Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكهرباء هي النفط الجديد

استراتيجية أميركية في عالم ما بعد الهيدروكربون

محطة للطاقة الشمسية بالقرب من إشبيلية بإسبانيا في مايو (أيار) 2007 (رويترز)

قبل أسابيع، أطلق قراصنة الكمبيوتر إحدى أشد الهجمات الرقمية طموحاً في الذاكرة الحديثة. ففي 7 مايو (أيار)، استخدمت مجموعة معروفة باسم "دارك سايد" ("الجانب المظلم") Dark Side هجوماً ببرمجيات الفدية (برامج خبيثة تسيطر على الكمبيوتر الذي تخترقه، وتوقف عمله، ثم تطلب فدية لقاء إعادة تشغيله)، في إغلاق أحد أكبر خطوط الأنابيب في الولايات المتحدة، الذي يشكل شرياناً حيوياً يحمل البنزين والديزل ووقود الطائرات من مصافي ساحل الخليج الأميركي إلى 10 ولايات على الساحل الشرقي. وتطلب هذا الاختراق من شركة "كولونيال بايبلاين" المشغلة لذلك الخط، أن توقف عمليات التسليم في شكل مؤقت، الأمر الذي أدى إلى شح على نطاق واسع مع تخزين السائقين المذعورين للوقود. كذلك أجبر التعطل عدداً من المطارات على تغيير مسارات الرحلات الجوية، ودفع متوسط أسعار الوقود في مختلف أنحاء البلاد إلى أعلى مستوياتها منذ 2014.

وعلى الرغم من أن "كولونيال بايبلاين" سارعت إلى دفع فدية بلغت خمسة ملايين دولار، ما أدى إلى تجنب أزمة أوسع نطاقاً، جاء الهجوم بمثابة تذكير حاد بأن الدفاع عن إمدادات الطاقة في عصر التوسع الرقمي السريع سيكون أشد صعوبة وأكثر تعقيداً مما كان في زمن الاعتماد على النفط. فمع انتقال البلدان من الوقود الأحفوري إلى الطاقة الكهربائية المتجددة الموزعة عبر شبكات تعتمد على التكنولوجيا الفائقة، سيكون لزاماً على الحكومات أن تواجه مجموعة جديدة من التهديدات المتطورة.

ويشكل هذا التحول تحدياً خاصاً في الولايات المتحدة. إذ تؤدي الحكومة الأميركية حالياً دوراً بارزاً في أمن الطاقة العالمي من خلال قوتها البحرية التي تحمي تجارة النفط والغاز المنقولة بحراً. لكن، في مؤشر إلى المستقبل، شكلت حادثة "كولونيال بايبلاين" هجوماً رقمياً معقداً شنه طرف ثالث غامض يقبع في مكان بعيد، وبعيد مادياً على بنية تحتية محلية حيوية.

وفي السنوات المقبلة، ومع تشكيل الكهرباء كمية متزايدة من نقل الطاقة على مستوى العالم، ستتعرض مجموعة متزايدة من البنى التحتية إلى هجمات كتلك التي ضربت "كولونيال بايبلاين". وتعتبر الولايات المتحدة غير مستعدة على نحو خطير للدفاع عن نظام الطاقة العالمي في المستقبل. وإذا رغبت البلاد في الاحتفاظ بنفوذها الجغرافي- السياسي الهائل، يتعين عليها مرة أخرى أن تأخذ زمام المبادرة كي تبين كيف تستطيع هي وحلفاؤها، الحفاظ على سلامة الشبكات الكهربائية الحيوية.

تأثير الشبكات

يعتمد نظام الطاقة العالمي الذي بنته البلدان والشركات في القرن العشرين على الوقود الأحفوري الذي تنقله السفن والشاحنات وخطوط الأنابيب. وفي الغالب، استهلكت تلك المواد الهيدروكربونية في شكل مباشر. وكذلك استطاع نظام واسع من البنى التحتية أن يدمج أيضاً النفط والغاز الطبيعي في شبكة من محطات الطاقة الكهربائية التي تحولهما، إلى جانب مجموعة من مصادر الطاقة الأخرى، إلى كهرباء. في المقابل، ثمة انتقال عالمي حاضر نحو الطاقة المتجددة لتحل بديلاً من الوقود الأحفوري وأنظمة التوزيع التي تصاحبه. فبدلاً من خطوط الأنابيب والسفن الناقلات التي تعبر المحيطات، أصبح المستهلكون يعتمدون على شبكات متطورة تكنولوجياً تربط المستهلكين مع حقول الطاقة الشمسية، وتوربينات (توليد الكهرباء من) الرياح، ومولدات الطاقة الكهرومائية، ومحطات الطاقة الحرارية الأرضية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع اكتساب هذا الانتقال زخماً متزايداً، ستتوسع حتماً التجارة في الكهرباء عبر الحدود بالترافق مع سعي البلدان إلى دمج أنواع الطاقة الآتية من مجموعة متنوعة من المصادر والمواقع. وتأخذ أوروبا زمام المبادرة بالفعل. ولقد صممت اتفاقات كـ"نورد بوول"، وهو نظام في مقايضة الكهرباء يستند على المزادات ويربط بين تسع شبكات وطنية مختلفة، بهدف تحسين أمن الطاقة وموثوقيتها في مختلف أنحاء القارة. وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، تملك "منظمة التنمية والتعاون في الربط العالمي للطاقة" التابعة للصين، وتأسست عام 2016، تطلعات طموحة في ربط شبكات الطاقة الصينية مع شبكات الطاقة في بلدان أخرى في مختلف أنحاء آسيا، بل حتى في مناطق بعيدة كأميركا اللاتينية. وتعمل الهند أيضاً على بناء شبكات كهرباء مع بلدان مجاورة كبنغلاديش ونيبال.

وبشكل عام، تعتبر تلك تطورات إيجابية. وبين أمور أخرى، من شأن الشبكات الموزعة الموثوقة، أن تعالج إحدى أعظم نقاط الضعف التي تعيب الطاقة المتجددة. ولأن أنماط الطقس تختلف باختلاف الموقع، لا تستطيع طاقة الرياح والطاقة الشمسية المتقطعة تلبية الحاجات المحلية. ومن خلال الاعتماد على مصادر الطاقة من مواقع مختلفة، تعمل الشبكات المتعددة الجنسيات على الحد من خطر أن يتسبب الطقس المحلي أو المسائل التقنية في حدوث اضطرابات، ما يسمح للبلدان بتحسين بعض جوانب أمن الطاقة والانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري.

 

وفي المقابل، ثمة أيضاً جوانب سلبية واضحة. إذ يعني وجود شبكة أكبر ضرورة وجود بنية تحتية أكبر تكون بحاجة إلى الحماية، ما يقدم مزيداً من الفرص السانحة أمام هجمات قراصنة الكمبيوتر، إما سعياً إلى تحقيق مكاسب شخصية أو تنازلات سياسية. مثلاً، تسبب قراصنة روس في تعطيل ثلاث شركات أوكرانية لتوزيع الكهرباء في 2015، وأوقفوا من بعد تشغيل 30 محطة فرعية وقطعوا التيار الكهربائي عن مئات الآلاف من المواطنين الأوكرانيين. ويعني ذلك أنه في أزمنة الحرب، قد يتمكن قراصنة الكمبيوتر من التسلل إلى مرافق الطاقة، ويلحقون الضرر بالمدنيين، بل قد يتسببون في كارثة بيئية. وخلال سنة 2017، وردت أنباء حول قراصنة إيرانيين اخترقوا مصنعاً سعودياً للبتروكيماويات بهدف تخريب عملياته وإشعال فتيل انفجار فيه. ومن حسن الحظ أنهم فشلوا.

الدعم

على الرغم من أن هذه المشاكل جديدة، فإن حلولها ليست كذلك. فبوسع البلدان المتشاركة في شبكة كهربائية أن تحتفظ بقدرة احتياطية في توليد الطاقة، وأنظمة إضافية (يحتفظ بها جاهزة للعمل في حال الحاجة إليها) في نقل الكهرباء، بهدف تخفيف الأثر المترتب على أي هجوم محتمل. وكذلك يمكن لتلك البلدان أن تستبقي في الاحتياطي محطات الوقود الأحفوري المتقاعدة مع إبقائها في حالة تتيح إعادة تشغيلها في حالات الطوارئ. وإضافة إلى ذلك، تستطيع تلك البلدان دفع أجور مزودي خدمات الكهرباء بهدف الإبقاء على القدرة الفائضة في توليد الطاقة قيد الاستعداد في حالة انقطاع الكهرباء، وتقدر حتى أن تستخدم الشبكات الصغيرة للطاقة الشمسية (الأنظمة الصغيرة التي تعمل في شكل مستقل عن الشبكة الكهربائية الأوسع) كي توصل الكهرباء متجاوزة النظام المركزي إذا انقطع عن العمل. وبوسع البلدان أو المناطق أيضاً أن تبني أنظمة في تخزين الطاقة تستخدم البطاريات أو الهيدروجين أو الهواء والماء المضخوخين.

في المقابل، إن عالماً من الشبكات الكهربائية الموزعة والمرقمنة يمثل تحدياً فريداً للولايات المتحدة، لا سيما دورها كضامن لأمن الطاقة العالمية. وفي أعقاب أزمة النفط في سبعينيات القرن العشرين والغزو السوفياتي لأفغانستان في 1979، أعلن الرئيس الأميركي جيمي كارتر أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام القوة بهدف الدفاع عن مصالحها الوطنية في الخليج الغني بالنفط. ولاحقاً، أصبح هذا معروفاً بـ"عقيدة كارتر". وفي العقود التي تلت ذلك، تمكنت الولايات المتحدة من بناء حضورها العسكري في مختلف أنحاء المنطقة وتدخلت في عدد من النزاعات. واليوم، يذهب الدور الأميركي في الدفاع عن إمدادات النفط إلى ما هو أبعد من الخليج. إذ تؤدي البحرية الأميركية دوراً مركزياً في حراسة الممرات البحرية الدولية التي تتبادل البلدان والشركات عبرها الوقود الأحفوري.

من زاوية مغايرة، في العالم المقبل الذي تسوده شبكات ربط الكهرباء عبر الحدود، لن يكتسب الحفاظ على الممرات البحرية آمنة لصادرات النفط، القدر نفسه من النفوذ الذي تمتع به ذات يوم في الجغرافيا السياسية. ومع تغير المشهد، يتعين على واشنطن أن تعيد النظر في دورها ضمن نظام الطاقة العالمي. وتبرز الحوكمة بوصفها من بين المجالات التي تستطيع الولايات المتحدة أن تبدأ في تولي زمام المبادرة فيها. ونظراً إلى المخاطر، قد يكون وضع حدود للسلوك السيبراني في نهاية المطاف، على القدر نفسه من الأهمية التي امتلكها الحد من التسلح النووي أثناء حقبة "الحرب الباردة". وفي البداية، على واشنطن أن تبدأ حواراً عالمياً يركز على تطوير معاهدات مكافحة مجموعات قراصنة الكمبيوتر التي تستخدم برمجيات الفدية على غرار مجموعة "الجانب المظلم". وبالفعل، لقد أشار سفير روسيا إلى الاتحاد الأوروبي إلى استعداد موسكو مناقشة معاهدات محتملة تحت رعاية الأمم المتحدة. كذلك ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أخيراً، على شاشة التلفزيون الرسمي أن روسيا ستكون مستعدة لتسليم المجرمين السيبرانيين إذا التزمت الولايات المتحدة بإجراءات مماثلة في ترحيل المطلوبين إلى دول تطالب بهم. وعلى الرغم من ذلك ستضطر واشنطن إلى تقييم جدية موسكو، نظراً إلى الدور الذي تؤديه روسيا في إيواء الإرهابيين السيبرانيين، بل ربما رعايتهم.

وبوسع الولايات المتحدة أيضاً أن تساعد في تطوير مؤسسات جديدة متعددة الجنسيات تشرف على اتفاقات تجارة الكهرباء. فقد لا تكون التحالفات السارية حاضراً التي تضم مشغلي شبكات وطنية وشركات خاصة، مجهزة للتعامل مع النزاعات الدبلوماسية الشائكة ومخاوف الأمن السيبراني. ونظراً إلى الحضور العالمي للقوات المسلحة الأميركية والدور المركزي الذي تؤديه واشنطن في منظومات التحالف الإقليمية، تعد الولايات المتحدة في وضع يسمح لها بتولي دور أمني رائد إلى جانب الحوكمة المستقبلية ونظم التشريعات.

ويتعين على واشنطن أيضاً أن تستفيد من تفوقها التكنولوجي في مواجهة خصومها. فبمساعدة شركات التكنولوجيا في "وادي السليكون"، لدى الولايات المتحدة القدرة على التحول إلى بائع رائد في مجال المعدات والبرمجيات الكهربائية العالية التقنية، بما في ذلك ما تسمى موارد الطاقة الموزعة. وكذلك تتيح منظومات كشبكات الطاقة الشمسية المتناهية الصغر ومحطات الطاقة الافتراضية، للشركات شراء فائض الطاقة المتأتية من الألواح الشمسية الموضوعة على سطوح المنازل، والسيارات الكهربائية، وأنظمة التخزين بالبطاريات، ثم تعيد بيعها إلى الشبكة حينما يحتاج المستهلكون إلى مزيد من الطاقة. ومن شأن تخزين المعدات التي تتطلبها أنظمة كهذه أن يسمح للقوات المسلحة الأميركية بمساعدة الحلفاء أثناء حالات الطوارئ أو في أوقات النزاع. مثلاً، من الممكن تركيب الشبكات الشمسية المصغرة أو استبدالها أو إصلاحها في غضون أيام، في حين قد يستغرق إصلاح محطات الطاقة الحرارية الضخمة بضعة أشهر أو حتى سنوات، إذا تضررت بفعل الحرب، أو الطقس القاسي، أو الحوادث.

وفي تطور متصل، يشكل الهيدروجين مصدراً واعداً في الطاقة الاحتياطية، تستطيع واشنطن أن تطوره. ولا يسيطر أي بلد حالياً على إنتاج الهيدروجين أو تجارته الدولية. وعلى غرار النفط أو الغاز الطبيعي المسال، من الممكن شحن الهيدروجين وتخزينه للاستخدام في المستقبل. وإذا نجحت الحكومة الأميركية في تعبئة نفسها بسرعة لتوسيع إنتاج الهيدروجين وتحويله وصناعته التصديرية لديها، قد تتمكن الولايات المتحدة من الاضطلاع بدور مهيمن في أسواق الطاقة العالمية.

لكن في المقام الأول، يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل على تحسين جهود البحث والتطوير، خصوصاً في مجال تكنولوجيا البطاريات، ومحولات الطاقة الشمسية (التي تحول الطاقة المتأتية من الألواح إلى تيار كهربائي معياري)، والبرمجيات التي تستخدمها أنظمة الطاقة الجديدة. ولكي تتمكن واشنطن من مواكبة الصين التي تمتلك حاضراً 60 في المئة من قدرة العالم في معالجة الليثيوم المستخدم في إنتاج البطاريات، عليها أن تركز جهود البحث والتطوير على بدائل يصنعها البشر كي تكون بديلاً عن المعادن الآتية من المناجم والمواد الأرضية النادرة التي تهيمن عليها بكين حالياً.

تراجع كهربائي

اليوم، تقبع الولايات المتحدة في وضع غير مؤات على الإطلاق فيما يتعلق بالبنية التحتية للكهرباء. إذ بنيت شبكاتها إلى حد كبير في خمسينيات القرن العشرين وستينياته، وباتت في حاجة ماسة إلى الإصلاح. ووفق تقديرات المؤسسة الاستشارية "مجموعة براتل"، تحتاج واشنطن إلى إنفاق أكثر من 1.5 تريليون دولار لمجرد تحديث البنية التحتية في البلاد، إضافة إلى مبلغ يفوق ذلك كثيراً كي تلبي الطلب المتزايد على الطاقة النظيفة. والواقع أن مشروع قانون البنية التحتية الذي أعدته إدارة بايدن خصص 200 مليار دولار لتحديث الشبكات الكهربائية، وكذلك رصد 2.1 مليار دولار إضافية لوكالة الأمن السيبراني الأميركية. ويبدو ذلك ضئيلاً بالمقارنة مع حجم التحدي.

بيد أن هذه المساوئ ليست قاتلة. لقد أظهرت الحكومة الأميركية منذ فترة طويلة استعدادها للاستثمار كي تحصل على التفوق في الطاقة. وإلى جانب النظام الهائل المتعدد الجنسيات في تكديس النفط، تنفق واشنطن حالياً ما يتراوح بين 50 و100 مليار دولار سنوياً على ضمان التدفق الحر للهيدروكربونات الآتية من الشرق الأوسط. وإذا كانت الولايات المتحدة راغبة في الحفاظ على مكانتها كقوة عظمى في مجال أمن الطاقة، يتعين عليها أن تلتزم التزاماً مماثلاً بأنظمة الطاقة في المستقبل. ومن شأن الفشل في إنجاز تلك المهمة أن يخلف عواقب وخيمة، ولن يعرض التفوق العسكري للولايات المتحدة إلى الخطر فحسب، بل أيضاً قدرة البلاد على الدفاع عن نفسها. ولتجنب هذا المستقبل الرهيب، يحتاج القادة الأميركيون إلى إعادة التفكير في شكل جذري في الجانب الجيوسياسي لعالم يتمتع بالكهرباء.

*مشرفة على الأبحاث في كلية فلتشتر بجامعة تافتس الأميركية، وصاحبة "المستقبل الرقمي للطاقة" 

مترجم من فورين أفيرز

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات