Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الضربات الأميركية هل تعقد محادثات فيينا أم تدفعها للأمام؟

يعتقد مراقبون أن استهداف واشنطن وكلاء إيران خارج البلاد يمكن أن يمنح الجانبين قدرة معقولة على المناورة لتجنب التصعيد

تعقد الدول الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة اجتماعات في فيينا منذ بداية العام (أ ف ب)

للمرة الثانية خلال أربعة أشهر، شن الجيش الأميركي غارات جوية على ما وصفها بأنها "منشآت تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران"، بما في ذلك "كتائب حزب الله" و"كتائب سيد الشهداء"، بالقرب من الحدود بين العراق وسوريا، وذلك رداً على هجمات متزايدة بطائرات مسيرة استهدفت القوات الأميركية في العراق مراراً خلال العام الحالي.

ووفقاً للمتحدث باسم الجيش الأميركي، جون كيربي، فإن الضربات الجوية، التي استهدفت ثلاث منشآت بينها اثنتان في سوريا وواحدة في العراق، الأحد 27 يونيو (حزيران)، هي ضربات "دفاعية"، رداً على هجمات الميليشيات، مضيفاً في بيان صحافي "اتخذت الولايات المتحدة إجراءً ضرورياً ومناسباً ومدروساً للحد من مخاطر التصعيد، ولكن أيضاً لإرسال رسالة ردع واضحة لا لبس فيها".

ضربات، الأحد، هي الثانية التي تأمر بها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة. ففي فبراير (شباط) الماضي، شنت الولايات المتحدة غارات جوية على منشآت في سوريا، بالقرب من الحدود العراقية، قالت إن الجماعات المسلحة المدعومة من إيران تستخدمها.

رسالة ردع

وجاءت الضربات مع تزايد قلق المسؤولين العسكريين الأميركيين بشأن ضربات الطائرات المسيرة التي استهدفت القواعد العسكرية الأميركية في العراق، والتي أصبحت أكثر شيوعاً منذ أن قتلت الولايات المتحدة الجنرال الإيراني قاسم سليماني بالقرب من مطار بغداد، مطلع 2020، كما قتلت زعيم الميليشيا العراقية أبو مهدي المهندس في الهجوم نفسه.

وعندما شنت واشنطن ضربات فبراير الماضي، التي قالت إنها كانت رداً على هجوم صاروخي في العراق أسفر عن مقتل متعاقد مدني وإصابة أحد أفراد الخدمة الأميركية وقوات التحالف الأخرى، قال الرئيس الأميركي "إن على إيران أن تنظر إلى قراره بالإذن بالضربات الجوية الأميركية في سوريا على أنه تحذير من أنها يمكن أن تتوقع عواقب على دعمها مجموعات الميليشيات التي تهدد المصالح أو الأفراد الأميركيين". وأضاف في رده عندما سأله أحد الصحافيين عن الرسالة التي كان ينوي إرسالها، قائلاً "لا يمكنك التصرف والإفلات من العقاب. كن حذراً".

وقال كيربي الأحد، إن بايدن كان واضحاً أنه سيتحرك لحماية الجنود الأميركيين، و"بالنظر إلى سلسلة الهجمات المستمرة التي تشنها الجماعات المدعومة من إيران والتي تستهدف المصالح الأميركية في العراق، وجّه الرئيس بمزيد من العمل العسكري لعرقلة مثل هذه الهجمات وردعها".

وسيلة للضغط ومناورة

تتزامن هذه الضربات مع مرحلة حاسمة للمحادثات غير المباشرة الجارية في فيينا بشأن إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والقوى الدولية، بعد انسحاب واشنطن منه في ظل الإدارة السابقة بقيادة دونالد ترمب، وتراجع إيران عن كثير من التزاماتها النووية التي ينص عليها الاتفاق.

وتأتي الضربات بعد أسبوع من انتخاب إيران رئيساً جديداً ينتمي إلى الجناح المتشدد، يترقب المتابعون سياساته حيال البرنامج النووي، كما تسبق الجولة السابعة من المحادثات النووية المقرر عقدها يوليو (تموز) المقبل، التي تشهد بعض العثرات في ظل خلافات لا تزال قائمة بين واشنطن وطهران بشأن عديد من الأمور، لا سيما رفع العقوبات الأميركية القاسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تستخدم طهران، التي تكبدت خسائر هائلة نتيجة سنوات من العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها واشنطن ضدها، الميليشيات التي تعمل بالوكالة في العراق لتكثيف الضغط على الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى، للتفاوض على تخفيف هذه العقوبات كجزء من إحياء محتمل للاتفاق النووي لعام 2015. ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، يقول مسؤولون عراقيون وأميركيون إن إيران اتجهت للاعتماد على هجمات الطائرات المسيرة لتقليل الخسائر إلى الحد الأدنى لتجنب دفع الولايات المتحدة إلى الانتقام.

وفي المقابل، يرى مراقبون أن الضربات الأميركية ربما تشكل اختباراً مبكراً للرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي، الذي يتولى منصبه في أغسطس (آب) المقبل، وينظر إليه على أنه زعيم أكثر تشدداً من الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني. كما أن حقيقة ضرب الولايات المتحدة وكلاء إيران خارج البلاد، يمكن أن تمنح كلا الجانبين قدرة معقولة على المناورة لتجنب تصعيد التوترات.

الجدول الزمني للمحادثات

وتقول شبكة "بلومبيرغ" الأميركية إنه لم يتضح على الفور ما إذا كانت الضربات الجوية ستؤدي إلى تأجيل اجتماعات فيينا، لكنها ليست المرة الأولى التي تنفذ فيها إدارة بايدن مثل هذه الخطوة. فمهما كانت حسابات رئيسي، فمن المرجح أن تكون الضربات الأميركية الأخيرة وتلك التي حدثت في فبراير، أقل استفزازية بكثير من قتل سليماني، الخطوة التي أثارت مخاوف من انتقام إيران عبر أنشطة الوكلاء أو حتى حرب أوسع بين إيران والولايات المتحدة. ومع ذلك تشير الشبكة إلى أن الخطر الأكبر ربما يتعلق بالجدول الزمني للمحادثات النووية.

وحتى قبل التوترات العسكرية الأخيرة، لم تجدد إيران اتفاقاً مؤقتاً يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة المواقع النووية لديها، ما زاد من احتمالية حذف معلومات التخصيب الحساسة وتعقيد المفاوضات الأوسع في فيينا. وأمس الأحد، أفادت وكالة "رويترز" نقلاً عن وسائل إعلام إيرانية رسمية، بأن رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، قال إن طهران لن تقدم أبداً صوراً من داخل بعض المواقع النووية، إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأن اتفاق التفتيش مع الوكالة انتهى أجله. وأضاف "الاتفاق انتهى أجله... لن يتم تسليم أي من المعلومات المسجلة للوكالة الدولية للطاقة الذرية أبداً، وستبقى البيانات والصور في حوزة إيران".

وأبرمت الوكالة الدولية وإيران اتفاقاً مدته ثلاثة أشهر في فبراير لتخفيف أثر تقليص إيران تعاونها مع الوكالة. وأتاح الاتفاق استمرار مراقبة بعض الأنشطة بعدما كانت ستُوقف. وبموجب الاتفاق المؤقت الذي جرى تمديده في ما بعد لمدة شهر في 24 مايو (أيار)، يستمر جمع البيانات بنظام داخلي ولا تستطيع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوصول إليها إلا لاحقاً.

والجمعة قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن أي تقاعس من طهران في تمديد الاتفاق سيمثل مصدر قلق شديد على المفاوضات الأوسع نطاقاً لإحياء الاتفاق النووي. كما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول في الخارجية الأميركية، لم تكشف هويته، أن من بين المعوقات في طريق إعادة إحياء اتفاق (5+1)، إخفاق طهران حتى الآن في إبرام اتفاق توسيع دائرة المراقبة على أنشطتها النووية.

قضايا عالقة

وقال الأطراف المشاركون في محادثات فيينا، التي بدأت في أبريل (نيسان)، إن ثمة قضايا رئيسة ما زالت بحاجة إلى حل قبل إحياء الاتفاق النووي. فبحسب مسؤولين من إدارة بايدن تحدثوا لوسائل إعلام أميركية، خلال الأيام الماضية، تصر طهران على ضمان عدم انسحاب أي إدارة أميركية مستقبلية من الاتفاق، مثلما فعل ترمب، وهو أمر لا يستطيع الرئيس جو بايدن تقديمه.

في المقابل، طلبت الإدارة الأميركية من إيران الموافقة بشكل صريح على تعميق وتوسيع أطر الاتفاق النووي، ومناقشة برنامجها الصاروخي العسكري والأنشطة المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها "قوى وكيلة لطهران" في عدد من بلدان المنطقة، وهو ما يرفضه الإيرانيون.

ويقول مسؤولون أميركيون إن إيران، التي تُخصب اليورانيوم بما يتجاوز المستويات المتفق عليها في الاتفاق النووي، يجب أن تتخذ الخطوة الأولى للعودة إلى الامتثال لاتفاق 2015. ويعتقد مراقبون أنه يمكن للضربات الأميركية أن تخمد مؤقتاً الانتقادات داخل الولايات المتحدة، لا سيما من الجمهوريين، بأن جهود إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاق جديد مع إيران تمثّل استسلاماً لطهران بعد سنوات كثف فيها ترمب الضغط على الإيرانيين.

وعلق المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، على الضربات قائلاً، إن "الضربات الأخيرة جزء من غطرسة الولايات المتحدة وليس من مصلحتها زعزعة أمن المنطقة". لكن كبار مساعدي بايدن قالوا أيضاً إنهم يريدون تجنب اللكمات الخطابية الغاضبة والتهديدات الانتقامية التي غالباً ما انخرط فيها ترمب مع إيران ووكلائها في العراق، وتجنب تصعيد التوترات مع طهران.

وكانت الضربات الجوية في فبراير ضد الميليشيات نفسها أيضاً استجابة عسكرية محدودة نسبياً ومحسوبة بعناية، إذ أسقطت سبع قنابل على مجموعة صغيرة من المباني عند معبر غير رسمي على الحدود السورية العراقية يستخدم لتهريب الأسلحة والمقاتلين.

المزيد من تقارير