Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القصة الحقيقية للكاتبة لي إسرائيل التي اقتبسها فيلم "أيمكنك أن تسامحني" ورشح للأوسكار

يروي الشريط قصة مؤلفة سير ذاتية تميزت ذات يوم بالنجاح ووقعت في التزوير الأدبي

التباس المواقف والتقييمات رافق كتاب "أيمكنك أن تسامحني؟" والفيلم المقتبس منه، وكذلك الحال بالنسبة لكاتبته إسرائيل لي (موقع "آواردزسيركويت.كوم")

أحياناً، قد نجد الخلاص في أغرب الأماكن. ولي إسرائيل هي كاتبة سِيَر ذاتيّة ناجحة تلجأ إلى الغش والتزوير الأدبي وسيلة لإنقاذ نفسها من العوَز ودفعِ فاتورة الطبيب البيطري الذي يعتني بقِطّتها.

فقد باعَت لي إسرائيل رسائل زعمَت أنها لعمالقة الثقافة من أمثال دوروثي باركر ونويل كوارد، كانت فعليّاً من تألفيها الخاص. وانطلت الحيلة على الجمهور قرابة ثلاث سنوات. ولما اكتشف "مكتب التحقيقات الفيدراليّة" الأمر عام 1992، أوشكت حياتها الأدبيّة على الانتهاء. ومَثَلَتْ أمام محكمة فيدراليةّ، واعترفت بجريمتها.

إلا أن مذكراتها التي كتبتها عن تلك الفترة، وقد نُشرت عام 2008 وقُوبِلت بردود أفعال متباينة، عادت إلى الحياة في فيلم حمل العنوان نفسه "أيمكنك أن تسامحني؟". نال الفيلم الذي أخرجته مارييل هيلر ترشحين في جوائز الأوسكار. إذ رُشِّحت ميليسا مكارثي لجائزة أفضل ممثلة عن دور لي إسرائيل، ورشِّح ريتشارد إي غرانت لجائزة أفضل ممثّل مساعد عن دور جاك هوك، شريك إسرائيل في الجريمة. وإضافة إلى ذلك، جرى ترشيح نيكول هولوفسينر وجيف ويتي لجائزة أفضل سيناريو مُقتبَس.

وعلى الشاشة، نالت إسرائيل الكلمة الفصل عن إرثها الأدبي. إذ يطرح الفيلم بحماس فكرة أنّه على الرغم من مخالفة إسرائيل القانون، فقد كان لها موهبة حقيقية مكّنتها من الإفلات من العقاب سنوات عدّة. إذ لم يكن من السهل كتابة رسائل تُقنِع القرّاء أنها كُتِبَتْ بقلم عدد من أعظم العقول في القرن العشرين. وبحسب تصريح ناعومي هامبل، مالكة إحدى متاجر بيع الكتب في مدينة نيويورك، إلى صحيفة "نيويورك تايمز" بعد نشر مذكرات إسرائيل، "لم أعد غاضبة، على الرغم من أنها كانت تجربة مكلفة وكبيرة للغاية بالنسبة لي وتعلمت منها الكثير... إسرائيل كاتبة ممتازة بالفعل، لقد كتبت تلك الرسائل في منتهى الروعة".

وُلدت إسرائيل لعائلة يهوديّة في بروكلين عام 1939، وتخرجت من "كلّية بروكلين" عام 1961. وبعد فترة وجيزة، بدأت في العمل كاتبة مستقلّة وصلت مقالاتها عن المسرح والسينما والتلفزيون إلى صفحات الصحف كلها من "نيويورك تايمز" إلى "سوب أوبرا دايجست". ونتيجة لذلك، ارتبطت حياتها المهنيّة ارتباطاً كبيراً بالشخصيّات الثقافيّة العظيمة التي كتبَت عنها. وفي عام 1967، كتبت في مجلة "إسكواير" مقالاً وصفيّاً عن الممثّلة الشهيرة كاثرين هيبورن، بعد وقت قصير من وفاة الممثل سبنسر تريسي الذي ربطته بهيبورن علاقة عاطفيّة قوية.

نشرت لي إسرائيل أول سيرة ذاتيّة عام 1972 عن حياة الممثلة المولعة بالعيش المترف تالولا بانكهد، ثم كتبت السيرة الثانية في 1980 متناولة حياة دوروثي كيلغلين وهي الصحافيّة التي اشتهرت بظهورها المتكرّر في برنامج المسابقات الشهير "ما هي جملتي؟"، وكانت تلك السيرة من أفضل الكتب مبيعاً، وِفق قائمة "نيويورك تايمز".

ومع ذلك، سرعان ما أُحبِطت طموحات إسرائيل المهنيّة. إذ دفعت لها "دار ماكميلان للنشر" عربوناً عام 1983 لكتابة سيرة ذاتيّة تتناول فيها كلّ شيء ومن دون محظورات من دون إذن صاحبتها، عن إستي لودر التي هي قُطب صناعة مستحضرات التجميل. وفي فيلم "أيمكنك..."، أوردت إسرائيل أنّ لودر عرضت عليها مالاً مقابل التخلّي عن الكتاب، لكنها رفضت. وبعدها، عمدت لودر إلى كتابة مذكّراتها بنفسها وتقصّدت نشرها بالتزامن مع نشر كتاب إسرائيل.

وبذا، فُرِض على إسرائيل التعجّل في كتابة تلك السيرة الذاتيّة التي عنونتها "إستي لودر: ما وراء السحر". ولاقى كتابها إخفاقاً نقديّاً وتجاريّاً على حدٍ سواء، بل وصفته مارلين بيندر من صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه "عمل أُنجِزَ لقاء أجر زهيد".

انهارت حياة إسرائيل. وصارت معتمدة على تلقي الإعانة الاجتماعية، بيد أنها وجدت نفسها عاجزة عن دفع فاتورة بـ 40 دولاراً تعود إلى طبيب قِطتها دوريس. وكانت تلك نقطة التحول في حياتها. وفي سياق بحث متّصل بكتابتها مقالاً عن الممثلة الكوميدية فاني برايس، سرقت إسرائيل رسائل عدّة من أرشيف "مكتبة نيويورك للفنون الاستعراضيّة" في "مركز لينكولن". وخبّأتها في حذائها. ثم باعتها لأحد متاجر الكتب النادرة مقابل 40 دولاراً لكل منها. وأكّدت لاحقاً أنها لم تشعر بالذنب حيال ذلك، لأن الرسائل "كانت من عالم الموتى، فيما كنت أنا ودوريس على قيد الحياة".

مع ذلك، أدخلت هذه الفعلة إسرائيل إلى عالم التزوير. إِذْ قالت في مقابلة لاحقة: "كانت هناك مساحة كبيرة خالية أسفل أحد هذه الرسائل بعد عبارة "المخلصة لك، فاني برايس"، فعمدت إلى البحث عن آلة كاتبة قديمة وكتابة عبارتين حارتين لمَّعتا الرسالة ورفعتا سعرها".

تحوّل ذلك الفعل المولود من رحم اليأس إلى صناعة مزدهرة لاحقاً. وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل سرقتْ أو عدّلتْ أو زوّرتْ أكثر من 400 رسالة وباعتها لقاء مبالغ تتراوح بين 50 و100 دولار، ما جعلها أحد أنجح المزوّرين في تاريخ الأدب.

وهكذا، استأجرت إسرائيل مخزناً صغيراً في الجانب الغربي لشمال منهاتن، وملأته بآلاتٍ كاتبةٍ قديمة قِدَمَ عهد الرسائل التي كانت تزوّرها، ووضعت عليها ملصقات تحمل أسماءً مثل "همفري بوغارت" و"لويز بروكس" لتذكيرها بالآلة التي يجب عليها استخدامها. وكي تؤمّن مخزوناً كافياً من الورق الذي يتناسب عمره مع عمر الرسائل المزوّرة، زارت المكتبات وقطعت الصفحات الأخيرة الفارغة من مجلات تلك الحقب الزمنيّة. درست إسرائيل أهدافها بعناية لتتمكّن من محاكاتها بأفضل طريقة، كما تعقّبت تواقيع تلك الشخصيات الشهيرة كي تتمكّن من تقليدها وتكرارها من دون أدنى شائبة، مع الحرص على أن يكون محتوى الرسائل عاديّاً لا يثير الشبهات.

اقتبست إسرائيل عنوان مذكّراتها من أحد رسائلها المزورة المفضّلة، هي رسالة دوروثي باركر التي يرد فيها، "عانيت صداعاً رهيباً من أثر الإسراف في الشرب، وأنا موقنة أننّي لا ريب قلت شيئاً فظيعاً حينها. ولتجنّب هذا النوع من الإجهاد في المستقبل، أفكّر في إرسال دفعة جديدة من الرسائل القصيرة التي تقول (اقتباس حرفي) "أيمكنك أن تسامحني يوماً ما؟ دوروثي"".

كان تزويرها لرسائل نويل كوارد الأكثر إقناعاً، ولكنه هو الذي أدّى إلى سقوطها في نهاية المطاف. ووصفت إسرائيل ذلك العمل، "كنت شبيهة جدّاً بكوارد، بل أكثر شبهاً به من نفسه. إذ لم يكن هو مضطراً لأن يكون نفسه في حين كان عليّ أنا أن أُمعِنَ في تمثّله". وَصَفَتْ إحدى رسائل كوارد جولي أندروس بأنّها "جذّابة فعلاً، منذ أن تغلبت على لكنتها الإنجليزيّة الفظيعة".

بعد أن أضيفت بعض هذه الرسائل المزورة إلى كتاب تناول مراسلاته ونُشِر عام 2007، نبّهت الإشارات الصريحة لميوله الجنسيّة فيها عديداً من المشترين إلى تزويرها، لأن كوارد كان ليُعرّض نفسه لخطر السجن، لو كشفت حقيقة ميوله علانية.

بُعَيد ذلك، اكتشف تاجر من نيويورك زيف عدد من رسائل دوروثي باركر التي اشتراها، وهدد لي إسرائيل بأن يشهد ضدها في المحكمة إذا لم تدفع له 5000 دولار. في تلك المرّة، هجرت إسرائيل الرسائل المزوّرة وعادت إلى سرقة الرسائل الحقيقيّة، مستهدفةً عدداً من المؤسّسات المرموقة مثل "مكتبة نيويورك العامة" ومكتبات جامعات ييل وبرنستون وهارفرد وكولومبيا.

يسلط الفيلم الضوء بشكل كبير على شريكها جاك هوك، على الرغم من أنّها لم تذكره في مذكراتها إلا قليلاً، بل تجاهلته فيها باعتباره "مجرد شخص تربطها به علاقة معرفة قديمة من أيام العمل في الحانات". وعلى الرغم من أداء غرانت الذي يوحي بأن هوك كان بريطانيّاً، إلّا أنّ الأخير كان أميركيّاً في الواقع، ومولود في ولاية "بورتلاند".

أصاب الفيلم في تصويره مدى مشاركة هوك في مُخطَّط إسرائيل ومساعدتها في المتاجرة بالرسائل المسروقة، فيما ركّزت السلطات على رسائلها المزوّرة. ولاحقاً، أدركت إسرائيل أنّه كان يختلس من الأرباح ليحصل على ما يفوق من حصته المتفق عليها.

في النهاية، أُلقِي القبض على إسرائيل حينما اكتشف تاجر المخطوطات ديفيد لوينهيرز أنّ رسالة إرنست همنغواي التي اشتراها كانت في الواقع من مقتنيات "جامعة كولومبيا".

وبعد التواصل مع الجامعة، لم يتأكّد لوينهيرز فحسب من سرقة الرسالة، بل اكتشف أيضاً أنّ إسرائيل كانت من بين آخر من وصلوا إليها. أقرّت إسرائيل بذنبها عام 1993 في تهمة التآمر لنقل الممتلكات المسروقة خارج الولاية بهدف تحقيق الربح، وحُكِم عليها بالإقامة الجبريّة لمدة 6 أشهر، والبقاء قيد المراقبة خمس سنوات.

كتبَت إسرائيل فيما بعد كتابَها الرابع والأخير "أيمكنك أن تسامحني يوماً ما؟" خلال عملِها محرّرةً في بعض المجلّات العلميّة. شكّلت مذكراتها بياناً جريئاً ألقى ظلالاً من الشك حول صدق مناشداتها للحصول على عفو، إذ كتبت فيها، "لا زلت أعتبر تلك الرسائل أفضل أعمالي".

توفّيت إسرائيل عام 2014، عن عمر يناهز 75 سنة، إثر مضاعفات إصابتها بسرطان في نخاع العظم. وفي نعيها، وصفها كبير المحقّقين بقضيتها في "مكتب التحقيقات الفيدراليّة" كار بريل "بالبارعة"، واعتبر أن رسالة همنغواي المزوّرة التي يشكو فيها اختيار سبنسر تراسي نجماً للفيلم المقتبس عن روايته "العجوز والبحر"، هي المفضلة لديه. كشف "مكتب التحقيقات الفيدراليّة" عن أعمال تزوير كثيرة كتبتها إسرائيل، لكنه اضطرّ إلى الاعتراف بإمكانية أن تكون بعض أعمالها لا زالت قيد التداول. ومَن يدري إلى متى ستظل متداولة من دون أن تكتشف!

© The Independent

المزيد من