Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحكومة الجزائرية تعتمد إجراءات تنظم الدروس الخصوصية

تتفاقم الظاهرة في المرحلة الابتدائية وتلاميذ السنة الخامسة يتلقون دروس مادة الفرنسية بـ 74.50 في المئة تليها العربية ثم الرياضيات

الدروس الخصوصية تثير جدلاً واسعاً في الجزائر (أ ف ب)

ملخص

سيكون من بين الإجراءات التي ستطبق فتح المدارس لاستقبال التلاميذ وتقديم حصص دعم مؤطرة، إضافة إلى تعزيز المعالجة البيداغوجية لتدارك النقص لدى المتعلمين وتشجيعهم على الاعتماد على التعليم الرسمي، مع متابعة دقيقة لتطبيق المناهج الدراسية واتخاذ الإجراءات اللازمة في حال تأخر التنفيذ.

يعيش قطاع التعليم غير الرسمي في الجزائر على صفيح ساخن بعد تسرب إشارات حول عزم الحكومة منع الدروس الخصوصية أو التدعيمية، وما بين الدعوة إلى تنظيم الوضع وتشديد الإجراءات يتصاعد غبار معركة على مواقع التواصل الاجتماعي بين مرحب ورافض، فيما يبقى التلميذ الحلقة الأضعف بين رغبة الأولياء في رفع المستوى التعليمي وسعي الحكومة إلى تصحيح المنظومة التربوية.

لجان تفتيش

وأثارت تعليمة لوزارة التجارة تتمحور حول مراقبة أكاديميات ومراكز تعليم اللغات التي عرفت انتشاراً واسعاً في البلاد، حال استنفار بين الأوساط التعليمية المهنية والتجارية، إذ جاء فيها أن كثيراً من مدارس تعليم اللغات باتت تقدم خدمات أخرى مرتبطة بالتعليم والتكوين، منها تقديم دروس خصوصية في مختلف الأطوار التعليمية، وهي أنشطة خارج موضوع السجل التجاري.

ودفع الفهم الخاطئ للأمر مدارس ومراكز تعليم عدة، على اختلاف تخصصاتها، وغالبيتها تقدم دروس دعم للتلاميذ والمدارس، إلى إغلاق أبوابها خوفاً من إجراءات عقابية قد تطاولها وتؤثر في سمعتها ومداخيلها، وقد ذهبت إلى وضع إعلانات على صفحاتها الرسمية على "فيسبوك" تؤكد فيها التوقف عن التدريس، فيما سارعت أخرى إلى إعادة المبالغ المالية المدفوعة إلى أولياء التلاميذ المسجلين، ولا سيما أنه في بعض الجهات جرى اعتماد لجان تفتيش للمخالفين، على اعتبار أن التراخيص المقدمة من طرف الجهات المعنية تتضمن تعليم اللغات فقط، ويمنع منعاً باتاً تقديم دروس الدعم.

وزارة التربية تتخذ إجراءات

وكان وزير التربية محمد الصغير سعداوي قد تحدث في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن واقع الدروس الخصوصية التي طغت على التعليم في البلاد، وأوضح أن الوزارة تشتغل على ضمان جودة التعليم، وأنه حين يتوجه التلميذ للدروس الخصوصية فستكون هناك مشكلة، وقال إن ذهاب الأستاذ نحو إعطاء الدروس الخصوصية دافعه مادي، وبالتالي فإن تحسين المستوى المادي سيحارب هذه الآفة.

كما أكد سابقه عبدالحكيم بلعابد في يونيو (حزيران) الماضي أن مصالح وزارة التربية ستتخذ إجراءات صارمة لضبط ظاهرة الدروس الخصوصية غير القانونية، مشدداً على أن مصالحه ملتزمة بوضع حد لهذه الظاهرة التي تتعارض مع جهود الدولة الجزائرية لتحسين جودة التعليم، وذلك من خلال ترتيبات تنظيمية حديثة تعتمد على التفاعل المستمر بين المعلم والتلميذ والتقييم التكويني.

وأضاف بلعابد أن من بين الإجراءات التي ستطبق فتح المدارس لاستقبال التلاميذ وتقديم حصص دعم مؤطرة، بخاصة خلال أمسيات الثلاثاء والعطل الأسبوعية والفصول الدراسية، إضافة إلى تعزيز المعالجة البيداغوجية لتدارك النقص لدى المتعلمين وتشجيعهم على الاعتماد على التعليم الرسمي، مع متابعة دقيقة لتطبيق المناهج الدراسية واتخاذ الإجراءات اللازمة في حال تأخر التنفيذ.

الطريقة غير مدروسة

وفي غياب قرار رسمي حول منع دروس الدعم أو الخصوصية، يتواصل الجدل بين مرحب ورافض ومن يدعو إلى تنظيمها، حيث يرى الأستاذ النقابي كريم بوحلاب في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أن وزارة التربية تسعى إلى القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية التي تنتشر بصورة واسعة وطريقة غير مدروسة، و"نحن مع تنظيمها وليس منعها"، وقال إن "هناك مدارس لتعليم اللغات وأكاديميات متخصصة في هذا الشأن تشتغل بالسجل التجاري، وبالتالي فهي على علاقة مباشرة بوزارة التجارة التي منحت لها الترخيص، وبعد انزعاج السلطات المعنية من الظاهرة تحركت لمنع هذه المؤسسات من تقديم دروس الدعم والالتزام بتعليم اللغات فقط"، مضيفاً أن وزارة التربية لا يمكنها الحد من الظاهرة، وقد تمنعها في الأكاديميات المرخصة لكن ليست هناك آليات لمراقبة من يمارسها في المنازل.

ويتابع بوحلاب أن "الدروس الخصوصية بعدما كانت متاحة لجميع الفئات ستصبح في متناول أصحاب المال ومن يملك علاقات مع الأساتذة المميزين والمشهورين، فيما تحرم منها الفئات المتوسطة والفقيرة"، مشدداً على ضرورة إيجاد حلول من أجل تنظيمها، مثل أن تشرف عليها الوزارة في المؤسسات التعليمية الرسمية في مقابل مكافأة للأستاذة والمدرسين الذين يؤطرونها تحت عنوان "منحة الدعم المدرسي"، وموضحاً أن "هذا النشاط بات تجارياً وطغى التفكير المادي على معظم من يمارسونه"، ومعتبراً أن تقديم الدروس الخصوصية عمل مكمل للمدرسة العمومية، لذا يجب التفكير في منح رخص لإنشاء مراكز خاصة بالدعم المدرسي.

وبخصوص انعكاس الظاهرة سلباً على صدقية الأساتذة، على اعتبار أن معظمهم يقومون بتقديم دروس الدعم، فيقول النقابي إنها لا تطعن في صدقية الأستاذ بل في المنظومة التربوية ككل والمدرسة العمومية التي أصبحت تفتقد الجودة والنوعية، مبرزاً أن الأساتذة وجدوا فيها مصدر رزق إضافي في ظل تدهور القدرة الشرائية، وموضحاً أن المسؤولية تتحملها السلطات العمومية مع توفير ظروف التمدرس ورفع المكانة الاجتماعية للأستاذ.

واعتبر بوحلاب أن "ضعف القدرة الشرائية من الأسباب الرئيسة لانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، ولا أحد يستطيع القضاء عليها إلا إذا تحسنت القدرة الشرائية للأستاذ براتب يغنيه عن التفكير في مصدر رزق آخر، إضافة إلى ترقية ظروف التمدرس داخل المؤسسات التعليمية"، ليختم بأن الأولياء لهم مسؤولية في تفاقم الظاهرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مراسلة رسمية

وفي وقت سابق وجهت وزارة التربية في الجزائر رسالة إلى مديريات التربية عبر مختلف المحافظات تتعلق بالدروس الخصوصية، حثت فيها على تحسيس التلاميذ حول كيفية الاعتماد على أنفسهم وطرق المذاكرة الصحيحة وسبل تنظيم الوقت، وتوعية الأولياء حول رفض الدروس الجماعية التي تلقى في الفضاءات غير اللائقة حفاظاً على سلامة وأمن أطفالهم، بخاصة أن الدروس الخصوصية أصبحت تمس بصدقية المؤسسات التعليمية باعتبارها الفضاء الذي يتلقى فيه التلميذ الأخلاق والقيم الاجتماعية وليس المعارف فقط.

كما جاء في الرسالة التذكير بأن الدروس الخصوصية أصبحت ترهق العائلات بأعباء ومصاريف إضافية بما يتنافى مع مجانية التعليم المكرس في الدستور، ولا سيما إذا تعلق الأمر بتلاميذ الأسر المعوزة الذين لا يمكنهم دفع كلفة هذه الدروس، وهذا من خلال دعوة المدرسين إلى عدم ممارسة أي نوع من أنواع الضغوط لحملهم على اللجوء القسري للدروس الخصوصية.

وذكرت الوزارة أن الدروس الخصوصية طريقة للكسب غير المرخص، كونها تمثل جمعاً بين وظيفتين يمنعه القانون عندما يتعلق بممارستها في محال عشوائية وفضاءات غير مناسبة مثل المستودعات وغيرها.

التنظيم بدل المنع

إلى ذلك تحدث أستاذ طور المتوسط لحسن التوجي عن "فوضوية الظاهرة" وقال في تصريح خاص إنه "من ناحية الشكل يجب تأطير هذه العملية لأنها أصبحت تمارس في ظروف أحياناً همها الكسب على حساب جيوب الأولياء والدروس المقدمة في المؤسسة العمومية، كما أنه لا توجد مواد واضحة وضعها المشرع أو معايير اختيار الأساتذة وتوقيت هذه الدروس وطريقة تقديمها"، منتقداً لجوء بعض الأساتذة إلى تقديم الدروس الخصوصية في مستودعات تفتقر إلى أدنى الشروط ومن دون ترخيص قانوني، وموضحاً أن هذه الدروس ربما تحقق النجاح لبعض التلاميذ ولكن ليس كلهم.

ويواصل التوجي أن "الظاهرة جزء من أسباب ضعف نتائج التلاميذ وانهيار المنظومة التربوية، إضافة إلى عوامل أخرى اقتصادية واجتماعية مثل ضعف القدرة الشرائية التي دفعت ببعض الأساتذة إلى البحث عن رفع المداخيل، كما أن هناك أسباباً متعلقة بالمناهج التربوية الحالية التي تجعل بعض التلاميذ يجدون صعوبة في الفهم فيلجأون إلى مثل هذه الدروس وبخاصة الأقسام النهائية"، داعياً إلى وضع شروط جديدة وإضافية لهيكلة مؤسسات الدعم من دون منعها بصورة نهائية، وختم بأن رفع الأجور بصورة مباشرة قد يسهم في تقليص الظاهرة أو ربما القضاء عليها تدريجياً.

مجلس المحاسبة يكشف المستور

ويأتي الجدل في خضم آخر تقرير لمجلس المحاسبة (هيئة رسمية) حول التعليم في الجزائر وكانت الدروس الخصوصية أحد المجالات التي أشار إليها، فبعد أن كشف عن وجود اختلالات في البرامج والمقررات الدراسية بصورة عامة وفي أداء النظام المدرسي خصوصاً، أكد تسجيل تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية في المرحلة الابتدائية عموماً وعند تلاميذ السنة الخامسة بصورة خاصة، إذ اتضح أنهم يتلقون الدروس في مادة اللغة الفرنسية بنسبة بلغت 74.50 في المئة، تليها اللغة العربية ثم الرياضيات في المرتبة الثالثة.

ونبه المجلس إلى أن ظاهرة الدروس الخصوصية أضحت واقعاً مرتبطاً بجودة التعليم العمومي، وعلى رغم ذلك لم تكن موضع دراسة مناسبة من طرف وزارة التربية الوطنية، إذ أبرزت التحريات والمقابلات التي أجريت مع مصالح الوزارة غياب دراسات أو تحقيقات حديثة ومعمقة تتعلق بحجم وأسباب وأثر هذه الظاهرة التي يعتبرها الجميع نشاطاً غير رسمي وينتشر بوتيرة متزايدة، وأرجع الظاهرة إلى نقص الإشراف والمتابعة داخل المؤسسات التربوية، إضافة إلى عدم القدرة على الاستيعاب الكافي لمقررات المواد الأساس علاوة على ضعف النتائج الدراسية، وفضلاً عن الضغوط الاجتماعية للحصول على درجات أو مستويات أفضل.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي