Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النفط... بين "أوبك+" والإمارات

"إذا كان الخلاف سياسياً، فإن الموضوع ما زال بسيطاً، لكن يمكن أن يتطور بسرعة إلى أمور أكبر"

وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي لدى وصوله إلى اجتماع للدول الأعضاء في أوبك مع دول غير أعضاء في المنظمة في 6 مارس 2020 في فيينا (أ ب)

تأجل اجتماع دول "أوبك+" للمرة الثالثة مساء يوم الاثنين، إلا أنه من الواضح أن هناك دروساً يجب على جميع أعضاء "أوبك+" الاستفادة منها.

يشير تاريخ صناعة النفط إلى أن النفط والسياسة توأمان سياميان بجسد واحد ورأسين. إذا نظرت إلى الرأسين فقط، فلا تعرف أنهما ملتصقان، وإذا نظرت إلى الجسد فقط، تظن أنهما ملتصقان بالكامل ولهما رأس واحد. 

هذه المقدمة ضرورية لفهم ما يجري من أحداث في أسواق النفط، بما فيها الحادثة الأخيرة. فهل موقف الإمارات من "أوبك+" جاء نتيجة خلافات سياسية مع بعض الأعضاء والخلاف النفطي هو أحد مظاهرها، أو أن الموقف نفطي بحت، ثم انتقل إلى السياسة؟ بغض النظر، أين يقع هذا الخلاف مقارنةً مع الخلافات السابقة بين دول "أوبك" خلال الـ40 سنة الماضية؟

العراق وإيران عضوان مؤسسان في "أوبك"، وما زالا في "أوبك". عندما بدأت الحرب العراقية - الإيرانية، كان سببها سياسي، ولكن الضحية كان النفط، حيث قام كل بلد بتدمير المنشآت النفطية للآخر، لأن النفط هو مصدر المال، والمال هو مصدر القوة.

وعندما غزا العراق الكويت، اتخذ من النفط ذريعة للاجتياح، بادعاء أن الكويت تنتج كميات كبيرة من الحقول المشتركة بينهما. من يأخذ الكلام على عاهنه، يظن أن الخلاف نفطي ثم تحول إلى سياسي، ومن ينظر في التفاصيل يعرف أن الأمر كان سياسياً واتخذ النفط ذريعةً للغزو. 

ولكن جرت أحداث كثيرة كان الخلاف فيها نفطياً بحتاً وتدخّل فيه الساسة من أجل إيجاد حل، وأغلبها تم حله فعلاً، إما بالإقناع أو بزيادة الإنتاج، أو تجاهل التجاوز في الحصص الإنتاجية.
ما يحصل الآن بين الإمارات و"أوبك" أمر بسيط مقارنةً مع الأحداث الجسام في تاريخ المجموعة النفطية مثل الحرب العراقية - الإيرانية، وغزو العراق للكويت، والخلاف السعودي - الليبي، والخلاف الخليجي - الإيراني، والخلاف السعودي - الإماراتي مع قطر، الذي نتج عنه خروج الدوحة من منظمة "أوبك". 

إلا أنه إذا كان الخلاف سياسياً، فإن الموضوع ما زال بسيطاًـ ولكن يمكن أن يتطور بسرعة إلى أمور أكبر.

موضوع الخلاف

الإمارات تريد زيادة الإنتاج بسبب الفارق الكبير بين إنتاجها الحالي وطاقتها الإنتاجية، حيث أن الفرق يترواح بين 600 و700 ألف برميل يومياً. والإماراتيون يعتبرون أنهم ظُلموا في اتفاق "أوبك+" الذي تم يوم 12 أبريل (نيسان) 2020، الذي قضى بتخفيض الإنتاج بمقدار9.7 مليون برميل يومياً. هذا الاتفاق اتخذ من إنتاج الدول في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2018 أساساً له، عندما كان إنتاج الإمارات حوالى 3.1 مليون برميل يومياً. إلا أن إنتاج الإمارات ارتفع إلى 3.8 في أبريل 2020، حين تم توقيع الاتفاق. من هذا المنطلق تطالب الإمارات بتغيير شهر الأساس إلى أبريل 2020.

إلا أن دول "أوبك" تعارض المقترح الإماراتي لعدة أسباب، أهمها أن هناك دولاً أخرى حالها عكس حال الإمارات، انخفض إنتاجها بين أكتوبر 2018 و أبريل 2020. إضافة إلى أن الزيادة الإماراتية كبيرة لدرجة أنها ستؤثر سلباً في أسعار النفط.

ونظراً إلى أن الإمارات تريد أن ترفع إنتاجها في أسرع وقت، فإنه من المنطقي أنها تريد الخروج من هذا الاتفاق في أسرع وقت، ومن ثم فإنها تعارض تمديد الاتفاق، الذي ينتهي في نهاية أبريل 2020.

وبناءً على ذلك، فإن الإمارات تريد اتفاقاً جديداً بدلاً من التمديد، وهذا الاتفاق الجديد يتخذ من أبريل 2020 أساساً له. الإشكالية هنا أنه إذا استمرت الإمارات بتوسيع طاقتها الإنتاجية إلى 4.5 مليون برميل يومياً، فإن المشكلة قد تتكرر مستقبلاً، حيث أن الفارق بين الإنتاج والطاقة الإنتاجية سيكون نحو 700 ألف برميل يومياً مرة أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلا أن الإمارات تتفق مع دول "أوبك" بأنه يجب زيادة الإنتاج، وتوافق على زيادته بمقدار 400 ألف برميل يومياً كل شهر، ولكن، كما ذُكر آنفاً، من دون تمديد. المشكلة أن هناك تناقضاً بين الفكرتين، لأن إعادة الإنتاج إلى ما كان عليه قبل فيروس كورونا يتطلب إضافة 5.8 مليون برميل يومياً. فإذا كانت الزيادة الشهرية 400 ألف، فإن إعادة الإنتاج إلى ما كان عليه لن تحصل إلا قرابة نهاية عام 2022. 

أهم الدروس

1- وجود طاقة إنتاجية فائضة خارج السعودية سيؤدي دائماً إلى مشكلات من هذا النوع، حتى لو لم يكن هناك أي أسباب سياسية للخلاف. ومن ثم فإن على الذين يتساءلون دائماً، لماذا تتحمل السعودية عبء التخفيض؟ ولماذا تتحمل السعودية تكاليف الطاقة الفائضة؟ سيجدون الجواب في الأحداث الأخيرة.

2- النظر إلى مستقبل السوق النفطية ضروري على كل الحالات، وفي كل المجالات. ومن ثم فإن التركيز على الأسعار والطلب من دون الانتباه لزيادة الطاقة الإنتاجية، يؤدي إلى الأزمة التي وقعت فيها الإمارات، لو تم النظر إلى النمو الكبير في الإنتاج منذ البداية، لما حدث ما حدث، حيث كان من الممكن أن يطالبوا بسقف أعلى للإنتاج مما كان عليه في أكتوبر 2018. بعبارة أخرى، ما حصل درس جيد لكل أعضاء دول "أوبك+"، أن ينظروا إلى إنتاجهم المستقبلي قبل الدخول في أي اتفاقات جديدة.

3- وجود استثمارات أجنبية في دول "أوبك" في قطاع الإنتاج والتنقيب سيظل مشكلة كبيرة للمنظمة، على الرغم من أن العقود تتضمن فقرات تقضي بتقبل الشريك الأجنبي لتخفيضات الحصص التي تقرها "أوبك". ما حصل اليوم مع الإمارات حصل سابقاً مع فنزويلا ونيجيريا. لاجديد هنا. من هنا نرى أهمية سيطرة شركات النفط الوطنية والابتعاد عن عقود المشاركة والتركيز على عقود الخدمات.

ماذا عن أسواق النفط؟

ماذا سيكون وضع أسواق النفط وأسعاره إذا توصلت "أوبك+" إلى اتفاق؟ وبالمقابل، ماذا سيحصل لو لم يحصل اتفاق؟

الواقع أن كل ما حصل حتى الآن كان سلبياً بحق "أوبك+"، لأنه يشكك في قدرتها على إدارة أسواق النفط ويشكك في نجاحها. بعبارة أخرى، سمعة المجموعة تلطخت على كل الحالات، على الرغم من النجاحات التي حققتها منذ أبريل 2020. 

والحقيقة أن أسواق النفط ما زالت تعاني من تخمة في المعروض، في ظل ضبابية شديدة في ما يتعلق بمستقبل إنتاج النفط في إيران وليبيا وفنزويلا وغايانا والولايات المتحدة وكندا. لهذا فإن أي زيادة كبيرة في المعروض قد تهوي بالأسعار بسرعة، إلى أين؟ ربما في بحر الأربعينيات. وإذا تطور الأمر إلى حرب أسعار فإن الهبوط إلى 10 دولارات أو أقل ليس بعيداً.

أما في حالة التوصل إلى اتفاق بزيادة الإنتاج بـ 400 ألف برميل يومياً كل شهر، سواء بتمديد أو من دون ذلك، فإن الأسعار لن ترتفع كثيراً، ولكن يبقى خام برنت فوق 65 دولاراً للبرميل لفترة طويلة.

مشكلة التمديد أو عدمه، أنها تؤثر في منحى الأسعار المستقبلية. فإذا اقتنع تجار النفط أن الاتفاق سينتهي في نهاية أبريل 2022، لأن الإمارات وغيرها سيزيدون الإنتاج، فإن الأسعار المستقبلية ابتداء من مايو (أيار) 2022 ستنخفض بشكل كبير، ومن ثم فإن منحنى الأسعار المستقبلية سيكون له شكل غير مألوف، حيث ينحدر بشكل طفيف حتى نهاية أبريل 2022، ثم تزداد الميول فجأة في نهاية 2022. هذا الانحدار الشديد ليس بسبب زيادة الإنتاج فقط، ولكن أيضاً بسبب تسييل المخزون في الدول المستهلكة لتلافي الخسائرـ وعدم وجود أي حافز للتخزين. هذا الانخفاض سيسهم في منع انخفاض الأسعار بشكل أكبر مستقبلاً، ولكن الأسعار الآن في مستوى أقل من الحالي بشكل ملحوظ. 

وسيكون من آثار ذلك انخفاض الاستثمارات في الصناعة، بخاصة استثمار شركات النفط العالمية في دول الخليج، ومن ثم فإن الاستثمارات المتوقعة بسبب انسحاب بعض الأعضاء من "أوبك" أو زيادة إنتاجهم لن تحصل.

وقد يقول قائل إن الوصف أعلاه ينطبق على أي نهاية للاتفاق سواء في أبريل 2022 أو ديسمبر (كانون الأول) 2022، أو أي تاريخ آخر. الجواب: لا، لاينطبق لأن كل دول "أوبك" التي تستطيع زيادة إنتاجها قد عادت إلى مستويات أكتوبر 2018، ومن ثم فليس هناك كميات إضافية تجبر منحى الأسعار المستقبلية على الانحدار بالكسل الموصوف أعلاه.

باختصار، الاتفاق والتعاون سيمنع أسعار النفط من الانخفاض، وسيسهم في استقرار السوق، على الأقل، وعدم الاتفاق يعني زيادة التقلبات، وزيادة الإنتاج خارج الاتفاق ستخفض الأسعار.

المزيد من آراء