رغم مرور أسبوع على إلغاء اجتماع تحالف "أوبك+" وعدم التوصل إلى اتفاق بشأن زيادة الإنتاج، تزيد التكهنات حول قرب التوصل إلى اتفاق جديد مرضٍ لجميع الأطراف، لا سيما مع استمرار الوساطات الأميركية والروسية لحل الخلاف بين أعضاء التحالف.
وتأتي التطورات في ظل توخي الدول المنتجة للنفط الحذر. فبصرف النظر عن صعود الأسعار وتذبذبها فإن الخلاف في قلب منظمة البلدان المصدِّرة للنفط "أوبك"، في التوصل إلى اتفاق بشأن زيادة الإنتاج بداية هذا الشهر، قد أثار حالة من الاضطراب في السوق بشأن توقعات الطلب والإمدادات.
لكن محللين أكدوا لـ"اندبندنت عربية"، "أن الدور الفعلي للسعودية في تماسك السوق على الرغم من التحولات أمر في غاية الأهمية، خصوصاً في ظل ما يعيشه العالم من ترقب بخصوص التعافي الاقتصادي العالمي وضبابية النمو، وتزايد الطلب على النفط بوتيرة متسارعة، مع بدء تخفيف المزيد من الدول من بريطانيا حتى الهند إجراءات القيود المفروضة للتصدي لتفشي وباء كورونا".
وفي تقرير لوكالة "بلومبيرغ " أشار إلى أنه على الرغم من الصعوبات والخلاف "فلا تريد الدول المنتجة أيضاً العودة إلى مفهوم الحرية للجميع، الذي أعقب الانهيار الأخير في علاقتهم في مارس (آذار) 2020، لكن هذا ما يخاطرون بتكراره".
المصالح بين المنتجين
وذكر التقرير أن انتعاش الأسعار هذا العام كان مدعوماً بالاتحاد الاستثنائي لتحالف "أوبك+". وتكمن إحدى نقاط القوة في مصداقية الصفقة، فقد عقدت المجموعة اجتماعات دورية لتعديل أهداف الإنتاج حتى وصلت إلى التعافي الذي كان في بادئ الأمر أبطأ من المتوقَّع.
والآن، تحتاج إلى أن تظلَّ على القدر نفسه من الفطنة في زيادة الإنتاج بسرعة أكبر من المتوقَّع في السابق. خصوصاً أنها مهددة بمواجهة مخاطر حقيقية خارجة عن السيطرة إذا لم تتمكَّن من التوصُّل إلى حل وسط.
حل يحافظ على تماسك السوق
ورجح المحللون أن يتوصل تحالف "أوبك+" قريباً إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف، ليحافظ على تماسكه وبما يدعم استقرار أسعار الخام. فيما قالت مصادر في "أوبك+" إن التحالف المكون من 23 دولة وتقوده السعودية وروسيا لم يحرز تقدماً، بعد قرب حل الخلاف بين السعودية والإمارات الذي حال في الأسبوع الماضي دون التوصل إلى اتفاق بشأن زيادة الإنتاج، ما يقلل من احتمال عقد اجتماع آخر بشأن السياسة.
الطاقة الدولية: حرب أسعار متوقعة مع ضخ المزيد من النفط
من جانبها، قالت وكالة الطاقة الدولية، إن خلافات تحالف "أوبك+"، الذي يضم الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاءها خلال الأسبوع الماضي في شأن ضخ مزيد من الإمدادات قد يفضي إلى حرب أسعار، لا سيما مع ارتفاع الطلب على الخام بفضل تسارع عمليات التطعيم ضد فيروس كورونا. وأضافت الوكالة، التي تتخذ من باريس مقراً لها، في تقريرها الشهري الأخير، أن المحادثات المتعثرة بين كبار منتجي النفط في شأن ضخ مزيد من الإمدادات قد تتدهور لتتحول إلى حرب أسعار، كما أن احتمالية نشوب معركة على الحصة السوقية، حتى وإذا كان بعيداً، يهدد الأسواق. ويأتي تقرير الوكالة بعد مرور أكثر من أسبوع على إلغاء اجتماع تحالف "أوبك+" وعدم التوصل لاتفاق في شأن مستويات الإنتاج. ودفع الخلاف تحالف "أوبك+" لإلغاء محادثات لزيادة الإنتاج بدءاً من أغسطس (آب) بعد مفاوضات استمرت لعدة أيام، بعد خلاف بين التحالف والإمارات حول كيفية تمديد الاتفاق. وأضافت وكالة الطاقة الدولية، أن حالة الجمود الحالية في تحالف "أوبك+" المكون من 23 دولة، وتقوده السعودية وروسيا، يعني أن حصص الإنتاج ستظل عند مستويات يوليو (تموز) لحين إمكان التوصل إلى تسوية، فيما ستشهد الأسواق النفطية حالة من الشح في الوقت الذي ينتعش فيه الطلب من الانخفاض الحاد بسبب الجائحة.
زيادة الطلب
وأشارت الوكالة في تقريرها إلى أن الطلب على النفط شهد زيادة الشهر الماضي في وقت أسهمت فيه وتيرة التلقيح المرتفعة في تحقيق نشاط اقتصادي قوي، لكن مع ضخ دول "أوبك+" أقل من الكمية المطلوبة يتوقع أن تكون الأسعار متقلبة إلى أن تتوصل لاتفاق في شأن رفع الإنتاج. وأضافت أنه في الوقت الذي تسهم فيه اللقاحات للوقاية من كورونا في ارتفاع الطلب على الخام، تظل احتمالية زيادة أسعار الوقود تهدد بزيادة مستويات التضخم وإلحاق الضرر بتعافٍ اقتصادي عالمي لا يزال هشاً. وأوضحت الوكالة، أن زيادة الإصابات بالفيروس في بعض الدول ما زالت تشكل خطراً رئيساً على أسواق الخام، مضيفة أن مستويات المخزونات النفطية بمعظم الدول المتقدمة انخفضت دون متوسطات تاريخية، فيما من المنتظر أن يكون السحب من المخزونات الربع الثالث من العام الحالي 2021 الأعلى فيما لا يقل عن 10 سنوات. وتابعت "الطاقة الدولية"، "ستظل أسواق النفط متقلبة على الأرجح لحين اتضاح سياسة إنتاج "أوبك+". والتقلب لا يفيد في ضمان تحول منظم وآمن للطاقة، كما أنه ليس في مصلحة المنتجين أو المستهلكين". وأشارت إلى أنه من المنتظر ارتفاع الطلب العالمي على النفط إلى 5.4 مليون برميل يومياً في 2021 و3 ملايين برميل يومياً في 2022. وبحسب الوكالة، زاد الطلب إلى 3.2 مليون برميل يومياً إلى 96.8 مليون برميل يومياً في يونيو (حزيران)، فيما ارتفعت إمدادات النفط العالمية إلى 1.1 مليون برميل يومياً في يونيو إلى 95.6 مليون برميل يومياً مع تراجع تخفيضات إنتاج "أوبك+"، وارتفاع الإنتاج من خارج منظمة "أوبك".
أزمة إمدادات عميقة
وذكرت الوكالة أن أسعار النفط تفاعلت بقوة مع أزمة "أوبك+"، مع احتمالية حدوث أزمة إمدادات عميقة إذا لم يتم التوصل لاتفاق. وتوقف الزخم الصعودى للنفط الأسبوع الماضي بعد الخروج من اجتماع "أوبك+" دون اتفاق في شأن مستويات الإنتاج. وتكبد الخام أول خسارة أسبوعية له منذ مايو (أيار) الماضي على الرغم من ارتفاعه نهاية الأسبوع، مع حالة الجمود التي تثير القلق من أن وحدة التحالف قد تنكسر وتؤدي إلى حرب أسعار. وارتفع النفط بأكثر من 50 في المئة هذا العام، حيث أدى طرح اللقاح في الاقتصادات الرئيسة مثل الولايات المتحدة إلى تسريع الانتعاش من الوباء. وفي بيان مشترك، الاثنين، دعت السعودية وسلطنة عمان لمواصلة التعاون بين "أوبك" وحلفائها لتحقيق الاستقرار والتوازن في سوق النفط.
ارتفاع الأسعار
وعاودت أسعار النفط، صعودها، في تعاملات الثلاثاء، بعد تراجعها أمس في أولى جلسات الأسبوع بسبب سيطرة المخاوف في شأن الإمدادات وانتشار كورونا على حركة السوق، كما تأثر المتعاملون في السوق سلباً بعد تعثر المحادثات بين كبار المنتجين لزيادة الإنتاج في الأشهر المقبلة. وبحلول الساعة 11:10 صباحاً بتوقيت غرينتش، ارتفع سعر العقود الآجلة لخام برنت تسليم سبتمبر (أيلول) بـ0.53 في المئة أو 40 سنتاً إلى 75.56 دولار للبرميل. كما زاد سعر العقود الآجلة لخام غرب تكساس الأميركي تسليم أغسطس بنسبة 0.5 في المئة أو 38 سنتاً، ليصل سعر البرميل إلى 74.51 دولار.
85 دولاراً للبرميل
وتوقع البنك الأميركي "سيتي غروب"، أن يصل سعر النفط إلى مستوى 85 دولاراً للبرميل قريباً، في حال عدم زيادة إنتاج تحالف "أوبك+". ورجح البنك في تقرير حديث، ارتفاع الطلب العالمي على الخام بنحو 1.5 مليون برميل يومياً، خلال يوليو الحالي، وأن يزيد بمعدل أكبر خلال أغسطس ليتجاوز ما كان عليه في الشهر ذاته من 2019، قبل جائحة كورونا، مع نمو الطلب من الولايات المتحدة والصين ليتجاوز الطلب مستويات المعروض النفطي في الأسواق. وعلى الرغم من توقعات البنك بزيادة الأسعار على المدى القريب فإن تقرير "سيتي غروب" يتوقع تراجع الأسعار خلال العامين المقبلين، في ظل الارتفاع المتوقع للإنتاج الأميركي بنحو 400 ألف برميل خلال العام المقبل، بالإضافة إلى ارتفاع إنتاج دول "أوبك+" وإيران. ودفع الخلاف تحالف "أوبك+" إلى إلغاء محادثات لزيادة الإنتاج بعد مفاوضات لعدة أيام، ولم يتمكن أعضاء التحالف من تجاوز خلافاتهم خلال الاجتماع الأخير الاثنين، بعد اعتراض الإمارات، حيث عبرت أبو ظبي منذ انطلاق الاجتماعات الخميس الماضي عن "صوت معارض" ضمن مجموعة كان لديها اتفاق على الطاولة، مما أدخل آخر قمة للتحالف إلى طريق مسدود. وفي الأسبوع الماضي، قال البيت الأبيض إنه يتابع المحادثات بين "أوبك" وحلفائها، فيما أشار الكرملين إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جو بايدن لم يناقشا "أوبك+" أو أسعار النفط خلال اتصال يوم الجمعة. وفي بيان مشترك الاثنين، دعت السعودية وسلطنة عمان إلى مواصلة التعاون بين "أوبك" وحلفائها لتحقيق الاستقرار والتوازن في سوق النفط.واتفق تحالف "أوبك+" العام الماضي على خفض الإنتاج بنحو عشرة ملايين برميل يومياً اعتباراً من مايو (أيار) 2020، مع خطط للتخلص التدريجي من تلك القيود على الإمدادات بحلول نهاية أبريل (نيسان) 2022، لتحقيق استقرار للسوق بعد تراجع الطلب على النفط بشكل كبير بسبب أزمة كورونا.
وتوقع بنك الاستثمار الأميركي "جيه بي مورغان"، أن توافق "أوبك+" في نهاية المطاف في الأسابيع المقبلة على زيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يومياً كل شهر لبقية عام 2021. وفي الوقت الذي توقع بنك "جيه بي مورغان" التوصل إلى اتفاق، فإن مصرف "أي أن جي غروب" الهولندي أشار إلى احتمال نشوب حرب أسعار، لكن جميع المعنيين سيحاولون تجنب ذلك. فيما قال بنك "جولدمان ساكس"، إن فشل المناقشات ألقى بظلال من الضبابية على سياسة إنتاج "أوبك"، غير أن البنك أكد توقعاته بأن سعر خام برنت سيرتفع إلى 80 دولاراً للبرميل أوائل العام المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حل وسط يرضي جميع الأطراف
ومن جهته، رجح المتخصص في الشؤون النفطية، خالد بودي، أن يتم التوصل إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف ليحافظ على تماسك تحالف "أوبك+" ويدعم استقرار الأسعار. وأضاف أن الوساطات الحالية سواء من الولايات المتحدة أو روسيا أو غيرهما سوف تساعد بكل تأكيد في تسوية الخلافات بين أعضاء "أوبك+" بما يدعم تحقيق أهداف واستراتيجية التحالف. وأضاف خالد بودي أنه في حال اتُّفق فمن المتوقع أن يستأنف التحالف اجتماعاته قريباً، فالخلاف في وجهات النظر يحدث داخل الكثير من المنظمات والهيئات حول العالم، وغالباً ما تُتجاوز الخلافات عبر العمل للوصول إلى حل يرضي كل أو غالبية الأطراف.
محاولات جدية لاحتواء الأزمة
وقال رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة "أوراسيا" لاستشارات المخاطر، أيهم كامل، إن هناك محاولات جدية في الوقت الراهن لاحتواء أزمة "أوبك+" ولإيجاد حلول بناءة وتوافق عام، ولكنها تتحرك ببطء، لا سيما أنها مسألة معقدة تحتاج إلى وقت ولكن الأمور تتجه إلى أنهم سيتوصَّلون على الأرجح إلى اتفاق في نهاية المطاف، ولكن من غير المتوقع أن يكون آنياً رغم المحاولات الأميركية والروسية إلى جانب التواصل بين السعودية والإمارات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأضاف كامل أن "أسعار الخام تتجه على المدى القصير إلى الارتفاع، ولكن إن لم يحل الخلاف فالأمور ستقودها نحو التراجع، لا سيما في ظل ما ستشهده السوق النفطية من توتر وقلق. والأسابيع المقبلة تعتبر مهمة، إذ يمكن خلالها التوصل إلى حل رغم التعقيدات الحالية".
إيجاد حل سريع
وأكد محلل أسواق النفط العالمية، أحمد حسن كرم، ضرورة إيجاد حل سريع لأزمة تحالف "أوبك+" الحالية، وإلا سيكون لذلك تأثيراته السلبية على المدى القصير، فقد لا يزيد التحالف الإنتاج في أغسطس، ما يزيد من تشديد السوق ويرفع من حالة عدم اليقين، ولكن على المدى الطويل قد يحدث ما لا تُحمد عقباه، وما لا يتمناه أي من أعضاء التحالف، وهو عدم وجود قيود بشأن تحديد لكميات الإنتاج، وعلى ضوئها ستُنتج كميات غير محددة، ما سيؤدي إلى ربكة للأسواق النفطية وانخفاض حاد في أسعار الخام. وقال كرم، "بعدما رأى الجميع أن تأجيل اتخاذ (أوبك+) أخيراً أي قرارات بشأنها تثبت أسعار الخام أو ترفعها نتيجة للخلافات التي حصلت بين بعض أعضائها ارتفعت الأسعار قليلاً مباشرة ولا تزال ترتفع باستمرار". وأضاف، "بدأنا نرى في الساعات الأخيرة بعض تحركات من دول تحاول المصالحة والمضي قدما واستقرار (أوبك+) والحفاظ على قوته وهيمنته، ومن جانب آخر ربما نرى تدخلات روسية أو أميركية بهذا الشأن لما لها من تأثير مباشر في شركاتها النفطية". وتوقع محلل أسواق النفط العالمية، ألا يطول الخلاف بين دول أعضاء "أوبك" كثيراً، بل المرجح إنهاء الخلافات بسرعة كبيرة لما في ذلك مصلحة مشتركة للجميع.