Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تعافت مدينتان جسدتا "أرض الصفر" في أزمة المواد الأفيونية بأميركا؟

القس الذي حول الكنيسة من وكر مخدرات إلى مكان للتعافي. والمدمن السابق الذي أنشأ مركزا لمساعدة من يواجهون ما سبق له أن واجهه. والناس العاديون الذي اعتبروا أن الكيل طفح. ريتشارد هول يزور الأوساط الاجتماعية المنخرطة في عملية التغيير بـ"ويست فيرجينيا"

كان يُنظر إلى وست فرجينيا في الولايات المتحدة على أنها بؤرة جائحة كورونا (غيتي)

منذ أكثر بقليل من عام واحد، تعرض مبنى الكنسية الصغيرة التي يتولى خدمتها القس دانييل أدكينس، في بلدة إيست لين الريفية بأقصى غرب ويست فيرجينيا، لحالة انتهاك. كان ثمة أناس يعيشون في الفجوة الموجودة تحت المبنى. ويعيش آخرون في غرفة منفصلة بالجانب الخلفي للكنيسة. وكانت هناك علامات تشير إلى استخدام المخدرات، كما سادت ظاهرة اختفاء الأغراض (السرقة) على نحو دوري. وقد رأى القس أنه بات من الضروري القيام بشيء ما.

"ذهبنا إلى هناك كي نخرجهم من المكان" يقول أدكينس، القس الملتحي صاحب الصوت الرقيق، والبالغ من العمر 43 سنة. تابع أدكينس: "لكني في ذاك المساء وجدت نفسي خائضاً في حديث معهم، واشتريت لهم البيتزا. وفي نهاية الحديث تبددت مشاعر إحباطي، ولم يبق في نفسي من مشاعر تجاههم سوى التعاطف. هذه الاجتماعات مستمرة بيننا منذ ذلك الحين".

وباشر أدكينس، إثر ذاك اللقاء الأول، نعقد اجتماعات تأهيلية مع أولئك الأشخاص في الكنيسة مرتين بالأسبوع. كان عدد الحضور في تلك الاجتماعات صغيراً في البداية، ثم ما لبث أن تطور ليشمل عشرات الأشخاص من المنطقة. وقد ساعد القس أفراداً مشاركين في الاجتماعات كي يباشروا في عمليات إعادة تأهيل وتعاف، وتغيير مسار حياتهم. كما قدم لهم الإرشادات، وحادثهم على مدى ساعات طويلة. وقد عايش القس حالات أشخاص آخرين، يغرقون أكثر وأكثر في الإدمان، ويموتون. فاجتمعت تحت سقف القس ذاك، في وقت واحد، أجواء الجنائز، والجرعات الزائدة، والانتصارات والمكاسب بعد صراعات مريرة (مع الإدمان).

تمثل مجموعة الأفراد الصغيرة التي يقودها القس دانييل أدكينس واحدة من عشرات الجهود والمبادرات التي تبذلها مجموعات وأوساط محلية عديدة قررت النهوض لمواجهة "أزمة المواد الأفيونية" المزمنة في ويست فرجينيا، الولاية التي تمثل بؤرة وباء المخدرات والإدمان الذي يجتاح البلاد. ومع مرور الأعوام فإن المجموعات الأهلية، كهذه التي أطلقها القس، هي من راحت تحدد شكل المواجهة مع الأزمة ويضع معادلتها: أناس عاديون مستهم المأساة بطريقة أو بأخرى، عاهدوا أنفسهم على مواجهة تلك المأساة وتصحيح الحال.

رحلة التعافي

بدأت أزمة المخدرات والأفيون في أعوام التسعينيات (بالولايات المتحدة) مع إطلاق عقاقير وصفات طبية جديدة وقوية لمعالجة الآلام المزمنة. وقامت شركات إنتاج الأدوية بالترويج لمنتجاتها الجديدة عبر إدعاءات زائفة تزعم أن تلك المنتجات لا تسبب الإدمان، كحال المنتجات الأفيونية الأخرى التي سبقتها. وقد راح الأطباء يصفون بإفراط تلك العقاقير الجديدة، فلم يكن من الغريب مثلاً معاينة أرتال طويلة من الأشخاص ينتظرون دورهم أمام الصيدليات، بعد أن قطعوا أميالاً في سياراتهم للمجيء بغية الحصول على وصفات دوائهم.

وحلقت عالياً إثر ذلك معدلات الإدمان، وارتفعت نسب الجرعات الزائدة على نحو دراماتيكي في مختلف أنحاء البلاد. وبلغت نسبة الوفيات جراء الجرعات الزائدة في الولايات المتحدة سنة 1994، معدل 4.8 حالة وفاة بين كل 100 ألف شخص. هذا المعدل مع حلول عام 2015، ارتفع بنسبة فاقت ثلاثة أضعاف، فبلغ 16.3 (حالة وفاة) بين كل 100 ألف شخص. والمعدل المذكور زاد ارتفاعاً منذ ذلك الحين. كذلك فإن الأزمة أصابت الجماعات الكبيرة والصغيرة، بيد أنها حلت عنيفة على نحو خاص في منطقة الـ أبالاشيا، التي تمتد عبر شرق أميركا من ولاية نيويورك نزولاً إلى جورجيا (في الجنوب الشرقي). وتظهر الأبحاث أن حالات الوفاة (جراء الإدمان على الوصفات الأفيونية) تركزت في أوساط اجتماعية ذات مستويات تعليم منخفضة، وفي أوساط الأشخاص العاملين في الصناعة حيث ترتفع احتمالات إصابتهم بالأذى الجسدي. وحين جرى سنة 2012 تقليص وصفات العقاقير الأفيونية وتقييدها بشروط محددة، فإن ملايين الأشخاص الذين أدمنوا على تلك الوصفات انتقلوا لاستخدام الهيروين، وغيره من مواد المخدرات غير المشروعة. وقد مضت الأزمة على الأثر لتزداد استفحالاً.

غدت ويست فيرجينيا (أو غرب فيرجينيا)، المركز السابق لمناجم الفحم، واحدة من أكثر المناطق تضرراً في الولايات المتحدة الأميركية بفعل الأزمة. وجرى في أغلب الأحيان وصف مدينة هنتينغتون، التي تبعد أقل من ساعة في السيارة عن كنيسة القس دانييل أدكينس، بأنها "أرض الصفر" لأزمة الأدوية الأفيونية.

كان القس أدكينس، هناك في إيست لين، يبدأ اجتماعاته مع حلول الغسق. "كنيسة المسيح"، ذات المبنى الذي يستحضر صور البطاقات البريدية بمنشئه الخشبي المطلي بالأبيض وسقفه الأخضر، تقع في قعر واد حيث يلتقي نهر صغير بطريق وسكة قطار. وفي داخل الحجرة الخلفية للكنيسة ثمة نحو عشر كراسي أو أكثر، منسقة على شكل دائرة أمام صفوف من المقاعد غير المستخدمة وعلب البيتزا، هذه الأخيرة التي باتت منذ تلك الأمسية الأولى، حين اجتمع القس مع شاغلي المبنى لأول مرة، من السمات الدائمة للاجتماعات. كذلك فإن واحدة من الحاضرين في هذه الأمسية، كانت قد شاركت في الاجتماع الأول حين جاء القس أدكينس لإخلاء المبنى. كانت السيدة تعيش في هذه الغرفة وغارقة في الإدمان. لكن اليوم مضت تسعة أشهر على تخلصها من إدمانها.

يقوم القس أدكينس في العادة بافتتاح كل اجتماع ببضع كلمات، غالباً ما تكون مقاطع من الكتاب المقدس. هذه الليلة اختار الحديث عن داود وجليات. فمهمة داود التي تمثلت في إلحاق الهزيمة بجليات، بدت كؤودة في لحظة من اللحظات، قال أدكينس. بيد أن داود انتصر في النهاية. وبحسب القس، هكذا هي طريق التعافي بدورها، قد تبدو كؤودة ومستحيلة أحياناً.

وهناك أنماط متعددة لاجتماعات التعافي، كما ثمة برامج إعادة تأهيل عديدة معتمدة في أنحاء ولاية ويست فيرجينيا. ويجرب معظم المدمنين تلك الاجتماعات والبرامج مرات عديدة ويفشلون، وذلك قبل أن يقعوا على واحد منها يناسبهم – كذلك هناك آلاف الطرق المختلفة التي يمكن فيها لشخص يحاول التعافي أن يفقد توازنه ويعود إلى الإدمان. وتحاول المجموعات المحلية الصغيرة، كمجموعة القس أدكينس ومن معه، أن تملأ "الفجوة" (التي يمثلها مسار التعافي المضني).

وكان أدكينس بدأ تلك الاجتماعات عندما غدت المشكلة كبيرة جداً ولم يعد من الممكن تجنبها وتجاهلها. مقطورات كثيرة من تلك المصطفة حول الشارع المؤدي إلى الكنيسة، يقول القس، هي بيوت مخدرات. "كان الأولاد يلعبون في الباحة هنا، وكان عليهم حرفياً أن يتواجدوا للعب من خلال أنشطة المخدرات. كان يأتي أشخاص على دراجاتهم النارية، يحضرون أشخاصاً ويأخذون آخرين كي يأتوا بغيرهم. الرجال كانوا يتوزعون هنا وهناك وينتظرون دورهم كي يدخلوا إلى البيت (المقطورات، بيوت المخدرات) ويحصلوا على جرعاتهم". يتابع القس أدكينس "على الأرجح ليس ثمة بيت أو منزل في إيست لين لم يتأثر بها (المخدرات)".

حين راحت الاجتماعات تنعقد لأول مرة، ذكر القس أدكينس أنه كان عليه أن يجول على الناس ويدعوهم للحضور. "وكأنهم أعطوني درساً مكثفاً في اجتماعات التعافي. أعتقد أنهم كانوا يعلمونني أكثر مما كنت أساعدهم" يقول القس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهته، أليكس ديفيس، الذي يعمل متعهداً وعمره 27 سنة، هو واحد من أقدم الذين داوموا على حضور اجتماعات التعافي. والشاب كان محاطاً بالمخدرات والعنف من سن مبكرة. عن ذلك يقول "مررت ببعض المشكلات في حياتي. تعرضت للضرب وأنا طفل. وأمي قُتلت. تعرضتُ لاعتداءات جنسية وجميع أفراد عائلتي كانوا مدمنين على المخدرات والكحول، وتجار مخدرات. أحسست على الدوام بأنني في غير مكاني. والوقت الوحيد الذي كنتُ شعرت فيه أنني في حالة جيدة هو حين كنت منتشياً (تحت تأثير المخدرات)". يتابع ديفيس "تعاطيت المخدرات طوال 20 سنة. فقدت وعيي، وذهبت في غيبوبات، وأُدخِلت إلى غرف الإنعاش، وسرقت من الناس. كل ما قد تتخيله، فعلته". لقد واظب أليكس لسنوات قبل لقائه أدكينس، على الدخول والخروج من السجن. عن علاقته بالقس يقول الشاب "لم أكن أملك شيئاً. كنت أعيش في الشارع، وخارجاً لتوي من السجن. التقيت دانييل وكان يحاول تنظيم تلك الاجتماعات. رأيت أنه صادق في محاولاته ومهتم فعلاً. لم يسبق لي أن التقيت شخصاً منحني فرصة، أو أحداً يود مساعدتي".

قام أدكينس بمساعدة أليكس ديفيس كي يحصل على إقامة في مركز إعادة تأهيل في هنتينغتون، ومن ثم في مركز آخر بعد ذلك. اليوم مضت عشرة أشهر على تخلص أليكس من الإدمان، وهو يساعد الآخرين لحضور اجتماعات تعاف مثل هذا الاجتماع. والقس أدكينس كان التقى أليكس خلال اجتياز الأخير "فجوة" (في سياق عملية التعافي) سبق له أن اجتازها مرات عديدة. عن تلك "الفجوة" يشرح أدكينس قائلاً "لقد كان مشرداً. الأمكنة الوحيدة التي كان عليه أن يقصدها هو وأمثاله، قبل دخوله إلى السجن، هي أوكار المخدرات كي يأخذ جرعته". يتابع القس "هناك أشياء كثيرة تتعلق بمسألة التعافي ينبغي أن تتبدل. فالشرطة تعتقلهم، وخلال وجودهم في السجن لا تُقدم لهم أي مساعدة. ثم يتم الإفراج عنهم، وهم (على سبيل المثال) لا يملكون إجازة قيادة سيارة، ولا يملكون شهادة ميلادهم، ولا يملكون شيئاً يساعدهم للعودة إلى الحياة الطبيعية ليصبحوا أفراداً منتجين في المجتمع. وكأن السلطة لا تقوم إلا بلجمهم". ويضيف أليكس على كلام أدكينس قائلاً "كنت شخصاً من النوع الذي يمكنه أن يفعلها (ويتعافى)، لكنني كنتُ بحاجة إلى مساعدة أولاً كي أقف على قدمي. دانييل وقف خلفي".

"أرض الصفر" لاجتراح الحل

لم يكن لمقدمة كرايغ هيتلينغر عن وباء الأدوية الأفيونية أن تكون أكثر بعداً شخصياً مما تتسم به. إذ إن هيتلينغر كان لاعب كرة قدم جامعياً وابن عائلة ميسورة من هنتينغتون. في سنته الجامعية الأخيرة، قبيل التخرج، تعرض لإصابة رياضية وحصل على وصفة دواء لتسكين الألم. بيد أن هيتلينغر لم يستطع الإقلاع عن ذاك الدواء والتوقف عن تناوله. وحين غدا العثور على دوائه صعباً، تحول إلى الهيروين. إدمانه على هذه المادة الأخيرة سيدوم أكثر من عقد كامل.

يروي هيتلينغر عن هذه التجربة، فيذكر "استيقظت وكنت في عمر الـ32 وبمأوى للمشردين في ريتشموند، فيرجينيا. رحت أتساءل كيف وصلت إلى هنا بحق الجحيم. كنت فعلياً قد أضعت 13 سنة من حياتي". وهيتلينغر الذي يبلغ من العمر اليوم 39 سنة، تطلبه سبع محاولات للتخلص من الإدمان. وحين حقق ذلك في النهاية، أراد الاستفادة من تجربته لمساعدة الأشخاص الذين يمرون بما سبق ومر به. وتماماً مثل القس أدكينس، رأى هيتلينغر "فجوة" في مسار التعافي. فجوة ينبغي ملؤها.

وهيتلينغر كان في الشهر العاشر لتخلصه من الإدمان حين طرح فكرته تلك بالمركز الذي تعافى فيه. وتمثلت فكرته في وضع برنامج تتمحور أهدافه العلاجية حول المريض، بدل أي أمر آخر. وعن ذاك يشرح بينما يجلس في مكتب جانبي بالطابق الأرضي لـ"مركز هنتينغتون لمعالجة الإدمان" Huntington Addiction Wellness Center، فيذكر أنه "علاج منطقي، ومصمم بحسب الاحتياجات الفردية (لكل من يتلقاه)". ويتابع إيضاح المسألة قائلاً "كثير من هذه المبادرات تتركز على البرنامج في حد ذاته، وليس على المريض. فحين نقول إن برنامجنا هو لـ90 يوماً، ونصل لليوم الـ90 والمريض ما زال في وضع سيئ، لماذا بحق السماء نتركه (أو نتركها) يخرج للحياة الاعتيادية ليواجه ما يتوجب من أعباء وفواتير، ويحاول عيشاً اعتيادياً فيما هو لم يتعاف بعد؟ لماذا نتركهم يخرجون للعيش العادي فيما هم لم يطوروا بعد المهارات اللازمة والضرورية لذلك؟".

في هذا الإطار يقوم برنامج هيتلينغر بتأمين المساكن للمرضى (أي المدمنين) على مدى خمسة أشهر على الأقل، وحين يتحررون من المخدرات يساعدهم البرنامج في البحث والعثور على عمل، وفي تقديم طلبات الوظيفة والوثائق المطلوبة – وكل الأشياء الباقية والضرورية لمباشرة حياتهم من جديد. كما يقوم البرنامج بتأمين شقق وبيوت للإيجار للأشخاص الذين أنهوا برنامج التعافي، كما يمنحهم وظائف في واحدة من المؤسسات والأعمال التي يشرف البرنامج عليها. وكان هيتلينغر أطلق مبادرته وباشر العمل بفضل منحة من الدولة بلغت مليون دولار أميركي. واليوم يملك البرنامج المذكور قدرة للإيواء تبلغ 33 سريراً، وهو ما زال يتطور وينمو. كما أنه يشكل نموذجاً آخر لردود فعل سكان ويست فيرجينيا تجاه أزمة الأدوية الأفيونية (والإدمان). ويشرح هيتلينغر قائلاً "ما من شك أبداً في أن هنتينغتون تمثل "منطقة الصفر" لوباء الإدمان على المخدرات، لكن ما من شك أيضاً في المقابل أنها تمثل "منطقة الصفر" للتخلص من تلك الأزمة". يتابع "لدينا برامج تعاف في غاية الروعة، ويأتي الناس إلى هنا من كل أنحاء البلاد لتلقي المساعدة. كما يجري اعتماد أفكارنا في كل مكان". وتتمثل إحدى هذه الأفكار في "فريق الاستجابة السريعة" في هنتينغتون. فالفريق المذكور أنشئ في ديسمبر (كانون الأول) 2017 إبان تلك السنة التي سجلت رقماً قياسياً بمعدل الوفيات جراء الجرعات الزائدة (من المخدرات). إذ غدت هنتينغتون في ذلك الوقت محور وباء الأدوية الأفيونية المتفشي في أنحاء البلاد – وقد قصد المدينة مراسلو التلفزيونات وصناع الأفلام الوثائقية والصحافيون بغية توثيق ما تشهده شوارعها من فلتان وفوضى.

وفكرة إنشاء "فريق الاستجابة السريعة" التي استُلهمت من برنامج شبيه في كوليرين تاونشيب، أوهايو، هدفت إلى قيام أحد أعضاء فريق مكون من اختصاصيين في الصحة النفسية ومواجهة حالات الطوارئ وتطبيق القانون، بزيارة شخص تناول جرعة زائدة قبل مضي 48 ساعة على تناوله تلك الجرعة. وسيقوم "فريق الاستجابة السريعة" بنشر وتوفير العلاجات لإنعاش المريض (أو المدمن) إن قام الأخير بأخذ جرعة زائدة مرة أخرى، كذلك يقوم الفريق بإرشاد الناس إلى البرامج العلاجية. وقد اختيرت فكرة "فريق الاستجابة السريعة" السنة الفائتة كنموذج لخطة فيدرالية عامة، تهدف إلى خلق برامج مماثلة تطبق في جميع أنحاء البلاد. وقام الأوائل الذين تلقفوا الفكرة بالقدوم من مختلف أنحاء الولايات المتحدة لزيارة هنتينغتون والتعلم مما يحصل فيها.

الروح الأبالاشية   

بدا مشهد الجماعة المحلية المتضامنة لمكافحة أزمة الإدمان مشهداً جذاباً بالنسبة لأماندا كولمان، التي تشرف على مأوى للمشردين في هنتينغتون. وكولمان كانت عادت إلى المدينة برفقة زوجها سنة 2013 وذلك بعد عقدين من غيابها عنها، وقد خططت للبقاء لبضع سنوات فقط. "بيد أننا اندمجنا بهذه الروح الأبالاشية (من منطقة الأبالاشيا) وبروح الابتكار والتضامن المجتمعي التي راحت تتبدى"، تقول كولمان. وتردف "إنها روح الاعتزاز بهذه المنطقة، على الرغم من كل التعقيدات والصعوبات التاريخية التي واجهها وما زال يواجهها سكان الأبالاشيا. إذ كأن حسن التدبير والقدرة على التضامن ائتلفا معاً وأبدعا هذا المنحى الابتكاري". وكولمان ترى أن ملامح ذاك التضامن لمكافحة أزمة الإدمان بدأت في الظهور سنة 2015، والفضل في ذلك يعود لشخص واحد بعينه.

السؤال الأساسي غدا: كيف نواجه هذا الواقع؟

تشرح كولمان المسألة، فتقول "كان هناك هذه الشرارة. إحدى النساء نشرت (عن المسألة) في صفحتها على فيسبوك. لا أعتقد أن هناك أشخاصاً آخرين كانوا يطلقون على ما يحصل آنذاك اسم "وباء الأدوية الأفيونية"، إلا أن تلك المرأة كانت حزينة فعلاً تجاه ما يحصل أمامها في مجتمعها. لذا قامت بإطلاق ذاك النقاش برمته على فيسبوك، وهو نقاش قاد إلى تبلور مجموعة من الأشخاص يأتلف أفرادها للحديث عما يحصل".

وقاد ذاك المنشور الأول على "فيسبوك" إلى اجتماع عقدته مجموعة كونها عفوياً وتلقائياً أشخاص من أنحاء مختلفة في هنتينغتون. إنها مجموعة من الأشخاص بدلت مسار ما كان يحصل. وتشرح كولمان عن ذاك الاجتماع "بدا الأمر مثل كرة ثلج. لم أشأ المغادرة في تلك الليلة. كان هناك في المجموعة أشخاص توفي أبناؤهم بفعل جرعة زائدة. وأيضاً، فيما بعد، كان هناك بعض الأشخاص في المجموعة ممن وقعوا ضحية جرائم قتل، أو تعرضت منازلهم عدة مرات لعمليات سرقة. كانت هناك فعلاً تلك الدينامية الغريبة. لكن ما إن بدأ أفراد المجموعة بالتحدث مع بعضهم بعضاً، حتى ظهر، أكثر مما توقعوا، أن هناك أرضاً مشتركة تجمعهم".

ومنذ ذلك الوقت، تقول كولمان، غدت الأزمة في هنتينغتون أقل استحضاراً لمعادلة "نحن" ضد "هم" ولفكرة المعركة "بين المدمنين وغير المدمنين"، وأكثر تحفيزاً للتضامن الاجتماعي. تتابع كولمان "أعتقد أن ما حصل (من اجتماعات) بدل وجهة المجتمع المحلي كلياً. إذ إن التركيز غدا حول كيفية مواجهة الأزمة. وهنا جاء دور ذاك النوع من الاعتزاز، لأن الناس كانت عازمة على القول "صحيح، عندنا مشكلة جدية، لكننا نستطيع حلها".

رحلة طويلة في انتظارنا

كثيرون من الناس، على مدى فترة طويلة، شعروا وكأن واشنطن تتجاهل الأزمة، وذلك على الرغم مما شهدته السنوات الأخيرة من تزايد في الجهود الفيدرالية المنسقة لمواجهة المسألة، حيث أُعلن السنة الفائتة أن الولاية سوف تتلقى 43 مليون دولار في إطار دعم فيدرالي من وزارة الصحة الأميركية.

ومع حلول جائحة كورونا كانت ويست فيرجينيا تحقق مكاسب صغيرة في معركتها ضد وباء الأدوية الأفيونية. وقد أدت القيود والتدابير التي أعلنت لمواجهة فيروس كوفيد 19 إلى ارتفاع حالات تناول الجرعات الزائدة القاتلة بمعدلات قياسية، إذ أجبر المدمنون على الانعزال والانقطاع عن برامج العلاجات والتعافي. في هذا الإطار يرى القس دانييل أدكينس أن هناك رحلة طويلة للتغلب على أزمة الإدمان. وذاك يتطلب تفرغاً كاملاً لمواجهة وباء الإدمان، كما أن السبيل إلى التعافي ليس على الدوام خطاً مستقيماً. وعن دوره في مواجهة الأزمة يقول القس "إن تحقيق التوازن بين عائلتي وهذا العمل، هو أمر مربك إلى حد ما. فأحياناً أشعر بالإحباط. إلا أن معنوياتي كانت مرتفعة في الأسابيع المنصرمة. لقد استقبلنا 11 أو 12 شخصاً هنا قبل فترة، وهم تعافوا جميعاً الآن. إنها المرة الأولى التي يكون فيها الأمر على هذا النحو. ونحن لم نفعل سوى الجلوس والضحك معاً، كأننا في سهرة نار". يتابع أدكينس قائلاً "بعض الذين انضموا إلى برنامجنا في السابق يغدون جزءاً أساسياً من اجتماعات التعافي التي ننظمها. وأنا آخذ هذا الأمر بعين الاعتبار أيضاً، وأرى أن العون سوف يأتي ربما من داخل مجموعتنا". ويردف "عندما يغدو الناس في حالة أفضل، تبقى قلوبهم تقودهم للعودة إلينا ومد يد المساعدة. فالناس الذين يعانون اليوم، هم الأشخاص الذين سوف يساعدوننا غداً".

في الخارج، ما أن يشارف الاجتماع على الانتهاء، يخوض أليكس حديثاً مع شاب أصغر منه سناً حضر الاجتماع لكنه لم يتفوه بكلمة. هما يعرفان بعضهما بعضاً. يسأل أليكس الشاب إن كان يود الانضمام إلى برنامج إعادة تأهيل وتعاف، ويقول له، إنه إن انضم، فسيؤمن له وظيفة. يستمع الشاب لحديث إليكس ويومئ برأسه من دون كلام.                

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات