Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طفل أفغاني قطع آلاف الأميال سيرا على الأقدام هربا من طالبان

أثار احتمال بسط حركة طالبان سلطتها على أجزاء أكثر من البلاد من تلك التي تسيطر عليها حاليا قلقا هائلا ودفع بالعديد من المواطنين إلى البدء بعملية الرحيل

عبيد الله البالغ من العمر 13 سنة، صحبة والده في تركيا. استطاع هذا الطفل الفرار من قبضة طالبان ومغادرة أفغانستان بمساعدة "مهربين" (ماري تايهون وهانس لوكاس) 

في البداية طلبوا خبزاً. وعند مجيئهم ثانية، طلبوا الحليب. ثم عاد مقاتلو طالبان الذين يتعدون على قرية داندي غوري، حيث تقطن عائلة محمد الله قنداري في أفغانستان، وطالبوا بأخذ عبيد الله، ابنه البالغ من العمر 13 عاماً. أرادوا أن يرغموه على الانخراط في صفوفهم كمقاتل.

تلى ذلك الحادث تبادل رسائل خائفة بين قنداري من جهة، الذي يسكن وحده في إسطنبول ويحاول تأمين لقمة العيش من خلال عمله في الخياطة، وعائلته في مسقط رأسه من جهة أخرى. والاتصالات الهاتفية مشوشة والكهرباء نادرة في مقاطعة باغلان الريفية. كانت الرسائل النصية المتبادلة بين الطرفين مقتضبة. لكن فحواها واضحة. على عبيد الله أن يهرب، ويذهب ليسكن مع والده في تركيا، كي لا يصبح واحداً من الأطفال الأفغان الكثر الذين يرغمون على القتال والموت من أجل حركة طالبان. 

حول قنداري معظم مئات الدولارات القليلة التي ادخرها خلال أشهر إلى عائلته لكي تدفعها للمهربين. وودع القروي الصغير الهزيل والخجول والدته وإخوته وهو يبكي، وبدأ الرحلة الطويلة التي قام بها ملايين الأفغان خلال العقود الأخيرة الماضية، فغادر بلاده هرباً من الحرب والمعاناة.

ويقول قنداري وهو يجلس داخل وكالة سفريات في إسطنبول يستخدمها الأفغان من مقاطعة باغلان الشمالية مكاناً للالتقاء "إنها رحلة خطيرة جداً. دمروا منزلاً قريباً من منزلي قبل أيام فقط لأن الأسرة رفضت طلبهم. لم يكن أمامنا أي خيار آخر. أرادوا اقتياد ابني".

بعد عقدين في أفغانستان، تتجه القوات الأميركية والدولية نحو الانسحاب من البلاد، وتعمل على إخراج جنودها قبل حلول المهلة النهائية في 11 سبتمبر (أيلول). رحب أفغان كثر بهذه الخطوة، بسبب توقهم لمغادرة الجنود الأجانب بلادهم. لكن احتمال بسط حركة طالبان سلطتها على أجزاء أكثر من البلاد من تلك التي تسيطر عليها حالياً أصبح مصدر قلق هائل ودفع بالعديد من المواطنين إلى البدء بعملية الرحيل، أو التخطيط لها.

بدأت طالبان التي ازدادت جرأة بسبب قرب انسحاب القوات الدولية كذلك بزيادة اعتداءاتها على القوات الحكومية وفرضها نسختها القاسية من الإسلام في المناطق التي تسيطر عليها، مما يدفع المزيد من الناس للمغادرة. 

أكثر من 2.5 مليون أفغاني حول العالم مسجلون كلاجئين لدى الأمم المتحدة، ويشكلون ثاني أكبر تجمع للمهجرين الدوليين. ويتركزون في باكستان وإيران لكن أعداداً متزايدة منهم تشق طريقها في اتجاه تركيا التي تعتبر محطة في رحلة الهجرة نحو أوروبا الغربية. ويعتقد أن 200 ألف أفغاني يسكنون في تركيا. 

أسفر اقتراب انسحاب القوات الدولية، ومعه، احتمال استيلاء طالبان على البلاد، عن ارتفاع في حركة الهجرة من أفغانستان، بحسب وصف المدافعين عن اللاجئين الأفغان. ويقول هؤلاء إن أعداد اللاجئين الذين يصلون إلى إسطنبول وحدها قد تضاعفت خلال الأشهر الستة الماضية لتبلغ نحو 10 آلاف، مقارنة بأربعة أو خمسة آلاف خلال الأشهر الستة التي سبقتها. 

ويقول إدريس عطار، نائب رئيس اتحاد الجمعيات الأفغانية الذي يشكل مجموعة عامة تنسق النشاطات بين مختلف الجمعيات الخيرية التي تساعد الأفغان في تركيا: "يفد مزيد من الناس إلى هنا- قادمين من مزار الشريف وكابول وكل المقاطعات. يتملكهم الخوف من الحرب ويعانون من قلة الوظائف وسوء الاقتصاد. يعثرون على مهربين يوصلونهم إلى هنا".

ولا يرحل عن أفغانستان أفقر ناسها وأكثرهم يأساً فقط. بل يسعى المقتدرون كذلك للفرار خشية من زيادة كبيرة في النزاع المسلح باعتقادهم، قد تؤدي إلى استيلاء حركة طالبان على السلطة مجدداً. كانت الحركة المحافظة المتطرفة التي تتألف من مجموعة متفرقة من الجماعات الإسلامية المتشددة تسيطر على البلاد بين 1996 و2001، وهي أسوأ حقبة في تاريخ أفغانستان في رأي كثيرين. 

بدأت أسرة فردوس ناوزاد تفكر في الرحيل عن أفغانستان خوفاً مما قد يحدث للبلاد فور مغادرة القوات الدولية أراضيها. (أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن خطة سحب جنود الحلفاء للمرة الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتستمر التحضيرات في هذا الإطار في ظل حكم خلفه، جو بايدن).

إنما طفح الكيل حين انفجرت سيارة بالقرب من منزل عائلة ناوزاد في العاصمة الأفغانية في نهاية العام الماضي. ويقول ناوزاد، 26 عاماً، الذي درس علوم الحاسوب في الهند ويتكلم الإنجليزية بطلاقة "كان قريب جداً منا".

استخدمت العائلة مدخراتها من أجل شراء شقة، مما يعطيها تلقائياً صفة المستثمر وإقامة. ويقول "سوف أحضر إخوتي وأخواتي إلى هنا، واحداً تلو الآخر".

ويضيف "قد يتحسن الوضع في أفغانستان وقد يسوء. والخوف هو أن الولايات المتحدة تغادر البلاد والناتو يغادرها، والحكومة ستنهار في غضون أسبوعين. سواء صح ذلك أم لم يصح، هذا هو مصدر القلق النفسي".

وتقول سيدة أفغانية تبلغ من العمر 20 عاماً طلبت عدم نشر اسمها، إنها هربت إلى تركيا برفقة ابنتها ذات السنوات الثلاث بعد مقتل زوجها في انفجار سيارة مفخخة ومطالبة أهل زوجها المرتبطين بطالبان أن تتزوج أحد إخوته.

كانت تدرس التمريض في كابول وتأمل في تأسيس مسيرة مهنية في تركيا.

وصلت السيدة البالغة من العمر 20 عاماً إلى تركيا برفاهية نسبية، وهي تحمل تأشيرة دخول، على متن رحلة خطوط الطيران الأفغانية أريانا إلى إسطنبول. لكن عبيد الله اضطر، مثل معظم الأفغان، أن يقطع الرحلة الطويلة الخطيرة التي تبلغ 3500 ميل براً.

إن الرحلة شعبية، وهي مربحة بالنسبة للمهربين. يقوم الآلاف بهذه الرحلة يومياً، وقد نشأ قطاع متخصص كامل يتألف من مهربين ينقلون الأفغان إلى إيران أو تركيا- ويروج البعض لخدماتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي- ويطلبون أتعاباً تصل إلى 10 آلاف دولار أميركي، ويقطعون وعوداً بإيصال المهاجرين حتى ألمانيا.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد سفره من باغلان إلى كابول، شق عبيد الله طريقه إلى نمروز، نقطة انطلاق المهاجرين غرباً من جنوب شرقي أفغانستان. ودفع للمهربين لكي يدخلوه خلسة إلى باكستان.

استغرق مرور عبيد الله عبر الأراضي الباكستانية نحو أسبوع، وسار في الأراضي الجبلية. كان الطعام والمياه النظيفة شحيحين، بينما المسار وعر عبر المنحدرات الجبلية الخطيرة. وتسير قوات مراقبة الحدود الباكستانية كما الحرس الثوري ورجال القبائل البلوشية وعصابات المخدرات المسلحة دوريات على الحدود مع إيران، وتتربص بالمهاجرين.

"يطلقون النار بلا تردد" كما يقول قنداري.

لكن الحظ حالف عبيد الله، واستطاع أن يقطع البلاد بلا ضرر يذكر. وفي إيران، اندمج بسهولة مع الجاليات الأفغانية الكبيرة التي سكنت إيران لعقود طويلة. وأمضى أسابيع طويلة وهو يعبر البلاد الشاسعة. 

وعانى خلال رحلته من أجل إيجاد مياه يشربها وطعام يكفيه. ونام في الهواء الطلق أو في أكواخ بدائية حضرتها شبكات المهربين. 

في أوائل أبريل (نيسان)، وصل الحدود الإيرانية التركية في منطقة أروميه، لتبدأ عندها أخطر مرحلة من رحلته. سار الفتى الصغير والهزيل وساعده اللاجئون الأكبر سناً لكي يشق طريقه على ضوء القمر. تضم المنطقة الحدودية مجموعات من الذئاب البرية، إضافة إلى حرس الحدود الإيرانيين والأتراك. 

فجأة، أطلق الحراس الأتراك النار، ويزعم أنهم أصابوا أحد المهاجرين الأفغان في مجموعة عبيد الله. ساد الذعر في المجموعة وفر كل شخص في اتجاه مختلف.  

انفصل الفتى عن الآخرين، ووجد نفسه تائهاً ووحيداً بلا وسيلة اتصال بوالده. حدث ذلك في مطلع الربيع، وكان الليل بارداً وماطراً. وعلا عواء الذئاب. غالباً ما يجد المهربون عظام المهاجرين على المسار. 

ويفيد تقرير أصدرته مجموعة أبحاث الهجرة، وهي منظمة مقرها في تركيا، في عام 2021 بتمويل من سويسرا "حين يهجم حرس الحدود، يركض اللاجئون للاختباء في الجبال. ويختبئون أحياناً وراء الصخور لكي يقضوا الليل إلى أن يجدهم مهرباً ويقوموا بمحاولة عبور أخرى. وللأسف، تقع معظم الوفيات خلال فترة الانتظار في السر، إذ إما يموتون من الصقيع أو تهاجمهم الحيوانات البرية".

تلك الليلة، اتصل المهربون بقنداري لينقلوا له أنباء سيئة. تاه عبيد الله. ويقول قنداري: "اعتقدته ميتاً. وفكرت، كيف سأتصل بزوجتي لأخبرها بذلك؟".

قام قنداري بالرحلة الخطيرة قبل ذلك بسنتين. اتجه في البداية إلى إيران، في محاولة للعمل وإرسال بعض المال إلى أسرته. لكن العقوبات الأميركية أضرت بالاقتصاد الإيراني بشكل كبير، فلم يجد عملاً مفيداً فعلاً. لذلك انتقل إلى تركيا وإسطنبول، حيث وجد مسكناً وشبه جالية في مقاطعة زيتينبورنو، وهي منطقة مليئة بمؤسسات أفغانية وسكان أفغان. وفقاً لدراسة أعدتها المنظمة العالمية للهجرة، يعتقد أن 35 ألف أفغاني يسكنون هذه المقاطعة فقط.

وبحسب تقرير شبكة محللي أفغانستان: "فإن هذا القسم من إسطنبول هو نسخة مصغرة عن أفغانستان. تضم متاهة الشوارع قرب جادة 58 المركزية لافتات تجارية منها مركز بلخي،  ومحل لوغاري للاتصالات ومطعم قندز".

لكن خلافاً للهاربين من سوريا، لا يحظى اللاجئون الأفغان بأي دعم رسمي أو وضع قانوني في تركيا ويعيشون حياة غير مستقرة في الخفاء، ويعيشون على أجور متدنية يكسبونها من السوق السوداء. 

في مارس (آذار) 2020، حين سمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمهاجرين في تركيا بالعبور إلى اليونان، اتجه قنداري نحو الحدود، حين خيم في الهواء الطلق لمدة شهر قبل أن يشق طريقه عبر نهر ماريستا (أو أيفروس) الضيق الذي يفصل تركيا عن الاتحاد الأوروبي. 

أمسكه حرس الحدود اليونانيون، وضربوه ثم أعادوه عبر المياه إلى تركيا حيث قضى الأشهر التالية في محاولة إعادة بناء حياته.

ترحل السلطات التركية مئات الأفغان إلى أفغانستان، لأنها وصلت إلى طاقتها الاستيعابية القصوى بعد تدفق السوريين والأفغان والعراقيين والإيرانيين وغيرهم إلى البلاد، هرباً من الحرب والفقر والقمع في بلدانهم. في عام 2019 وحده، أعادت تركيا 40 ألف أفغاني إلى أفغانستان.

ويقول عطار "لا يتوفر للأفغان سوى خدمات قليلة جداً. يعتبر وجود كافة الأفغان هنا تقريباً غير شرعي. ووجود عائلاتهم غير شرعي. والأطفال غير شرعيين، فلا يمكنهم ارتياد المدارس. يقرر معظمهم في النهاية الذهاب إلى أوروبا عندما لا يفلحون في إيجاد عمل هنا".

خلال شهر رمضان هذا العام، استطاعت منظمة عطار أن تجمع بعض التبرعات، وقدمت معونات مجانية من أرز وسكر وزيت طهي لثلاثمئة عائلة أفغانية في تركيا. لكن الأفغان يهتمون ببعضهم البعض إجمالاً، لا سيما أولئك الذين قدموا من المناطق نفسها من بلدهم. 

في الصباح التالي لليوم الذي تاه فيه، حالف الحظ عبيد الله مجدداً. إذ وجده مهاجر أفغاني آخر يقطع الجبال قرب فان، وأشفق على الفتى الصغير الهزيل المبلل، والذي يرتجف برداً تحت السترة التي لفها حوله، فلازمه فيما عبرا الطريق نحو إسطنبول. 

نحو 20 أبريل (نيسان)، تلقى قنداري اتصالاً هاتفياً على جواله من رقم مجهول. وجد رجل تركي عبيد الله وحيداً عند موقف باصات في مدينة إزميت، التي تبعد نحو 60 ميلاً عن زيتينبورنو. تحدث قندراي مع ابنه وطلب منه عدم التحرك من مكانه. وقضى الساعات القليلة التالية في طريقه إليه.

فيما تعانق الأب والابن، غمرتهما مشاعر الارتياح والفرح. ويتذكر قنداري بمحبة: "كنت سعيداً. كنت في غاية السعادة لأنه كان معي فيما ظننته ميتاً".

ويقول قنداري، إنه سيحاول إرسال عبيد الله إلى المدرسة العام المقبل، إنما عليه أولاً إيجاد طريقة لتعليمه بعض التركية. في الوقت الحالي، يسعى عبيد الله إلى العثور على عمل كأجير في مصنع نسيج. ويستيقظ ليلاً وهو يرتجف مذعوراً من الكوابيس التي تراوده حول رحلة الخمسين يوماً المخيفة التي قام بها.

مع اقتراب موعد انسحاب القوات الأميركية، واحتمال تصاعد الحرب، تخلى قنداري عن أمل العودة إلى أفغانستان. وهدفه التالي هو إحضار زوجته وأبنائه الأربعة الأصغر سناً وابنته إلى إسطنبول، وهو يخشى أن ابنته لن تتمكن من ارتياد المدرسة إن سيطر الطالبان على قريتهم كلياً. ويقول "إنهم طالبان. الطالبان! لقد دمروا البلاد بأسرها".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات