Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جلسات النرجيلة الطويلة وراء انجراف المراهقين نحو الإدمان

هناك ثقافة مغلوطة منتشرة بأن الشيشة الإلكترونية هي أقل ضرراً

التبغ يودي بحياة أكثر من 8 ملايين نسمة سنوياً في أنحاء العالم (أ ف ب)

موضة جديدة دخلت مصر وازدادت خلال السنوات العشر الأخيرة، وعرفت بـ "الشيشة الإلكترونية"، لتحتل الصدارة في الأسواق بديلاً عن النرجيلة، ينجرف وراءها المراهقون، بل تعدى الأمر في بعض الأحيان إلى تشجيع أولياء الأمور لأبنائهم عليها، بسبب انتشار معلومات مغلوطة بأنها البديل الآمن للسجائر والشيشة التقليدية.

وبحسب تقرير صادر من منظمة الصحة العالمية، "فإن التبغ يودي بحياة أكثر من 8 ملايين نسمة سنوياً، بينهم أكثر من 7 ملايين يتعاطونه مباشرة، ونحو 1.2 مليون من غير المدخنين يتعرضون لدخانه لا إرادياً، وتؤكد في تقريرها أن السجائر والنرجيلة الإلكترونية خطرة، خصوصاً عندما يستخدمها الأطفال والمراهقون، فالنيكوتين يسبب الإدمان بدرجة عالية، في حين يظل نمو الدماغ مستمراً لدى الشباب حتى منتصف العشرينيات من العمر".

الشيشة الإلكترونية

وفي إحصاء لها أشارت إلى "تعرض الشباب لإعلانات السجائر الإلكترونية، القطاع الذي يستثمر أكثر من 9 مليارات دولار أميركي سنوياً للدعاية لمنتجاته، وما فتئت صناعة التبغ تستهدف بشكل متزايد الشباب بدفعهم إلى استهلاك منتجات النيكوتين والتبغ، محاولة بذلك تعويض 8 ملايين شخص من الذين تفتك منتجاتها بأرواحهم سنوياً".

الأربعينية هدى المحمدي، صاحبة مركز تجميل بحي الهرم في محافظة الجيزة، تقول "إنها اشترت بنفسها الشيشة الإلكترونية لابنها الطالب الجامعي بالسنة الأولى، بعد أن لاحظت أنه يدخن النرجيلة من دون علمها، في اعتقاد منها أنها بديل آمن للشيشة كما سمعت عنها".

أما أحمد جمال، طالب بالصف الثالث الثانوي، يقول "إن الشيشة الإلكترونية منتشرة في النادي وبين أصدقائي وحتى البنات أيضاً يدخنونها، تجذبهم رائحتها التي تتميز بالعديد من الفواكه"، ويضيف ضاحكاً (روشة وطعمها جامد عشان كده بنحبها)، وبالنسبة إلى الأضرار فيؤكد أنه "ليس لها أضرار بحسب علمه".

في المقابل، أوضحت الصحة العالمية في تقريرها "أنه تم الترويج خلال السنوات الأخيرة لمنتجات التبغ المسخنة على أنها منتجات أقل ضرراً أو عن قدرتها على مساعدة الأشخاص في الإقلاع عن تدخين التبغ التقليدي"، مؤكدة "أن شأنها شأن جميع منتجات التبغ الأخرى، فهي سامة بطبيعتها وتحتوي على مواد مسرطنة، ويجب أن تعامل مثل أي منتج تبغ آخر عندما يتعلق الأمر بوضع سياسات بشأنها، وهي منتجات يتولد عنها بخاخ يحتوي على النيكوتين ومواد كيماوية سامة تنطلق عند تسخين التبغ أوتنشيط جهاز يحتوي على التبغ".

ويلفت التقرير إلى "أن المتعاطين يستنشقون هذا البخاخ أثناء عملية الامتصاص أو التدخين بواسطة جهاز، ويحتوي هذا الرذاذ على مادة النيكوتين المسببة للإدمان الشديد، ومواد مضافة أخرى غير التبغ، وغالباً ما تكون معززة بنكهات".

ويشير التقرير إلى "أن الشيشة الإلكترونية تعرض المتعاطين لانبعاثات سامة، ما يسبب الكثير منها السرطان، وأكدت أنه لا يوجد حالياً بينات كافية تفيد أنها أقل ضرراً من السجائر التقليدية، ولا تتوفر أيضاً الأدلة الكافية في الوقت الراهن على آثار الانبعاثات على غير مستخدميها، على الرغم من أن الانبعاثات من هذه المنتجات تحتوي على مواد كيماوية ضارة".

ثقافة مغلوطة

أستاذ الباطنة بالمعهد القومي للكبد والمستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء الطبيب عز العرب، يكشف أن هناك ثقافة مغلوطة منتشرة في مصر بأن الشيشة الإلكترونية هي بديل آمن للنرجيلة التقليدية، "وذلك عارٍ تماماً من الصحة بل خطرها كبير، لأن المصدر الحراري يتفاعل مع المواد السائلة، والاستنشاق الحراري هذا خطره بالغ على خلايا الجهاز التنفسي"، لافتاً إلى "أن الدراسات إلى الآن ليست كافية، فلابد من أن تمر بمراحل عدة، منها دراسات سريرية وفحوص من خلال الأشعة الصدرية المختلفة، ودراسة للحالات في ما بعد الوفاة، لذا لا يمكن الاستناد إليها باعتبارها آمنة، فلازلنا في مرحلة الملاحظات والمشاهدات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي محاولة لتقنين وضع دخول الشيشة الإلكترونية إلى مصر التي اتخذت طرقاً غير مشروعة، مما أدى إلى تلاعب التجار بالمواصفات والمواد الداخلة في تكوينها لتؤدي إلى ضرر أشد، أصدرت الهيئة المصرية للمواصفات والجودة التابعة لوزارة التجارة والصناعة في منشور رسمي لها المواصفات القياسية للسائل الإلكتروني المستخدم في الشيشة الإلكترونية، ونشرت في الجريدة الرسمية في مارس (آذار) 2019، وتتماشى تلك المواصفات مع المعايير العالمية للسائل الإلكتروني، واعتمدت الهيئة في ذلك التوجيه الأوروبي كمرجع رئيس.

وفي ظل هذا التزايد الملحوظ، وضعت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في مايو (أيار) 2016 قاعدة تضع منتجات البخار تحت ولايتها القضائية، حرصاً منها على أن تكون السجائر الإلكترونية منتجاً مناسباً لحماية الصحة العامة، إذ إن هذه القاعدة تجبر المصنعين على تقديم معلومات حول التكوين والتصميم وعملية التصنيع المرتبطة بالمنتج.

ارتفاع استهلاك الدخان لدى المراهقين في لبنان

مرّت حضارات كثيرة على لبنان، ودخلت النرجيلة هذا البلد خلال ما مرّ عليه من شعوب، وهناك من ينسبها إلى العهد الفارسي، وآخرون إلى العهد العثماني، ومنذ مطلع القرن الـ 20، أصبحت النرجيلة تستقطب عدداً كبيراً من المواطنين خصوصاً مع انتشار المقاهي في مناطق بيروتيّة عدة أبرزها مقهى "البرجاوي" في منطقة طريق الجديدة، ومقهى "الوجداني" في محطة المزرعة، وفي ساحة رياض الصلح، مقهى "اللعازارية"، ومقهى "البرج" حيث شُيّد جامع الأمين في ساحة الشهداء، ومقهى "الشرق"، وأيضاً مقهى "الفردوس"، ومقهى "الجمهورية"، ومقهى "الجميزة".

وانتشرت في منتصف الخمسينيات مقاهي الرصيف تحديداً في منطقة الحمراء، بعد انتعاش المنطقة تجارياً وسياحياً، وهي اليوم لا تزال منتشرة باعتبار أن النرجيلة منعت في الأماكن المغلقة.

كان أهالي بيروت تحديداً يفتخرون باقتناء النراجيل

وكان سكان مدينة بيروت وأصحاب المدينة في السابق يقدمون نوعين من التبغ، لا سيما "العجمي" والمنكّه، وانتشرت لاحقاً أنواع التبغ الأخرى كـ "المعسّل" لا سيما بين المراهقين، وكان أهالي بيروت تحديداً يفتخرون باقتناء النراجيل التي كانت عادة صباحية يتجمع حولها الكبار والصغار. ولم تكن النرجيلة محتكرة فقط على أهالي بيروت بل أيضاً انتشرت في مناطق عدة كطرابلس (شمال)، وصيدا (جنوب)، والبقاع (شرق)، أما اليوم، فقد أصبحت النرجيلة تعتمد كوسيلة ترفيهية خصوصاً بين المراهقين.

وفي هذا السّياق، يقول الشاب عمر كبارة (17 سنة)، إنه "لا يمكنه الخروج من المنزل أو الذهاب للقاء أصدقائه من دون أن تكون النرجيلة رفيقته خصوصاً بعد انتشار جائحة كورونا"، مشيراً إلى أنه يقوم بتدخين النرجيلة أربع مرات يومياً.

كما تشارك الطالبة ميرنا حرب، (19 سنة)، أصحابها، النرجيلة، في أحد مقاهي بيروت، خصوصاً خلال أوقات الفراغ في الجامعة.

ارتفاع استهلاك الدخان لدى المراهقين

وبالنسبة للنتائج التي توصّلت إليها دراسة وطنية ممثلة في الجامعة الأميركية في بيروت، وهي دراسة تعود إلى بداية عام 2020، وفيها إحصاءات وأرقام عن عيّنة تم اختيارها من بين مجموعة من القاطنين في بيروت وضواحيها، واللافت في هذه الدراسة التي لم يتم التدقيق بها، ولم تنشر، ولم تعتمد أرقامها بشكل نهائي، أنها تشير الى أن نسبة المدخنين من المراهقين، مرتفعة جداً، وتصل لدى الذكور إلى 45 في المئة، وعند الإناث إلى 25 في المئة. ونتيجة لتدهور الأحوال المعيشية والمشكلات التي ضربت المجتمع اللبناني، كل التقديرات تشير إلى ارتفاع هذه النسبة لدى المدخنين الصغار 10 في المئة، أي أصبحت لدى الذكور تتخطى 50 في المئة، ولدى الإناث تتخطى 30 في المئة.

ويثير هذا الموضوع القلق لأن من الواضح، هناك في لبنان، أنواع أخرى من التدخين، لا سيما السيجار، و"المدواخ" غير المصرّح باستخدامه من قبل وزارة الصحة أو من إدارة حصر التبغ والتنباك، وتزايد الطلب على كل هذه الأنواع خصوصاً مع أزمة كورونا.

ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ

وعن ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ المؤﺛﺮﺓ لإقدام المراهقين على التدخين، يشير الأخصائي في العمل الاجتماعي رائد محسن إلى أن "الأسباب عدة، بدءاً بالعامل العائلي، إذ يكون المثال الأعلى في المنزل، أي الأهل، الذين يحتذى بهم، من المدخنين، الذين يمنعون أولادهم من التدخين أو يفضلون في بعض الأحيان أن يستبدلوا السيجارة بالنّرجيلة اعتقاداً منهم أنها أقل ضرراً. أما العامل الثاني، فهو التأثير المجتمعي، إذ باتت النرجيلة مصدراً للترفيه والتسلية بين الأصدقاء".

ويشير محسن إلى أن "عادة التدخين موجودة في لبنان منذ زمن"، معتبراً أنها "من العادات اليومية السيئة التي تأتي من الفراغ لأنها ليست مقتصرة على سهولة إشعال السيجارة بل التحضير للجلسة والتسكع، والدليل وجود فراغ كبير في حياة المراهقين والمراهقات، وقتل الوقت، وليس فقط تمضية الوقت، بالتالي النرجيلة هي أحد مظاهر الحياة الفارغة المضمون. إلا أن المشكلة اليوم تكمن في المجتمع، إذ باتت تشكل نوعاً من الهاجس أو الإدمان خصوصاً أنها تُشعر الفرد بنوع من السعادة بسبب مادة النيكوتين، وهي عادة خطيرة ومضرة".

المزيد من صحة