Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان يتحسب باكرا لتفادي تكرار كارثة السيول والفيضانات

تشكيل لجان محلية وتوفير اللوازم اللوجستية استعداداً للحالات الطارئة

عجزت المضخات عن تصريف مياه الفيضانات التي ضربت السودان العام الماضي (اندبندنت عربية - حسن حامد)

"في كل عام يفاجئنا الخريف"، عبارة تهكمية ظل يرددها الرأي العام السوداني وتتداولها وسائل الإعلام مع كل بداية موسم أمطار، في إشارة إلى ضعف استشعار الأجهزة الرسمية المختصة وتأخر استجابتها بسبب عدم جاهزيتها، لكن يبدو أن هذا العام جاء مختلفاً بعض الشيء، إذ يحمل معه ثقل وجراحات كارثة سيول وفيضانات العام الماضي المدمرة والمحنة القاسية التي خلّفتها، ما شكّل منعطفاً ومحطة لاستقاء العبرة والدرس، والبدء باكراً في التحسب والتحوّط، استعداداً لما قد يحدث من سيول وفيضانات هذا العام، بخاصة أن تنبؤات ومؤشرات الإنذار المبكر في هيئة الأرصاد، تؤكد أن موسم الأمطار الذي بدأ بالفعل سيشهد معدلات أكثر غزارة في كمّياتها، وأوسع مظلة في الهطول من سابقه، فهل تكفي الاستعدادات المبكرة التي اتُّخذت في كل ولايات السودان، وكذلك على مستوى الأجهزة المركزية المختصة أم أن البلاد ستُلدَغ من ذات جُحر الكارثة مرة أخرى؟

إنذار مبكر وتوقعات بالخطورة

وفي ما يشبه الإنذار المبكر، شهدت قبل يومين ولايات القضارف وسنار وجنوب كردفان وغربها وشمالها، وأجزاء من ولايات الجزيرة، ووسط دارفور وشرقه، هطول أمطار غزيرة مصحوبة بنشاط للرياح السطحية والزوابع الرعدية، التي تسببت في جريان المياه عبر عدد من الأودية والمناطق المنخفضة.

وكشف المتحدث الرسمي باسم "الهيئة العامة للأرصاد الجوية السودانية" محمد سيف الدين لـ"اندبندنت عربية" عن أن "تنبؤات الأرصاد تشير وفق قراءات مؤكدة إلى توقع هطول أمطار غزيرة هذا الخريف، بمعدلات تفوق ما كانت عليه في العام الماضي، ولا يُستبعد أن تؤدي إلى حدوث سيول وفيضانات، ما يعني ضرورة التحسب والتأهب المبكر لمثل هذا الوضع، وبالقدر اللازم الذي يتطلبه التعامل معها، تفادياً لآثارها الكارثية، ومنعاً للأضرار المتوقعة على الأرواح والممتلكات". وأضاف أن "ارتفاع المعدلات مع بدايات فصل الخريف الحالي إلى أعلى من السابق، يشير إلى أن هذا العام سيكون في مجمله أعلى في غزارة الأمطار، مع تضافر التوقعات بزيادة الأمطار الداخلية وعلى الهضبة الإثيوبية أيضاً". واستشهد سيف الدين في تأكيد توقعات الأرصاد، بالأمطار الغزيرة واسعة النطاق التي شهدتها تسع ولايات سودانية خلال هذا الأسبوع، لافتاً إلى أنه "من المتوقع أيضاً أن تتعرض مناطق عدة في الولاية الشمالية وجنوب نهر النيل والبحر الأحمر لأمطار غزيرة هذا الخريف، وذلك على غير العادة أو المعهود في تلك المناطق".
 


خطة الاستعدادات المبكرة

في السياق، أجاز مجلس الوزراء الانتقالي في جلسته يوم الثلاثاء 8 يونيو (حزيران) الحالي، تقرير المجلس الأعلى للدفاع المدني حول الخريف الماضي، وخطته للاستعداد لفصل خريف هذا العام.

وكان المجلس استعرض وأجاز في دورة انعقاده رقم 41، خلال الأيام الماضية، محاور خطة الاستعداد، متضمنةً توظيف وتسخير كل الإمكانات للولايات بغرض الحد من الكوارث وتقليل الآثار الناجمة عنها.

وأكد المجلس حرصه على تنفيذ منهجية عمل تضمن المعالجة السريعة وتوفير الدعم الفني من آليات ومتطلبات الخريف، مستهدفاً بصفة أساسية الولايات الأكثر تضرراً.

وأوضح مدير الإدارة العامة للدفاع المدني، الأمين العام للمجلس الأعلى، اللواء شرطة أحمد عمر سعيد، بحسب وكالة الأنباء السودانية، أن "المجلس وبحضور وزراء الحكم الاتحادي، المالية والتخطيط الاقتصادي، الصحة وولاة الولايات، ومدير عام قوات الشرطة وممثلي الجهات المختصة، استمع إلى تقرير خريف العام الماضي وأخضعه لنقاش مستفيض".

وثمّن المجلس إطلاق "مشروع الإنذار المبكر للحد من الكوارث وإرفاقه بدور المنظمات الوطنية في كيفية إيجاد وتوفير الدعم عبر نشاطاتها في المركز والولايات، إلى جانب تعزيز الشراكات مع المجتمعات المحلية".

وقال مصدر في الإدارة العامة للدفاع المدني إنه "من المنتظر أن يشهد نظام معلومات الطوارئ هذا العام طفرةً نوعية، نتيجة توقّع دخول تقنيات حديثة للإنذار المبكر، واستحداث أجهزة متطورة في هذا المجال".

استعدادات الولايات

على صعيد ترتيبات الولايات، أفاد مصدر في حكومة ولاية سنار، الأكثر تضرراً من فيضانات وسيول العام الماضي، بأن "سلطات الولاية المحلية، أعادت توطين أهالي قرى عدة حول حرم النيل الأزرق والمناطق المتضررة، كما شيّدت ترساً (حاجزاً) ترابياً بطول حوالى 12 كيلومتراً وارتفاع متر ونصف المتر وعرض 10 أمتار لحماية المناطق الأخرى المجاورة للنيل كإجراء احترازي".
وفي الخرطوم، وقفت اللجنة العليا للحدّ من أضرار الفيضان والخريف في الولاية، على استعدادات "محلية أم درمان" لمجابهة خريف هذا العام، واستعرضت في اجتماعها هذا الأسبوع، برئاسة مدير عام وزارة البنى التحتية في الولاية يوسف حميدة، المعوقات والمشكلات التي تواجه عملها في التصدي لمخاطر الخريف، من وقود وآليات وتعلية التروس النيلية. واطمأنت اللجنة على إكمال النقص في الآليات بالتنسيق مع الهيئة العامة للطرق والجسور، فضلاً عن تأهيل بعض الآليات التي تعمل في مجال طوارئ الخريف وتخصيص محطة وقود للآليات المعنيّة بهذا العمل.
وأكدت السلطات المحلية شروعها في تنظيف وتطهير المصارف الرئيسة والفرعية لتصريف مياه الأمطار، مشددةً على أهمية التنسيق والتعاون بين وزارة البنى التحتية والمواصلات والهيئة العامة للطرق والجسور والإدارة المحلية لتحقيق الأهداف المنشودة.
من جانبه، أوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة في ولاية الخرطوم، عضو اللجنة العليا، الدكتور بشرى حامد، لـ"اندبندنت عربية"، أن "اللجنة وفي إطار استراتيجية لا مركزية الجهود، شكّلت لجاناً فرعية على مستوى المحليات، باعتبارها السلطة التنفيذية الأقرب للمواطن وإلى الأحداث".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وقال إن "اللجنة بدأت إجراءات تحوطية فعلية، أهمها إعادة توطين المتضررين بمناطق الهشاشة في أماكن آمنة، إلى جانب إجراء نظافة وتطهير مجاري تصريف المياه بنسبة بلغت حوالى 92 في المئة، وفتح المصارف الداخلية في الأحياء بنسبة 80 في المئة، فضلاً عن تجهيز وصيانة وتوفير مضخات شفط المياه، وإقامة التروس الترابية الواقية من السيول والفيضانات، وصيانة محطات تجميع مياه الخيران والأودية". واستدرك "لكن هذا الذي تم لا يعني أن كل المشكلات قد حُلّت، إذ لا تزال هناك تحديات ماثلة، أبرزها تداعيات الوضع الاقتصادي وظروف جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على الاستعدادات والأداء، بخاصة في ما يتعلق بشح وقود الغازولين الذي تعتمد عليه الآليات، وارتفاع الأسعار والتكلفة بصورة عامة". وحذّر أمين مجلس البيئة من "استمرار تراكم النفايات على المصارف والساحات، وما يمكن أن يسببه ذلك من تدهور بيئي كبير، حال هطول الأمطار، ما يستوجب التعامل معها بشكل فوري وعاجل".

الشمالية تعالج نقاط الضعف

وفي الولاية الشمالية، بدأت استعدادات مبكرة لمواجهة خريف هذا العام، ووقفت لجنة طوارئ الخريف في محلية دنقلا عاصمة الولاية، برئاسة المدير التنفيذي بالإنابة أمين دهب، على الحاجات والآليات المطلوبة، وأقرّت رفع تقرير مفصّل للجنة الولائية العليا. وحددت اللجنة مواقع ومناطق الهشاشة والجسور التي تحتاج إلى تدخل عاجل وعمل مبكر، وتوفير الحاجات والآليات المطلوبة لترميمها وصيانتها استعداداً لفصل الخريف وتداركاً لأخطاء ونقاط ضعف الفصول السابقة.
وأكدت اللجنة أهمية دور لجان الخدمات والتغيير في الأحياء والمناطق والقرى في مساندة الجهود الرسمية لتفادي وقوع  خسائر في الأرواح والممتلكات.
وفي ولاية نهر النيل، عقدت غرفة طوارئ الخريف اجتماعها الأول وأقرّت فيه خطتها وجرى توزيع المهمات والأدوار وتحديد الحاجات وحصر المناطق المتضررة سابقاً، تمهيداً لإجراء المعالجات اللازمة. وبحسب مصدر في الولاية، فإن الغرفة ستكون في حالة تأهب واستعداد تحسباً لأي تطورات.
 


تأمين الموقف الصحي

أما على صعيد الترتيبات الصحية، فوضعت إدارة الطوارئ ومكافحة الأوبئة في وزارة الصحة التابعة لولاية الخرطوم، خطة طوارئ لخريف هذا العام، تهدف إلى تعزيز آليات احتواء آثاره السلبية في الصحة العامة، وتكوين لجان طوارئ على مستوى الولاية والمحليات، إلى جانب تنشيط الشراكات مع الجهات ذات الصلة، وتفعيل آليات الرصد والمتابعة من خلال مراكز التبليغ القاعدية، إضافة إلى استمرار برنامج مكافحة الملاريا وصحة البيئة وسلامة الأغذية وتوفير مادة الكلور للآبار والعمل على تطبيق الاشتراطات الصحية.
وترمي الخطة إلى توفير التغطية بخدمات الطوارئ والإصابات بالمستشفيات الحكومية ومراكز العزل، إلى جانب توفير أدوية للحوادث الطارئة وإجراء مسوحات  لتحديث وتوفير الإمداد واللوازم اللوجستية، إضافة إلى رصد الأحداث لتحديد المناطق المتأثرة والأمراض المتعلقة بالخريف.
وأمّنت الخطة تفعيل القوانين الصحية المتعلقة بطوارئ الخريف ونشر وترسيخ مفاهيم الاستخدام الآمن والرشيد للأدوية والنباتات الطبية، ورفع الوعي الصحي بشأن جائحة كورونا والخريف، وتدريب الكوادر في مجال طوارئ الخريف من العاملين والمتطوعين من المجتمع المدني.
وفي ولاية النيل الأزرق، وجّه جمال عبد الهادي، الوالي المكلّف، رئيس المجلس الأعلى للدفاع المدني في الولاية، بالبدء فوراً بالاستعدادات لمواجهة فصل الخريف عبر تعلية السدود وفتح مصارف المياه في المواقع المستهدفة.
واطّلع الوالي المكلف، خلال لقائه مدير شرطة الدفاع المدني في الولاية، العقيد صديق محمد خليفة، على الاستعدادات لفصل الخريف والتدابير الهندسية اللازمة لمعالجة مناطق الهشاشة، وتنسيق الجهود مع كل الجهات ذات الصلة لتأمين الحاجات الخاصة بالدفاع المدني، لمجابهة خريف هذا العام، تفادياً للكوارث وتحقيقاً لسلامة المواطنين.
وكان السودان تعرّض العام السابق لكارثة مدمرة من السيول والفيضانات، أدت إلى إعلان مجلس الأمن والدفاع الوطني فرض حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر، واعتبار البلاد منطقة كوارث لدرء آثار السيول والفيضانات.
وتسببت الكارثة بخسائر بشرية أودت بحياة 120 شخصاً وإصابة 46 آخرين، إلى جانب أضرار مادية كبيرة، شملت أكثر من نصف مليون نسمة، وانهيار كلي لـ 40398 منزلاً وتضرر 118392 منزلاً جزئياً، إضافة إلى تدمير 250 مرفقاً و97751 فداناً في القطاع الزراعي ونفوق 5930 من الحيوانات الأليفة والدواجن.
وتصدرت ولاية سنار قائمة الخسائر في الأرواح والمنازل والحيوانات، تلتها ولايتا البحر الأحمر وشمال دارفور.

المزيد من العالم العربي