Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نجوم عرب... طغت "شهرتهم المصرية" على جنسياتهم

السينما صنعت مجدها بعدم التفرقة وأم كلثوم تصدت للمناوشات والغيرة ومحاولات الإقصاء

منتصف الأربعينيات تظهر المطربة اللبنانية صباح مع النجم السينمائي المصري أنور وجدي في موقع تصوير أحد الأفلام أثناء التصوير في القاهرة (أ ف ب)

الهوى كان مصرياً واللسان أيضاً، والمزاج الفني والروح والحس كذلك، لذا لم يسأل أحد عن الجينات. فايزة أحمد بجوار محمد عبد الوهاب، وبيرم التونسي مع أم كلثوم، فريد الأطرش يغني مع شادية، وصباح تدندن مع محمد فوزي، وصداقة فريدة تنشأ بين وردة وعبد الحليم حافظ، عرف الجمهور الجنسيات بالصدفة، وليس بهدف التفرقة، ولكن من أجل التعمق في سيرة مشاهير ملأوا الدنيا فناً بأصوات لن تتكرر وبأعمال تمثيلية لا تنسى.

جاءت صباح بعد نور الهدى!

الصبية اللبنانية التي بالكاد أكملت عامها الـ18، وجاءت لتستقر وتعمل في مصر منذ منتصف الأربعينيات هي "جانيت فغالي" أو "الشحرورة"، التي أصبحت "صباح". صدحت وحققت نفسها فنياً في القاهرة، وباتت واحدة من أكثر النماذج نجاحاً وصخباً وإلهاماً لكثيرات جئن خلفها وقمن بشد الرحال إلى القاهرة. وبعد تألقها أصبحت تقدم أغنيات وأعمال لبنانية الهوى، ولكن شهرتها الكبرى واسمها تحقق في مصر عبر عشرات الأغنيات والأفلام مع كبريات الشركات وكبار نجوم عصرها، وعلى الرغم من أن المغنية اللبنانية نور الهدى كانت قد سبقتها، ولكن ظل تأثير صباح أكثر حضوراً.

لكن نجاح صباح أدى إلى عدة مناوشات، ووفق الناقد طارق الشناوي، وقعت أزمة عام 1948، حيث كانت السيدة أم كلثوم حينها على رأس نقابة الموسيقيين، وحدث اعتراض نابع من الغيرة من قبل بعض المطربات تحت شعار مستوحى من أغنية الموسيقار محمد عبد الوهاب، وهو "أخي جاوز الظالمون المدى جاءت صباح بعد نور الهدى"، ولكنه سريع، حيث رفضت أم كلثوم هذا التوجه وأكدت أن مصر مفتوحة للجميع وستظل.

أما وردة التي عاشت تألقها الفني الحقيقي في مصر، على أيدي ملحنين وشعراء كبار، أبرزهم بليغ حمدي الذي تزوجته لعدة سنوات، فقد كان اسمها يقترن دائماً بـ"الجزائرية"، حيث اشتهرت بهذا اللقب، ومع ذلك فإن تاريخها الفني الأكبر مصرياً خالصاً، على الرغم من بعض أعمالها في وطنها الجزائر وبلهجات عربية أخرى، فيما كانت بدايتها الأولى في فرنسا. ولكن وردة كما يعرفها الجمهور عاشت عمرها الفني الأبرز على مسارح مصر، وأمام عدسات مخرجيها في السينما والتلفزيون، وتوفيت في 17 مايو (أيار) 2012 في منزلها في القاهرة. وأول لقاء لها مع الجمهور المصري كان من خلال فيلم "ألمظ وعبده الحامولي" عام 1960 مع المخرج حلمي رفلة.

 

القاهرة تحتضن المواهب

محمود محمد مصطفى بيرم الحريري، شاعر صاغ وجدان الأمة المصرية في ظروف سياسية واجتماعية صعب ومتباينة، وهو في الحقيقة مولود في أسرة تونسية أباً عن جد، ولهذا سمي بيرم التونسي، حيث كان يعيش في الأسكندرية (شمال القاهرة) منذ أواخر القرن الـ19.

دفع بيرم ثمن آرائه السياسية الصريحة كثيراً، حيث صدر أمر بإبعاده إلى وطنه الأول تونس في عشرينيات القرن الماضي، لكنه عمل مع جميع كبار عصره بمن فيهم سيد درويش، ثم كوكب الشرق أم كلثوم ومن أغنياته معها "يا صباح الخير ياللي معانا" و"هو صحيح الهوى غلاب" و"أنا في انتظارك" و"الحب كده".

ويعد التونسي علامة في الشعر والصحافة والمسرح في المنطقة، وجميع إنجازاته صنعها في مصر.

ومنذ أربعينيات القرن الماضي، عرف الجمهور فريد الأطرش أيضاً كموسيقار استثنائي ونجم سينمائي موجود دائماً في منافسات شباك التذاكر، وارتبطت حفلات الربيع باسمه هو والعندليب عبد الحليم حافظ، ولم يسأل أحد يوماً عن جنسيته السورية، ومثله شقيقته المطربة أسمهان التي توفيت شابة في ظروف غامضة، فيما ظل فريد الأطرش يقدم إنتاجه اللافت على مدار سنوات وأغلبه بالطبع باللهجة المصرية مع أغنيات قليلة تصنف على أنها شامية.

ومن جهتها، بدأت المطربة فايزة أحمد مسيرتها في سوريا، واعتمدت كمغنية في الإذاعة وقدمت عدة أعمال هناك، وأيضاً كان لها بعض التجارب الفنية في العراق، ولكن حينما يأتي الجمهور على ذكر أعمالها الأكثر شعبية تظهر أغنيات مثل "بيت العز" و"هان الود" وتمر حنة" و"يا أما القمر ع الباب" و"ست الحبايب" وغيرها، وجميعها قدمتها مع انطلاقتها المصرية، حيث تعاونت مع كبار الملحنين وبينهم محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي ومحمد الموجي ومحمد سلطان والأخير تزوجته ورزقت منه بابنين.

 

أضواء المدينة تخطف النجوم

قصص الانطلاقة الفنية التي كانت بصبغة قاهرية تكررت على مدار أجيال متنوعة، حيث كان للمطربة السورية ميادة الحناوي نصيب من الشهرة أيضاً، مع أغنيات مصرية مثل "الحب اللي كان" و"مهما يحاولوا يطفوا الشمس" و"أنا بعشقك"، وكانت الحناوي منافسة قوية لنجمات كثر سبقنها، وحدثت مشاحنات بينهن بسبب قوة بدايتها في مصر.

القائمة تضم نجوماً آخرين بدأوا مشوارهم في بلدانهم العربية، ثم أعيد تقديمهم لجمهور أوسع من خلال منصات الإعلام المصرية، وبتعاونهم مع صناع الفن في البلاد، وبينهم أصالة وذكرى ودرة وجنات، وراغب علامة وعاصي الحلاني، وصابر الرباعي، وسميرة سعيد ولطيفة وهند صبري وحميد الشاعري، حيث استقر كثير منهم في مصر في النهاية. وبالنسبة إلى المطربين كانت ليالي أضواء المدينة، وليالي التلفزيون منصة مهمة لإطلاق عشرات المواهب التي حققت النجومية المرجوة من خلال حفلاتهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محاولات الإقصاء لم تفلح

حتى الآن وبآراء المتابعين تبقى مصر محطة مهمة في مشوار الفنانين العرب لا سيما المطربين، وهو ما حدث مع نجمات من جيل أحدث مثل نانسي عجرم ونوال الزعبي وميريام فارس وإليسا وحسين الجسمي وهيفاء وهبي. فعلى الرغم من شهرتهم في بلدانهم في بداية مشوارهم، لكن غناءهم باللهجة المصرية كان فارقاً. وهو ما يؤكد عليه الشناوي، مشيراً إلى أن "الأمر بعيد كل البعد عن الشوفينية أو التباهي، فبحكم الواقع العملي لا تزال مصر عموماً تملك جاذبية للنجوم العرب، نظراً لأن الجمهور فيها بعشرات الملايين، كما أنه متذوق للفن، وهو أمر طبيعي لأن الحركة الفنية هنا عريقة وموغلة في القدم، والأهم أن الجمهور لا يصنف الفنانين وفقاً لجنسياتهم أبداً، فما يهمه هو المنتج النهائي".

ويضيف "على الرغم من انتشار المحطات الفضائية منذ مطلع الألفية الثالثة، ظلت رغبة النجوم في الفوز بالمشاهد المصري قائمة، وذلك عن طريق تقديم أعمال مصرية. فمثلاً مطربة بنجومية نانسي عجرم، أغنياتها باللهجة المصرية هي الأكثر عدداً، وذلك سعياً للرواج الجماهيري الذي يحقق مردوداً مادياً أيضاً. كما أن كاظم الساهر بدأ رحلته الفنية قبل مصر بسنوات طويلة جداً وكانت لديه شعبية ضخمة، لكنها لا تقارن بانطلاقته في مصر، حيث تضاعفت وأصبح رقماً صعباً في المنافسة".

ويشير الشناوي إلى أنه "بين الحين والآخر يحاول البعض إغلاق الأبواب، ظناً منهم أن غياب الفنان العربي يعني مزيداً من الفرص للمصريين، وهو أمر غير حقيقي. فالموهبة والاجتهاد هما الأساس"، مذكراً أنه "قبل أكثر من 12 عاماً، أصدر نقيب الممثلين أشرف زكي قراراً بأنه لا يمكن للفنان العربي إلا أن يقدم عملاً تمثيلياً واحداً خلال العام في مصر، ووقتها واجهته بالقول إن هذا القرار يملك مقومات فنائه، وهو ما حدث فلم ينفذ هذا التوجه على الرغم من حماس النقيب حينها، وبعض المخرجين كذلك، حيث أن هذه رؤية قاصرة، فالمناخ بأكمله ينتعش في وجود أصحاب المواهب بغض النظر عن جنسياتهم".

 

المزيد من ثقافة