Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يؤثر تداول السلطات في علاقة إيران بالخليج؟

وجود رئيس معتدل يعزز فرص التقارب وتنحية الخلافات ولو بشكل تكتيكي مرحلي

منذ استيلاء الثيوقراطيين على السلطة في إيران وسياسات البلاد تتأرجح بين اتجاهين، القضاء على التأثير الغربي المتمثل في عداء الولايات المتحدة وحلفائها، والبراغماتية المتجلّية في مفاوضات فيينا النووية، التي يسعى النظام من خلال إنجاحها إلى الخروج من نفق العقوبات الأميركية، وتحسين علاقات طهران مع أوروبا، وهو ما تعهد به الرئيس الإيراني المنتهية ولايته عند انتخابه قبل ثماني سنوات.

ما بين صعود وهبوط

الشاهد هنا أن صعوبة الجمع بين الموقف المعادي للغرب ورغبة الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية تتجلى في علاقات طهران المشوّهة مع جيرانها من دول الخليج التي تحتفظ على مدى عقود بشراكةٍ مزدهرةٍ مع واشنطن. لذلك، بينما تحافظ إيران على تعاون اقتصادي مع بعض الدول الخليجية، وصلت علاقة طهران بعواصم أخرى إلى الحضيض، نتيجة للمصالح السياسية والاقتصادية المتغيرة. ويضيف مراقبون عاملاً آخر هو تداول السلطات بين رجال النظام، إذ عاشت العلاقات الإيرانية - الخليجية تحسناً نسبياً في عهد رؤساء، وهبطت إلى أدنى مستوياتها لدى آخرين.

على سبيل المثال، تحسنت العلاقات الإيرانية مع السعودية، أكبر دول الخليج الست مساحةً، بعد وصول الرئيسين الإصلاحيين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي إلى الحكم، وكانت زيارة رفسنجاني أرفع زيارة لمسؤول إيراني منذ قيام "الثورة الإسلامية الإيرانية". ولم تُسجّل في تلك الفترة أي خلافات أو توترات واضحة بين البلدين، وقد أتى استهداف أبراج الخبر في عام 1996 ليعيد التوتر في العلاقات بين البلدين من جديد.

 وفي عام 2001، وقّع مسؤولو البلدين اتفاقية أمنية تشمل التعاون في مكافحة الجريمة والإرهاب، ضمن زيارة وزير الداخلية السعودي آنذاك، الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز إلى طهران، حيث التقى عدداً من المسؤولين الإيرانيين على رأسهم الرئيس خاتمي وسلفه رفسنجاني، ورئيس مجلس الشورى آنذاك مهدي كروبي، إضافة إلى حسن روحاني الذي كان يشغل حينها منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي.

إلا أن العلاقات السعودية الإيرانية عادت إلى التوتر مجدداً بعد صعود الرئيس المحافظ أحمدي نجاد إلى السلطة عام 2005، وهو المعروف بعدائه للولايات المتحدة، ودعمه برنامج إيران النووي الذي يشكل تهديداً مباشراً لأمن دول الخليج واستقرارها، واندلعت أثناء رئاسته اشتباكات بين القوات السعودية والحوثيين على الحدود السعودية اليمنية عام 2009، كما أُحبطت في عهده محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، التي اتهمت طهران بالوقوف وراءها وسط تنديدٍ أميركي ودولي واسع، في حين نفى نجاد العملية ووصفها بـ"الفبركة".

نقاط الخلاف

يرى الباحث في الشأن الإيراني، هاني سليمان، أن تداول السلطة بين النخب السياسية الإيرانية ومنصب رئيس الجمهورية ينعكس بشكل أو آخر على علاقة إيران بدول الخليج والجوار لكن مدى تأثير تداول السلطة هو نسبي وغير قاطع، إذ يختلف بحسب السياق الإقليمي، والعلاقة مع سلطات المرشد والحرس الثوري.

وتدهور العلاقة الإيرانية بالخليج، وفق الباحث، يعود إلى جمود خط الثورة الإسلامية والنظام الإيراني الحالي القائم على بعض الاعتبارات الأيديولوجية مع جيرانه، إضافة إلى ثوابت يصعب الانقلاب عليها مثل مبدأ تصدير الثورة، والصراع الأيديولوجي مع قوى المنطقة، والرغبة في استعادة الأمجاد الفارسية، وهي عوامل مؤثرة في العلاقة مع الخليج، إلى جوانب اعتبارات دينية مثل صراع المكانة ما بين قم والنجف على صعيد التيار الشيعي، وفي إطار أوسع، العلاقة بين السنة والشيعة، وهو الصراع الذي تريد أن تروج له إيران كصراع طائفي لا سياسي.

وعلى الرغم من أن وجود رئيس من المعتدلين أو الإصلاحيين يؤثر بشكل أو بآخر في فرص التقارب وتنحية الخلافات ولو بشكل تكتيكي مرحلي، فإن المحصلة النهائية هي وجود تعارض كبير في الرؤى والأهداف بين طهران والخليج. وبصرف النظر عن توجهات رئيس الجمهورية، فإن العوامل المذكورة سلفاً تسهم في تقليل فرص التفاهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما تُعقد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، اليوم الجمعة 18 يونيو (حزيران)، وسط توقعات بأن يكون الرئيس المقبل متشدداً وخاضعاً لسيطرة النظام، فإن تدهور علاقة طهران مع الخليج غير مستبعد، بخاصة أن المرشح الأوفر حظاً هو إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية الإيرانية، والرجل المعروف بخدماته للنظام في التصدي للمعارضين، ومن المتوقع أن يكون رئيسي "رهن إشارة النظام، وأداة طوعية في يد المرشد والحرس الثوري لتنفيذ أجندة معدة مسبقاً"، وفق رأي المتخصص في الشأن الإيراني.

هيمنة النزعة الطائفية

ويعتبر سليمان أن وجود رئيس من المتشددين يؤشّر إلى صعوبة الفترة المقبلة، فيما يتعلق بالنظام الإيراني الذي بات معنياً أكثر بالحفاظ على نفوذه الإقليمي بعد تهديد ميليشياته في العراق ولبنان، ومقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، فضلاً عن المفاوضات النووية، وصراع المكانة مع الخليج، وتسمية المرشد المقبل، وهذه كلها ملفات سيحتاج النظام إلى التعامل معها في ظل وجود رئيس تتوافق آراؤه مع النظام.

ويعترف الباحث في الشأن الإيراني بأن انتخاب رؤساء معتدلين أسهم سابقاً في التهدئة بين إيران والخليج، لكنه يعود ليقول إن الوضع لم يتغير بشكل جذري، بدلالة أن فترة روحاني شهدت صدامات في اليمن، ومهاجمة الأراضي السعودية بمئات الصواريخ والطائرات المسيرة من جماعة الحوثي المتّهمة بولائها لإيران، أي أنه حتى مع وجود رئيس معتدل، لم تستقر العلاقة مع السعودية. بالتالي، فمن المتوقع أن يفاقم انتخاب رئيس متشدد تدهور العلاقات مع الخليج.

أضاف، "هيمنة النزعة الطائفية على السياسة الخارجية الإيرانية، وتصدير الثورة واستخدام مفردات مثل المستضعفين والتمرد والعدالة والدولة الإسلامية وغيرها من المصطلحات التي تحاول إيران فرضها في دول الإقليم أحد أسباب الصدام بين طهران والخليج"، ناهيك بالخلافات الحدودية مثل نزاع الجزر الإماراتية الثلاث، ونظرة النظام لدول الخليج كمنافس، مروراً بالبرنامجين النووي والصاروخي، اللذين "تحاول طهران من خلالهما السيطرة على حركة الملاحة في مضيق هرمز والخليج، وهو ما يتعارض مع استقلال دول الخليج وسيادتها".

وعلى الرغم من وجود فرص دائماً للحل فإنها لا ترقى إلى حجم هذه الخلافات، إذ تظل الكرة في الملعب الإيراني، وفق رأي الباحث، ذلك لوجود إشكالات تتعلق بالتدخل في الشؤون الداخلية. ويشير إلى أن صعوبة حلحلة القضايا العالقة "نابعة من عدم وجود رغبة وإرادة حقيقية من الجانب الإيراني"، كون طهران تسعى إلى "السيطرة على المعابر، والاحتفاظ بالمكاسب المتحققة نتيجة الاستثمار في الميليشيات".

من جانبها، لا تقر إيران بأي تدخل في مناطق الصراع في المنطقة، فمثلا في سوريا تقول إن دعمها يقتصر على تقديم استشارات إلى حليفتها وكذلك الحال في العراق، إذ أكد قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، في وقت سابق أن بلاده ترفض أن تزجّ بنفسها في الخلافات بين الميليشيات العراقية وتسعى إلى تقريب وجهات النظر إن طُلب منها.

وكانت وزارة الخارجية الإيرانية أكّدت في مايو (أيار) الماضي، وجود محادثات مباشرة مع السعودية. وقال سعيد خطيب زاده، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إن "هدف المباحثات كان ثنائياً وإقليمياً بالطبع، رحبنا دائماً بمباحثات كهذه على أي مستوى، وفي أي شكل، وهذه ليست سياسة جديدة بالنسبة إلينا".

المزيد من تحلیل