Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عوامل متشابكة أججت أزمة تعاطي المواد الأفيونية أثناء الجائحة

شهدت فيرجينيا الغربية امتزاج أزمة الفيروس مع آفة المخدرات

فريق الاستجابة لحالات الجرعات الزائدة من المخدرات، يجول داخل منزل مهجور في فيرجينيا الغربية (أ ب)

تذكر ناتاشا روبنسون بالتفصيل يوم حصولها على أول شيك مساعدات حكومية في إطار حزمة تحفيز الاقتصاد في ظل كورونا. آنذاك، كانت مشردة بلا مأوى، وفي قمة إدمانها على الهيرويين. واعتادت أن تقضي معظم أيامها في محاولة إيجاد ما يكفي من المال لأخذ جرعة مخدرة. في المقابل، جاء ذلك النهار مختلفاً.

"تمثّل أول ما فعلته في أنني توجّهت إلى الصراف الآلي القريب. وبعد ذلك، قصدت منزل التاجر الذي أشتري منه مخدرات، ولم تكن مضت حتى عشر دقائق على وقوع زوجي ميتاً على الأرض"، وفق تلك الشابة البالغة من العمر 26 سنة التي تحدثت فيما تشير بيدها إلى المكان الذي أخذ فيه جرعة زائدة في الغرفة الخلفية داخل مبنى قديم لكنيسة في فيرجينيا الغربية.

"نفد الشيك الأول خلال يومين. بدا الوضع سيّئاً جداً. تناول كثيرون من معارفي جرعات زائدة، وتوفي بعض الأشخاص. ربما شكّل ذلك أسوأ الأمور بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من الإدمان".

كان للحوادث التي اختبرتها ناتاشا وجه سخرية قاتمة، ولم يقتصر ذلك عليها وحدها، إذ شكّلت شيكات المساعدات الحكومية التي وُزّعت ابتداء من أبريل (نيسان) الماضي في ظل "كوفيد"، وبلغت 1200 دولار بالنسبة إلى معظم الأميركيين الراشدين، وسيلة إنقاذ لحياة الملايين في البلاد، وحكماً محتملاً بالإعدام للمدمنين.

وكذلك مثّلت تلك الشيكات واحدة من طرق عدة خلّفت فيها إجراءات الصحة العامة المُطبقة في أنحاء الولايات المتحدة كافة من أجل كبح انتشار فيروس كورونا، نتائج عكسية غير مقصودة على مجموعات الأشخاص الذين يصارعون بالفعل آفة المواد الأفيونية القاتلة. وأرغمت أيضاً أشخاصاً موجودين في مقدمة تلك الأزمة، على اتخاذ خيارات مستحيلة بشأن أي من الأزمتين يتوجّب عليهم مقارعتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما هنا، في فيرجينيا الغربية، فوقعت نتائج مدمرة. وقبل الجائحة، أحرزت هذه الولاية التي تُعدّ إحدى أكثر الولايات تأثراً بأزمة الإدمان المنتشرة في أنحاء البلاد، بعض التقدم. فبعد خمسة أعوام متواصلة من ازدياد أعداد الوفيات جراء الجرعات الزائدة، سجلت تلك الأعداد تراجعاً طفيفاً على امتداد عامين. يصح القول إن الطريق ما زال طويلاً، إنما ساد في المكان إحساس بأن الأمور توشك على التغير. ثم، انهار كل شيء.

ففي العام الماضي، بينما أوشك معظم أجزاء البلاد على الإغلاق من أجل الحد من تفشي الفيروس، سجلت الجرعات الزائدة القاتلة ارتفاعاً قياسياً بلغ 47 في المئة. وتوفي 1291 شخصاً على الأقل على إثر تناولهم جرعة زائدة في فيرجينيا الغربية في 2020، ما يشكّل زيادة بمقدار 877 عما كانت عليه في 2019 و909 عن 2018. ويُعتقد أن أكثر من 90 ألف شخص توفوا جراء جرعات زائدة في 2020، بزيادة قدرها 30 في المئة عن العام الذي قبله.

"أسوأ ما قد يحدث على الإطلاق"

لا تفاجئ هذه الأرقام ناتاشا وغيرها ممن يقارعون الإدمان، إذ أوشك زوجها أن يكون في عداد أولئك الأموات لو لم تنعشه هي بنفسها، على أرض غرفة الكنيسة التي تجلس عليها الآن. وكذلك تروي تلك السيدة قصتها مع الإدمان أثناء جلوسها وسط دائرة الكراسي المتفرقة حول الغرفة، وأثناء اجتماع التعافي من الإدمان الذي يعقده كاهن محلي. وبدأت أزمة الإدمان معها في سن صغيرة.

ووفق كلماتها، "شكّلت المخدرات والكحول جزءًا من حياتي، طوال حياتي".

واستطراداً، شقّت ناتاشا طريقاً نحو الإدمان يبدو مألوفاً بالنسبة إلى كثيرين، إذ يحفّز ذلك إجمالاً كل الأمور المتاحة. وبدأت ناتاشا ذلك الطريق مع حشيشة الكيف في عمر الـ14. وفي الـ15 من عمرها، انتقلت إلى عقاقير من المواد الأفيونية تُصرف بواسطة وصفة طبية. وبعدها، سارت نحو الهيرويين. بعد ثلاثة أو أربعة أعوام على إدمانها الهيرويين، بدأت الأمور تنهار فعلياً. وباتت تعيش في الشارع وانتُزع طفلها منها. وسرعان ما دخلت مركز إعادة التأهيل.

عاشت ناتاشا كل التجارب الممكنة. وفي المقابل، فحتى بالنسبة إلى من لديهم تاريخ من الإدمان، شكّل "كوفيد- 19" ضربة صاعقة، إذ تتحدث هي وغيرها من المدمنين عن أيام الجائحة الأولى، على غرار حديث المحاربين القدامى عن معارك ضارية في حرب قديمة.

وتأخذ نفساً عميقاً وتقول "يا إلهي، كوفيد ذلك. عندما وقعت الجائحة، وصلت الأمور إلى أسوأ ما يمكن أن يحدث لي على الإطلاق".

وبحسب وصفها، انطلقت الشرارة من دفعات المساعدات [التي قدمتها الحكومة كإعانة في مواجهة البطالة الإجبارية أثناء الجائحة].

وتضيف، "شكّلت المساعدت أسوأ ما يمكن حدوثه حتى بالنسبة إلى من هم في مرحلة التعافي من الإدمان، فما بالك بالمدمنين الذين ما زالوا يتعاطون. بديهي أن يتمثّل أول ما سيفعله أولئك المدمنون، في أن يهرعوا للحصول على جرعتهم المخدرة. لا يمكنك تسليمهم مبلغ كهذا من المال. لا يمكنك أن تعطي المدمن ولا حتى 20 دولاراً".

وتهزّ جوني أدكنز، 25 سنة، الجالسة في الناحية المقابلة من الغرفة، رأسها تأييداً لهذا الكلام. وتضيف، "أخذت جرعة زائدة بعد أول شيك مساعدات. تصرّفت بجموح تام بتلك الأموال. صرفتها في أسبوع واحد، وشكّلت الكمية التي اشتريتها بتلك الأموال أكبر كمية من الهيرويين أتعاطاها في حياتي".

في ذلك السياق تحديداً، لاحظ العاملون في الصفوف الأمامية [بمواجهة الإدمان] فوراً وقوع ذلك التطوّر. ومثلاً، تدير أماندا كولمان مأوىً للمشردين في وسط هنتنغتون، المدينة التي تحملت الجزء الأكبر من أزمة المخدرات الأفيونية في فيرجينيا الغربية. وفيما تجلس في فناء مبنى سكني تديره جمعية خيرية، تشير إلى أن القيود التي وُضعت على دفع أموال الضمان الاجتماعي من أجل حماية المدمنين انهارت خلال الجائحة.

وتبيّن الخطوط العامة لذلك البرنامج، مشيرة إلى أنه "في كل شهر، ندفع بدل إيجارهم، وفواتيرهم ونعطيهم شيكاً أسبوعياً كي يغطّوا نفقاتهم الحياتية أو الخاصة. ومع مساعدات تحفيز الاقتصاد، فُرض علينا أن نعطيهم المبلغ كاملاً".

ابتكر المأوى حلاً من أجل التعامل مع الجرعات الزائدة التي لا بد من أنها ستأتي بعد ذلك.

وتضيف "لقد قدّمنا لهم عقار نالوكسون مع شيكاتهم"، في إشارة إلى الدواء الذي يُستخدم في إسعاف شخص ما في حال تناوله جرعة زائدة من المواد الأفيونية. [تؤدي الجرعات الأفيونية الزائدة إلى تثبيط مركز التحكم في التنفس، فيتباطأ تنفس من يأخذ تلك الجرعات وصولاً إلى الإغماء، ثم توقف التنفس. ويعمل "نالوكسون" عبر معاكسة تأثير المواد الأفيونية في التنفس].

وتضيف، "نحاول ألا نتصرف بشكل يهينهم. وإذ يبدي معظم الأشخاص في مجموعتنا انفتاحاً في التعامل معنا بسبب علمهم أننا لن نحاكمهم بشأن ذلك الموضوع، في المقابل، يفضل بعضهم التظاهر بأنهم لا يفعلون شيئاً [بمعنى أنهم يخفون استمرارهم في التعاطي]، فنقول لهم حسناً، هذا الدواء يفيد في حال حدث ذلك لأحد أصدقائك، فخُذْهُ [نالوكسون]". 

في المقابل، بدا من المستحيل تجاهل زيادة أعداد من يأخذون جرعات زائدة. وتشير كولمان إلى بداية الصيف تقريباً باعتبارها المرحلة التي ساءت فيها الأوضاع كثيراً.

وتوضح، "كانت حالات الجرعات الزائدة تحصل عندنا في المأوى، وفي حيّ آخر، إذ يهرع بعض الناس إلينا من حيّ آخر، طلباً للمساعدة. ويأتي الناس إلينا ويُقرّون بأنهم أخذوا جرعة زائدة ثلاث مرات في عطلة نهاية الأسبوع هذا، أو أن ذلك حدث لأحد أصدقائهم".

وبعد الانفجارات العشوائية الفوضوية التي تبعت دفعات المساعدات، حلت مشكلة أخرى بدا أن التخلص منها يشكّل أمراً فائق الصعوبة. ويتلخص ذلك في أن الذين نجحوا بتخطي أول أيام الجائحة من دون الوقوع في الإدمان مجدداً، واجهوا تحدياً آخر أمام مسيرة تعافيهم، تمثّل في العزلة.

فخلق الإغلاق في وقت الجائحة، الذي يُعتبر وسيلة إنقاذ لحياة السكان بشكل عام، وإجراء أساسياً في إيقاف تفشي الفيروس، الظروف المثالية كي يسقط كثيرون ممن يعانون الإدمان، إذ انتزعهم الحجر الصحي من أنظمة دعمهم، بالتالي، حرمهم من المساعدة التي يحتاجون إليها. وعاشت ناتاشا تلك التجربة بنفسها.

وتروي أنه "عندما تكون منعزلاً، تعود كل أفكارك إليك. لا يهمني كم من الأشواط قطعت في مسيرة التعافي، ولا يهم سواء بلغت الشهر الثاني أو العام العاشر من التعافي. كل ما يحتاجه الأمر مجرد يوم سيّء واحد، وفكرة واحدة [بالعودة إلى التعاطي]. وإذا تصرفت تبعاً لتلك الفكرة، فستفسد حياتك بأكملها. وعندما يُعزل الناس ثم يُعطون مبلغاً كبيراً من المال، فإن ذلك يبدو كأنه وصفة للموت".

"ملعب الشيطان"

على بعد ساعة بالسيارة شرق بلدة إيست لين، ضمن طرقات الريف المتعرجة، تقع بلدة ماديسون. ازدهرت تلك البلدة التي يسكنها أقل من 3000 شخص في فترة عمل مناجم الفحم في المنطقة. وعلى غرار معظم مناطق فيرجينيا الغربية الريفية، عانت هذه البلدة كثيراً حين تراجع هذا القطاع، إذ اختفت الوظائف، ولحق بها الناس.

وجاءت ضربة قاتلة مع التسويق القوي [للمواد المخدرة] وتوفير ملايين حبوب تسكين الألم التي تُصرف بوصفة طبية منذ أوائل الألفية الجديدة في منطقة واقعة في قبضة المعاناة الاقتصادية، فارتفعت معدلات الإدمان بشكل هائل. وأصبحت مناطق مثل ماديسون تظهر دورياً على البرامج الإخبارية الليلية التي تتناول تلك الآفة. اعتادت أميركا على رؤية المخدرات في المدن، إنما ليس في بلدات صغيرة مثل تلك البلدة.

ضربت آفة المخدرات الأفيونية المجتمعات الريفية كـإيست لين وماديسون بالقوة ذاتها التي ضربت فيها المناطق الحضرية. في ذروة الأزمة، وزّعت إحدى الصيدليات الصغيرة التي تخدم الزبائن المارّين بسياراتهم هنا أكثر من 9.6 مليون جرعة من عقاري "هايدروكودون" و"أوكسيكودون" الأفيونيين اللذين يُصرفان بوصفة طبية وفقاً لدعوى قضائية رُفعت ضد مالكي الصيدلية. واليوم، تظهر الصيدلية وقد أُغلقت بألواح خشبية، على غرار كثير من مؤسسات البلدة.

حوالى عام 2012، جرى تقييد عمل مصنّعي العقاقير الأفيونية بفضل قوانين عملت على كبح سوء استخدام العقاقير التي تُصرف بواسطة الوصفات الطبية. واستطراداً، دفع ذلك التقييد المدمنين إلى الالتجاء لأي مخدر متوفر، لا سيما الهيرويين والفنتانيل. وحاضراً، يتحمّل هذان النوعان من المخدرات المسؤولية عن غالبية حالات الجرعات الزائدة.  

نشأت تشيلسي كارتر في هذا المكان. وفي وقت سابق، وقعت في الإدمان، لكنها أمضت الأعوام الـ12 الماضية في مرحلة التعافي، وتعمل اليوم في عيادة متخصصة في إعادة تأهيل المدمنين وتساعد الآخرين على تخطي إدمانهم. 

وتذكيراً، إن عيادة "برايتر فيوتشورز" Brighter Futures التي تعمل فيها كارتر، افتُتحت في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي بتمويل من مستشفى "بوون كاونتي ميموريال". قبل ذلك، فُرض على الناس السفر مسافة تتراوح بين 10 و20 ميلاً من أجل تلقّي العلاج. وهدفت العيادة إلى تقليص المسافة بين الناس الذين يتعافون من جهة وعلاجهم من جهة أخرى. ووفق ما يخبرك به أي مستشار في شؤون إعادة التأهيل، إن الاتصال المنتظم حيوي وأساسي. وحين فُقد ذلك الاتصال خلال الجائحة، ترك الأمر تأثيراً مدمراً.

ومن داخل مكتب في الطابق الرابع من مبنى على شارع ماديسون الرئيس، تفيد كارتر "لا نتعامل مع الإدمان فحسب، بل مع جانب الصحة النفسية كذلك".

"في الإدمان يكون دماغك مثل ملعب الشيطان. عندما تظل وحدك، يتمثّل كل ما تفعله في الجلوس والتفكير. وتبدأ بالتفكير في التعاطي مجدداً لأنك تقول ’في الأقل، لن أبقى عالقاً داخل رأسي طوال الوقت‘. بالتالي، أصبح مرضانا يألفون طريقة علاجية معينة، إذ إنهم يأتون إلينا، ونحمّلهم المسؤولية ونخضعهم لفحص مخدرات وكل ما هنالك. ثم حين بدأت الجائحة، توجب علينا أن نكتفي بأن نخبرهم بأننا سنتصل بهم هاتفياً، لكن نريد منكم أن تظلوا نظيفين من المخدرات. لقد تُركوا وحدهم".

وبذل البعض جهوداً كبيرة من أجل استمرار عقد جلسات التعافي [أحياناً، يتضمن التعافي من الإدمان، جلسات يتحدث فيها المرضى جماعياً مع بعضهم بعضاً ومع من يتولّون علاجهم]. وفي الشتاء، إبّان ذروة انتشار جائحة "كوفيد" وأعيد الجميع إلى حالة الإغلاق، أخبر أحد الأشخاص "اندبندنت" أنه نظّم اجتماعاً ضم سبعين شخصاً في حقل. جمعوا الحطب وأشعلوا ناراً في الهواء الطلق، وتشاركوا قصصهم وفق عادتهم. 

وانتقل بعض العيادات حتى إلى الطبابة عن بُعد من أجل متابعة برامج العلاج، فاستمرت بالتواصل مع مرضاها من خلال اتصالات الفيديو. لكن تلك الطريقة أيضاً لديها مساوئها. 

وفي ذلك الصدد، ترى كارتر أنه "من السهل علي أن أكذب عليك إذا كنت وراء شاشة حاسوب. أستطيع أن أنظر إليك من دون أن أميّز إن كنت تعاطيت المخدرات. لكن لو كنت أمامي، أستطيع أن أعرف إن تعاطيت مادة معينة".

ويعرب برينت تومبلين، المدير التنفيذي في عيادة "برايتر فيوتشرز" عن اعتقاده بأن الطبابة عن بُعد تواجه مشكلات أكثر في البلدات الريفية الفقيرة كـماديسون.

ووفق رأيه، "بالنسبة إلى سكان هذه المنطقة، لم يعمل كثرٌ منهم منذ أعوام. لا نملك مالاً كثيراً. حتى لو كان لدينا مال، سيُخصص للإدمان. لذا، لا يملك الناس هاتفاً جوالاً. وفي حال امتلكوا جهازاً، وأنا أملك واحداً، سيكون من الطراز القديم أو لن تكون فيه دقائق كثيرة للاتصال. وكذلك ليست لديهم حواسيب. ولا يملكون بيتاً ولا إنترنت. ربما يسكنون مع أقارب لهم أو ما شابه، وهم أشخاص دخلهم متدنٍّ كذلك. لا يملكون المال الكافي لفعل كل هذه الأمور".

واستناداً إلى تلك المعطيات، قررت العيادة أن تبقي أبوابها مفتوحة مع اتباعها إرشادات الصحة العامة على غرار التباعد الاجتماعي وتقليص عدد الأشخاص داخل الغرفة الواحدة.

ويضيف تومبلين، "دأبنا على السماح لمرضانا بالمجيء لأننا اعتقدنا بأن ذلك يشكّل أكثر من مجرد علاج فاعل. ونعلم أننا لم نقفل أبوابنا أبداً، ما خلا يومين خصصناهما لمحاولة التفكير في ما سنفعله".

في مسار موازٍ ضمن مناطق أخرى، أثار الابتعاد عن العلاج سلسلة قاتلة من الحوادث، إذ جعلت العزلة الزائدة الناس أقرب إلى الانتكاسة والعودة إلى التعاطي وأخذ جرعات زائدة. وأصبحت تلك الجرعات الزائدة قاتلة بشكل أكبر بسبب عدم وجود أي شخص بالقرب من الضحية يمكنه إنعاشها. وبصورة عامة، يُعتبر علاج ضحية الجرعة الزائدة عملية بسيطة نسبياً لكن يمكنها إنقاذ الحياة، ويمكن لمعظم الناس أن يقوموا بها. وتشمل إعطاء عقار "نالوكسون" المعروف باسمه التجاري "ناركان".

وبحسب إضافة من كارتر، "يتمثّل ما حصل الآن في أن كل هؤلاء الأشخاص ما زالوا يتعاطون وحدهم وفي المنزل. لا أحد معهم كي يعطيهم ناركان أو يتصل بخط الطوارئ عندما يأخذون جرعة زائدة. ونتيجة لذلك، حدثت لدينا معدلات عالية من الوفيات. والآن أصبح أمراً عادياً أن تسمع عن ثلاثة أو أربعة أشخاص أخذوا جرعة زائدة أو حتى أكثر أحياناً. يعتمد الأمر على المادة المنتشرة في ذلك الحين".

 

"لم يكن لدي أي صلة بالعالم الخارجي"

بعد نجاتهما من فوضى الأيام الأولى للجائحة، لم يكن بانتظار ناتاشا وجوني سوى مزيد من سخرية القدر. في المقابل، جاءت السخرية هذه المرة من النوع الجيد. ففي أصعب الظروف، حين انهار أصدقاؤهما ومعارفهما حولهما، وبدا أنه من السهل جداً أن تسقطا أيضاً، تمكّنتا من التوقف عن تعاطي المخدرات والبقاء بعيدتَين منها.

وتشير جوني إلى أنها نجحت في الإبقاء على إدمانها سراً عن عائلتها، إلى أن أخذت تلك الجرعة الزائدة بعد أول شيك مساعدات حكومية.

"أعتقد أنه بعد إنعاشي باستخدام نالوكسون واستعادتي للوعي، فكرت يا للهول، ربما ليست لدي رغبة بالانتحار كما ظننت، لأن ذلك كان مخيفاً [فقدان الوعي]". 

وبدأت تخشى أن تأخذ هيئة حماية الأطفال طفلها منها. بالتالي، قررت جوني أن تقلع عن المخدرات. ودخلت إلى مركز إعادة التأهيل مع بدء فرض الإغلاق.

وبحسب كلماتها، "لم يكن بحوزتي هاتفي الجوال. ولم أمتلك أي اتصال بالعالم الخارجي. كنا في فترة الإغلاق بسبب كوفيد، بالتالي لم نغادر المبنى أبداً. وفي المقابل، فور خروجي من المكان، عدتُ إلى العمل كأم بدوام كامل".

وعلى نحوٍ مشابه، توقفت ناتاشا عن تعاطي المخدرات بعد عقد من الإدمان، بل إنها الوحيدة في عائلتها التي فعلت ذلك. ونجحت في التوقف أثناء بقائها طيلة ستة أشهر في مركز لإعادة التأهيل. ومثّل ذلك محاولتها الثانية في التخلص من الإدمان.

ووفق رأيها، "ربما شكّل ذلك أفضل شيء حصل لي على الإطلاق".

وتضيف، "في تلك المرحلة من حياتي، عشتُ مشردة في هنتنغتون، وأسرق وأنهب وأدخل إلى بعض الأماكن عنوة. حتى إنني عدت إلى هنا. واقتحمت هذه الكنيسة مرات عدة. أصبح وزني 85 باونداً (38.5 كغ). فعلت كل شيء. لو لم أُحكم السيطرة على نفسي، لما توقفت وربما لكنتُ قتلت نفسي في النهاية".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات