Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يحق لك رفض تلقي اللقاح؟

بين الحرية الشخصية والجريمة الجنائية يقف ممانعو التحصين من فيروس كورونا

طفل يرفع لافتة ترفض تلقي اللقاح في مظاهرة تزعم أنه مسبب للأمراض في السويد (غيتي)

نعود بكم إلى بداية اندلاع جائحة كورونا نهاية عام 2019، عندما بدأت تتصاعد أرقام الإصابات في الصين ومن ثم بقية أنحاء العالم، ولم يتوفر أي علاج أو لقاح يقي منه، فأخذت الدول على عاتقها حماية مواطنيها بفرض عديد من البروتوكولات الوقائية على الحياة الاجتماعية والأنشطة الاقتصادية، وبدأت فرق من العلماء والباحثين الانكباب على البحوث والتجارب بدعم من الحكومات والمؤسسات الخيرية للوصول إلى لقاح ينقذ البشرية، وسط ترقب من العالم لبصيص أمل للخروج من هذا الكابوس، والتحرر من إجراءات الإغلاق التي فرضتها الجائحة.

وما بين انتظار وترقب، حصلت انفراجة في الأزمة بعد ما يقارب العام بفضل الاستثمار غير المسبوق في الأبحاث والتطوير والتعاون الدولي، إذ أعلنت منظمة الصحة العالمية عن اعتماد تسعة لقاحات من بين خمسة وثلاثين لقاحاً بعد ثبات مأمونيتها وفعاليتها من خلال التجارب السريرية الواسعة، وبدأ توزيع اللقاحات بين دول العالم، وأطلقت الحكومات حملات تحصين مجانية لحماية سكانها مستخدمة لقاحات أبرزها "فايزر بيونتيك" الأميركي الألماني، وأكسفورد "أسترازينيكا" البريطاني، و"سبوتنيك" الروسي و"سينوفارم" الصيني.

وبحسب الأبحاث فإن كل دولة تحتاج إلى تطعيم 70 في المئة من إجمالي سكانها من أجل الوصول للمناعة المجتمعية لوقف انتشار المرض، لكن جهود الحكومات وحدها غير كافية، فلا تستطيع التخلص من هذا الفيروس، وتحتاج إلى تكاتف شعوبها معها.

ثقافة رفض اللقاح

وما إن بدأت حملات التحصين إلا وخرج في كل دولة من يرفض هذه اللقاحات ويشن حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تحذر منها بمعلومات وإشاعات مضللة.

حالة رفض اللقاح ليست ظاهرة جديدة فلها جذور تاريخية على مر العصور، فمع ظهور أي لقاح جديد تبدأ حملات التشكيك فيه ويكون رفضه مبنياً غالباً على أسس غير علمية، بل رفض لكل جديد ومجهول، رغم أن أول من بادر بأخذ اللقاحات هم رؤساء الدول والعاملون الصحيون في الخطوط الأمامية.

تحدث نواف الدعجاني، استشاري الأمراض المعدية لدى الأطفال بمستشفى الملك فيصل التخصصي، عن رافضي اللقاحات والمشككين بوصفها مسببة للأمراض الحديثة التي يمر بها العالم، وقال "بعض الناس بطبيعتهم ضد مبدأ التطعيم وهم كثر، ومنهم مجموعة كبيرة في الولايات المتحدة الأميركية ويسمون (antivaxxer)، يزعمون أن الأمراض الحديثة كالسكري والذئبة الحمراء والروماتيزم وغيرها كثير هي نتيجة التطعيمات، إذ لم تكن معروفة من قبل وهؤلاء الأشخاص لهم أتباع كثر في مواقع التواصل الاجتماعي".

وأشار إلى الرافضين الذين تسيطر عليه نظرية المؤامرة والزخم الإعلامي والأفكار الكاذبة الرائجة في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تكثر المعلومات غير الصحيحة، مثل أنها تتسبب في الوفاة أو الشلل أو تغيير في التركيبة الجينية أو أمراض تصيب الجهاز العصبي. 

وتحدث الاستشاري عن المجموعة المنكرة المرض من أساسه والمؤيدين نظرية المؤامرة ذات الأهداف المختلفة، وأن "الهلع الموجود مبالغ فيه والفيروس لا فرق بينه وبين الزكام الموسمي، لهذا لا ينبغي أن يكون له تطعيم، وبعضهم يرى أن التطعيم وضع لأجل العائد المادي وليس فعالاً كما يشاع، فيوجد من أصيب برغم أنه أكمل التطعيم".

كورونا تختبر العقد الاجتماعي

لكن السؤال هل تكفل القوانين الحرية للمواطنين بعدم أخذ اللقاح، وكيف نوازن بين ممارسة المواطن حقه في عدم أخذ اللقاح ومسؤوليته الاجتماعية؟

هذا ما تجيب عنه منظمة الصحة العالمية بأنه "من الصعب جداً إجبار أحد على أخذ اللقاح، ولكن لكل دولة التشريعات والقوانين الخاصة بها".

ولكن يقع على الفرد مسؤولية أمام مجتمعه، كما قال جان جاك روسو في نظرية العقد الاجتماعي، أن للمواطن حقوقاً إنسانية يجب أن تقدم إليه، وهو في الوقت نفسه يحمل مجموعة من المسؤوليات الاجتماعية التي يلزم عليه تأديتها ليحرص على التوازن المجتمعي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار الدكتور الرمضي الصقري، رئيس الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية، إلى حرية الفرد في أخذ اللقاح، وقال إن "مستوى الحرية الفردية في موضوع اللقاح ينتهي عند حدود الآخرين، فالحرية أمر مطلوب في حياة البشر ولكن عندما لا تكون حريتك بها ضرر على المجتمع، والهدف من اللقاح هو تخفيف الآثار والأضرار على المجتمع".

رد العلم على المشككين

ويردد الرافضون أخذ اللقاح عبارة "اللقاح يحميك أنت فما شأنك بي"، فيرد عليهم استشاري الأمراض المعدية لدى الأطفال بمستشفى الملك فيصل التخصصي، بأن غير المحصن يكون سبباً في نقل الفيروس من شخص إلى آخر، مما يساعد في تنشيط دورة الفيروس من موسم لآخر.

كما أنه يمكن أن يكون "بيئة خصبة للطفرات الجينية مع كل دورة موسمية"، مضيفاً "اللقاح لا تكون فاعليته مضمونة بالشكل المطلوب من شخص لآخر، ولذلك قد يتضرر الشخص الذي لم ينتج جسمه أجساماً مضادة كافية نتيجة الفيروس، كما أن هذا الشخص الذي يمانع في أخذ التطعيم يجعل الأشخاص الذين لا يستطيعون أخذ التطعيم لأسباب صحية في دائرة الخطر". 

وأكد أنه "إذا زاد عدد الأشخاص غير المطعمين في المجتمع تفشل عملية مناعة القطيع، التي يترتب عليها تطعيم ٧٠ في المئة؜ من المجتمع، وتبقى دائرة الخطر مفتوحة لنشاط الفيروس وحدوث طفرات جينية ونشاط العدوى من موسم لآخر".

الحرية في أخذ اللقاح

وعن إمكانية إجبار الأشخاص على أخذ اللقاح تحدث إبراهيم مؤمن، استشاري العناية المركزة والأمراض المعدية، أنه "لن يكن هناك إجبار بشكل مطلق، لكنه مرتبط بعمل آخر مثل ما نرى الآن بربط السفر به، وبعض أمور الحياة الأخرى".

وقال "هناك لقاحات للأطفال أصبحت ملزمة لمن أراد دخول المدارس العامة، ولقاح الحمى الشوكية ملزم لمن أراد الحج، فحماية المجتمع واجب على الجميع، وللحكومات الحق في وضع الشروط المناسبة لتحقيق ذلك، وهذه الشروط قابلة للتغيير، فعلى سبيل المثال في عام 2014، تفشت الحصبة في ولاية كاليفورنيا ومنها إلى عدة ولايات أميركية أخرى وحتى المكسيك وكندا، ووجد أن أحد أسباب ذلك كانت زيادة نسبة الآباء الذين رفضوا تلقيح أبنائهم وكان اختيارياً قبل ذاك، مما أدى إلى تغيير النظام بجعله إجبارياً للحد من ذلك التفشي".

ويرى استشاري الأمراض المعدية بأن هناك عوامل تحدد إجبارية اللقاح من عدمها، أولها "استجابة الأغلبية لتلقي اللقاح طواعية وتحقيق المنشود بالقضاء على الجائحة، وثانيها عامل الوقت فهو عامل رئيس بقياس ظهور تفشيّات جديدة أو لا من خلاله، فإن لم يحدث فسيحتاج إلى وقت أطول لظهور وتقليل فرص ذلك بالمسارعة في أخذ اللقاح".

اللقاح والقانون

يبدو أن رفضك اللقاح قد يعرضك إلى مساءلة قانونية، فعند الحديث عن المسؤولية المجتمعية والقانونية يتبادر إلى الأذهان سؤال هل من الممكن أن يتعرض من رفض اللقاح وأصيب بكورونا إلى عقوبة جنائية؟

أجاب المستشار القانوني، محمد العزي، بأنه إذا تعمَّد المصاب بكورونا نقل العدوى بالفيروس وتسببت في وفاة مصاب آخر، فإن فعله هذا مثل القتل العمد ويخضع للقصاص "النفس بالنفس".

وإذا لم يتضرر الشخص فهناك عقوبة معينة في الحق العام، وهي غرامة تصل إلى 100 ألف ريال (26 ألف دولار)، وسجن يصل إلى خمس سنوات؛ وذلك لخرقه الاحترازات والتدابير الأمنية.

وأفاد أن "الذي يقتل بالرصاصة أو السكين هو نفسه الذي يقتل بالفيروس، وأن المفرط الذي رفض اللقاح وتسبب بإصابات لآخرين من المجتمع فإن كان عن قصد فهو قتل عمد"، ولهذا يحث الجميع على التقيد بالاحترازات النظامية والوقائية والسعي إلى أخذ اللقاح، لأن ذلك سيكون أقل ضرراً على المجتمع عموماً والأسرة بشكل خاص.

اقرأ المزيد

المزيد من صحة