الإهمال والتقصير لكنهم يعرفون عدم وجود من يحاسبهم".

ويكشف الزهيري عن واقع مرير في ذي قار ناجم عن امتناع موظفي المستشفى الذي أُحرق عن الذهاب إلى المستشفى الجديد التركي، الذي أنجز قبل شهرين بأعلى مستويات التأثيث الصحي والأجهزة المتطورة، بدعوى أنه بعيد عن مركز المدينة، ولا يوجد من يفرض عليهم الالتحاق به. الخلاصة، الفساد تمكن من جميع مفاصل الدولة وظاهرة الحرائق متعمدة نتيجة صراعات داخلية، وبكل صراحة صراعات بغداد تجد صداها في الناصرية!

العملية السياسية وصلت إلى طريق مسدود

يقول الكاتب علي مارد الأسدي، "إن العملية السياسية وصلت إلى طريق مسدود تماماً بسبب المحاصصة والفساد والإرهاب، ولم تعد هناك جدوى من انتظار إجراء الانتخابات، لذا فمحاولة المضي في الطريق الخاطئ أو الاستعانة بالإجراءات الترقيعية لن تسفر إلا مزيداً من الكوارث أو الانهيار التام".

حادثة الناصرية فرضت الكثير من الجدل حول العملية السياسية برمتها ونهج إدارة الدولة، إذ دعا، مضر الحلو، وهو داعية عربي في النجف إلى "ضرورة إبعاد مؤسسات الدولة الخدمية عن المحاصصة الحزبية والتعامل مع الوزارات والمواقع التنفيذية ليس على أساس أنها غنيمة للحزب. من دون ذلك سيكون تغيير موظف هنا أو هناك أو إقالة مدير ما ليست سوى عمليات ترقيعية لا جدوى منها، ولا داعي لتخدير الناس، بل ستتكرر فاجعتا مستشفى ابن الخطيب والناصرية في مدننا الأخرى، وعندها لا يبقى إلا كلمات العزاء والاستنكار".

حريق مستشفى الناصرية استدعى اجتماعاً وزارياً طارئاً برئاسة مصطفى الكاظمي، أقال على أثره مديري صحة ذي قار، والمستشفى، والدفاع المدني، وأخضعهم إلى التحقيق بالواقعة، ليعلن بعدها الحداد الرسمي على أرواح الضحايا الذين تتصاعد أعدادهم يوماً بعد آخر.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل